عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
مدخل
توقف الكثيرون باندهاش أمام ظاهرة مشاركة نساء الإخوان وفتياتهم في التظاهرات التي دأبت على تنظيمها الجماعة منذ خلع محمد مرسي، حيث حرصت الجماعة على أن تتقدم النساء والفتيات صفوف تلك التظاهرات.
بل إن طالبات الجامعة المنتميات لجماعة الإخوان خاصةً جامعة الأزهر سلكن سلوكًا عنيفًا ومنفلتًا في كثير من هذه التظاهرات داخل الحرم الجامعي وخارجه.
وبرز السؤال: هل يمكن أن تشارك النساء المنتميات لجماعات إسلامية، على تنوع تياراتها في الأعمال الاحتجاجية العنيفة؟ 
ونسعى هنا في هذا الملف الخاص لتناول دور المرأة في جماعات الارهاب المتسترة بالدين، ونستعرض كنموذج حالة توظيف/ دور المرأة في التنظيمات الجهادية التي تنشط في سوريا، في محاولة للإجابة عن التساؤل: ما هي الدوافع والمسببات التي تدفع بالنساء للانخراط في عالم الإرهاب؟ 
ويأتي هذا السؤال في ظل الازدياد الملحوظ في أعداد النساء المنتميات بل والفاعلات داخل الجماعات الإرهابية، ما دفع إلى إثارة سؤال آخر  حول دوافع لجوء المرأة إلى هذه الجماعات، وتطور دورها في التنظيمات الإرهابية من مجرد الرعاية والتنشئة إلى استخدام العنف والتخطيط  له. 
 وهنا تدعي أحد الفرضيات أن دخول المرأة إلى عالم الإرهاب، بمثابة  تحرير لها  بطريقة أو بأخرى، حيث تتمتع المرأة داخل الكيانات الإرهابية بالمساواة مع الرجال ويصبح لها دور قيادي داخل هذه التنظيمات، ولكن وجهة النظر هذه  قد تكون غير صحيحة بشكل كامل لدى الجماعات الإرهابية، التي تدعي اتخاذها الإسلام مرجعية لها، حيث يُنظر للمرأة على أنها مجرد آلة تستخدم لاستمرار بقاء التنظيم، مثلها مثل الوقود الذي يستخدم في المدافع، وهو يظهر في كثير من فتاوى رجال تنظيم القاعدة مثلًا الذين يحرّمون خروج المرأة لساحة القتال واكتفائها بدور الأم للأجيال الصاعدة في التنظيم.
وقد تتخطى أسباب دخول المرأة إلى التنظيمات الإرهابية، فكرة التحرر إلى الأسباب الشائعة التي تؤدي بالرجل أيضًا للانضمام لمثل هذه الجماعات  ومن أبرزها الفقر والتهميش والقهر السياسي. 
وحيثُ إن المرأة هي الطرف الأضعف من حيث الحقوق في أغلب المجتمعات تقريباً،  فإن العوامل الضاغطة على الأفراد تؤثر عليها بشكل مضاعف. 

