عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
الحرب العالمية الثانية: موقف الإخوان من الإنجليز
يتسم موقف الإخوان المسلمين من الحرب العالمية الثانية بالدقة والحذر والوعي السياسي، فقد أعلنوا في المذكرة التي رفعوها إلى حكومة علي ماهر، أكتوبر 1939، أنهم لا يؤيدون معاهدة سنة 1936، وما تفرضه على مصر من التزامات، وطالبوا رئيس الوزراء بأن تقتصر إجراءات حكومته على تأمين الحدود المصرية، وعدم التورط في ممارسات تقود البلاد إلى المشاركة الفعلية في الصراع.
ويمكن ترجمة هذا الموقف، باللغة السياسية السائدة في تلك المرحلة، على أنه تعبير عن نظرية تجنيب مصر ويلات الحرب، وهو ما يترجمه حسن البنا في دعوته إلى الحياد والاستعداد، وليس أفضل من هذا الموقف– كما يقول البنا– لأننا مجبرون عليه. 
وفي كثير من المصادر الإخوانية والإنجليزية والمحايدة، ما يؤكد أن السفارة البريطانية، في أغسطس 1940، عرضت على جماعة الإخوان مبلغ عشرين ألف جنيه مقابل الدعاية ضد المحور، وجاء هذا العرض في اجتماع ضم الجنرال كلايتون والمستشرق هيورت، ممثلين للجانب الإنجليزي، وأحمد السكري مندوباً عن الإخوان.

اعتمد المنطق الإنجليزي على أن وقوف جماعة الإخوان ضد المحور يتوافق مع التعاليم الإسلامية، التي تقترب من الديمقراطية بقدر تنافرها مع النازية والفاشية. 
وإذا كان مؤرخو الإخوان يجدون في رفض البنا للعرض الإنجليزي دليلاً على استقلاليته ونزاهته، فإن خصوم الإخوان يتساءلون بدورهم عن السر في قبول البنا لتبرع شركة قناة السويس، عند بداية تأسيس الحركة، وعن الفارق بين التبرعين!. 
الأقرب إلى الدقة والإنصاف أن رفض عرض السفارة كان لأسباب سياسية، فالرأي العام المصري معبأ ضد الإنجليز ومشحون بكراهيتهم، والإخوان أنفسهم لا يرون أن الفكر الديمقراطي أقرب إلى الإسلام من الفاشية والنازية، بل إن حماسهم لهذه الأفكار يبدو واضحاً مقارنة بموقفهم السلبي من الديمقراطية. 

وعلى الرغم من رفض البنا والإخوان للتعاون المباشر الصريح مع الإنجليز، وما ترتب على ذلك من اعتقال البنا لفترة قصيرة وإبعاده عن القاهرة، فإن المؤتمر السادس للإخوان، في يناير 1941، حاول توجيه رسالة تهدئة للإنجليز، مع الإيحاء بأن الإخوان يتبنون المسلك الديمقراطي ويبتعدون عن التطرف الذي لا تخفيه جماعات أخرى مثل الحزب الوطني وحركة مصر الفتاة. 
أكد المؤتمر أن الإخوان لا يؤمنون بالعمل الانقلابي العنيف، وأن الوسيلة الأساسية لنشر الدعوة هي الإقناع والعمل السلمي، وأن التغيير الذي ينشدونه يعتمد على الطرق البرلمانية الدستورية. ويتجلى ذلك بوضوح في اتخاذ المؤتمر لقرار اشتراك الجماعة في أول انتخابات نيابية قادمة. 
لقد حاول المؤتمر أن يضفي على الجماعة سمة الحزب الديمقراطي المؤمن بالنظام البرلماني، وفي الوقت نفسه نشط حسن البنا في تشكيل فرق الجوالة الإخوانية، وقد بلغ عدد أفراد هذه الفرق حوالى 2000 عضو عند انعقاد المؤتمر السادس، فضلاً عن التوسع في الشعب الإخوانية التي وصل عددها، في التاريخ نفسه، إلى 500 شعبة. 

في أول سبتمبر 1939، اشتعلت الحرب العالمية الثانية، بعد أن اجتاحت الجيوش الألمانية حدود بولندا – أعلنت إنجلترا وفرنسا الحرب، إثر رفض الألمان لسحب قواتهم من الأراضي البولندية. 
كان هدف السياسة البريطانية في مصر أن تخلو الأوضاع من القلاقل التي تسبب المتاعب لقوات الحلفاء، وأن تحول دون تحرك الاتجاهات الموالية للمحور لمناصرة ألمانيا وإيطاليا. 
بناء على طلب السفارة الإنجليزية، بادرت حكومة علي ماهر بإعلان الأحكام العرفية، وتم تعيين علي ماهر حاكما عسكريا، وفُرضت الرقابة على الصحف والمجلات والمراسلات. 

