عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
مقدمة
بعد عقود من التحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة البريطانية، أصدر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قرارا بالتحقيق حول وجود جماعة «الإخوان» ونشاطها في بريطانيا على خلفية المخاوف من قيامها بأنشطة متطرفة، واستخدام لندن مركزا لعملياتها الدولية، القرار الذي يضع علاقة الإخوان بلندن على المحك، ولكن قبل قرار كاميرون بعدة أيام ، كانت مجلة الفورين بولسي قد نشرت تقريرا يحمل عنوان "لماذا تقدم لندن كل هذا الدعم للإخوان المسلمين...؟!"، والتي أشارت فيه أن لندن أصبحت مقر "إخوان أونلاين"، مؤكدة أن "الجماعة" صناعة إنجليزية.
ووصفت المجلة لندن بأنها “المكان الطبيعي لتنظيم الإخوان المسلمين خارج مصر،” مشيرة إلى أن عاصمة الضباب هي بالفعل المقر الرئيسي لموقع “إخوان اون لاين” الذي ينطلق بعدة لغات بهدف تقديم الجماعة كفصيل معتدل يحترم الغرب ويسعى لصداقته,وأيضا فيها يقيم إبراهيم منير، المتحدث الرسمي باسم إخوان أوروبا ، وذلك في تحقيق أجرته من داخل المقر البريطاني الجديد للجماعة.
وطرحت فورين بوليسي، في تقريرها سؤال دون إجابة هو: لماذا تقدم لندن كل هذا الدعم للإخوان المسلمين؟ .
وحسب دراسات موثقة في هذا السياق، فإن نشأة الجماعة نفسها عام 1928 بمدينة الإسماعيلية المصرية تمت برعاية الاستخبارات الانجليزية التي قدمت شيكاً بمبلغ 500 جنيه مصري للشيخ حسن البنا الزعيم المؤسس للجماعة عبر شركة قناة السويس.
وتمثل الهدف الاستراتيجي من وراء ذلك في رغبة سلطات الاحتلال الانجليزي خلق فصيل شعبي مناوئ لحزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية طاغية آنذاك ويفسد تحركات الاحتلال لبسط نفوذه على المشهد السياسي المصري، فضلاً عن رغبة الانجليز في إيجاد ورقة ضغط جديدة على ملك البلاد.
تلك العلاقة القديمة قِدَمَ عُمرِ جماعة الإخوان، والتي تشبه علاقة الجنين بأمه، فمنذ الولادة الأولى للجماعة على يد البنا، بالتمويل الذي خصصته هيئة قناة السويس التي كانت تديرها الحكومة البريطانية آنذاك، ومنذ ذلك الحين حتى الآن والجماعة تعد الابن الغير شرعي للعلاقة بين حسن البنا والحكومة البريطانية، ولترتبط الجماعة ببريطانيا بحبل سري لم ينقطع إلا بعد قرار كاميرون في مارس الماضي.
في هذا الملف نقدم التحالف البريطاني مع جماعة الإخوان، على مدار عقود، امتدت بامتداد تاريخ الجماعة، منذ النشأة حتى بعد ثورة 30 يونيو، ففي الثلاثينيات قدمت الحكومة البريطانية دعما لوجيستياً ومالياً للجماعة، كما قامت بريطانيا بعقد اتفاقات سرية مع الإخوان المسلمين والحكومة المصرية آنذاك للتخلص من سعد زغلول وحكومة الوفد، لتأتي ثورة يوليو مطلع الخمسينيات، بما لا تشتهيه الإخوان وبريطانيا مع حكومة ناصر، ومع المحنة الثانية للإخوان في 1954، كانت بريطانيا بشكل خاص، وأوروبا بشكل عام أرضا لهروب الإخوان.
الأمر الذي تجدد في نهاية السبعينيات لنجد تنوعا ملحوظا ليس فقط للإخوان، وإنما لكل الجماعات الجهادية على كافة تنوعاتها، الأمر نفسه الذي تكرر مطلع الثمانينيات بعد مقتل السادات، ووصول مبارك لسدة الحكم وما تبعها من اعتقالات ضد التيار المتشدد، والذي ظهر مرة أخرى على السطح في مطلع التسعينيات، لتفتح لندن أراضيها بقوة لكل التيارات الجهادية والإسلامية بدعوى "حق اللجوء السياسي".
الإخوان وبريطانيا من 1936 حتى 1957 وعشرون عاما من التعاون
في هذا التقرير عرض لأخطر الكتب التي نشرت في عام 2010، والذي يحمل عنوان " Secret Affairs: Britain’s Collusion with Radical Islam  "، أي "التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي"، والذي وثق فيه مؤلفه مارك كيرتس الباحث في المعهد الملكي للشئون الدولية وغيره من المعاهد والمراكز البحثية- تفاصيل التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بريطانيا في الفترة ما بين 1936 حتى عام 1957، استغرقت الدراسة أربع سنوات كاملة اطلع الباحث خلالها على آلاف الوثائق والملفات السرية، خصوصا التي أُفرج عنها حديثاً.
تكشف الدراسة كيف قامت بريطانيا بعقد اتفاقات سرية مع الإخوان المسلمين ومع كثير من الجماعات الراديكالية حول العالم، وقد أورد مؤلف الكتاب وثائق تشير صراحة إلى أن الاحتلال البريطاني لمصر بدأ يمول بشكل مستمر نشاط الإخوان المسلمين في مصر منذ عام 1942.
يقول مؤلف الكتاب: إن بريطانيا تبنت استراتيجية "القتل بالإحسان"، وهذه الاستراتيجية تقوم على زيادة تمويل الجماعات الإسلامية المتشددة، والتغلغل في صفوفها ومحاولة زرع بذور الخلاف بين زعمائها؛ فهي مثلاً تبنت زعامة أحمد السكري وكيل جماعة الإخوان المسلمين في مصر ضد زميله حسن البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي يُنظر إليه بالمتشدد الأكبر.
الدراسة تؤكد بالوثائق كيف استغلت بريطانيا جماعة الإخوان في تحقيق مصالحها الإقليمية، على الرغم من أنها لم تعتبر الإخوان حليفاً استراتيجيًّا؛ لأنها لا تثق بهم، علموا بذلك أم لا، فبريطانيا اعتبرت الإخوان حليفاً تكتيكيًّا للضغط على النظام الناصري خلال المفاوضات بشأن وضع القاعدة العسكرية البريطانية في مصر، وكحليف لأي محاولة محتملة لاغتيال الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وكذلك استعملت بريطانيا الإخوان كحليف لإسقاط النظام في سورية في خمسينيات القرن الماضي، وكما نعرف فقد فشلت المحاولتان.
يبدأ كيرتس توثيق العلاقة بداية من الحرب العالمية الثانية، يقول كيرتس: شهدت جماعة الإخوان المسلمين نموا ملحوظا بقيادة حسن البنا، والذي يسعى لتأسيس مجتمع إسلامي ليس في مصر فقط، ولكن في كل أقطار الدول العربية؛ ولذلك أنشأ العديد من الفروع لجماعته، في كل من السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال إفريقيا، وذلك بهدف إقامة دولة إسلامية تحت شعار "القرآن دستورنا"، التزم الإخوان بالتقيد الصارم لتعاليم الإسلام، وقدمت نفسها للمجتمعات الأوروبية على أنها بديلا للحركات الدينية وحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط، وذلك لجذب انتباه كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وهما القوتان الموجودتان على الساحة في تلك الفترة.
وكانت بريطانيا تعتبر مصر بمثابة محورا مهما لها في الشرق الأوسط، وذلك منذ إعلان الحماية البريطانية على مصر في بداية الحرب العالمية الأولى، لتهيمن الشركات البريطانية في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، على الاستثمار الأجنبي والحياة التجارية في مصر، في حين كانت أكبر قاعدة عسكرية للقوات البريطانية موجودة في قناة السويس، زادت التحديات للوجود البريطاني في مصر بتزايد الحركات القومية والدينية، في حين كان الملك فاروق حليفا للندن، الذي تولى العرش في عام 1936.
في عام 1936 دعا الإخوان المسلمين للجهاد ضد اليهود في فلسطين، وأرسلوا متطوعين هناك بعد مطالبة المفتي بالجهاد هناك، اعتبرت جماعةُ الإخوان بريطانيا دولةً ظالمةً، ودعت لمقاومة الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، والذي تنامى خاصة بعد تمرد فلسطين خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، في بداية الأمر انتهجت بريطانيا استراتيجية قمعية ضد الإخوان، خاصة بعد تحالفها مع القوى السياسية الأخرى، ولكن في الأربعينيات ومع مهادنة حكومة فاروق لحسن البنا، بدأت بريطانيا في تمويل جماعة الإخوان منذ عام 1940، حيث رأى فاروق أنه من المفيد التحالف مع قوى سياسية أخرى، ضد الأحزاب السياسية العلمانية والتي كان يمثلها حزب الوفد، ويشير تقرير للمخابرات البريطانية عام 1942، حيث قرر القصر الملكي أن جماعة الإخوان جماعة مفيدة لهم، ومن هنا بدأت رعاية القصر الملكي لهم، وحتى يومنا هذا تم رعاية العديد من المجتمعات الإسلامية في مصر من قبل الحكومة البريطانية، لمعارضة خصوم له أو لتعزيز مصالحهم.

التعاون البريطاني الإخواني:

جاء أول اتصال مباشر بين المسئولين البريطانيين والإخوان في عام 1941، في الوقت الذي اعتبرت فيه الاستخبارات البريطانية أن الجماعة تعد خططا تخريبية ضد المصالح البريطانية، كما اعتبر التقرير الجماعة "الخطر الأكثر خطورة على الأمن العام في مصر"، كان ذلك العام الذي تم فيه اعتقال البنا وإيداعه السجن من قِبَل السلطات المصرية، ولكن ما إن تم الإفراج عنه في وقت لاحق من نفس العام، حتى اتصلت به السلطات البريطانية، التي وضعت بعض الاعتبارات في حسبانها شكل التعاون بين الإخوان والحكومة البريطانية، هناك نظريات كثيرة حول قبول البنا أو رفضه للدعم البريطاني، ولكن بالنظر إلى الهدوء النسبي للإخوان لبعض الوقت هذه الفترة، فإن المؤشرات تشير لقبول البنا العرض البريطاني.
بدأ التمويل البريطاني لجماعة الإخوان في عام 1942، حيث كانت البداية في يوم 18 مايو، حيث عقد مسئولون في السفارة البريطانية اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا، لمناقشة  العلاقات مع الإخوان المسلمين وتم الاتفاق على عدد من النقاط، أولها سحب دعم الحكومة المصرية لحزب الوفد وتحويل هذا الدعم إلى جماعة الإخوان المسلمين، على أن تدفعه الحكومة المصرية، على أن تطلب الأخيرة مساعدات مالية من السفارة البريطانية، هذا إلى جانب تقديم الحكومة المصرية عملاء من داخل الجماعة لمراقبة أنشطة الجماعة عن كثب، وتقديم المعلومات أولا بأول إلى السفارة البريطانية.
كما اتفق الجانبان على أن تحاول الحكومة المصرية إحداث انقسامات داخل الجماعة، من خلال استغلال أي خلافات قد تحدث بين زعيمي الحركة حسن البنا وأحمد السكري، على أن تسلم الحكومة البريطانية لائحة إلى الحكومة المصرية تضم أسماء أعضاء جماعة الإخوان الخطرين، على ألا تقوم السلطات المصرية بأي إجراءات عدوانية ضد الجماعة، إلا بعد تشاورات مع بريطانيا.
كما اتفق الجانبان على السماح لحسن البنا مؤسس الجماعة بنشر مقالات في الصحف تدور حول إرساء مبادئ الديمقراطية، الأمر الذي سيؤدي بدوره دورا جيدا لتفكيك الجماعة، والاجتماع ناقش أيضا كيفية دعم الإخوان في تشكيل فرق تخريبية تجسس على النازيين، الجماعة تم وصفها خلال الاجتماع بأنها جماعة دينية ظلامية، يمكن استغلالها في إخراج فرق انتحارية وقت الاضطرابات، الطرفان كانا مدركين بأن الإخوان معادون لأوروبا وإنجلترا بسبب مواقف الأخيرة في مصر، ولكن توقعت إنجلترا أن يكون للجماعة شأن ونفوذ سياسي فيما بعد.
بحلول عام 1944، وصفت لجنة الاستخبارات السياسية في بريطانيا جماعة الإخوان باعتبارها خطرا قائما لمصالحها، ولكن في ظل ضعف قيادة البنا، الشخصية البارزة الوحيدة، قد يعجل ذلك بانهيارها بسهولة، التعاون كان مرفوضا من بعض خبراء الاستخبارات البريطانية، في زرع الإخوان كان له أبلغ الأثر في مواجهة بريطانيا للمعادين لوجودها داخل مصر.
وهكذا، وبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كان لدى بريطانيا خبرة كبيرة بالتعامل مع قوات الإخوان المسلمين والتي ساعدتهم في تحقيق أهداف معينة، بينما أدرك المسئولون أيضا أن هذه القوات نفسها تعارض سياسة الإمبراطورية البريطانية والأهداف الاستراتيجية لها عموما، هذا التعاون المؤقت كان لتحقيق أهداف محددة في حال افتقار بريطانيا لحلفاء آخرين أو القوة الكافية لفرض أولوياتها.
مكنت هذه السياسة النفعية بريطانيا من تعميق دورها بشكل كبير في عالم ما بعد الحرب، كما ازدادت الحاجة إلى المتعاونين في بيئة عالمية أكثر صعوبة بكثير، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الإخوان من القوى السياسية المؤثرة على الأحداث في مصر، إلى جانب حزب الوفد، ومن جانبه واصل الملك فاروق الاستفادة من الإخوان، حيث ظل الإخوان يمدون الحكومة بمعلومات عن الشيوعيين الموجودين في النقابات والجامعات، في أجواء اتسمت بالتصعيد ضد الوجود البريطاني، وزيادة تيار العنف الإخواني عام 1954.
بدأت المواجهات بين الإخوان والإنجليز بعد فترة وجيزة، مع إصرار الإخوان- بطرد الإنجليز من البلاد؛ لإقامة الدولة الإسلامية، وبدأ هجوم الإخوان بالقنابل ضد القوات البريطانية، وفي الفترة ما بين 1945 إلى 1948 نفذ الإخوان عمليات اغتيال ضد مجموعة من الشخصيات السياسية، فتم اغتيال رئيس البوليس السري وعدة وزراء، وفي ديسمبر 1948 استطاعت السلطات المصرية اكتشاف مخابئ أسلحة تابعة للإخوان كانت جاهزة لقلب نظام الحكم، الأمر الذي جعل بريطانيا تطلب من الحكومة المصرية تضييق الخناق على أنشطة الجماعة المعادية لها، فأصدرت الحكومة المصرية قرارا بحل جماعة الإخوان في ديسمبر 1948، ولكن بعد قرار الحل بثلاثة أسابيع، تم اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، على يد أحد أعضاء الجهاز السري للجماعة، وهو نفس الجهاز الذي نفذ هجمات بالقنابل ضد البريطانيين في منطقة القناة.
بحلول يناير 1949، طلبت السفارة البريطانية في القاهرة من القصر باستخدام كافة الطرق لسحق الإخوان، وبالفعل تم اعتقال أكثر من 100 عضو من الجماعة، ليعقبها في فبراير من نفس العام اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا، وتم ترويج أن أفراد من البوليس السري هم وراء حادث مقتله، بأوامر مباشرة من القصر، ولكن وفقا لتقرير الاستخبارات البريطانية، والذي أكد أن التخلص من البنا جاء بأوامر من القصر وأنه على الحكومة التخلص من نشاط البنا، والذي تسبب لاحقا بمتاعب للحكومة المصرية على أيدي أتباعه، والذين اعتبروه شهيدا مات من أجل قضية الإسلام، وبعد مقتل البنا بثلاثة أيام التقى السفير البريطاني، رونالد كامبل، بالملك فاروق والذي ألقى مسئولية مقتل البنا على أتباع الأخير من أعضاء الجهاز السري، أو على يد السعديين (أنصار سعد زغلول).
في أكتوبر 1951، انتخبت الإخوان حسن الهضيبي مرشدا جديدا للجماعة خلفا للبنا، وهو شخصية لا ترتبط علنا مع الإرهاب، والمعروف معارضته للعنف، لم يكن الهضيب قادرا على إحكام سيطرته على المجموعات المتنافسة من داخل الجماعة، تظهر ملفات الاستخبارات البريطانية محاولة مسئوليها ترتيب لقاء مباشر بالهضيبي في ديسمبر 1951، وعقدت عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه، يدعي فرخاني بك، وهو لم يكن عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من أجل محاولة إبقاء الإخوان بعيدا عن المشهد السياسي ووقف أي أعمال عنف تنفذ ضد المنشآت الحيوية أو الجيش الإنجليزي.

عبد الناصر عدو الإخوان والإنجليز:

بعد ثورة يوليو عام 1952، نجح الإنجليز في مقابلة الهضيبي في أوائل 1953، لمعرفة موقفه من مفاوضات الجلاء بين بريطانيا والحكومة المصرية، كان اتفاق العشرين عاما والذي تم توقيعه عام 1936، أوشك على الانتهاء، ولا زالت بعض الملفات البريطانية تخضع للرقابة، لم يكن معروفا على وجه الدقة ما حدث في هذه الاجتماعات، ولكن ريتشارد ميتشل، المحلل الإنجليزي لجماعة الإخوان المسلمين وثق ما حدث من مختلف الأطراف الحكومة البريطانية، والمصرية والإخوان.
كان عبد الناصر عدوا للإنجليز، ولهذا وبدلا من الدخول في حرب مباشرة معه، استخدم الإنجليز الإخوان في معرفة شئون الأمة وشق توجه الرأي العام المناصر لثورة يوليو، الأمر الذي أكده ميتشيل الذي توصل في تقريره أن دخول الإخوان في مفاوضات الجلاء كان بناء على طلب بريطانيا، الأمر الذي لم يكن مقبولا من الجانب المصري، طلب بريطانيا جاء بناء على سعيها معرفة موقف الإخوان من المفاوضات، والذي سيكون مؤثرا في الرأي العام؛ ولهذا تم الاجتماع بحسن الهضيبي، واتفق الطرفان بإصرار الإخوان بتواجدهم في المشهد السياسي، وتكريس الفكرة في الرأي العام في محاولة لإضعاف حكومة ناصر، الاجتماع الذي استنكره عبد الناصر ووصف الاجتماع بأن المفاوضات السرية بين الإخوان وبريطانيا طعنة في ظهر الثورة، من المعلومات المحدودة المتاحة، الاستراتيجية البريطانية يبدو أن الفجوة التقليدية والقاعدة، تهدف الى كسب "النفوذ" على النظام الجديد في السعي لتحقيق مصالحها الخاصة.
اعتمدت استراتيجية إنجلترا على أن زراعة جماعة الإخوان سيزيد من التوترات، بين ناصر والإخوان وتعزيز موقف الأخيرة، وتشير المذكرات البريطانية الداخلية أن المسئولين البريطانيين أكدوا لناصر في اجتماعاتهم عن لقاءاتهم مع الهضيبي وبعض من أعضاء جماعة الإخوان، مؤكدين لناصر أن لقاءاتهم مع الهضيبي طبيعية وليس هدفها القيام بأي شيء مخادع.
عرف المسئولون البريطانيون أن جماعة الإخوان المسلمين والمنتمين إليها يريدون إدخال ما يسمى بالدستور الإسلامي، احتوت إحدى التقارير عن فحوى لقاء بين مستشارة السفارة البريطانية في القاهرة تريفور إيفانز والإخوان في 7 فبراير 1953، والذي قال فيه أحد أعضاء الإخوان للبريطانيين بالنص: "إذا بحثت مصر في جميع أنحاء العالم لصديق لن تجد سوى بريطانيا"، التعليق الذي فسره الإخوان فسرته السفارة البريطانية بأن هناك وجود مجموعة من قادة الإخوان على أتم استعداد للتعاون مع بريطانيا، وأشارت المذكرة المكتوبة بخط اليد على هذا الجزء من مذكرة السفارة على ما يلي: أن الإخوان لديها مبرر مثير للدهشة، كما فسرت التعليق باحتمالية تزايد نفوذ وتأثير الطبقة الوسطى في جماعة الإخوان، مقارنة بتأثير قيادات الجماعة التي ضعفت عقب مقتل حسن البنا.
كان هناك رغبة واضحة من البريطانيين والإخوان للتعاون مع بعضهما البعض، والتي أصبحت أكثر أهمية في أواخر عام 1953، وهو الوقت الذي اتهم فيع عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين بمقاومة إصلاحات الأراضي ومحاولة تخريب الجيش من خلال "الجهاز السري" للجماعة، في مطلع 1954 اشتبك أنصار الحكومة والإخوان في جامعة القاهرة؛ وتم إصابة عشرات الأشخاص، كما تم إحراق سيارة جيب عسكرية، الأمر الذي جعل ناصر يصدر قراره بحل جماعة الإخوان، من بين قائمة طويلة من الاتهامات ضدهم تضمنها مرسوم الحل، من بينها اجتماعات الجماعة مع البريطانيين، الاجتماعات التي استمرت حتى وصلت لتكون إلى "معاهدة سرية".
في الوقت الذي سعى فيه الإخوان للترويج لانتفاضة شعبية، حاول جناحها العسكري لاغتيال عبد ناصر فيما عرف بـ"حادثة المنشية"، والتي وقعت في الإسكندرية، بعدها تم إلقاء القبض على مئات من أعضاء الجماعة، في حين هرب بعضهم خارج البلاد، وفي اليوم التالي لحادث الاغتيال، بعث رئيس الوزراء ونستون تشرشل رسالة شخصية لعبد الناصر قائلا: "أهنئكم على هروبك من الهجوم الغادر، الذي استهدف حياتك في الاسكندرية مساء أمس"، ومع ذلك، فإن البريطانيين تآمروا مرة أخرى مع الإخوان لتحقيق نفس الهدف باغتيال ناصر.

قررت بريطانيا التخلص من جمال عبد الناصر بعد ثلاث سنوات من الثورة، خاصة في أعقاب تقرير رالف ستيفنسون سفير بريطانيا في القاهرة آنذاك قال فيه: "إن الحكومة تعمل من أجل مصالح الشعب في محاولة منها لعمل إصلاحات داخلية يستفيد منها الفقراء، ووصف رالف حكومة الثورة آنذاك بأنها أفضل من أي حكومة مرت بها مصر منذ عام 1922؛ لأنها تحاول أن تفعل شيئا للشعب بدلا من مجرد الحديث"، وأنهى ستيفنسون تقريره إلى هارولد ماكميلان، وزير الخارجية في حكومة أنتوني إيدن، "أن حكومة ناصر تستحق كل المساعدة الممكنة، التي يمكن أن تقدمها لها بريطانيا العظمى بشكل صحيح"، بعد تسعة أشهر من كتابة هذه المذكرة، قررت البريطانية اغتيال ناصر والتخلص منه نهائيا.
في عامي 1955 و1956 ساند عبد الناصر العديد من الحركات التحررية ضد الاستعمار، خاصة في البلاد العربية، الأمر الذي كان بمثابة إعلان ناصر للعداء لبريطانيا وفرنسا والدول الكبرى في ذلك الوقت، وفي وقت نفسه كان المسؤولون البريطانيون برصد دقيق لأنشطة جماعة الإخوان المناهضة للنظام، والتي أدركت أن الجماعة أصبحت تشكل تحديا خطيرا لعبد الناصر، فقام الملك حسين بإعطاء قادة الإخوان جوازات سفر دبلوماسية لتسهيل تحركاتهم لتنظيم عبد الناصر، في حين قدمت المملكة العربية السعودية التمويل والدعم اللازمين للإخوان، جاء ذلك وفقا لتقرير روبرت باير ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق.
قبل العدوان الثلاثي على مصر، توقع تقرير للمسئولين البريطانيين أن جماعة الإخوان المسلمين ستكون المستفيد الأول لتشكيل حكومة والإمساك بمقاليد السلطة في حال شن حرب على مصر واعتقال جمال عبد الناصر؛ السيناريو الذي أكده مسئولون بريطانيون من إمكانية حدوثه، وإن كانوا يخشون أن سيطرة الإخوان ستنتج نموذجا أكثر تطرفا من حكومة ناصر نفسها، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الاتفاق معهم.
وبعد بضعة أشهر من هزيمة بريطانيا، وبالتحديد في أوائل عام 1957، أوصى تريفر إيفانز، المسئول الذي قاد الاتصالات البريطانية مع الإخوان في عدة تقارير كتبها قبل أربع سنوات- بأن "اختفاء نظام عبد الناصر، ينبغي أن يكون هدفنا الرئيسي"، وأشار مسئولون آخرون إلى أن جماعة الإخوان ظلت نشطة ضد ناصر داخل وخارج مصر، خاصة في الأردن، وأشارت التقارير إلى ضرورة استخدام الجناح العسكري للإخوان في الفترة المقبلة.