الأسباب الاجتماعية والسياسية المُحفزة للإرهاب:
هناك أسباب اجتماعية وسياسية عدة مُحفزة للإرهاب، نذكر من أهمها:
1- الفقر:
في كثير من الدراسات تم وصف الإرهاب بأنه ''الجانب المظلم من العولمة'' وقد تمت الإشارة إلى أن نصف سكان العالم يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الواحد، وهو ما يمثل بيئة خصبة لانتشار العنف، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، لحث واضعي السياسات الأمريكية لتعزيز الأمن الوطني من خلال تخفيف التفاوت في الثروة.
أما الباحثة نعمت شفيق، فحددت بلدان العالم الثالث كأرض خصبة للإرهاب، حيث ارتفاع مستويات البطالة، وانخفاض التنمية الاقتصادية.
وقد أثيرت إشكالية ارتباط الإرهاب بالفقر خاصةً بعد أحداث سبتمبر 2001، وتمت مناقشة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للإرهاب، خاصةً بعد كلمة الرئيس الأمريكي السابق جورج دابليو بوش، الذي قال'' نحن نناضل ضد الفقر لأن الأمل هو القضاء  على الإرهاب''.
ويُفسَر وجود علاقة قوية بين الفقر والإرهاب، بأن استخدام العنف نوع من التعبير عن الاستياء الاجتماعي والاقتصادي واليأس. 
وأن الدول الفقيرة نظراً لما تحتويه من نسبة كبيرة من الأمية والعاطلين عن العمل، إلى جانب اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مع انخفاض مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، هذه العوامل تزيد من جاذبية التطرف السياسي وتشجيع استخدام العنف السياسي، واللجوء إلى الخطاب الديني وخاصةً المتشدد  كمهرب من سوء الأحوال الاقتصادية.
2- الحرمان النسبي:
لعل دراسة " تيد روبرت جور" نموذجية،  لأنها ربطت بين الفقر وعدم المساواة، وبين العنف السياسي، حيث ربط مصطلح " الحرمان النسبي،'' بين التفاوت الاقتصادي ونزوع الأفراد إلى اللجوء إلى العمل السياسي العنيف.
 ويستخدم جور مؤشر "الحرمان النسبي"، للدلالة على التوتر الذي يتطور بسبب التناقض بين ما يتوقعه الأفراد من الحصول على السلع والخدمات، وبين ما يحصلون عليه بالفعل، حيث إن خيبة آمالهم في الحصول على السلع والخدمات يؤدي إلى اللجوء للعنف السياسي. 
وقد كانت نظرية جور مرجعًا لعدد كبير من العلماء الذين يدرسون العنف السياسي، بما في ذلك صمويل هنتنجتون، الذي يستعير من إطار الحرمان النسبي لشرح الزيادة في العنف السياسي الذي شهدته الولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا خلال 1960 و1970.

3- التهميش السياسي والاجتماعي:
يعرَّف الدكتور ألين تودمان، مدير معهد دراسات التهميش والإقصاء الاجتماعي في مدرسة أدلير لعلم النفس المتخصص، مفهوم "التَّهمِيش" بأنه "جملة الإجراءات والخطوات المُنظَّمة التي على أساسها تُوضع الموانع أمام الأفراد والجماعات، حتى لا يتحصلوا على الحقوق والفرص والموارد، وخدمات السكن / الصحة / التوظيف / التعليم / المشاركة السياسية، وغيرها من الحقوق المُتاحة للمجموعات الأخرى، والتي هي أساس التكامل الاجتماعي،  وقد تم استخدام هذا المفهوم في أجزاء واسعة من العالم، ليُعبِّر عن التمييز والإقصاء الاجتماعي.
ويعرف علم الاجتماع السياسي الإنسان المهمش، بأنه الإنسان الذي يفقد جزءًا من ذاته، ويعجز عن تحقيق آخر، ويضعنا ذلك التعريف أمام نفسية هذا المهمش الذي يحاول باستمرار البحث عن تعويض لنواقص ذاته من خلال أشياء أخرى.
والإنسان الذي يشعر طوال الوقت بالتهميش ويفضل اللجوء إلى الجماعات الإرهابية، يحاول التحقق من خلال إيجاد دور له في المجتمع عن طريق لفت الانتباه من خلال العنف، هذا الدور الذي يعجز عن تحقيقه بالشكل العادي.

4- العزلة الجغرافية وغياب مؤسسات الدولة:
دائمًا ما تستخدم الجماعات المتشددة المناطق المعزولة عن السلطة الأمنية لتنشيط حركتها، والتحرك بشكل أكبر حرية، وذلك ما يحدث في سيناء مثلًا  في مصر، وفي  المخيمات الفلسطينية في لبنان، أو جبال قنديل أو جنوبي هضبة الأناضول، أو أفغانستان أو منطقة القبائل بين باكستان وأفغانستان. 
وقد استغلت هذه الجماعات  غياب مؤسسات الدولة في هذه المناطق، مع غياب عريض لخدمات البنى التحتية، وكان ذلك دافعًا كبيرًا  لتعزيز شعور المواطن القاطن في هذه المناطق بحالة من السخط على السلطة السياسية  وعلى النظام  خاصةً، مع  نقص الخدمات وحالة الفقر، والمسئول الوحيد بنظر المواطن البسيط عن هذه المشكلات هو غياب الدولة، وبالتالي تقدم هذه الجماعات بديلًا عن الدولة داخل تنظيماتها، مستخدمين الدين أو أيديولوجية معينة كمرجع لهم بديلًا عن القانون، ليصبح الانتماء الأول للجماعة ولأفكارها.