لم يكن علي ماهر، الذي تولى رئاسة الوزارة في الثاني عشر من أغسطس 1939 بعد استقالة وزارة محمد محمود، يحظى بثقة الإنجليز الكاملة. وعلى الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وألمانيا، فقد تم تعيين الفريق عزيز المصري رئيساً لأركان حرب الجيش المصري، وهو المعروف بعدائه للإنجليز وتعاطفه مع الألمان، كما أصبح صالح باشا حرب وزيراً للحربية، فسعى منذ اليوم الأول لإقامة العراقيل في وجه التعاون العسكري بين مصر وبريطانيا، وبادر بإنشاء جيش مرابط، أوكل قيادته إلى وزير الأوقاف عبد الرحمن باشا عزام، الذي كان يبث الحماس الوطني في نفوس الضباط. وقد روى الجنرال ولسون، قائد القوات البريطانية في مصر، أن عزيزا المصري أشاد بالعسكرية الألمانية أمام الضباط المصريين، وقلل من شأن القوات البريطانية. وفي الوقت نفسه، لم يستمر التعاون بين البعثة العسكرية البريطانية وبين القيادة المصرية بصورة مرضية، مما أدى إلى نشوب كثير من المصادمات. 
وما لبثت ألمانيا أن أحرزت انتصارات مدوية على الحلفاء، وهو ما دفع بعض الأوساط البرلمانية المصرية إلى المفاداة باتباع سياسة حيادية، والعمل على استغلال الصعوبات التي تواجهها بريطانيا لتعديل معاهدة 1936. وقد أدى ذلك كله إلى تحول في اتجاهات الرأى العام نحو مزيد من العداء للإنجليز من ناحية، والمزيد من التعاطف مع دول المحور من ناحية أخرى. وازداد قلق السفارة البريطانية لشعورها بتشجيع الحكومة والسراي للاتجاهات المناوئة لها، وهو ما دفعها إلى ممارسة المزيد من الضغوط على رئيس الوزراء، فمنح عزيزا المصري إجازة طويلة ثم أحاله إلى الاستيداع. وظلت العلاقة متوترة بين علي ماهر والسلطات البريطانية، حتى انفجرت الأزمة في يونيو 1940، بدخول إيطاليا إلى ساحة الحرب. 
اكتفى علي ماهر بأن يطرح للتصويت أمام البرلمان موضوع قطع العلاقات مع إيطاليا، وقرر البرلمان المصري، بناء على اقتراح علي ماهر، أن مصر لن تشارك في الحرب إلا إذا بادرت إيطاليا بغزو الأراضي المصرية، أو إذا تعرضت المدن المصرية لقصف جوي إيطالي، أو أغارت القوات الإيطالية على أهداف عسكرية مصرية. وقد فسرت الدوائر البريطانية سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب، التي اتبعها علي ماهر، بأنها انحياز ضمني إلى جانب ألمانيا وإيطاليا، بل إن تعاطفه مع المحور، الذي قيل إن كل حاشية الملك كانت تشاركه فيه، كان موضعا لهمسات ملحة في دوائر الحلفاء، في الوقت الذي تمكنت فيه جهود الدبلوماسية الفاشية من أن تكسب إلى جانبها، ليس فقط علي ماهر، بل والملك فاروق نفسه، وقطاعات واسعة من الرأي العام، ومعظم الأحزاب السياسية، باستثناء الهيئة السعدية التي يتزعمها السياسيان البارزان أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي. 

وهكذا، قاومت حكومة علي ماهر، بتأييد من السراي والرأي العام، كل ضغوط السفارة البريطانية الداعية إلى مزيد من التعاون والتنسيق، وتلقت القوات المصرية المرابطة في الغرب أوامر بعدم إطلاق النار على الجنود الإيطاليين، وطلبت السفارة إلغاء هذا الأمر، الذي أصبح مثاراً لخلاف عميق بين الجانبين، وسرعان ما ازدادت خطورته في الوقت الذي كان فيه علي ماهر يريد إعلان القاهرة مدينة مفتوحة وخالية من القوات البريطانية. 
بفعل هذا كله، ازدادت الضغوط البريطانية، وتوترت العلاقة بين الوزارة والسفارة إلى حد خطير، وانتهى الأمر بسقوط وزارة علي ماهر في يونيو 1940. 
الصراع السياسي والحزبي
في الثالث والعشرين من يونيو 1940، سقطت حكومة علي ماهر نتيجة الضغط البريطاني، واتهامها الصريح بالانحياز إلى المحور، كلف الملك حسن صبري باشا بتشكيل حكومة جديدة، لكنها لم تستمر إلا أقل من ثلاثة شهور، بعد وفاة رئيسها وهو يلقي خطاب العرش، وخلال هذه الشهور، حرصت الحكومة على اتباع سياسة الحكومة القديمة التي تعمل وفق نظرية تجنيب مصر ويلات الحرب، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة حسين سري باشا، تعاون فيها مع الأحرار الدستوريين واستبعد الهيئة السعدية، وقد استمرت هذه الوزارة حتى حادث 4 فبراير 1942، وفشلت في طمأنة مخاوف البريطانيين، بقدر فشلها في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي ازدادت تفاقما. 
في مايو 1941، اندلعت حركة رشيد عالي الكيلاني القومية ضد الإنجليز في العراق، وشارك مصطفى الوكيل، نائب رئيس حركة مصر الفتاة، الذي كان موجودا في بغداد، في نشاط الحركة التي أقلقت الإنجليز، الذين ربطوا بينها وبين تصاعد العداء لهم في الشارع المصري. 