الإخوان من التسعينيات حتى ثورة يناير 2011
في دراسة قام بها كل من مارتين فريمبتون وشيراز ماهر، حملت عنوان "بين المشاركة وقيم بريطانيا- علاقة الإخوان المسلمين بالحكومة البريطانية من سبتمبر حتى ثورات الربيع العربي"، أشارت الدراسة أن العلاقة بين بريطانيا والإخوان اتخذت العديد من المنحنيات المهمة، والتي كان من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتفجيرات لندن عام 2005، وأخيرا ثورات الربيع العربي في 2011، لتمثل تلك المراحل محاور رئيسية شكلت طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان ولندن.
في أعقاب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير 2011، كان ديفيد كاميرون أول مسئول بريطاني يزور مصر، في وعود منه للمصريين بمد يد بلاده لمساعدة مصر لإنشاء دولة ديمقراطية، في تلك الأثناء رفض كاميرون إجراء أي لقاء مع الإخوان المسلمين، الرفض الذي جعل عصام العريان عضو مكتب الإرشاد يشن هجوما حادا على كاميرون، وبحلول إبريل 2011 ، أفادت التقارير أن وفدًا من الخارجية البريطانية بقيادة ماري لويز آرتشر القنصل العام بالقاهرة، زار المكتب الإداري للجماعة في الإسكندرية، والذي أعلنه موقع الجماعة باللغة الإنجليزية "إخوان أون لاين"، ولكن لفهم الأحداث التي تلت ثورة يناير في مصر، علينا أن نفهم منظور العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين منذ تفجيرات سبتمبر 2001 حتى يناير 2011.
يعد التحالف البريطاني مع الجماعات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، أحد أركان السياسة البريطانية الطويلة الأمد التي انتهجتها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لخلق أجيال جديدة من الإسلاميين واتخاذهم كحلفاء محتملين لبقائها، كجزء من جهد الدولة للحفاظ على النفوذ الإمبراطوري، أو كوسيلة لتوفير بديل لتحديات أكثر خطورة، تظهر في الساحة السياسية وتعارض مصالحها، مثل تلك الناصرية والشيوعية.

كمال الهلباوي ومرحلة التسعينيات:

في مقابلة صحفية أجراها الدكتور كمال الهلباوي (أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان في لندن في فترة التسعينيات) مع صحيفة الشرق الأوسط، أكد الهلباوي أن التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان تعد سمة ثابتة من سياسة بريطانيا، وقال الهلباوي إنه خلال منتصف 1990، عندما شن حسني مبارك حملة على الجماعات الإسلامية المصرية، فإن الحكومة البريطانية التي وفرت اللجوء السياسي لأغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، عرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذي كشفت عنه سلسلة الوثائق التي كشفها الصحفي مارتن برايت المحرر السياسي بجريدة الجارديان عام 2005، والتي أكدت بأن المسئولين في المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقد الماضي.
كشفت الوثائق أيضًا أنه قبل عام 2002 كانت وزارة الخارجية تحتفظ بالتواصل على مستوى العمل مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض أعضاء البرلمان، هذه الاتصالات التي كشفتها السلطات المصرية وأبدت استياءها بشكل واضح للمسئولين البريطانيين، مما دفع وزارة الخارجية إلى تخفيض مشاركتها مع الإخوان لتكون اتصالات عرضية فقط، على أن يكون هناك اتصال دائم بعدد محدد جدًّا من الأعضاء، بما في ذلك واحد أو اثنين من الاتصالات مع البرلمانيين واللقاءات العشوائية، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية من خلال المراسلات الداخلية لها، والذي تم طرحه بموجب قانون حرية تداول المعلومات، والذي كشف أنه على الرغم من الاتصالات إلا أنه تم تقليصها، ولكن هذه المحدودية لم تمنع المسئولين البريطانيين من عقد اجتماع مع مرشد الجماعة آنذاك مأمون الهضيبي، وعدد مع بعض الأعضاء البارزين بالجماعة، منهم عصام العريان، وبحضور كمال الهلباوي وزير خارجية الإخوان في لندن.

تفجيرات لندن بداية التمويل الرسمي لجماعة الإخوان:

1.تفجيرات لندن
استطاعت جماعة الإخوان المسلمين تلقي أموال طائلة من الحكومة البريطانية بحجة نشر الإسلام الوَسَطِي في المجتمع الإنجليزي، وكانت تعمل من خلال الجمعيات الخيرية التي يرأسها وتتبع جماعة الإخوان بشكل مباشر في لندن، الأمر الذي كانت تعلمه المخابرات البريطانية بمكتبيها الخامس والسادس، والتي أوصت بضرورة تمويل الإخوان لردع الإسلام الراديكالي المتطرف في المجتمع الإنجليزي، وفي نفس الوقت تكون الذراع لابتزاز الحكومة المصرية.
البداية كانت في 2004، أي قبل عام من تفجيرات 7 يوليو 2005، والمعروفة بتفجيرات لندن 7/7، تعاونت وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث مع مجموعة العالم الإسلامي ( EIWG )، تهدف إلى خلق بيئة متوائمة مع الدول الإسلامية ومحاولة فهمها، المهمة التي بدأتها بريطانيا على عاتقها بعد تفجيرات 11 سبتمبر، الفترة التي تم وصفها في وقت لاحق بـ"الحرب على الإرهاب"، وتعهدت EIWG بزيادة فهم الإسلام والمشاركة مع الدول والمجتمعات الإسلامية، والتقريب بين الجانبين لمواجهة الأسس الأيديولوجية الإرهابية، من أجل منع التطرف وحدوث وقوع هجمات محتملة، أيضا كان من إحدى مهامها تسهيل المشاركة البناءة مع مجموعة واسعة من مجموعات الرأي، استغرق ظهور مجموعة العالم الإسلامي EIWG فترة، ولكنها كانت معدة على أن تكون الجزء المركزي من مبادرة وزارة الخارجية البريطانية، والتي أطلق عليها مبادرة "المنع".
وتشكل خطة "المنع" واحدة من أربعة أركان أساسية من استراتيجية أوسع نطاقا تسمى "التسابق"، والتي هدفها مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، نشرت لأول مرة في عام 2006، أما الثلاثة الأخرى فهي "المتابعة" "الحماية" و"الإعداد"، في محاولة من جانب بريطانيا لنشر "القوة الناعمة"، لمكافحة التهديدات العنيفة للمتطرفين، ومواجهة أي عملية إرهابية مستقبلية، ولهذا كان الهم الأول للبريطانيين إشراك المجتمعات الإسلامية والمجموعات والأفراد داخل المجتمع البريطاني في الداخل والخارج، لا أن يكونوا بمعزل عن المجتمع الإنجليزي، وضمن هذا السياق طرحت خطة "المنع" إمكانية مشاركة الإسلاميين داخل الحكومة.
تطورت ملامح خطة المنع في أعقاب تفجيرات يوليو عام 2005، حيث تحولت الحكومة لتتحدث نيابة عن المسلمين البريطانيين، ووفقا لتقرير الشرطة البريطانية التي عملت في سبع مجموعات ميدانية للتحقيق في مدى التطرف بداخل المجتمعات البريطانية المسلمة، وقد تم تقديمه في وقت لاحق لرئيس الوزراء توني بلير آنذاك، التقرير أشار أن منفذي التفجيرات معظمهم أفراد من المجلس الإسلامي في بريطانيا، وهي نفس المجموعة، التي تتبنى أفكارا متطرفة بسبب صلات أفراده بالجماعة الإسلامية الموجودة بجنوب آسيا، والتي كان الإخوان المسلمون أحد المشاركين في مجموعات عمل معها.
حرس رفيق، واحد ممن استقالوا من المجلس احتجاجا على أعمال العنف، وأحد المحتجين ومنتقدي الحكومة البريطانية في تعاملها مع الإسلاميين على أساس "حتمية الأمن"، على الرغم من أنه كان أول من وضع إطار عمل خطة "المنع" في البداية، لكن في عام 2006 كشفت الشرطة مؤامرة طموحة من قبل مجموعة من المسلمين البريطانيين لتفجير قنابل في وقت واحد، على بعض طائرات الأطلسي التي كانت في طريقها من لندن إلى الولايات المتحدة، كان حجم المؤامرة كبيرا وضخما لم يسبق له مثيل، العملية من قوتها كانت ستغطي على أحداث 11/9، الأمر الذي ألقى فيه أعضاء من الحكومة السابقة اللوم على الخارجية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لفشلهما في حربهما على الإرهاب وتكريس دوافع كراهية ضدهما لدى شعوب العالم الإسلامي؛ لذلك سعت الحكومة إلى إعادة توازن علاقاتها مع جماعات مثل المجلس الإسلامي البريطاني من خلال تمكين منظمات بديلة على المستوى الشعبي، وتمويل بعض جماعات الإسلام الحديث في مواجهة الإسلام الراديكالي، وكان الإخوان المسلمون هم أفضل من يمثلوا هذا النوع من الإسلاميين، والتي تعمل في عدد من الجمعيات مثل جمعية مسلمي بريطانيا ( MAB ) وفروعها، والتي أسسها كمال الهلباوي في النصف الثاني من التسعينيات، وبالتحديد في عام 1997، ومبادرة مسلمي البريطانية (BMI)، ومؤسسة قرطبة، وكافة هذه المؤسسات مراكز للإخوان المسلمين في نهاية الأمر.

2. ملايين البريطانيين لدعم الإخوان:

استطاع الإخوان المسلمين من تعزيز وضعهم من خلال جمعية مسلمي بريطانيا والتي كان أعضاؤها في ذلك الوقت (عزام التميمي)، والمعروف دوليا بالمبعوث الخاص من جانب حركة حماس، وأيضا كان أحد أعضاء الدفاع عن المجموعة، ومحمد صوالحة القيادي في حركة حماس بالضفة الغربية حتى منتصف 1990، بعد أن لعب دورا محوريا في MAB، والذي أسس في وقت لاحق مبادرة مسلمي البريطانية (BMI) عام 2006، وأخيرا أنس التكريتي والمعني بشكل وثيق بالمبادرة وهو الرئيس السابق لجمعية مسلمي بريطانيا، والمؤسس الظاهري لمؤسسة قرطبة في 2005، والتي تهدف لتشجيع الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي.
للأسف ليس من الواضح طبيعة العلاقة الدقيقة بين المؤسسات الثلاث، ولكن وفقا لمبادرات تعديل خطة المنع، فإن هذه المنظمات استفادت من التمويل الرسمي للحكومة البريطانية، حيث تم تخصيص 34 ألف جنيه استرليني لمؤسسة قرطبة عام 2006، من قبل السلطة المحلية تاور هامليتس، وذلك للأنشطة التي تهدف إلى مكافحة التطرف، في الوقت نفسه تم إنشاء المجلس الاستشاري (MINAB) بمشاركة أربع منظمات، كانت جمعية مسلمي بريطانيا ومسجد الأئمة الوطني ضمن الأربع منظمات، وخصصت الحكومة لهذا المجلس 75.600 جنيه استرليني، لعامي 2007- 2008، ليصل إلى 116 ألفا لعامي 2008-2009. 
من خلال هذه المبادرات، خصصت الخارجية البريطانية قدرا كبيرا من الأموال لخطة "المنع"، منها على سبيل المثال، تخصيص مبلغ خصصت 127.740 جنيها استرلينيا، إلى قسم مكافحة الإرهاب الخاصة في عامي 2008-2009، وذلك من أجل تعزيز "الإسلام المعتدل"، كما تلقى نفس القسم مبلغ 220.853 جنيها استرلينيا، لمشروع عرف باسم "مشروع الإسلام البريطاني".
مبادرة "تمكين أصوات التيار الرئيسي للإسلام" واحدة من المبادرات الأساسية لتلك المجموعة في هذا الصدد، استطاع مارتن برايت الصحفي بجريدة الجارديان من كشف سلسلة من وثائق وزارة الخارجية والداخلية التي تكشف بأن كل الأموال التي تلقتها تلك الجمعيات تم تجميعها بناء على طلب صريح من المسئولين بالخارجية البريطانية، وكان الدافع لها عمل قائمة بـ"الشخصيات الرائدة في العالم الإسلامي"، بما في ذلك الشخصيات ذات النفوذ الديني وكانت القائمة تضم 58 من جماعة الإخوان المسلمين من بين تلك التي تم تحديدها على أنها مجرد شخصيات عامة، وكان على رأس تلك القائمة كل من كمال الهلباوي ويوسف محمد القرضاوي.

