عبد العظيم الديب.. الإخواني المُعادي للماركسية والاستشراق

الأربعاء 06/يناير/2021 - 10:53 ص
طباعة
 

نشأته:

وُلد عبد العظيم محمود الديب في قرية كفر إبري التابعة لمركز زفتى محافظة الغربية بمصر في عام 1929م، وحفظ القرآن الكريم منذ صغره في كتّاب القرية وهو دون العاشرة، التحق بالمدرسة الإلزامية لمدة 5 سنوات تمهيدًا للالتحاق بالأزهر، حيث كان لزامًا على من يدخلون الأزهر أن يكونوا من حفظة القرآن، ثم أتمَّ تعليمه في المعهد الديني الثانوي بمدينة طنطا في محافظة الغربية، أنهى دراسته الثانوية بمعهد طنطا الديني بعد 9 سنوات دراسية وهو في سن الثامنة عشرة.
التحق بكليتي أصول الدين بجامعة الأزهر ودار العلوم في وقت واحد، وفي السنة النهائية علمت إدارة كلية دار العلوم أنه يدرس في كليتين في آنٍ واحد فخيرته بين إحداهما، فاختار استكمال الدراسة في كلية دار العلوم وتخرَّج فيها عام 1956م.
التحق بكلية التربية لمدة عام، وحصل منها على الليسانس حتى يكون مؤهلاً للعمل بالتدريس، حصل على الماجستير عام 1970م في تحقيق كتاب "البرهان" لإمام الحرمين الجويني، ثم حصل على الدكتوراه عام 1975 عن "الإمام الجويني: علمه ومكانته وأثره ومنزلته"، وغادر مصر متوجهًا إلى قطر عام 1976م، حيث أصبح أستاذًا ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر سابقًا، ومدير مركز بحوث السيرة والسنة فيها بالنيابة. 

بداية وعيه السياسي:

بدأ وعيه السياسي واهتمامه بقضايا وطنه مبكرًا، فقد شارك منذ التحاقه بالأزهر في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني لمصر، التحق بدعوة الإخوان في وقت مبكر، وتربَّى على يد البهي الخولي، والذي كان أحد تلاميذ البنا وصاحب جهد بارز في نشر الدعوة بطنطا، كان موجعًا بقضية فلسطين وعبر عنها بقوله: "هي القضية التي ملكت عليّ شعوري وعواطفي، وسَرَت مع الدماء في عروقي حتى آخر لحظات عمري"، فقد شارك بجهده في حرب فلسطين عام 1948م، كما شارك علماء الأمة وقادة الحركات الإسلامية في إصدار بيان في الاثنين 21 أغسطس 2001م، تحت شعار: "أقصانا لا هيكلهم" للتضامن والمناصرة مع أهل فلسطين، وفي 9 أغسطس 2007م، أصدر مع عدد كبير من علماء الأمة نداء لفك الحصار الخانق عن شعب غزة وعن العالقين في رفح.
تربى عبد العظيم الديب على يد محمود محمد شاكر ، كما تتلمذ أيضًا على يد عبد السلام هارون، ومصطفى أبو زيد والأصولي عبد الغني عبد الخالق.

رأيه في تشويه التاريخ الإسلامي:

قام رضا عبد الودود بإجراء حوار معه لموقع "قاوم"،  سرد فيه عبد العظيم أديب آراءه في أكثر من موضوع ومنها "تشويه التاريخ الإسلامي"، حيث قال بهذا الخصوص: "في الحقيقة إن استدعاء التاريخ دائما ظاهرة صحية، لأن النماذج الواقعية أكثر تأثيراً من النظريات والوصايا والعظات، ولكن غُيّب عنا تاريخنا منذ زمن ما سُمّي بعصر النهضة، أعتقد أنه لم يكن يوجد درس خاص في مناهج التعليم قبل ما يُسمّى عصر النهضة، ولم يكن يوجد ما يُسمّى درس التاريخ، فكان هناك التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلوم الحديث والفقه والأصول والأدب والشعر واللغة والنحو وعلوم البلاغة، بل وعلم اختراق الآفاق (الجغرافيا) وعلم الهيئة (الفلك) وعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا) والكيمياء.. الخ. أما التاريخ فكان يُقرأ في كتب الإخباريين، وكانت أول محاولة لوضع فلسفة التاريخ وكتابته هي مقدمة ابن خلدون في القرن التاسع الهجري، لكن منذ بدء تأسيس المدارس على النمط الغربي وبدأت دروس خاصة بالتاريخ، وُضعت مناهج نُسّقت وبُوّبت بعناية بحيث تعطي نفوراً، وتعطي صورة ممزقة للتاريخ الإسلامي، ثم ساعد على ذلك أيضاً وسائل أخرى من وسائل التثقيف مثل المقال والمسرحية والتمثيليات، ووسائل الإعلام كلها." حيث يقف هنا عبد العظيم اديب في وجه العلم الحديث داعيا إلى العودة لعلوم الفقه واللغة.