وفي هذا الإطار، طلب السير مايلز لامبسون، السفير الإنجليزي في مصر، من حكومة حسين باشا سري، أن تتدخل للحد من أنشطة المعادين للحلفاء، وكان حسن البنا من هؤلاء الأعداء المتهمين بالعمل لحساب إيطاليا. 
استجاب حسين سري للضغوط الإنجليزية، وتقرر نقل البنا إلى مدرسة في قنا بصعيد مصر، كما نقل وكيل الجماعة أحمد السكري إلى قرية نائية في الوجه البحري، كما قررت الحكومة إيقاف صحف الجماعة ومجلاتها، وأصدرت أوامرها بمنع نشر أي أخبار عنها في الصحف الأخرى. 

لكن الصراع السياسي الحزبي صب في مصلحة البنا والإخوان، دون غيرهم من ضحايا حكومة سري، فقد تكفل نواب الوفد في البرلمان باستثمار ما حدث للبنا والسكري من أجل إحراج الحكومة والتشهير بها، وتقدموا بملف كامل يبرهن على أن نقل البنا لم يكن لإهماله في القيام بواجباته كمعلم، لكنه كان عقابا سياسيا، وشارك الأحرار الدستوريون، وهم حلفاء حسين سري في الحكومة، في حملة الضغط، وهو ما أدى إلى رضوخ رئيس الوزراء سري، ووزير المعارف الدكتور محمد حسين هيكل، فتم إلغاء القرار بنقل البنا وعاد المرشد إلى القاهرة. 
ولكي تكتمل ملامح الخريطة، لا بد من الإشارة إلى أن الحملة الإنجليزية لم تستهدف البنا والإخوان فحسب، ذلك أنها امتدت إلى كل من يمكن تصنيفهم في خانة العداء للإنجليز، وهنا تظهر أسماء بارزة مثل السياسي المعروف علي باشا ماهر، رجل الملك القوي، وعبد الرحمن باشا عزام، قائد الجيش المرابط، والفريق عزيز المصري، رئيس أركان الجيش المصري الذي أحيل إلى التقاعد. المشترك بين هؤلاء جميعاً هو العداء للإنجليز، والتعاطف مع دول المحور، والولاء للملك. 
لقد تدهورت الأوضاع العسكرية للإنجليز على جبهات القتال، وأشارت التقارير البريطانية إلى وجود تحالف معارض يؤلب الرأي العام المصري، ويضم مصر الفتاة والإخوان المسلمين والحزب الوطني والفريق عزيز المصري، وترددت أنباء عن اتصال بعض الضباط بعزيز المصري، عن طريق حسن البنا، وأنهم شرعوا في تخزين الأسلحة بشكل سري. 

كانت هذه الاتصالات هي البداية الحقيقية لإيجاد صلة بين الإخوان وبعض ضباط الجيش، وكان هذا المناخ هو الذي هيأ لتدخل إنجليزي حاسم للحيلولة دون المزيد من تدهور الأوضاع، وكان حادث الرابع من فبراير سنة 1942. 
في مطلع العام 1942، كانت الأوضاع تزداد تدهورا بالنسبة للإنجليز، وأدت المظاهرات الطلابية الساخطة في أول فبراير إلى استقالة وزارة حسين سري. 
بعد قبول الملك لاستقالة الوزارة، قام السفير البريطاني السير مايلز لامبسون بزيارة للملك فاروق، وطلب منه دعوة زعيم الوفد مصطفى النحاس لتشكيل الوزارة، ووعد الملك بعقد مؤتمر لزعماء الأحزاب بهدف تشكيل حكومة ائتلافية. 
كان الإنجليز راغبين في وجود حكومة شعبية قوية قادرة على الالتزام بما جاء في معاهدة 1936، من التزامات، وكان الملك راغبا في المناورة ورافضا لقيام حكومة وفدية خالصة، وحاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين في الرابع من فبراير لتفرض على الملك أن يقبل الإنذار ويشكل الحكومة الوفدية، أو يتنازل عن العرش. 
لم يجد فاروق بُدًّا من قبول الإنذار، وكلف النحاس بتشكيل الحكومة، التي استمرت إلى قرب نهاية الحرب، بعد أن أدت الأهداف التي يريدها الإنجليز، وأهم هذه الأهداف هو الحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية، ومقاومة المؤامرات التي تُدبر ضد المجهود الحربي الإنجليزي. 