تعاون ملكي مع القرضاوي:

في معركة مكافحة التطرف، استطاع الإخوان المسلمون تمثيل دور تيار الجماعات الإسلامية "المعتدلة"؛ ولهذا كانت تمثل الحليف الأمثل آنذاك، كما ورد في وثيقة وزارة الخارجية والتي تم رصدها بين يوليو 2004 وأغسطس 2006، والتي رصدت أهمية التعامل مع الدول الإسلامية.
وكان يوسف القرضاوي، موضع جدل عميق في بريطانيا منذ عام 2004، فهو عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، وتم ترشيحه لتولي منصب المرشد العام لها مرتين إلا أنه رفض في المرتين، وفضل الاستقرار في قطر، مع الاحتفاظ بالتأثير الهائل داخل جماعة الإخوان، وأصبح على الحكومة البريطانية تحديد كافة التفاصيل عن هذا الرجل، في حال التعامل معه.
ترأس القرضاوي اجتماع المجلس الأوروبي لأبحاث الفتوى والذي تم عقده في يوليو 2004 بلندن، وإطلاق الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الأهم من ذلك، تمت دعوته لحضور حفل استقبال في الوايت هول بحضور عمدة لندن كين ليفينغستون، على الرغم من أن القرضاوي كان ممنوعا من دخول الولايات المتحدة بسبب الفتاوى التي أصدرها فيما برفض إعدام أحد الانتحاريين الفلسطينيين، إلا أنها لم تمثل للبريطانيين أي عقبة.!!
كانت وزارة الخارجية البريطانية على أتم استعداد لدعم دخول القرضاوي للبلاد؛ لأنه يعد شخصا استثنائيا بين المسلمين، كما أنه – أي القرضاوي – كان قد أدان تنظيم القاعدة والمتشددين من أعضاء طالبان، على الرغم من دعمه الواضح للتفجيرات الانتحارية في إسرائيل، والمقاومة في العراق، وخلص التقرير إلى أن القرضاوي كان ينظر إليه من قبل الأغلبية باعتباره أحد الإخوان البراجماتيين، فهو ليس بـ"متعصب" أو "متطرف"، وذلك وفقا لما ورد في مذكرة رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية إلى وزارة الداخلية في يوليو 2004.

على الرغم من وجود مخاوف وتحفظات لدى الحكومة البريطانية تجاه بعض آراء القرضاوي بشأن قضايا معينة، منها رأيه في المقاومة الفلسطينية، ودور المرأة في المجتمع الإسلامي، ولكن إيان بلير، رئيس الشرطة في العاصمة لندن في ذلك الوقت، سأل المسئولين: "هل أنتم ذاهبون للتحدث معه أم ستتراجعون من أجل بعض التحفظات؟"، فكان الرد هو: "نعم سنذهب للتحدث معه".
تميزت علاقة وزارة الخارجية مع القرضاوي، حيث استطاع القرضاوي مساعدة المجتمع الإنجليزي في مكافحة الإرهاب في زمن عرف باسم "الحرب على الإرهاب"؛ لهذا كان وجود المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين رمزا لتطور العلاقة وتوطيدها بين الجماعة وبريطانيا التي قدمت في ظل علاقة القرضاوي دعما غير محدود للجماعة.

في عام 2008، أصدر جوشوا ستاشر الباحث في معهد أبحاث السياسة العامة ( IPPR ) تقريرا بعنوان "إخوة في الأسلحة"، أوصى فيه وبقوة ضرورة إشراك الإخوان المسلمين في مصر، باعتبارها عنصرا حاسما في المشهد السياسي المصري، خاصة وأن التقرير اعتبر أن الجماعة استطاعت إثبات نفسها لتكون إحدى الجهات الفاعلة السياسية ذاتية التطور، وينبغي أيضا اعتبارها شريكا محتملا لأي عمليات متعلقة بالتنمية السياسية الإقليمية، وعلى الرغم من أن وثائق السياسات الأخيرة التي تنتهجها جماعة الإخوان أظهرت وجود حركة رجعية عازمة على الحكم الديني بالقوة، إلا أنها تغاضت عن تلك النقطة، بل بدلا من ذلك، قيل إنها لإظهار مجموعة ملتزمة بتحقيق إصلاحات سياسية أكثر واقعية، وذهب التقرير إلى ضرورة عرض المعتقدات السياسية للجماعة، خاصة وأنها تستند إلى القيم العالمية.

انفصام في سياسة كاميرون مع الجماعة:

تتسم طبيعة السياسة البريطانية بالانفصام إلى حد ما، ففي الوقت الذي كان فيه العديد من المسئولين على أتم استعداد لمعاقبة وتعقب القرضاوي، إلا أنها في نفس الوقت كان هناك مجموعة أخرى تجري اتصالات للتعاون معه، وكذلك اتصالات مع المجلس الإسلامي البريطاني، وجماعة الإخوان المسلمين ولكن بشكل أوسع، على الرغم من تزايد الاحتجاجات من أولئك الذين يشكون في حكمة وفعالية هذه السياسة والمناهضين لها، وكان ديفيد كاميرون هاجم في لقاء له مع حزب العمال عام 2008، الحركات الإسلامية الموجودة في لندن، قائلا: "ينبغي أن تنعكس القيم البريطانية في السياسات الحكومية، ويجب أن تكون الرسالة واضحة لأولئك الذين يرفضون الديمقراطية؛ الذين يدعون الكراهية؛ لأولئك الذين يشجعون العنف؛ أنتم لستم جزءا من التيار الرئيسي من المجتمع الإنجليزي، كما أنكم لن تحصلوا على التمويل الحكومي بعد الآن؛ لأنكم ببساطة جزء غير مرحب بكم في مجتمعنا، سوف نهزم عقلياتكم المتطرفة حتى لو اضطررنا لمواجهتكم".
بعد فترة وجيزة شكلت كاميرون حكومة ائتلافية في مايو 2010، أعلن فيها منع جماعات مثل جمعية مسلمي بريطانيا، الممولة، كما أعلنت الحكومة أيضا أنها مسئولة مسئولية كاملة عن منع نقل هذه الجمعيات إلى الإدارات المحلية، وكلف كاميرون اللورد كارلايل بعمل تقرير شامل عن الطريقة التي كانت تسير بها خطة "المنع".
وخلال مؤتمر الأمن بميونيخ عام 2011، أوضح كاميرون الطريقة الجديدة الذي ستتعامل بها لندن مع الجماعات المتطرفة، مشددا على أهمية معالجة التطرف في حد ذاته، وبدلا من التطرف والعنف الذي اتسمت به الإدارات السابقة، والذي اجتذب انتقادات كثيرة، في تأكيد هذا التحول، استشهد كاميرون بأن "التطرف الإسلامي" لا يختلف عن دين الاسلام.
أبرز ما جاء في تقرير اللورد كارلايل في يونيو 2011، "أنه ثمة العديد من المشاكل التي غفلها رئيس الوزراء في خطابه بميونيخ، منها على سبيل المثال، اعترافه بوجود مجموعات من الجماعات المتطرفة أيدلوجيا تلقت من الحكومة البريطانية تمويلا لدعم الفكر المتطرف"، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا لدافعي الضرائب ومعارضي الحكومة الداعمين للقيم البريطانية، الأهم من ذلك، كما ذهب التقرير، بأنه على الحكومة إعادة تقييم خطة "المنع"، والتي تحتاج إلى إعادة صياغة، مع التركيز بصورة أكبر على معالجة الجانب الأيديولوجي والعقيدة المتطرفة لتلك الجماعات، والتي ستعد تحديا كبيرا في مواجهة الحكومة البريطانية.
استطاعت المعارضة النشطة إرساء بعض القيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وسيادة القانون وحرية الأفراد، والاحترام المتبادل والتسامح بين الديانات والمعتقدات المختلفة، كما شملت أيضا رفضها للتطرف والذي ينتج عنه وفاة أفراد قواتهم المسلحة، سواء في بريطانيا أو خارجها؛ ولهذا تم إنشاء ثلاث أولويات جديدة لخطة "المنع"، هي الرد على التحدي الأيديولوجي؛ منع الناس من الانجرار إلى الإرهاب، والعمل مع القطاعات والمؤسسات التي توجد فيها مخاطر الراديكالية الإسلامية، وذلك بالتنسيق بين مكتب الأمن وقسم مكافحة الإرهاب ومقره بوزارة الداخلية البريطانية، وتوجيهها من خلال واحدة من ثلاث مناطق رئيسية هي: السلطات المحلية، والشرطة، والعمل الدولي.

ولكن مع ثورات الخريف العربي وسقوط النظم الحاكمة في عدد من الدول العربية، تغيرت تلك المرتكزات في سياسة بريطانيا مع جماعة الإخوان على مستوى الدول العربية سواء في سوريا ومصر وتونس، واتخذ التعاون بينهما منحدرا جديدا. 
"لندن ستان" أرض الهروب لإرهابي العالم
بعد غيبوبة طويلة أمرت الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون، بإجراء تحقيق حول جماعة «الإخوان»، للنظر في فلسفة وأنشطة الجماعة، وكيف ينبغي أن تكون سياسة الحكومة البريطانية تجاهها، حسبما ذكر راديو هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سي"، في أقوى قرار اتخذته الحكومة البريطانية منذ نشأة الجماعة في مطلع القرن الماضي، وبعد عقود كاملة من التعاون المشترك والرعاية التي تصل لحد حماية الجماعة في المجتمع الإنجليزي، لتكون بقرار كاميرون أول ضربة توجهها الحكومة البريطانية الراعي الرسمي للتنظيم الدولي للجماعة للإخوان المسلمين، في خطوة استباقية غير متوقعة من بريطانيا، والتي طالما تجنبت حظر الإخوان كجماعة، بل منحت كافة أنشطتها الشرعية القانونية للعمل داخل الأراضي البريطانية، وذلك لاعتمادها عليهم منذ هجمات 2005، لمواجهة جماعات الإسلام الأصولية المتشددة مثل "الغرباء" و"المهاجرون" و"حزب التحرير".
التقارير الصحفية تشير أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء أمر بتحقيق عاجل حول وجود جماعة «الإخوان» ونشاطها في بريطانيا على خلفية المخاوف من قيامها بأنشطة متطرفة، واستخدام لندن مركزا لعملياتها الدولية، ومكانا للقاءات قادتها، فيما لم تعط الحكومة البريطانية تفاصيل أخرى بهذا الشأن،  يشارك في التحقيقات كل من الاستخبارات البريطانيةMI6 ، والاستخبارات الخارجية MI5، للتأكد من مدى ضلوع الجماعة في الهجوم على حافلة سياحية بمصر (انفجار طابا)، مشيرة إلى أن «كاميرون» طلب تحديد عدد أعضاء الجماعة الموجودين في بريطانيا حاليا.
تعد هذه هي رد الفعل الأول من بريطانيا تجاه جماعة الإخوان المسلمين، بعد عقود من الرعاية والدعم منذ إنشاء الجماعة حتى الآن، ويرى المحللون أن هذه الخطوة جاءت بعد ضغوط هائلة مارستها السعودية والإمارات ومصر على لندن، من أجل اعتبار الإخوان «جماعة إرهابية» ومنعها من استخدام لندن مركز عمليات للتنظيم الدولي، لكنها ستتجنب الحظر الكامل لتلافي إغضاب قطر، وهي شريك مهم أيضا بالنسبة لبريطانيا، والتي نجحت مؤخرا في تسوية بعض أوضاع أعضاء الجماعة في لندن، من خلال بوابة مكتب للمحاماة تخصص في استقبال قضايا الإخوان، منهم محمد سويدان، وضياء المغازي، التسوية التي ستكون بمثابة مقدمة لدخول عشرات القيادات الإخوانية إلى لندن.
المتابعون لمواقف بريطانيا السياسية تجاه الدولة المصرية، يعلمون جيدا أن كل المطلوبين من القضاء المصري يعيشون في عاصمة الضباب لندن، الإسلاميين والإرهابيين منذ الثمانينيات يعيشون هناك، ورجال الأعمال الهاربين من قروض البنوك في القضية التي عرفت في التسعينيات  باسم "نواب القروض"، ليلحق بهم رجال نظام مبارك عقب ثورة 25 يناير، ليكون في ركابهم الإخوان المسلمون الذين يأتون في ذيل القائمة، مسلسل الهروب من مصر إلى لندن وغيرها بدأ منذ القرن الماضي ومستمر حتى الآن، لتحتل بذلك بريطانيا المركز الأول في تعداد الهاربين من العدالة المصرية، وبخاصة جماعة الإخوان بها؛ نظرا لوجود عدد كبير من قيادات الجماعة الإرهابية لتتحول إلى مقر جديد للجماعة عقب هروب عدد كبير من أعضائها بعد اندلاع ثورة 30 يونيو.