أدوار المرأة داخل التنظيمات الإرهابية
تقول الكاتبة السعودية "بينة الملحم" إن السؤال الذي يجب أن نعلّقه دوماً ولا نتجاهله: إلى أي مدى المرأة في مجتمعنا بعيدة عن إمكانات التجنيد الإرهابي أو قريبة منها؟ مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول للمرأة ووسائل تجنيدها أقل كُلفة من تجنيد الرجل، وفي ذات الوقت هي أكثر فداحة من حيث النتائج، الخطورة الحقيقية التي تكمن في التطرف وقدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات من النساء لها أو منفذات لأجندتها، حتى إن سلّمنا بأنها لا تشكل ظاهرة كما لدى الرجال، أن العلاقة التي تربط المرأة بأفراد المجتمع تشكل شبكة مركزها المرأة (الأم).
وإن  تجنيد المرأة إرهابياً يعني تزايد نسبة تجنيد نصف المجتمع أضعاف ما يحققه تجنيد رجل لجماعة إرهابية، في ظل خصوصية المرأة وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات مجتمعاتنا، والتي  تجد فيها المرأة من الإمكانات والخيارات الأكثر للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل.
 وللنساء داخل الجماعات الإرهابية أدوار كثيرة ومحورية، ولعل أدوارها   تتمحور حول ثلاثة أهداف بعينها لتخدمها وهي: 
الأمومة: وتخدم وظيفة نفسية لتعزيز الروح والأفكار المتطرفة، من خلال زرعها في الجيل الصغير الصاعد لخلق جيل جديد من الإرهابيين.
التجنيد: يعتمد بشكل أكبر على الرجال، حيث أن القيادة وصناعة القرار مازالت في أيدي الرجال داخل الجماعات الإرهابية، ولكن هذا لا يغفل الدور الذي تلعبه النساء في تجنيد أو التسهيل لعملية التجنيد لغيرهن من النساء، وقد يبدو هذا الدور غير واضح بشكل كبير في تنظيم مثل "القاعدة" باستثناء منطقة شبه الجزيرة العربية، بعكس بعض التنظيمات الأخرى في أمريكا اللاتينية أو الغرب.
ويعتمد دور التجنيد على روابط الأسرة والأصدقاء، وينشط أكثر في المناطق النائية والبعيدة، وقد ظهر دور المرأة في التجنيد داخل الجماعات المتطرفة في بلد مثل بيرو، حيث اعتمد تنظيم مثل "الدرب الساطع"، على النساء كفئة أساسية لتجديد وإحياء التنظيم على مدى ثلاثة عقود، امتدت من الستينيات وحتى التسعينيات  من خلال إدخال أعضاء جدد بشكل مستمر إلى التنظيم.
البروباجندا: مع ازدياد التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الإعلام أصبحت المرأة عاملًا مهمًا لدى التنظيمات الإرهابية للترويج لنفسها وجذب الانتباه، فاتبعت استراتيجية النساء الانتحاريات وتصوير فيديوهات لهن قبل التفجير وترويجه إلى وسائل الإعلام بأكبر قدر ممكن، مما يجذب أكبر قدر ممكن من التعاطف وكسر الصورة النمطية لهذه التنظيمات، وبذلك تصبح أداة قوية من الدعاية خاصة ًمع اهتمام وسائل الإعلام بالنساء أكثر من الرجال.