البنا والحكومة الوفدية
كان القرار الأول لوزارة النحاس، في السابع من فبراير، هو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، وقرر الإخوان، تنفيذا لقرارات مؤتمرهم السادس في يناير 1941، أن يخوضوا المعركة الانتخابية، وأعلن البنا عن ترشيح نفسه في دائرة الإسماعيلية. 
عارض النحاس ترشيح البنا، وأثمر اللقاء بينهما عن إبرام صفقة تقضي بانسحاب البنا من الترشيح، مقابل تعهد الوفد بالسماح للجماعة أن تقوم بأنشطتها في حرية، كما اتخذت الحكومة بعض القرارات التي تتوافق مع دعوة الإخوان، مثل تقييد بيع المشروبات الروحية في أوقات معينة يوميا وخلال شهر رمضان والأعياد، كما تم إغلاق بعض بيوت الدعارة والحد من نشاطها. 
وفي سياق رغبة النحاس في تحقيق المصالحة مع القوى المعارضة لحكومته، أطلق سراح كثير من الرموز الوطنية المعارضة للإنجليز، مثل عزيز المصري وحسين ذو الفقار صبري وعبد المنعم عبد الرءوف، فضلاً عن الإفراج عن المجاهد الفلسطيني محمد علي طاهر وعدد من معتقلي حركة مصر الفتاة. 
في مارس 1942، أعلن البنا عن تأييده للحكومة الوفدية، في الوقت الذي شكلت فيه أحزاب الأقلية جبهة معادية للوفد، ولم تشهد أجواء المعركة الانتخابية نشاطا تحريضيا من الإخوان المسلمين. 

لقد آثر البنا، لحسابات سياسية شهدت تغييرا في موازين القوى الفاعلة، أن يبتعد عن القصر الملكي والجبهة المناوئة للوفد والإنجليز، ولم يلتزم زعيم الإخوان بأي تعهد صريح حين عرضت عليه بعض القوى الوطنية داخل الجيش، طبقا لرواية السادات، توجيه ضربة إلى الجنود البريطانيين المتقهقرين في أعقاب الهجوم الألماني خلال شهري مايو ويونيو 1942. رفض البنا أن يغامر بمواجهة غير متكافئة ضد الإنجليز والوفد. 
وعلى الرغم من الالتزام الإخواني بالاتفاق المبرم مع حكومة النحاس، فإن الحكومة نفسها لم تكن كاملة الانسجام فيما يتعلق بالموقف من الإخوان. يتجلى ذلك بوضوح في الإجراء الذي تم اتخاذه قرب نهاية عام 1942، حيث تم إغلاق جميع شعب الجماعة ما عدا مكتب المرشد العام، وسرعان ما تغير الموقف مع بداية عام 1943، حيث قام مجموعة من وزراء الوفد، برئاسة فؤاد سراج الدين، بزيارة مقر الإخوان، وصرح سراج الدين بأنه يعتبر نفسه جنديا في جيش الإخوان!.
تراوحت العلاقة بين الوفد والإخوان، حتى إقالة الحكومة الوفدية، بين المودة والعداء، فمن المطاردة والرقابة وتضييق الحصار على النشاط الإخواني، إلى المصالحة والتعاون وإتاحة حرية الحركة. 
يرى الجناح الليبرالى في الوفد أن الاتجاه المحافظ الذي يتزعمه فؤاد سراج الدين كان راغبا في استثمار الإخوان كأداة لمواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تزايدت خلال سنوات الحرب، وللحيلولة دون انتشار الحركة الشيوعية التي تمثل تهديدا لمجمل النظام القائم. ويتهم هذا الجناح سراج الدين بمساعدة الحركة الإخوانية على الانتشار في الريف، وكان سراج الدين وزيرا للزراعة، ويعيبون عليه أنه لم ينتبه إلى حقيقة أن الإخوان سلاح من أسلحة القصر، وأنهم يُستخدمون في الصراع ضد الوفد. 

تجنب الصدام والتركيز على البناء التنظيمي

كان البنا حريصا على تجنب الصدام مع الإنجليز والحكومة الوفدية، وفي منتصف عام 1943، صارح المرشد إخوانه في إحدى رسائله بأن الدعوة لا زالت مجهولة عند الكثير من الناس، وأن أهدافها ستلقى مقاومة وتعاني الكراهية والعقبات. 
قرر البنا أن يركز جُل اهتمامه على البناء التنظيمي، مدركا أن النجاح في هذه المهمة سيعينه على تحقيق أهدافه بعد أن تنتهي الحرب، وتتغير خريطة الصراع. 
خلال فترة الحكم الوفدي، من فبراير 1942 إلى أكتوبر 1944، توسعت جماعة الإخوان المسلمين بشكل هائل، وتحولت إلى قوة حقيقية ذات بأس. استفاد الإخوان من توقف النشاط الحزبي بسبب فرض الأحكام العرقية، ومن توقف نشاط حركة مصر الفتاة، التي ظل نشاطها محظورا. ولأن الحركة لم تُعامل معاملة الأحزاب التقليدية، ولم تتعرض للقهر والاضطهاد الذي تعرض له أحمد حسين وأنصاره، فقد ارتفع عدد أعضاء جوالة الإخوان من ألفي عضو سنة 1941، إلى أربعة آلاف وخمسمائة عضو قرب نهاية الحرب، كما تزايد عدد الشعب الإخوانية من 500 شعبة إلى 1500 شعبة، كما استثمرت الجماعة دعم فؤاد سراج الدين للانتشار في الريف المصري، وقامت سنة 1943، بتنفيذ أول مشروع اجتماعي شامل في محيط القرية المصرية، وتحولت جوالة الجماعة إلى ما يشبه نظام البلديات، من حيث الإشراف على النظافة والإضاءة وتقديم الخدمات الصحية وفض المنازعات وأصبح نمط الجوال الإخواني، الذي يرتدي الجرابات والحذاء والبنطلون القصير، سائدا في الريف. 
لاستيعاب التوسع التنظيمي الكبير خلال سنوات الحرب، قامت جماعة الإخوان باستحداث نظام الأسر في هياكلها التنظيمية، والأسرة الإخوانية أقرب إلى الخلية، لا يزيد عدد أعضاء كل منها عن خمسة أعضاء. 