"لندن" الراعي الرسمي للتنظيم الدولي للإخوان الإرهابيين

تعد بريطانيا الآن من أكثر الدول الداعمة لنظام الإرهاب كما أنها من أكثر الدول التي تمنح حق اللجوء السياسي للمتهمين بالإرهاب على مستوى العالم، وهي نفس الدولة التي ساعدت في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، والتي قدمت لهم الدعم المالي والاستخباراتي على مدار عقود، هي نفس الدولة التي فتحت لهم أبوابها ليعيشوا في أراضيها وتحت كنف حماية شرطتها، بل منحت بعضهم معاشا من الضمان الاجتماعي ، ووفرت لهم المساكن وأحيانا سيارات مجهزة بأحدث المعدات، وكل ذلك من أموال دافعي الضرائب، فهناك من عاش قرابة عقدين «لاجئا» في لندن يحيون على الإعانة الاجتماعية، دون أن يدفعوا بنسا واحدا للضرائب أو يعرق في أي عمل.
هذا التقرير هو رصد لأهم الشخصيات التي فرت إلى لندن سواء من جماعة الإخوان المسلمين، أو من الجماعات الأصولية المتطرفة، والتي آوتهم لندن ومنحتهم حق اللجوء السياسي، من أفراد الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين ليعيشوا في كنفها، تحت وسمع أبصار السلطات البريطانية بشرطتها وجهازها الاستخباراتي، مقدمة لهم الأمن السياسي وحقوق المواطنة بالتجنس.

أولا: التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين

تعد لندن لجماعة الإخوان المسلمين بفرعيها المصري والتنظيم الدولي العاصمة الثالثة لهم، بعد ألمانيا وسويسرا على مدار عقود، ولكنها في نفس الوقت تعد المركز المالي لجميع أنشطة التنظيم على مستوى العالم.

لمحة تاريخية سريعة:

حتى نستطيع أن نرصد أهمية لندن بالنسبة للتنظيم فيجب أولا أن نلقي بلمحة بسيطة على تاريخ التنظيم الدولي خارج الأراضي المصرية، خاصة في أوروبا، البداية كانت عندما أنشأ حسن البنا مؤسس الجماعة، قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وذلك بمجرد أن بدأت الجماعة تستوي على عودها وتستقر قواعدها في مصر، القسم الذي مهمته إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار جماعته ومن هذا القسم بدأت كل علاقات الإخوان واتصالاتهم في كل أنحاء العالم، البداية انطلقت من مكتب الجماعة في الدرب الأحمر بحي السيدة زينب، ليتحول قسم الاتصال بالعالم الإسلامي إلى وزارة خارجية للجماعة، طالت اتصالاتها معظم بلاد العالم الإسلامي، وخلال سنوات قليلة استطاع القسم ربط جماعة الإخوان بالعالم العربي والإسلامي، وتأسيس عدد كبير من تنظيمات الإخوان في العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى المغرب، ومن الصومال إلى سوريا؛ ليؤسس الإخوان فروعا لهم في سوريا ثم الأردن ثم السودان على الترتيب، واضطلع بالمهمة عدد من أبناء هذه البلدان الذين درسوا في مصر وارتبطوا بالجماعة، وأشهرهم مصطفى السباعي الذي صار بعد ذلك المراقب العام للجماعة وأحد كبار منظميها، كما افتتحت تنظيمات أخرى في أندونيسيا والصومال واليمن وأفغانستان.

لا يمكننا إغفال دور سعيد رمضان في تكوين التنظيم الدولي للجماعة، فهو صاحب جهد كبير في هذا الصدد، حيث كان يتمتع بعلاقات قوية مع عدد من أنظمة المنطقة، على رأسها المملكة السعودية، والتي ساعدته بشكل كبير في بناء شبكة علاقات ضخمة للإخوان، خاصة وأن رمضان أحد مؤسسي منظمة المؤتمر الإسلامي، كما ازداد دوره بعد هجرته إلى أوروبا واستقراره في سويسرا، حيث حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة (المسلمون) الشهيرة.
 كما أسس رمضان المركز الإسلامي في جنيف، الذي نجح في نشر الفكر الإخواني فيها، ليمتد التنظيم إلى أمريكا أيضا حتى طال عددا من الشخصيات المعروفة، مثل الأمريكي مالكولم إكس الذي تأثر كثيرا بعلاقته برمضان في تحوله إلى عقيدة أهل السنة، ومن مركز جنيف الذي كان أول وأهم قاعدة للإخوان في أوروبا، انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية الأخرى، وأهمها على الإطلاق المركز الإعلامي في لندن والمركز الإسلامي في ميونيخ بألمانيا الذي شهد المراحل الأخيرة لإعلان التنظيم الدولي الرسمي للجماعة في 1982.
لكن إذا كان هناك شخص يمكن أن ينسب إليه دور اللاعب الرئيسي في تأسيس هذا التنظيم بشكله الحالي، فهو مصطفى مشهور أحد أكثر قيادات الجماعة تأثيرا في بنائها بعد مؤسسها الشيخ حسن البنا، فعقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة في عام 1973، بدأ مشهور العمل على الفور ومعه عدد من القيادات التي جمع بينها الانتماء والعمل معا في النظام الخاص، أمثال كمال السنانيري وأحمد الملط ونفيس حمدي وأحمد حسنين. 
وعلى الرغم من الملاحقة الأمنية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات للجماعة في الأول من سبتمبر 1981، وقبل أيام من قرارات 5 سبتمبر الشهيرة، التي بموجبها أصدر السادات اعتقال مئات المعارضين من مختلف القوى والتيارات السياسية في مصر، استطاع مشهور الهرب متجها إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال، التي طالت أكثر من ألف وخمسمائة قيادة سياسية معارضة، وظل مشهور القطب الإخواني الكبير الذي عرف بقدراته التنظيمية غير العادية متنقلا بين الكويت وألمانيا ما يقرب من عام كامل، حتى أعلن في 29 يوليو سنة 1982 تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأعلن لائحته التنظيمية الرسمية التي عرفت بالنظام العام للإخوان المسلمين، إشهار اللائحة التنظيمية للتنظيم الدولي كانت عام 1982 وهو موجود منذ عهد مصطفى مشهور، أحد مرشدي الجماعة من عام 1974 حتى 2002.
استمر الشيخ مصطفي مشهور الأب الروحي للتنظيم الدولي في عمله الدءوب لتقوية هذا التنظيم الوليد، وتوسيع شبكته التي امتدت لتشمل كل التنظيمات والكيانات الإخوانية المعتمدة في العالم العربي والإسلامي وخارجه، بل توسع في ضم تنظيمات إسلامية أخرى لا تخضع تنظيميا لقيادة الجماعة وإن كانت متوافقة معها في المنهج وإن اختلفت معها جزئيا في طبيعة البرامج التربوية، مثل الجماعة الإسلامية في باكستان التي أسسها الشيخ أبو الأعلى المودودي، والحزب الإسلامي (باس) في ماليزيا وحزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا.
وخلال خمس سنوات قضاها الشيخ مصطفى مشهور خارج البلاد كان قد استطاع خلالها تأسيس أول تنظيم دولي حقيقي لجماعة الإخوان المسلمين، وحين عاد إلى مصر بعد أيام من وفاة المرشد الثالث للجماعة "عمر التلمساني"، كان قد أتم بناء التنظيم الدولي للإخوان كاملا وأحكم عليه قبضته الحديدية.
تكفلت تنظيمات الإخوان بكونها المورد الرئيسي لدعم الجماعة ماليا في مصر، حتى بداية حقبة التسعينيات، كما كان ذراعا إعلامية في أوروبا والغرب للضغط على النظام المصري من أجل وقف أي عمليات تصفية محتملة للحركة في مصر (اضطلع بدور كبير في حشد تغطية وضغط إعلامي وسياسي دولي ضد المحاكمات التي تعرضت لها الجماعة في منتصف التسعينيات (1995- 1996).
أصيب التنظيم الدولي بالضعف في فترة تولي مصطفى الهضيبي مكتب الإرشاد، والذي تعمد تهميش أي دور للقيادات الإخوانية خارج مصر وقلص أمامها كل مساحات الحركة التي كانت متسعة بحكم إقامة عدد منهم في أوروبا وتمتعهم بحرية الحركة والإعلام مقارنة بالأوضاع التي تعيشها الجماعة في مصر خاصة في عقد التسعينيات الذي شهد تضييقا مستمرا عليها، ووصل الصدام إلى ذروته مع إصرار الهضيبي حين كان نائبا للمرشد على توحيد جهة الحديث باسم الجماعة وجعلها من اختصاصه فقط، وذلك بإلغاء منصب المتحدث الرسمي للإخوان في الغرب والذي كان يحتله القطب الإخواني البارز كمال الهلباوي المصري المقيم في لندن، والذي اضطر في النهاية إلى الاستقالة احتجاجا على تهميش الهضيبي قيادات الخارج، وهو ما أثار غضب هذه القيادات خارج مصر وخاصة في المهجر.

وعندما تولى محمد مهدي عاكف مسئولية مكتب الإرشاد، حاول إصلاح ما أفسده الهضيبي في فترة ولايته، حيث يعد عاكف من أبرز من تحملوا مع مصطفى مشهور عبء تأسيس التنظيم الدولي، حيث سافر معه قبل أيام قليلة من أحداث سبتمبر 1981، متجها إلى ألمانيا حيث تولى مهام تأسيس وإدارة المركز الإسلامي في ميونيخ، والذي تحول إلى مقر لاجتماعات التنظيم الدولي، وكان المكان الذي ولد فيه التنظيم رسميا ومنه أعلنت وثيقة التأسيس أو اللائحة الرسمية في 29 مايو من عام 1982، وهو ما سمح له ببناء علاقات واسعة مع قيادات تنظيمات الإخوان في كل أنحاء العالم، كما كان له دور كبير في ملفات الإخوان العالمية وعلى رأسها ملف الجهاد الأفغاني، كما تولى أيضا مهام ومسئولية قسم الاتصال بالعالم الإسلامي مما مكنه من عمل شبكة علاقات عالمية واسعة ليست فقط داخل التنظيمات الإخوانية المعتمدة بل وتنظيمات إسلامية أخرى مستقلة.
الشخصيات المفتاحية التي قادت التنظيم من لندن
1.كمال الهلباوي:
الملقب بوزير خارجية الإخوان والمتحدث السابق للجماعة، سافر إلى العاصمة البريطانية عام 1994 مع أسرته من باكستان، هربا من مقاضاته أمام القضاء المصري في قضيتي (العائدون من أفغانستان وألبانيا)، ليعمل محاضرا في عدد من المعاهد البحثية، وفي 1997 أصبح المتحدث الرسمي للجماعة، المنصب الذي استحدثته الجماعة خلفية تعرض إخوان مصر عام 1995 للمحاكمات العسكرية، تم اعتقال فيها مهدي عاكف وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح، فكان لا بد من وجود صوت في الغرب لعرض قضايا الجماعة، بالإضافة إلى توطيد العلاقة وعقد اجتماعات قادة الإخوان والتنسيق مع الجالية المسلمة بدعوى "رئاسة المركز الإسلامي"، والذي أنشأه الإخوان في بريطانيا تحت مسمى العمل الدعوي.. الهلباوي واحد من مؤسسي الجمعية العالمية للشباب السعودي المسلم (WAMY)، كما أسس مجلس (مسلمون من بريطانيا) بالتعاون مع عدد من قيادات التنظيم، ظل يشغل منصب مدير مركز دراسة الإرهاب (CFSOT) بلندن، الذي يزعم أن يكون مكافحة الإرهاب فكرية، ولكن في أبريل 2011، عاد الهلباوي إلى مصر في أعقاب ثورة يناير، بعد 23 سنة من "المنفى الاختياري" في المملكة المتحدة، وفي أبريل 2012، استقال الهلباوي من جماعة الإخوان المسلمين المصرية بعد قرار الجماعة لترشيح خيرت الشاطر للانتخابات الرئاسية.