الاستشراق:

وحول سؤاله عن الاستشراق أجاب: "المشكلة الحقيقية في كتابة التاريخ أنه يُكتب في إطار فكرة، ويثار على أنه أحداث تنتهي إلى غاية، وفي البداية كان التاريخ يُكتب على أنه حوليّات أو خطط.. أي أن المعيار الذي يمسك وقائع التاريخ لم يكن متعلقاً بالفكرة نفسها، وإنما بذكر الأخبار والأحداث دون تحليل أو تفسير مثلما فعل الطبري، وكُتّاب الطبقات، وكان التاريخ مجرد تدوين للأحداث وتنشيط للذاكرة...
وعندما جئنا نكتب تاريخنا الحديث كان يمكن أن يتحول التاريخ إلى غائي، ولكننا استُعمرنا فكرياً وحدث أمران: سيطرة المنظور العلماني على التاريخ الحديث، وسيطرة الاستشراق على التاريخ الإسلامي، فالاستشراق حكم على التاريخ عند كتابته بروحين، بوصفه موضوعياً وليس علمانياً، فالمستشرق يحكّم عقله، وعقله إما عقل نصراني لا يفهم الإسلام، ومن ثم يفصل بين الدين والدنيا، ولا يستطيع أن يوصل بين الاثنين ليفهم الظاهرة الإسلامية في واقعها المعيش، كما أن العقل العلماني يحكم على الدين بوصفه بيئة للتخلف، فمن ثمّ الدين الإسلام - في نظره متخلف لا يعتد به، وبهاتين النظرتين لا نستطيع إيجاد صيغة منضبطة للتاريخ» هكذا صيغت الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة.  ومن هنا وجدنا مثلاً كل من قرأ وكتب وجلس على مقعد الدرس يعرف ويحفظ عن ظهر قلب موقعة الجمل وصفين والتحكيم وكربلاء ومقتل الحسين، على حين لو سألت خريجاً في كلية الآداب قسم التاريخ عن معركة (ملاذ كرد) أو عن (جلال الدين منكبرتي) أشك أن تجده يعرف حتى الاسم، وهذه من ضمن المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام، وبالمثل لو سألت حتى المتخصصين في التاريخ الإسلامي عن عدد الغزوات التي حاول الغرب فيها الوصول إلى مكة والمدينة والهجوم على الحرمين الشريفين لا تجد خبراً. فمن الذي وضع هذه الصفحة في بؤرة الشعور وطوى تلك الصفحة؟! القضاء على النموذج العملي الناجح لتطبيق الإسلام... أخطر آثار تشويه التاريخ" هكذا يتخذ عبد العظيم اديب موقفا معاديا من الاستشراق ليس فقط بل ايضا من العلم الحديث. فيستطرد: "إن أخطر الآثار لهذا التشويه هو القضاء على النموذج العلمي الناجح لتطبيق الإسلام، فمعلوم أن المبادئ لا تظهر صلاحيتها وتثبت جدواها إلا بالتطبيق العمليّ، فكم من فلسفات ومشاريع حينما تُقرأ تجدها مُعجبة رائعة، لكن عند التطبيق تفشل فشلاً ذريعاً مثل الماركسية مثلاً. فحينما تشوّه صورة التاريخ الإسلامي فمعناها عجز الإسلام عن النجاح في التطبيق، وعدم قدرة المنهج الإسلامي والشريعة الإسلامية على النهوض بالأمم وصياغتها. وهذا هو الحادث في ثقافتنا الآن، فتجد الدعاة حينما يسألون كيف ستكون الدولة الإسلامية وإلام تدعوننا؟  ويواجهون بالصور الشوهاء من التاريخ الإسلامي، تجد الدعاة لا يجدون جواباً، بل يقولون: "ندعوكم إلى ما في كتاب الله، وإلى ما صحّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتاريخ لا يحكم على الإسلام، وتصرفات المسلمين لا تحكم على الإسلام، بل الإسلام هو الذي يحكم علينا".
فيجيب المعاندون قائلين: «إذا فشل وعجز الجيل الأول من الصحابة والتابعين عن تطبيق الإسلام فهل تنجحون أنتم». وهذه هي حجج العلمانيين أمثال : فرج فودة وسعيد العشماوي ورفعت السعيد، وغيرهم من العلمانيين، ويظل الإسلام مشروعًا نظريًا غير مطبق، ولذلك حينما يدعو الرأسماليون إلى مناهجهم يقدّمون أمريكا نموذجاً، وحينما يدعو الليبراليون والعلمانيون إلى مناهجهم يقدمون أوروبا نموذجاً، وكان الشيوعيون يقدمون الاتحاد السوفيتي نموذجاً، أما الإسلاميون فيُقال لهم: إلى أي إسلام تدعون: إلى إسلام الأمويين الذين هُدمت الكعبة في عهدهم واستبيحت المدينة وقُتل الحسين، أم إلى إسلام العباسيين ومسرور السياف ومباذل هارون الرشيد وأبي نواس (بالرغم من أن أبو نواس لم يلتق بهارون الرشيد نهائياً)، أم إلى إسلام الأتراك واستبدادهم وجهلهم، أم إلى إسلام المماليك وفظائعهم، أم إلى إسلام النميري؟ لولا المشاعر والعواطف السيئة نحو التاريخ الإسلامي لاستطعنا أن نطوّر نظم تعليمنا ومؤسساتنا الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية والإدارية من داخل ثقافتنا وبناءً على واقعنا – يغيب عن عبد العظيم هنا ما قاله بنفسه عن التاريخ الإسلامي ومحاولة تطبيقه التي ينتابها الفشل من عصر لعصر حتى هو نفسه لم يقدم لنا نموذج لدولة اسلامية قامت بتطبيق الاسلام كما يريد هو -  ومن مظاهر هذا التشويه أيضاً أننا أصبحنا نتحدث عن التقدم والتطور والتنمية وليس أمامنا إلا النموذج الغربي وأقصى ما يمكن للإسلاميين أنهم يريدونه لابسًا عمامة الإسلام، أما التقدم والتطور والتنمية بناءً على واقعنا وفلسفتنا، وبما لدينا انبعاثاً من واقعنا وماضينا فهذا غير وارد؛ إذ تحول صورة التاريخ الشوهاء دونه. فلولا المشاعر والعواطف السيئة نحو التاريخ الإسلامي لاستطعنا أن نطوّر نظم تعليمنا ومؤسساتنا الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية والإدارية من داخل ثقافتنا وبناءً على واقعنا".