نماذج لدور المرأة داخل التنظيمات الإرهابية
وفقاً لكلوديا فورستر باحثة أمريكية، فإن فكرة النوع  تم اختلاقها من قبل الباحثين  لتجاهل تورط عناصر إرهابية نشطة من الإناث داخل التنظيمات المتطرفة، وتم النظر إليها على أنها حكرٌ على الرجال، وتم تحديد الأدوار التي تقوم بها المرأة داخل الجماعات الإرهابية في تنشئة الأجيال الجديدة فقط، وليس ككائنات قادرة على غرس الإرهاب وفاعلة في تحقيقه.
وترى فورستر أن هذا الفهم التقليدي للمرأة هو ما جعلها إرهابية بالفعل، وأنها قادرة كذلك مثلها مثل الذكور على ارتكاب الأعمال الإرهابية ضد المدنيين بشراسة ووحشية، وصفت كثيرًا بأنها أشد من شراسة الرجال. 
وهناك بعض الآراء التي ترى أن للنساء الإرهابيات الآثار الحاسمة على التاريخ، فعلى سبيل المثال، نظمت اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881 من قبل امرأة، وكان العديد من الثوريين في القرن التاسع عشر من الإناث، وكان  أكثر من نصف الانتحاريين  في أنحاء العالم بحلول العام2002 من النساء، وتشكل النساء حوالي 30 في المئة على الأقل من قوة القتال داخل الجماعات الإرهابية  وفقا للتقديرات الحالية، ومثلاً فإن كتائب شهداء الأقصى التهمت أكثر من 300 امرأة في وحدة خاصة من الانتحاريات المدربات تدريبا عاليا. 

فوسكو شيجينوبو
وتعد "فوسكو شيجينوبو" ملكة الإرهاب الأحمر، مثالًا واضحًا، حيث إنها أسست الجيش الأحمر الياباني، وأرست قواعده في لبنان، وكانت معروفة بصرامتها ووحشيتها مع أعضاء التنظيم، وكانت ناجحة جدًا في جمع الأموال وتسليح التنظيم،  وقادت شيجينوبو هجومًا ضد الولايات المتحدة على الأراضي الأمريكية، ليصبح الجيش الأحمر بذلك  المجموعة الوحيدة السابقة لتنظيم القاعدة لشن هجوما ً من هذا النوع 
تنظيم الأرملة السوداء
كوّن "شامل سلمانوفيتش باساييف"  والمعروف بـ " الأمير عبد الله شامل أبو إدريس" زعيم الجناح المسلح للمقاومة الشيشانية ضد روسيا  حركة "الأرملة السوداء"، والتي تتكون من نساء انتحاريات، كلهن أرامل لرجال شيشان تم قتلهم على يد القوات الروسية.
وتلعب مجموعة "الأرملة السوداء" دورا ً كبيرا ً في تهديد الأمن الروسي لدرجة وصلت إلى تهديدات بتفجير دورة الألعاب الأوليمبية، وقد تخطت مجموعة الأرملة السوداء فكرة التنظيم الأم، وتتحرك بشكل يبدو كتنظيم مستقل.   

في إفريقيا

كانت المرأة عنصرًا أساسيًا داخل التنظيمات المتطرفة والإرهابية داخل إفريقيا، حيث تم الاعتماد عليها بشكل أساسي في الحفاظ على التنظيم سواء من خلال أدوارها التقليدية في تربية أجيال من الإرهابيين الصغار، أو من خلال الأدوار غير التقليدية في التدريب العسكري، والمشاركة في العمليات القتالية.

بوكوحرام في نيجيريا

تعتمد الحركة والتي  تحاكي حركة بوكو حرام  النموذج  الطالباني الأفغاني،  ويطلق عليها اسم "طالبان نيجيريا"، على استراتيجية خطف النساء وخاصةً في الفترة الأخيرة بشكل كبير، مما خلق لها "شو إعلامي"  كبيرًا، ولعلَّ أزمة اختطاف حوالي 200 فتاة مؤخرًا والتهديد ببيعهن، ألقى الضوء بشكل أكبر على الجماعة وعلى وحشيتها. 
تسعى الحركة إلي منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا، التي ترى أنها "إفساد للمعتقدات الإسلامية"، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية بمجمل الأراضي النيجيرية، بما فيها ولايات الجنوب ذات الأغلبية المسيحية.
وترى إيان هرسي  كاتبة "بوول ستريت جورنال"، أن اختطاف الفتيات موجة جديدة من الجهاد الذي يعتمد على قمع النساء واستعبادهن، والذي تعتبره الجماعة أفضل بكثير من تعليمهن. 
لكن من مراجعة شهادات بعض الفتيات اللواتي تمكنَّ من الهروب من قبضة الجماعة، نلاحظ أن وظيفة النساء تتخطى فكرة العبودية، فهناك قياديات داخل الجماعة، إلى جانب سعيهم لتحويل بعض الفتيات إلى مجرمات لربطهن بالتنظيم بشكل عضوي. 
ومن شهادات بعض الفتيات اللواتي استطعن الهرب "جانيت" - الفتاة ذات التسعة عشر عاماً، التي دام اختطافها لمدة ثلاثة أشهر - إن جماعة "بوكو حرام" حاولت تحويلها إلى قاتلة، تقول: ذهبوا إلى جوزا، وأحضروا 5 أشخاص إلى المخيم وبدأوا في ذبحهم أمامي، ثم أمروني بشق حنجرة أحدهم، أخبرتهم أني لا أستطيع، فقامت زوجة زعيم الجماعة بقتله بدلاً مني.