2. عزام التميمي:

والذي انتقل إلى إنجلترا لدراسة العلوم البحتة بجامعة وستمنستر بلندن، ليتجه هناك إلى السياسية ليحصل على درجة الدكتوراه ، مع أطروحة حول "الإسلام والديمقراطية"، وهو أحد المسئولين عن المكاتب المصممة لمساعدة 26 من الإسلاميين الذين فازوا بمقاعد برلمانية في انتخابات عام 1989، عمل في الفترة من سبتمبر 2000 إلى مارس 2004، محاضرا في معهد ماركفيلد التربية والتعليم العالي في ليسترشير، أحد مراكز التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، كما كان عضوا لفترة طويلة في جمعية "مسلمي بريطانيا"، لكنه حول ولائه كاملا للإخوان، بكل منظماتها سواء في المملكة المتحدة أو في أي مكان في العالم.
التميمي هو مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي (IPT) ، والذي يتكون مجلسه الاستشاري من البروفيسور جون اسبوزيتو أستاذ بجامعة جورج تاون، وكذلك يوسف القرضاوي زعيم جماعة الإخوان، وغيرهم من أعضاء التنظيم الدولي المقيمين في لندن. 

3. طارق رمضان:

طارق سعيد رمضان غني عن التعريف، فهو ابن وفاء البنا ابنة حسن البنا المؤسس، وسعيد رمضان أخطر رجل في تاريخ الجماعة في أوروبا، إلى جانب عمل طارق كأستاذ للدراسات الإسلامية المعاصرة وعلم اللاهوت بالمعهد الشرقي، في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، فهو أستاذ زائر في كلية الدراسات الإسلامية، بقطر، وجامعة بيرليس الماليزية؛ زميل باحث أقدم في جامعة دوشيشا (كيوتو، اليابان)، ومدير مركز بحوث التشريع الإسلامي والأخلاق (CILE)  بالدوحة، منذ عام 2009 حتى الآن، يعد طارق ذي سلطة مستقلة داخل التنظيم الدولي للجماعة، وصاحب رؤية في تنفيذ القرارات المصيرية المتعلقة بالإخوان.. طارق رمضان من مواليد سويسرا، ويحمل الجنسية السويسرية، إلا أن أغلب إقامته في لندن للتدريس بالجامعة ولمتابعة شئون التنظيم الدولي بنفسه، في يناير 2010 رفعت الولايات المتحدة اسم رمضان من قائمة الممنوعين من الدخول لأراضيها، ومنذ ذلك الحين سافر عدة مرات إلى الولايات المتحدة كمتحدث في عدد من الندوات التي تنظمها مختلف المنظمات الأمريكية التابعة لتنظيم الإخوان في أمريكا.. في يناير أنشأ مركز بحوث الشريعة الإسلامية والأخلاق (CLIE)، والذي رأسه طارق، حيث يتولى المركز التنسيق بين قادة الإخوان على مستوى العالم وبين التنظيم الدولي للإخوان بالتعاون مع يوسف القرضاوي.

4. أيمن علي وإبراهيم الزيات:

هما المسئولان عن إدارة أموال التنظيم الدولي للجماعة ونقل الأموال للجماعات الجهادية والإسلامية في كل العالم، شغل أيمن علي نائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا  (FIOE) ، والتي تمثل مظلة جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، والعضو البارز في مكتب الإرشاد للجماعة في مصر، أما إبراهيم الزيات فهو ألماني الجنسية، مصري الأصل، يشغل منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي بألمانيا، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإغاثة الإسلامية، ومقرها لندن، أيضا فهو عضو المكتب التنفيذي باتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا.
تكمن خطورة أيمن علي وإبراهيم الزيات في متابعة أوجه الإنفاق ومصادر تمويل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ووفقا لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" في عام 2005، فإن الزيات وعلي كانا المسئولان عن عمليات نقل أموال تمت من جمعية طيبة الدولية، وهي إحدى الجمعيات المدرجة ككيان إرهابي، من قبل كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة في عام 2004 فرع البوسنة، إلى المؤسسة العالمية للشباب المسلمين (WAMY) فرع ألبانيا، المؤسسة التي تعدها الاستخبارات الأمريكية، إحدى المؤسسات المسئولة عن انتشار التطرف الإسلامي في جميع أنحاء العالم، فضلا عن رعاية الإرهاب في أماكن، مثل البوسنة، والهند، ووفقا للتقرير، فإن تحويل الأموال قام به اثنان من المسئولين في منظمة الاتحاد الإسلامي في أوروبا  (FIOE)، وهي مؤسسة تشكل المظلة التي يعمل تحتها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في أوروبا.
لعب إبراهيم الزيات، رئيس الجماعة الإسلامية في ألمانيا، دورا رئيسيا في نقل أموال المنظمة للجماعات الإسلامية في منطقة البلقان، قدرت قيمتها بـ2 مليون دولار وفقا لتقرير وول ستريت، الأمر الذي دعا الشرطة الاتحادية الألمانية بفتح تحقيق عام 2002، مع الزيات الذي اعترف بنقل الأموال نيابة عن المنظمة العالمية للشباب المسلمين، وهي منظمة تديرها السعودية والمسئولة عن نشر الأصولية الوهابية، المنظمة التي تعد كيانا مستقلا عن الاتحاد.

5. أنس التكريتي:

أنس هو ابن عمر التكريتي، القيادي بحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين.. أنس أحد قادة المبادرة البريطانية (BMI)، المبادرة التي ترعاها الجماعة في المملكة المتحدة، كما أنه كان رئيسا لاتحاد مسلمي بريطانيا (MAB) لسنوات عديدة.

6. إبراهيم منير:

وهو الأمين العام للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وخلال تواجده في لندن استطاع أن يستغل العديد من المؤسسات والمؤتمرات التي تعقد في المملكة المتحدة في أعقاب الحرب على غزة من أجل جمع الأموال للفلسطينيين، والذي هرب غالبيته إلى مصر لتمويل تسليح الجناح العسكري للجماعة في مصر، بالإضافة إلى تمويل أنشطة الجماعة الأخرى، هذه المؤسسات ما هي إلا مؤسسات يرعاها التنظيم الدولي، مثل "جمعية الدعوة الإسلامية في بريطانيا"، والمعروف باسم حزب الدعوة الإسلامية، والتي يستخدمها منير لتغطية أعماله، وحيث استطاع منير بالتعاون مع عائض القرني منير من عقد مؤتمر الجالية المسلمة في لندن، في أبريل 2009، والذي جمع فيها 2.7 مليون جنيه استرليني.

7. راشد الغنوشي:

وهو رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، فرع الإخوان التونسي، وأحد الفارين إلى لندن من بلاده في عام 1991، ليعيش في مدينة أكتون في ضواحي العاصمة البريطانية، استطاع الحصول على حق اللجوء السياسي في أغسطس 1993، بعد أن حكمت عليه المحكمة العسكرية بتونس غيابيا في أغسطس 1992 بالسجن مدى الحياة بتهمة التآمر على وضد رئيس الدولة، والذي بقي في المنفى إلى أن قامت ثورة الياسمين في تونس2011.

8. آل الحداد:

من أنشط الأسر التي تعمل في التنظيم الدولي، فالأب هو عصام الحداد، والذي عينه المعزول مرسي كأحد مساعديه والمسئول عن العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، الدكتور عصام الحداد هو طبيب مقيم بالمملكة المتحدة منذ فترة طويلة، وعضو الجماعة، وواحد ممن القلائل الذين تم تعيينهم في مكتب الإرشاد في فبراير 2012، وأصبح في وقت لاحق مسئولا عن العلاقات الخارجية نيابة عن حزب الحرية والعدالة، وهو أيضا عضو مجلس الإدارة والرئيس السابق لمنظمة الإغاثة الإسلامية، وهي جمعية خيرية إسلامية مقربة من جماعة الإخوان في لندن. 
عصام الحداد هو والد جهاد الحداد، وهو كبير مستشاري الشئون الخارجية لحزب الحرية والعدالة، وهو المنصب الذي يشغله منذ مايو 2011، عصام الحداد يرأس المجموعة العربية للتنمية (AGD)، كما أنه أحد مؤسسي شركة "رايت ستارت" للداعية المصري عمرو خالد حيث عمل جهاد كمدير للتسويق فيها.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هي الخطوة القادمة للتنظيم في ظل تضييق السلطات البريطانية الحالية الخناق عليهم، وعلى أنشطتهم؟
من ناحية أخرى لم يقتصر الأمر على أعضاء جماعة الإخوان فقط، بل على العكس لقد كانت أرضا خصبة لضم العديد من الشخصيات الأصولية المتطرفة، لتمنحهم الحكومة البريطانية المأوى والدعم الكاملين لأنشطتهم، وهذه لائحة بأهم الشخصيات الإرهابية التي آوتها بريطانيا داخل أراضيها.

قيادات الجماعات الراديكالية في لندن
1.عمر بكري فستق:
البداية كانت في منتصف الثمانينيات مع عمر بكري فستق اللبناني الجنسية والسوري الأصل، مؤسس حزب التحرير والزعيم الروحي له، والذي انتقل ليعيش في لندن في 14 يناير 1986، حيث عمل لمدة عشر سنوات لبناء الحزب، أطلق عليه متبعوه بأنه "آية الله توتنهام"، فهو أول من انتهج العنف لغير المسلمين في بريطانيا ضد الهنود السيخ والمسيحيين الأفارقة، وفي عام 1996 شهد الحزب انقسامات بين بكري وأعضاء الحزب، لينشق فستق عن حزبه مكونا منظمة "المهاجرون" ليكون أميرا لها منذ ذلك الحين حتى عام 2003، وفي أكتوبر 2005، أعلن بكري تحول "المهاجرون" إلى "حركة الغرباء الأصولية"، استطاع بكري فستق الهرب من بريطانيا بعدما آوته عشرين عاما بعد طرده من السعودية، فر بجلده إلى لبنان عندما أحس أن يوم القبض عليه قد صار وشيكا، بعد تصريحاته المستفزة لهم بأن العالم صار أفضل بعد 7 يوليو، وتلقيبه قتلة 11 سبتمبر "بالعظماء التسعة عشر".

2. أبو حمزة المصري:

أيضا من أشهر الشخصيات التي آوتها لندن من تلك الجماعات مصطفى كامل مصطفى، والمعروف باسم "أبو حمزة المصري"، والمسجون حاليا بتهمة التآمر للقتل والخطف، والمطلوب للعدالة في الولايات المتحدة، أبو حمزة قدم إلى لندن في 1980، حيث تزوج زوجته الثانية وأنجب منها سبعة أولاد، ليحصل على الجنسية البريطانية في عام 1983.. قدمت الحكومة البريطانية إعانات مالية للرجل ليعيش مع زوجتيه، كما استثنته من القانون الإنجليزي الذي على تعدد الزوجات.

3. أبو قتادة الفلسطيني:

كذلك حال أبو قتادة الفلسطيني، مفتي تنظيم القاعدة، والذي سافر إلى بريطانيا في 1993، بعد أن طردته السلطات الأردنية كشخص غير مرغوب فيه، سافر إلى لندن بجواز سفر إماراتي مزور، طالبا حق اللجوء السياسي بدعوى الاضطهاد الديني، ليمنح حق اللجوء في العام التالي.. اعتقلته السلطات الإنجليزية أغسطس 2005 بعد وقت قصير من تفجيرات 7 يوليو 2005 بلندن.
ليتفرغ هؤلاء المتطرفون وسط الأموال التي يجنونها لإطلاق الفتاوى بتكفير المسلمين وغير المسلمين ممن لا يطبق الشريعة بالطريقة التي يرونها، وأنشأوا مراكز من تحت غطاء المراكز الإسلامية لغير المسلمين، لإفساد عقول الشباب وبث سموم الكراهية في عقولهم، لتفرخ لندن العديد من الإرهابيين منهم "عمر الفاروق عبد المطلب" النيجيري، الذي حاول إسقاط طائرة ركاب فوق ديترويت من خلال إحراق نفسه، تم برمجته ذهنيا على يد التكفيريين أثناء دراسته في إحدى الجامعة اللندنية.

4. أبو أنس الليبي:

هو نزيه عبد الحميد الرقيعي المعروف بأبي أنس الليبي، وأحد مخططي اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، انتقل للعيش في المملكة المتحدة عام 1995، حيث تم منحه حق اللجوء السياسي، وفي عام 1999، ألقت شرطة سكوتلاند يارد القبض على الليبي وتم التحقيق معه، بتهمة تورطه في أعمال إرهابية، وانضمامه لتنظيم القاعدة، ومع ذلك أطلق سراحه؛ لأنه كان قد مسح القرص الصلب له ولم يمكن العثور على أي دليل لاعتقاله.
أما الآن فتواجه وزيرة الداخلية البريطانية، تريزا ماي، استجواباً برلمانياً بشأن منح (أبو أنس الليبي)، القيادي في تنظيم القاعدة والذي اعتقلته قوات خاصة أميركية، حق اللجوء للمملكة المتحدة، الأمر الذي دعا النائب كيث فاز رئيس اللجنة البرلمانية للشئون الداخلية، لاستجواب لجنته قضية الليبي مع الوزيرة ماي، خاصة وأن دوافع إيوائه مجهولة لهم، كما أن منحه حق اللجوء في بريطانيا تثير تساؤلات خطيرة حول الدوافع وراء هذه القرارات، والمتعلقة بالأمن القومي في المملكة المتحدة.