الإسلاميون ودروس التاريخ:

وحول الإسلاميين ودروس التاريخ يقول عبد العظيم الديب: "ينبغي على جميع العاملين في الحقل الإسلامي أن يتأكدوا أن الخطوط متوازية وليست متقاطعة، فالجماعة التي تُعنى بالعمل الاجتماعي الخيري جهدها مقبول معروف غير منكور، والجماعة التي تُعنى بالعمل السياسي الإسلامي أو تُعنى بكل ذلك تصب في نفس المجال وجهدها مشكور مقدور. وعلى كل العاملين في الحقل الإسلامي أن يفسح بعضهم لبعض، ولا يعوق بعضهم عمل بعض، ولا ينتقص بعضهم عمل بعض» فالحقل الإسلامي يسع كل العاملين، بل إنني أدعو الإسلاميين جميعاً إلى التعاون الكامل مع كل التيارات المخلصة العاملة للأمة من قوميين، بل وعلمانيين ما داموا لا يسعون إلى إقصاء الآخر واستئصاله، وليعلم الجميع أنهم كلهم في خندق واحد، فليقبل الإسلاميون من بعضهم بعضاً، مادامت الوجهة كلها نحو إنقاذ الوطن والأمة." هكذا حاول في آخر ايامه لم شتات العاملين في التيار الاسلامي ولكن دون دجوى حيث تعصب كل فصيل لأفكاره ومنطلقاته التي تدعمها مصالحه الشخصية.

من مؤلفاته:

إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، حياته وعصره - آثاره وفكره.
فقه إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني، خصائصه - أثره - منزلته.
الندوة الألفية لإمام الحرمين الجويني.
الغزالي وأصول الفقه.
المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي،
نحو رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي.
جنوب السودان وصناعة التآمر ضد ديار المسلمين
المستشرقون والتراث.
الحوار والتعددية في الفكر الإسلامي.
أبو القاسم الزهراوى أول طبيب جراح في العالم
التبعية الثقافية: وسائلها ومظاهرها.
العقل عند الاصوليين.
العقل عند الغزالي
الرسول في بيته.
نحو موسوعة شاملة للحديث النبوى الشريف الكمبيوتر حافظ عصرنا.
فريضة الله في الميراث والوصية.
الإخوان المسلمون والعمل السرى والعنف
كلمة لابد منها (مجموعة مقالات)
إريتريا.. المأساة والتاريخ
الاستشراق في الميزان
الحزن في حياة رسول لله
بضعة أسطر في كتاب التاريخ (مجموعة مقالات)
رعاية العرف في بناء الأحكام عند إمام الحرمين
الجهاد في الإسلام

وفاته:

تُوفي الدكتور الديب صباح الأربعاء 6 يناير 2010م، وقد وافته المنية في مستشفى حمد العام. 









شارك