تنظيم جيش الرب للمقاومة

ولعل واحدة من الجماعات الإرهابية الأكثر شهرة في إفريقيا هي تنظيم "جيش الرب للمقاومة"  بقيادة جوزيف كوني، وهذا التنظيم قد خلق الكثير من الاضطرابات في منطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا، وكان المسئول عن المجازر والدمار في جنوب السودان وشمال أوغندا، وكذلك المنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتشمل تكتيكاتهم الإرهاب والعنف الجنسي، وحرب العصابات والاختطاف والتشويه، وما شابه ذلك. 
يعتمد جيش الرب على اختطاف النساء والفتيات وتهديد حياتهم، ويتشكل  حوالي 80٪ من مقاتلي جيش الرب للمقاومة من الأطفال، 30٪ منهم من الإناث. 
والغالبية العظمى من النساء اللواتي ينضممن إلى جيش الرب للمقاومة، لا تفعل ذلك طواعية أو لأسباب التحرر، بل يتم تهديدهن بالقتل وإجبارهن على الخدمة، ويتم استخدامهن في أدوار التنشئة  وتربية الأطفال والزراعة، والواجبات المنزلية، وسرقة المواد الغذائية، ونقل الأسلحة، وعلى الرغم من أن هذه الأنواع من الأدوار هي القاعدة بالنسبة للفتيات في جيش الرب للمقاومة، فإن بعض الفتيات يتم تدريبهن على العمليات العسكرية. 

نساء القاعدة

منذ تأسيس تنظيم القاعدة، سعى قيادات التنظيم إلى إبقاء المرأة بعيدًا عن أنشطة الخط الأمامي، سواء في أفغانستان أوفي وقت لاحق في السودان والسعودية واليمن. 
وقد تم الاعتراف لأول مرة من قبل تنظيم القاعدة باستخدام النساء كانتحاريات من قبل أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق.
وتظل هذه  القضية موضع جدل بين الجهاديين، بين  فتاوى وفتاوى مضادة تقنن دخول النساء إلى التنظيمات المسماة الجهادية أوتحريمها، وعلى الرغم  من أن هناك دورا ً كبيراً وتوسعيًا  للمرأة المنتمية للقاعدة في جزيرة العرب فما زال استخدام المرأة للسلاح متحفظًا عليه بشكل كبير.
وقد قيل ذلك بشكل واضح، حيثُ تم توجيه رسالة مفتوحة موجهة للنساء من تنظيم القاعدة في منطقة الجزيرة العربية قيل فيها: نحن لا نريد منكِ الدخول إلى  ساحة المعركة أو الدخول إلى الصراع الدائر، نحن نريد منكِ فقط  محاكاة أسلافنا الإناث أتباع النبي محمد  في الحث على الجهاد، والاستعداد له، والصبر عليه ، والمشاركة العاطفية من أجل انتصار الإسلام.
لكن نساء القاعدة خاصةً في شبه الجزيرة العربية، يلعبن دورا ً بارزاً جداً للتنظيم، بل ويعتبر هذا الدور سمة أساسية للقاعدة منذ إنشائها في الجزيرة العربية، وقد سلط يوسف آل أيري أول أمير للقاعدة في جزيرة العرب الضوء على أهمية دور المرأة في المنظمة، وكتب رسالة مفتوحة بعنوان "دور المرأة في الجهاد ضد العدو"، وقال فيها إن  المرأة إذا كانت مقتنعة بشيء، فلابد أن تقتنع بأنها أكبر مصدر للقوة للرجل "الجهادي".
وقد أصبحت نساء القاعدة قوة رئيسية في التجنيد عبر الإنترنت، بل وتخطوا هذا الدور إلى تنفيذ عمليات فعلية وظهر ذلك بوضوح في سوريا.