تشكيل البناء الخاص
وخلال الفترة نفسها، شكل البنا "النظام الخاص"، وهو ما يعرف خارج الجماعة باسم "الجهاز السري"، وعلى الرغم من صعوبة التحديد اليقيني الصارم لتاريخ تأسيس النظام الخاص، الذي سيلعب أخطر الأدوار في تاريخ الجماعة خلال السنوات التالية، فإنه بمثابة التجسيد العلمي لمرتبة "المجاهد"، التي أقرها المؤتمر الثالث للجماعة في مارس 1935، وهي المرتبة التي يتم اختيار أعضائها ممن هم في درجة العضوية العاملة، أي من أعضاء فرق الجوالة، بالنظر إلى عضوية الجوالة كانت شرطا أساسياً للعضوية العاملة. 
ويمكن تبرير إنشاء الجهاز الخاص بمخاوف حسن البنا مما قد يهدد الجماعة وشخصه، وهو ما تعبر عنه رسالة الوداع التي كتبها عام 1943، وتنبأ فيها باحتمال مواجهة الجماعة للمحنة ومخاصمة الحكومات لها. 

أهداف تشكيل النظام الخاص:
يمكن تحديد ثلاثة أهداف رئيسية: 
أولها: شن الحرب على الاستعمار البريطاني في الوقت المناسب، وثانيها: قتال الذين يخاصمون الجماعة وردعهم، أما الهدف الثالث: فهو إحياء فريضة الجهاد. 
وإذا كانت الحرب ضد الاحتلال هدفا مؤجلا إلى أن يحين الوقت المناسب، وإذا كان إحياء فريضة الجهاد هدفا نظريا وفكريا عاما، فإنه يمكن القول بأن الهدف الأساسي هو ردع أعداء الإخوان في الداخل، ومن هنا بدأت بذرة العنف والقوة في النمو والازدهار. 
ويقترن بهذا التوجه، انفتاح الإخوان على العسكريين الذين يعادون الوجود البريطاني، فقد كان الضباط الكارهون للاحتلال والساعين إلى مقاومته في طليعة المرشحين للانخراط في التنظيم ذي الصبغة العسكرية.

وفي المقابل، وجد هؤلاء الضباط في التنظيم الإخواني متنفسا لهم وسندا شعبيا. 
وطبقاً لشهادة خالد محي الدين، الذي ارتبط خلال فترة من حياته بالإخوان المسلمين، فإن التنظيم العسكري للجماعة قد تبلور بشكل متكامل قرب نهاية العام 1944، وقام الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرءوف بدور المنسق بين الجماعة والضباط الشباب. 
ضمت الخلايا الأولى عددا من الأسماء العسكرية الشابة البارزة، في مقدمتهم جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وحسين الشافعي وعبد اللطيف بغدادي وحسن إبراهيم، وكلهم من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار فيما بعد، فضلاً عن أسماء أخرى مهمة مثل مجدي حسنين وحسين حمودة وسعد توفيق وصلاح خليفة وأحمد مظهر، الذي أصبح فيما بعد من أهم وأشهر نجوم السينما المصرية!.
هذا وقد التقى البنا بهؤلاء الضباط، واعتبرهم أعضاء يتسمون بخصوصية تعفيهم من أداء التزامات العضو العادي، لقد اعتبر البنا أن التنظيم العسكري بمثابة الإطار الذي يمكن من خلاله اختيار الكوادر الفعالة وضمها إلى النظام الخاص، وفي هذا السياق تم ضم جمال عبد الناصر وخالد محي الدين، ويؤكد خالد في مذكراته أنه أقسم وعبد الناصر، في غرفة مظلمة، على مصحف ومسدس، يمين الطاعة والولاء للمرشد العام، في المنشط والمكره. 
وامتد نشاط حسن البنا إلى مغازلة التشكيلات السرية شبه العسكرية في الحزب الوطني ومصر الفتاة، ويؤكد قائد السرب حسن غرت أن الشيخ أحمد حسن الباقوري، أحد قادة شباب الأزهر والكادر الإخواني النشيط، كان ذا صلة بالجهاز السري للحزب الوطني، وتعرف عليه إبان اتصال مجموعته العسكرية بمجموعة عبد العزيز علي من الحزب الوطني. 