5. أسامة بن لادن:

من المفارقات الغريبة أن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، أراد أن يستخدم حق اللجوء السياسي إلى بريطانيا في منتصف التسعينيات، ووفقا لتقرير لصحيفة "التايمز"، اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 29 سبتمبر 2005، فإن بن لادن أراد أن ينهي إقامته في السودان عام 1995 وطلب من أصدقائه السعي له في إمكانية لجوئه إلى لندن، خاصة وأن عددا من إخوة بن لادن وأقربائه كانوا يملكون بعض المتاجر في لندن في أواسط تسعينيات القرن الماضي.
وقدم بن لادن طلب اللجوء إلى لندن عقب شهور قليلة على عقده قمة إرهابية في مانيلا عام 1995 حيث بدأ التخطيط في ذلك الوقت لاختطاف الطائرات ورمي القنابل، كما أوردت "التايمز" التي أضافت أيضا أن بن لادن أرسل بعض أمواله إلى أصدقائه في لندن لكي يشرعوا في تأسيس خلايا إرهابية هناك، ولكن الداخلية البريطانية أصدرت قرارا بمنع دخوله إلى أراضيها.

6. خالد الفواز:

خالد بن عبد الرحمن الفواز معارض سعودي، وأحد أبرز المقربين من أسامة بن لادن، انتقل للعيش في لندن عام 1994، وأسس فيها «هيئة النصيحة والإصلاح»، والتي تعد اللبنة الأولى لمنظمة القاعدة في لندن، حيث عينه بن لادن متحدثا رسميا لها، وقام الفواز بنشر بيان "إعلان رابطة الجهاد لقتال اليهود والنصارى"، والصادر عن بن لادن في 1998، حاول فواز مساعدة بن لادن للانتقال إلى بريطانيا ولكن السلطات الإنجليزية رفضت الأمر، والتي ألقت القبض على الفواز في فجر 28 سبتمبر 1998، بناء على طلب أمريكي عقب اتهامه بالضلوع في تفجير السفارتين الأمريكيتين في إفريقيا.

7. أيمن الظواهري:

على الرغم من أنه غير مسجل في التوقيت الذي عاش فيه الظواهري في لندن، ولكن التقارير تشير إلى أن الظواهري واحد ممن سافروا إلى لندن ليعيش هناك في أوائل التسعينيات، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة والأمم المتحدة أدرجا الظواهري ضمن قائمة أخطر الإرهابيين المطلوبين للعدالة الدولية، كما أنه أحد المحكومين عليهم بعقوبات مالية أمام القضاء البريطاني، ولكن ذلك لا يثبت أنه دخل الأراضي البريطانية بحال من الأحوال.

8. أبو مصعب السوري:

مصطفى عبد القادر حسين، الحلبي المنشأ، السوري الأصل، الإسباني الجنسية، والمعروف باسم "ست مريم"، على الرغم من أنه غير معلوم توقيت سفر أبي مصعب السوري إلى بريطانيا، إلا أن سفره كان تلبية لدعوة الإرهابي قاري سعيد الجزائري الذي عاد من أفغانستان إلى الجزائر ليشارك في تأسيس "الجماعة الإسلامية المسلحة"، ليمكث أبو مصعب السوري في لندن فترة من الزمن، لإنشاء الخلية الإعلامية الداعمة للجهاد التكفيري بالجزائر، وكتب في نشرة الأنصار الجزائرية وغيرها من نشرات الجماعات الجهادية التكفيرية التي كانت تصدر من أوروبا خلال تلك الفترة، وخاصة "الفجر" الليبية، و"المجاهدون" المصرية.

9. أسامة رشدي:

هو القيادي السابق بالجماعة الإسلامية في مصر، وأحد منفذي مذبحة الأقصر عام 1997، والتي أسفرت عن مصرع 58 سائحا، ليهرب بعدها رشدي إلى المملكة العربية السعودية، ومنها إلى هولندا ليستقر في نهاية المطاف في بريطانيا عام 2003، إلى أن عاد إلى مصر في أعقاب ثورة يناير 2011، بعد مغادرته مصر قرابة خمسة عشر عاما، ليكون أحد مؤسسي حزب البناء والتنمية الأصولي، قبل أن يعينه محمد مرسي الرئيس الإخواني المعزول محافظا للأقصر عام 2013.

10. ياسر السري:

القيادي الجهادي ياسر توفيق علي السري، والمعروف بـ"ياسر السري"، مدير المرصد الإسلامي بلندن، وهو أحد المسئولين عن تنفيذ مخططات الإخوان الخارجية لإشاعة العنف والإرهاب والتخريب في مصر، وهو أحد أضلاع تنظيم الجهاد في مصر في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، والتي شهدت فيها مصر موجة من التفجيرات على يد أعضاء جماعة التكفير والهجرة.. تشير التقارير إلى أن بداية علاقته بالفكر الجهادي جاءت عند سفره إلى اليمن في 1988، وذلك للعمل بإحدى المدارس أخصائيا اجتماعيا، حيث كان يقوم باستقبال أعضاء تنظيم الجهاد باليمن، لترتيب أوضاعهم هناك للانتقال إلى محطات أخرى في أفغانستان أو غيرها، يعد ياسر السري أحد المسئولين في تشكيل "تنظيم طلائع الفتح" مع محمود حافظ ومحمد محمود غزلان، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وهذا التنظيم هو أحد أضلاع التنظيم العسكري للإخوان، غادر سري اليمن ذاهبا إلى بريطانيا عام 1994، ويعد السري المسئول الأول عن تنفيذ محاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق عام 1995، عن طريق تفجير موكبه أثناء مروره بشارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة باستخدام سيارة مفخخة كانت تقف أمام مدرسة العزيزي، وأدى الحادث إلى استشهاد الطفلة الشيماء محمد عبد الحليم التلميذة بالمدرسة، الأمر الذي أثار موجة سخط عام بين الرأي العام المصري آنذاك، تمكن من الحصول على حق الإقامة الدائمة في بريطانيا عام 1997، على الرغم من علم السلطات البريطانية من أن السري أحد المطلوبين للعدالة في مصر، ولكنها رفضت تسليمه ليعيش في لندن، ويؤسس بما يعرف اليوم بالمرصد الإسلامي.. اعتقلت الشرطة البريطانية سري بسبب تورطه في قتل أحمد شاه مسعود، إلا أنه ظل مقيما في لندن قرابة الخمسة عشر عاما، ليعود إلى مصر في أعقاب ثورة يناير 2011. 
يرتبط ياسر السري بعلاقات وثيقة بالتنظيم الدولي للإخوان، بالتعاون والتنسيق التام مع "جمعة أمين" الذى يدير التنظيم حاليا من لندن.. عاد سري إلى لندن ليلة عزل مرسى للتنسيق مع التنظيم الدولي، حيث تم إسناد الملف الأمني والذى كلفه به جمعة أمين، لتدريب بعض العناصر الإرهابية لإحداث فوضى، يتم استخدامها وقت اللزوم، خاصة أنشطة العنف والمظاهرات التي يتم إلصاقها ضحاياها من القتلى إلى الجيش أو الشرطة.

11. هاني السباعي:

محامي الجماعات الجهادية والإسلامية في لندن، وواحد من أربعة عشر عضوا من مجلس الشورى لحركة الجهاد الإسلامي في مصر، أدانه القضاء المصري بالسجن غيابيا 15 عاما ، في قضية العائدون من ألبانيا، ليهرب إلى بريطانيا طالبا اللجوء السياسي إليها.. اعتقلته السلطات البريطانية في وقت لاحق بتهمة انتمائه للجماعات الجهادية، إلا أنها أفرجت عنه، كما أن محاولات ترحيله فشلت لحصوله على الجنسية.
في سبتمبر 2005، أدرج مجلس الأمن السباعي في قائمة لجنة الأمم المتحدة 1267 ضمن الأفراد الداعمين للأعمال الإرهابية، لتأييده تنظيم القاعدة وأنشطتها.. أسس السباعي مركز المقريزي للدراسات التاريخية في لندن، والذي يخصصه لإطلاق الاتهامات على الحكومة المصرية إبان ثورة 30 يونيو.
وغيرهم من الجهاديين التي تأويهم لندن من باب "حق اللجوء السياسي"، كل هذه الأسماء مجرد أسماء لا تحصى بجانب الأعداد الحقيقية للإرهابيين الذين منحتهم الحكومة البريطانية حق اللجوء السياسي لها، متخذة من لندن ساحة لتخطيط تلك الجماعات في تخريب الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، لتكون "لندن ستان" بالفعل راعية للإسلام الأصولي.

الإخوان من تسلق 25 يناير إلى محاكمة ثورة 30 يونيو
العلاقة بين الإخوان وبريطانيا بين ثورتي يناير 2011، ويونيو 2013
تذبذبت العلاقة بين جماعة الإخوان وبريطانيا بحلول ثورة 25 يناير 2011، وكان التوتر هو السمة العامة للتعاون الإخواني – البريطاني، في أعقاب الثورة، خاصة وأن ديفيد كاميرون كان لديه بعض التوجهات والرؤى بخصوص جماعة الإخوان، وعلى الرغم من أن كاميرون يعد أول مسئول غربي يزور مصر بعد تنحي مبارك في فبراير 2011، إلا أن كاميرون رفض لقاء أي عضو من الجماعة في مصر، الأمر الذي دفع عصام العريان، أحد المتحدثين باسم الجماعة وقتها، ليعلق على رفض كاميرون بأن مصر قد أنهت الاحتلال البريطاني منذ 65 عامًا.