سقوط الحكومة الوفدية واستعادة العلاقات مع القصر
بسقوط حكومة الوفد، تحول موقف البنا والإخوان بشكل كامل، والأقرب إلى المنطق أن العلاقة الايجابية من الوفد، التي ترتبت على اللقاء الذي جرى بين النحاس والبنا، كانت أقرب إلى الاستثناء، وتعبيرا عن رغبة إخوانية في تحقيق مكاسب سياسية لا تغير من حقيقة الموقف المعادي للوفد. 
لقد أدى تنازل حسن البنا عن الترشيح، وفقا للصفقة التي أبرمها مع مصطفى النحاس، إلى غضب الملك فاروق، الذي قرر أن يقطع المعونة المقدمة من القصر إلى الجماعة، لكن المياه بدأت تعود إلى مجاريها قرب نهاية سنة 1942، بعد أن عمل البنا جاهدا لإرضاء الملك والتقرب إليه، فقد توجه إلى قصر عابدين ليرفع إلى الملك العدد الأول من مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، التي صدر عددها الأول في التاسع والعشرين من أغسطس. كما أن الإخوان، بعد انسحابهم من الانتخابات التي أجراها الوفد، دعموا المرشحين المناوئين والمعارضين، ووفقا لتقارير المخابرات البريطانية، فقد صدرت الأوامر لأعضاء الجماعة بأن يعطوا أصواتهم لصالح المسلمين الصالحين في دوائرهم، أو لصالح مرشحي حزب العمال، الذي أسسه النبيل عباس حليم بدعم من القصر. 
لم يكن مستغربا إذن أن يتنكر الإخوان للوفد بعد إقالة النحاس في أكتوبر 1944، وأن يتحالف الإخوان مع القصر وحكومات الأقلية التي تولت الحكم دون سند شعبي أو شرعية دستورية. 

عند اشتعال الحرب العالمية الثانية، وخلال السنوات التي استغرقتها، تبلورت الخريطة السياسية المصرية من خلال مجموعة من القوى متباينة الأهمية والتأثير. يأتي الحزب الشعبي الأول، الوفد، بقيادة الزعيم مصطفى النحاس، في الطليعة، بالنظر إلى نفوذه الجماهيري واتكائه على معطيات ثورة 1919، وشعاراتها، وحول الوفد تتناثر مجموعة الأحزاب المصطلح على تسميتها بأحزاب الأقلية، وبعض هذه الأحزاب تعود في نشأتها إلى ثورة 1919، وما قبلها، مثل حزبي الأحرار الدستوريين والوطني، وبعضها الآخر يمثل انشقاقا حديثا من الوفد، مثل الهيئة السعدية التي انشقت قبيل الحرب بقيادة أحمد ماهر والنقراشي، ومثل الكتلة الوفدية التي أسسها القيادي الوفدي المنشق خلال سنوات الحرب مكرم عبيد. 
وبعيدا عن الوفد والأحزاب التقليدية المناوئة له، فقد ظهرت قوى جديدة، تتمثل في القيادات اليسارية والماركسية، وحركة مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين، فضلاً عن جماعة الإخوان المسلمين. 
لا تملك هذه القوى جميعا أن تتحرك وتؤثر وتتفاعل مع الشارع المصري، بمعزل عن مواقفها النظرية والعملية من القوتين العظميين اللاعبتين في الساحة السياسية: السراي بزعامة الملك فاروق التي تمثل القوة الشرعية ذات الثقل الدستوري، والنفوذ الشعبي النسبي، والسفارة البريطانية التي تمثل سلطة الاحتلال بكل إمكاناتها الواقعية، التي تجعل منها القوة الأعظم في فاعليتها ونفوذها.
الخريطة معقدة متشابكة، والتداخل قائم، والتغيير لا يتوقف، والقراءة الشاملة الواعية تتطلب أن تكون البداية مع حزب الوفد.
يذكر اللورد كيلرن، سفير بريطانيا في مصر بعد توقيع معاهدة 1936، والذي كان يشغل من قبل مركز المندوب السامي، أن النحاس وقيادات الوفد قد انشغلوا بعد توقيع المعاهدة، إلى حد كبير، بالانغماس في الأحاديث والمناسبات الاجتماعية، وأنهم كرسوا الوقت القليل الذي يقضونه في مكاتبهم لإرضاء مطامع ومطالب أتباعهم من الوفديين، الذين عُينوا في كثير من المناصب الرئيسية في الدولة، وهو ما هيأ للملك فاروق فرصة إقالة الوزارة، وظل النحاس وحزبه في صفوف المعارضة، حتى اقتراب القوات الألمانية من الإسكندرية في أوائل عام 1942. 
عاد النحاس ليتولى الوزارة في أعقاب حادث الرابع من فبراير، وفق الإرادة الإنجليزية التي تم فرضها بالقوة على الملك فاروق، بعد حصار قصر عابدين بالدبابات الإنجليزية. ولا يزال تقويم الحادثة الشهيرة، بعد أكثر من نصف قرن على وقوعها، مثارا للجدل والاختلاف.