لم يدم التوتر طويلا، فأثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وما شابها من أخطاء، توترت العلاقة بين الإخوان والمجلس العسكري، ولكن من ناحية أخرى ثمة تعاون كان قد بدأ بين الجماعة في مصر وبين الحكومة البريطانية غيرها من الحكومات الأوروبية، وذلك خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت انتخاب «محمد مرسي» رئيسًا لمصر، حيث قام وفد من الخارجية البريطانية بزيارة مقر «الإخوان» في الإسكندرية، وعبرت الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي عن اهتمامهم بالتعاون مع أي تيار يرحب بالديمقراطية، وذلك بعد زيارة «كاميرون» بشهرين، متناسين تصريح السير ريتشارد ديرلوف، المدير السابق لخدمة الاستخبارات السريةMI6 ، في مارس 2011، بأن جماعة الإخوان، "ما هي إلا منظمة إرهابية في داخلها"، وذلك بدعوى حرص بريطانيا على دعم تطوير الديمقراطيات الليبرالية، بعد عقود من الدكتاتورية القمعية للحكومات العربية. 
في الوقت ذاته، كان هناك بعض المسئولين الذين يشعرون بالقلق من تزايد مخاطر احتضان النظم الإسلامية الراديكالية، دون قيد أو شرط، الأمر الذي جعل ويليام هيج وزير الخارجية الإنجليزي يعرض دعما حذرا للثورات العربية منذ أن بدأت الأحداث في تونس تتكشف، حيث قال في محاضرة له بكلية لندن للاقتصاد في مارس 2012: "هذه الثورات ليست لدينا، وأننا لا يمكن أن نحدد مستقبل هذه البلدان.. الشرعية التي يمنحها النجاح الانتخابي يجعل من الصعب توجيه انتقادات علنية للإسلامين الذين تصدروا المشهد السياسي مؤخرا، مؤكدا أن حكومته سوف تدعم وتحترم اختيارات الشعب في المنطقة، وهذا الدعم غير مشروط".
مثل هذه التعليقات تعكس استعداد بريطانيا لإعطاء إعفاء جديد للأنظمة التي ستفرزها ثورات الربيع العربي، الأمر الذي يتطلب التعامل مع الإخوان والأحزاب الإسلامية الأخرى، ولكن فقط على أساس بعض الشروط الغير قابلة للتفاوض، منها احترام حقوق وكرامة الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير والمساواة بين المرأة والرجل، وهي القيم العالمية التي يجب أن تحترمها جميع النظم السياسية هناك، وشاطره هذا الرأي كل من حزب المحافظين وأليستر بيرت وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية، الذي استطاع تقديم تقييم أكثر صراحة عن ما توقعته وزارة الخارجية آنذاك، حيث قال: "سنقوم بالتعامل مع أي جماعة تحترم العملية الديمقراطية والقيم التي نحن ندعمها، وهذا يشمل حقوق الأقليات العرقية والدينية والنساء، إن الديمقراطية ليست فقط حول الانتخابات، بل متعلقة بمطالب الشعب التي ينبغي الوفاء بها"، ولتحقيق هذه الرؤية، أنشأت الخارجية البريطانية بمشاركة عربية مركزا يسمى "السياسة الخارجية الاستباقية"، هدفه تنسيق رد فعل بريطانيا الاستراتيجي فيما يحدث في الدول العربية، ولتحقيق تطور سياسي واقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح بريطانيا في المنطقة، الأمر الذي جعلها تطلق 118 مخططا رسميا في فبراير 2011 من قبل ويليام هيج، وبقيادة وزارة الخارجية، وبدعم كامل من وزارة التنمية الدولية البريطانية، على أن تكون مسئولية إدارة الصندوق مشتركة بين وزارتي الخارجية والتنمية الدولية، والتي خصصت له 110 ملايين جنيه استرليني على مدى أربع سنوات، 40 مليون جنيه استرليني قادمة من وزارة الخارجية البريطانية، و70 مليون جنيه استرليني من الجهة العربية، هذه الأموال تم تخصيصها لتعزيز ثلاثة أهداف رئيسية، والتي تشمل: المشاركة السياسية، وحرية التعبير، والحكم الرشيد حيث يتضمن هذا الأخير الالتزام بسيادة الدول، ومساعدة الدول للتحول إلى نظم ديمقراطية، مثل هذه التعليقات منذ أوائل عام 2011، يعد اعترافا بشرعية الإسلاميين وبشرعية نجاحهم في صناديق الاقتراع.
وهذا وحده يفسر موقف بريطانيا من ثورة 30 يونيو، باعتبار تلك الثورة ما هي إلا انقلاب عسكري، وأيضا يفسر دعمها الدائم للجماعة منذ 30 يونيو؛ لأنها أولا لم تخرج تلك الثورة من رحم صناديق الانتخابات، ثانيا لأن الدعم الذي قدمته للإسلاميين كان متماشيا لمصالحها في تلك الفترة، ثالثا وهذا الأهم لأن أموال دافعي الضرائب والذي تم تقديمها كنوع من الدعم للأنظمة الديمقراطية، ذهب للتنظيم الدولي الذي خصصه لدعم 50 مشروعا في مختلف البلدان العربية، بما في ذلك مصر، مشاريع طويلة الأجل من شأنها وفقا لما قاله السير مارك غرانت، سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة، إحلال الفوضى بدرجات متفاوتة في تلك البلدان، وذلك قد يستغرق جيلا ليتحول الربيع العربي إلى خريف في جميع أنحاء المنطقة.
ولهذا فإن التطورات الأخيرة، تمثل إعادة تقويم جديدة للسياسة البريطانية فيما يتعلق بالإسلاميين، سواء في الداخل أو الخارج، في حين أن قطاعات الحكومة، وبخاصة داخل وزارة الخارجية، التي تبنت الحركات الإسلامية بطريقة غير نقدية، عموما في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر،  وخصوصا بعد أحداث 7 يوليو، فإن الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب المحافظين حاليا تشير إلى أنه ينتهج طريقا أكثر قوة لمنع تكرار تلك الأحداث، والنهج المفضل لتحقيق ذلك من خلال عقد صفقات مع الحكومات الإسلامية الحاكمة.

لندن محطة لمحاكمة النظام المصري الحالي

بعد تصعيد الحكومة المصرية من حصار الجماعة عقب ثورة 30 يونيو، وإعلان الحكومة بأن جماعة الإخوان حركة إرهابية، قرر أعضاء حزب الحرية والعدالة نقل نشاط الحزب إلى مكان غير متوقع وهو شمال لندن.
وأصبح المكتب الإعلامي للجماعة والمدفون في العاصمة اللندنية واحدا من أنشط الأذرع لها، لإطلاق التصريحات الصحفية، والتنسيق مع مكاتب التنظيم في جميع أنحاء العالم في مصر والولايات المتحدة، وأوروبا وتنظيم الاحتجاجات، والتي تأتي ضمن استراتيجية الجماعة الجديدة والتي انتهجتها لتأليب الرأي العام العالمي ضد الحكومة المصرية، بالإضافة إلى تعاقدها مع أنشط المحامين البريطانيين لرفع قضايا جنائية ضد الحكومة المصرية الحالية.
تعد لندن هي المكان الطبيعي للجماعة خارج مصر، فهناك يوجد مكتب موقع الإخوان المسلمين الإنجليزي "إخوان أون لاين"، والذي تم إطلاقه عام 2005، وهي الوجه الغربي الصديق للحركة الإسلامية في لندن، بل وتعد التجسيد الأول لها والذي تعود جذوره إلى 1990، عندما تم افتتاح "مركز المعلومات العالمية"، والذي يهدف إلى توصيل رسالة الجماعة إلى وسائل الإعلام العالمية، إبراهيم منير المتحدث باسم جماعة الإخوان في أوروبا، والمقيم في العاصمة البريطانية ، في الوقت الذي يسعى فيه جمعة أمين، القيادي الثاني في الجماعة، لطلب اللجوء السياسي إلى لندن بعد تلقيه العلاج هناك قبل بدء الحكومة بحملة اعتقالات واسعة لقيادات الجماعة في مصر.
لا تزال الصورة غير متضحة المعالم للدور الذي يلعبه فرع لندن لجماعة الإخوان اليوم، خاصة وأن المشاركين فيه حذرون بشدة بخصوص تقديم تفاصيل؛ خوفا من تداعيات الأمر والتي قد تتخذ ضد أفراد الجماعة مرة أخرى في مصر، ووفقا لصحيفة "دايلي اندبندنت" الصادرة من مصر، فإن انتشار الجماعة ووصولها إلى وسائل الإعلام الدولية أخذ وقتا طويلا.
لذلك ليس بغريب أن ينعكس هذا الانتشار في قدرة الجماعة في حشد المغتربين وبعض من أفراد الجاليات المسلمة لتنظيم الاحتجاجات الأسبوعية في لندن لدعم مرسي ، التي شملت في الماضي مظاهرات الإبداعية مثل سلسلة بشرية أسفل منطقة التسوق الرئيسية بها، وشارع أكسفورد.

يأخذ فرع الإخوان المسلمين في لندن اليوم على عاتقهم في العمل مؤخرا مع مايكل مانسفيلد المعروف وفريق الأحلام، وهو مكتب محامين بلندن المعروف دوليا، أما مانسفيلد فهو من أشهر المحامين المخضرمين الذين مثلوا محمد الفايد رجل الأعمال المصري، في التحقيق في وفاة ابنه عماد والأميرة ديانا، التعاون لبدء الإجراءات القانونية التي تتخذها الجماعة ضد الحكومة المصرية، وربما في المحكمة الجنائية الدولية.
الدعوى التي أقامها حزب الحرية والعدالة وأعضاء مجلس الشورى المنحل، موجهين تهما للجيش والحكومة المصرية المؤقتة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مع التركيز على أحداث عنف، مثل فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، حيث قتل أكثر من 600 شخص.
مكتب الإخوان في لندن رفض الكشف عن عدد أفراده الموجودين في لندن، ولكن وفقا لتقرير موقع مجلة "فورين بوليسي" فإن هناك تنظيم هرمي لفرع لندن، منظم جدا، يعمل بنشاط كامل منذ عقود حتى الآن، لبناء قاعدة من المنتمين للإخوان أو الداعمين لمشروعهم.
ويشير التقرير بأن مجموعة لندن تمتد إلى أجيال، حيث بدأ قادتها الفارون إلى أوروبا في 1950، عندما قام عبد الناصر بشن حملة اعتقالات واسعة ضد الإخوان، والتي تعرف بـ"المحنة الثانية".

يعد خيرت الشاطر محورا مهما في توسيع أنشطة الإخوان في لندن عندما هرب هناك ضمن الفارين من النظام القمعي الذي اتبعه مبارك عقب اغتيال السادات في الثمانينيات، ليعمل جنبا إلى جنب مع عصام الحداد، أما الآن فيعد عبد الله الحداد، وهو ابن عصام الحداد، من أنشط أعضاء جناح الإخوان في لندن.
ويقول التقرير: "لندن أصبحت مسرحا للعبة القط والفأر بين جماعة الإخوان المسلمين، الذين يعملون بحذر شديد وبين السلطات المصرية التي تراقبهم عن كثب، وترصد أنشطة الإسلاميين في العاصمة البريطانية".
ما يقوم به الإخوان هو استمالة باقي الجالية المسلمة الداعمة لموقف الجيش؛ لأن الجالية المصرية في لندن ليست كلها موالية لجماعة الإخوان، خاصة وأن أغلب المصريين المقيمين في بريطانيا يفضلون أحمد شفيق رئيس الوزراء الأخير في عهد حسني مبارك، في الانتخابات الرئاسية، ويحاول أنصار الإخوان الفارين إلى لندن استغلال ممارسات الحكومة ضدهم في مصر، لاستمالة المناهضين لهم وكسب تأييدهم.

الوضع الراهن للتنظيم بعد ثورة يونيو 2013:
بعد ثورة 30 يونيو والقبض على أغلب القيادات الإخوانية في مصر، استطاع عدد كبير من قيادات الصف الثاني من الهروب إلى لندن، ليلعب جمعة أمين، القيادي في الجماعة وعضو مكتب الإرشاد، دور المرشد من لندن.. بعد القبض على محمد بديع، فيما كشفت مصادر مطّلعة أن السلطات المصرية تتابع نقل قيادات إخوانية مطلوبة في مصر إلى عواصم أوربية، وخاصة إلى لندن لمنع تسليمها إلى القاهرة لصلتهم بقضايا إرهابية.
وغيرها من الأسماء اللامعة في التنظيم الذين يعيشون في لندن حاليا، وبحسب موقع "ميدل ايست مونيتور" فإن لندن هي أرض تحرير المعزول مرسي، حيث يعمل فريق الدفاع عن مرسي برئاسة المحامي البريطاني من أصل باكستاني "الطيب علي"، والذي يضم فريقه كلا من المدعي العام السابق في بريطانيا اللورد كين ماكدونالد، والمحامي البريطاني المختص في حقوق الإنسان مايكل مانسفيلد، وهما مستشاران لملكة بريطانيا، والمحامي الجنوب إفريقي ومقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السابق جون دوجارد.
في الآونة الأخيرة تحاول قطر جاهدة على تسفير كل من عاصم عبد الماجد وطارق الزمر القياديان بالجماعة الإسلامية، ومحمد محسوب الوزير السابق بالحكومة الإخوانية، وأشرف بدر الدين ومحمود حسين وحمزة زوبع المتحدث الرسمي باسم الحرية والعدالة، وغيرهم ليلحقوا بطاهر عبد المحسن، أحمد يوسف، وثروت أبو نافع، في الفرار إلى بريطانيا إضافة إلى جمعة أمين نائب المرشد ومؤرخ الجماعة، كما تم تعيين إبراهيم منير المسئول عن مكتب الجماعة في لندن أمينا عاما للتنظيم في أوروبا، وذلك لتخفيف العزل الخليجي لها بعد مواقفها العدائية تجاه مصر وثورة 30 يونيو، أما الجماعة فقد اتخذت من العاصمة البريطانية مقرا لوسائل الإعلام الخاصة بها بما في ذلك موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية "إخوان أون لاين".

أيضا قامت بتأسيس مركز جديد لوسائل الإعلام، يضم منى القزاز، شقيقة مستشار الشئون الخارجية للجماعة خالد القزاز، بالإضافة إلى عبد الله الحداد شقيق المتحدث باسم الجماعة جهاد الحداد الذي تم إلقاء القبض عليه ويحاسب حاليا وفقا لمعرفة القانون.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تعد بريطانيا ملجأ آمناً لكل الهاربين والمطلوبين من العدالة المصرية؟ ليس لأنها بلداً ديمقراطياً يؤمن بالتعدد، فكل أوروبا كذلك، ولا لأنها تؤمن بالحريات ولكنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم توقع على الاتفاقية الدولية لتبادل المطلوبين للعدالة، بل على العكس كانت دائما تفتح أبوابها للمطاردين بحجة "حق اللجوء السياسي"، وكانت تنظر لهم على أنهم "مضطهدين في أوطانهم"، لتتحول لندن إلى "لندن ستان" وهو الاسم الذي أطلقه الأميركيون والفرنسيون على بريطانيا منذ منتصف التسعينات، وهو الاسم الذي أطلقه جوثام مالكاني الصحفي البريطاني بجريدة الفاينانشال تايمز على روايته التي نشرها في بريطانيا عام 2006.