المتعاطفون مع الوفد يعتبرون قبول النحاس للحكم انحيازا للديمقراطية ضد الفاشية، وانقاذا للبلاد من فرض السيطرة البريطانية المباشرة عليها، في حين اعتبره خصوم الوفد والنحاس تآمرا على استقلال البلاد واستسلاما للمستعمر. 
وفضلاً عن الجراح التي أصابت الحزب الشعبي لقبوله الوزارة في فبراير 1942، فقد ثارت أقاويل كثيرة عن النفوذ المتصاعد للسيدة زينب الوكيل، الزوجة الشابة للزعيم مصطفى النحاس، وقيل إنها تتدخل بصورة مباشرة لدى الوزراء لتعيين أو ترقية أقاربها ومعارفها، وهو ما أفضى في النهاية إلى تذمر الرجل الثاني في الوفد، مكرم عبيد. 
كانت أنظار القصر الملكي موجهة إلى مكرم عبيد، وعملت على استقطابه؛ لكي تثأر من الإذلال الذي عاناه الملك في فبراير، وراهن مستشارو الملك على أن غياب مكرم سيؤثر سلبيا على الحزب القوي.
كان لمكرم أنصار عديدون داخل الوفد، وحظي بشعبية كبيرة، داخل الأوساط العمالية والشبابية. وانتهى الصراع بين النحاس ومكرم بطرد الرجل الثاني من الوزارة في 26 مايو 1942، ثم فُصل من الحزب نهائياً بعد وقت قصير. وعندها، رفع مكرم شعار "نزاهة الحكم" ضد فساد الوفد، وألف "الكتاب الأسود" الحافل بعديد من الفضائح والاستثناءات، التي ثبت بعد ذلك أن معظمها غير صحيح، أو يتسم – على الأقل – بالكثير من المبالغات. 

قد يكون صحيحا أن خروج مكرم عبيد لم يضع نهاية لحزب الوفد، لكن الصحيح أيضاً أن انشقاقه كان ذا آثار سلبية، وأضيفت إلى جبهة أعضاء الوفد قوة جديدة لا يُستهان بها، وخاصة أن الأغلبية العظمى من الأقباط كانت تنتمي تلقائياً إلى الوفد، وترى في مكانة مكرم عبيد تعبيراً عن توجه الحزب الذي تتسم أفكاره بالتسامح ومفاداة الطائفية والتعصب الديني. 
كان المناخ مهيأ ليمارس الملك انتقامه ويطرد الوفد، فبعد أن خفت القيود المفروضة على مصر، وبعد أن تحولت مجريات الحرب بصفة أكيدة إلى جانب الحلفاء، سمح الإنجليز للملك فاروق بإقالة النحاس في أكتوبر 1944، وعاد الوفد إلى المعارضة من جديد.
كان تجمع أنصار السلام، والنادي الديمقراطي، أكبر تجمعين ماركسيين عند قيام الحرب العالمية الثانية.
وإلى جوارهما، وتفرعا منهما أو انسلاخا عنهما، كانت توجد بعض التجمعات الصغيرة التي لم يُقدر لها البقاء والاستمرار، مثل منظمة تحرير الشعب بقيادة مارسيل إسرائيل، التي تفرعت من النادي الديمقراطي، وتفرعت عنها بدورها "الخبر والحرية" و"ثقافة وفراغ"، وكان التنظيم الأول للمصريين فقط، وكلاهما تنظيمان علنيان لم يصلا إلى حد التنظيم السياسي. كما تفرع من النادي الديمقراطي تجمع "الفن والحرية"، الذي وقع تحت تأثير التروتسكيين.

ظهور قوى جديدة على الساحة السياسية
بعد قيام الحرب العالمية، غيرت جماعة أنصار السلام اسمها إلى جماعة البحوث، واستطاعت أحداث الحرب العالمية، بكل ما فيها من متغيرات جذرية طالت الساحتين الدولية والإقليمية، والمحلية، أن تعزل العناصر الأجنبية فيها بعيداً، وتفرز العناصر المصرية التي أسست عند نهاية الحرب جماعة "الفجر الجديد"، التي لعبت دوراً بارزاً من خلال تحالفها مع الوفديين، في إطار الاحتفاظ باستقلاليتها، ومارست نشاطاً مع الطلبة الوفديين والطليعة الوفدية.
في عام 1942، انقسم الاتحاد الديمقراطي إلى تنظيمين مهمين: الأول هو الحركة المصرية للتحرر الوطني، بقيادة هنري كورييل، وكان يرفع شعار التمصير، بمعني الانفتاح على المصريين مباشرة، وتصعيدهم إلى القيادة.
أما التنظيم الثاني فهو تنظيم ايسكرا، وهي كلمة روسية تعني "الشرارة"، وقاده هليل شوارتز، وضم إليه كثيرا من المثقفين المصريين الذين ينتمون إلى الطبقة الأرستقراطية.
لم تكن البدايات اليسارية قوية ومؤثرة من حيث المنظور العددي، لكنها نجحت في إشاعة أجواء فكرية وسياسية جديدة، ورسخت لمجموعة من الشعارات والمطالب التي تركت ظلالها العميقة على القوى والتجمعات السياسية المختلفة: التقليدي منها ممثلاً في الوفد من خلال جناحه الشبابي ذي النزعة اليسارية، وغير التقليدي ممثلاً في حركة مصر الفتاة والإخوان المسلمين.
كان الإخوان مطالبين بالالتفات إلى المتغيرات الجديدة، وحريصين على تقديم خطاب يتوافق مع ما أحدثته الحرب، ومن هنا تنبع أهمية المؤتمر السادس للإخوان.

بعد إقالة حكومة الوفد في أكتوبر 1944، اختار الملك فاروق أحمد ماهر، زعيم الحزب السعدي، لتشكيل حكومة جديدة، واتخذ رئيس الوزراء الجديد قراراً بإجراء الانتخابات، التي خاضها حسن البنا في مدينة الإسماعيلية، وشارك فيها خمسة من الإخوان في دوائر انتخابية متفرقة.
أُجريت الانتخابات في يناير 1945، وأسفرت عن سقوط جميع مرشحي الإخوان، لكن هذا الفشل لا يعد مقياساً يمكن الاعتداد به، فقد كان التزوير علنياً وسائراً.
كان عداء الحكومة السعدية للإخوان جزءاً من العداء العام تجاه كل من رشحوا أنفسهم من خارج الحزب، لكن هذه العمومية لا تنفي أن أحمد ماهر كان يستريب في نوايا الإخوان، ولا يبدي ارتياحاً لتنامي قوتهم العددية والتنظيمية، والمعروف أنه سعى للحصول على فتوى من الشيخ المراغي، شيخ الجامع الأزهر ورجل الملك القوي، تفيد أن هناك عدداً أكثر مما ينبغي من الجماعات الإسلامية، وكان واضحاً أن مثل هذه الفتوى موجهه إلى الإخوان في المقام الأول.
لا ينجو الإخوان من الاتهام الذي يطاردهم بأنهم مسئولون، على نحو ما، عن اغتيال أحمد ماهر، ويتشبث القائمون بالاتهام بأن اعتراف قاتله بالانتماء إلى الحزب الوطني، لا ينفي أنه كان أقرب على الإخوان، وأن كثيراً من معارفه وأصدقائه كانوا من المحسوبين إلى جماعة الإخوان المسلمين.

اغتيال ماهر كان رداً على موقفه من إعلان الحرب ضد المحور، ويعود هذا الموقف إلى سنوات عديدة سابقة لاغتياله ولتوليه منصب رئيس الوزراء.
حين دخلت إيطاليا الحرب في يونيو 1940، نادي أحمد ماهر بضرورة إعلان مصر الحرب على دول المحور، وكان منطقه أن عدم دخول الحرب يعد إقراراً منها بأن إنجلترا تحميها، وبأنها هي المسئولة عن استقلالها، في حين أن اشتراكها في الحرب يعطيها الحق، بعد انتصار الحلفاء، في التوصل إلى جلاء القوات البريطانية عن أراضيها. لكن رأي أحمد ماهر لم يؤثر كثيراً على الرأي العام، الذي لم يكن يتوقع انتصار إنجلترا وحلفائها، فضلاً عن التخوف من أن يؤدي إعلان مصر للحرب على دول المحور إلى أن تتعرض أراضيها للقصف الجوي والدمار، وبالتالي فقد مالوُا إلى سياسة تجنيب البلاد ويلات الحرب، وهي السياسة التي سارت عليها وزارة علي ماهر، التي خلفت وزارة محمد محمود، ومع ذلك فقد تمسك السعديون بضرورة دخول مصر الحرب، واستقالوا من وزارة حسن صبري الذي خلف علي ماهر.

بعد أن تولى أحمد ماهر الوزارة، خلفاً للنحاس، أعلن أمام البرلمان، خلال جلسة سرية، عزمه على إعلان الحرب ضد ألمانيا واليابان، ولم يكن لهذا القرار من هدف، وقد أوشكت الحرب على الانتهاء، سوى أن يُسمح لمصر بالحصول على مقعد في مؤتمر السلام. ولما كان إعلان الحرب لا يمكن أن يعتبر إعلانا لحرب دفاعية، فقد تقرر عرض الأمر على البرلمان في جلسة سرية، يعقدها مجلس النواب ثم يعقدها مجلس الشيوخ، لكن الأسباب التي ساقها أحمد ماهر لإعلان الحرب لم تنل ما تستحق من فهم، وبعد أن عرض رؤيته على مجلس النواب، ومر بالبهو الفرعوني متجهاً إلى مجلس الشيوخ، تصدى له المحامي الشاب محمود عيسوي، وأطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلاً وكان ذلك في الرابع والعشرين من فبراير 1945، قبل أن تنتهي الحرب العالمية بشهور قليلة.