ندى القحطاني والدخول لساحة القتال في سوريا

وعلى الرغم من هذا، فإن أعداد نساء  تنظيم القاعدة والمشاركات جسدياً داخل المعارك في تزايد مستمر، ولعلَّ من أبرز الأسماء والتي تلمع بشكل كبير هي ندى القحطاني المعروفة بـ" الأخت جوليبيب"، التي كونت مجموعة من النساء تطلق على نفسها اسم "صحابة جينان"، وأصدرت مؤخرًا بيانًا لحمل السلاح في سوريا،  وقال البيان: "إن قرار المرأة للقتال في ساحة المعركة هو مسألة خاصة بها، وأن للمرأة الحرية في القتال طالما أنها لا تشارك في أنشطة خاطئة، وتابع البيان أن الجهاد ليس واجبًا على المرأة المسلمة، لكنها ستكافأ عليه حتى لو اقتصر دورها على الرعاية الطبية للجرحى. 
وانتهى البيان بانتقاد الرجال الذين يسعون لمنع النساء من الانضمام إلى المعركة.
وفي أعقاب إعلان القحطاني عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، أنها سوف تسافر إلى سوريا للقتال في الخطوط الأمامية والمشاركة في العمليات الجهادية، امتلأت ساحات التواصل الاجتماعي بتهنئة  الناشطين الإسلاميين لها، ووصفها بالسعودية الوطنية، ودعوا النساء الأخريات للمشي على خطى القحطاني، ووصفوا تحرك القحطاني بأنه ضخ دماء جديدة للتنظيمات  الجهادية، وشبهوها بوفاء آل الشهري وأروى البغدادي.

وفاء آل الشهري وأروى البغدادي والتجنيد الإلكتروني

وفاء آل الشهري أرملة  عضو تنظيم القاعدة السابق في شبه الجزيرة العربية سعيد الشهري، والذي تم ترحيله من المملكة العربية السعودية بعد العودة إليها من سجن  جوانتانامو، وفر إلى اليمن وتم قتله  في هجوم شنته طائرة أمريكية دون طيار أواخر عام 2012. 
وأروى البغدادي زوجة عضو آخر بالقاعدة في جزيرة العرب، هو أنيس البغدادي، والذي يعتقد أنه أيضاً مختبئ حالياً في اليمن.
وتعتبر كلتا المرأتين "الشهري والبغدادي" أكثر من مجرد زوجتين لعضوي تنظيم القاعدة، فالسلطات السعودية توجه لهما اتهامات بتنظيم وتمويل وتقديم الدعم الأيديولوجي للقاعدة، بالإضافة إلى إصدار دعوات علنية للآخرين للانضمام إلى تنظيم القاعدة.
وتلعب المرأة الآن دوراً غير تقليدي للقاعدة، من حيث جذب شريحة أكبر من الشباب والفتيات للتنظيم، وذلك من خلال التجنيد عبر الوسائل الحديثة، مثل شبكة الإنترنت والابتعاد عن الأدوار التقليدية، مثل تشجيع الرجال على القتال أو رثائهم بعد قتلهم في المعارك. 
وقد كتبت وفاء آل الشهري مقالًا في مايو2010، وجهته إلى المرأة السعودية تدعوها فيه  للانضمام لتنظيم القاعدة، وطالبت الشهري المرأة السعودية بالخروج للدفاع عن نفسها، ما دام الرجل في شبه الجزيرة العربية لا يستطيع حمايتها كما قالت، واعتُبر هذا المقال خطوة إلى الأمام، بل رئيسية  في تطور جناح القاعدة من الإناث في منطقة الجزيرة العربية.

هايلة القصير سيدة تنظيم القاعدة

ربما الأكثر شهرة من نساء تنظيم القاعدة هي هايلة آل قصير، المعروفة  في وسائل الإعلام بسيدة تنظيم القاعدة، والتي كانت متزوجة من الشيخ السعودي المعروف عبد الكريم حميد، ثم تطلقت منه  وتزوجت عضو القاعدة البارز محمد الوكيل، الذي قتل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في ديسمبر عام 2004، بعد هجوم فاشل بسيارة ملغومة على وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية.
وتعتبر سيدة تنظيم القاعدة واحدة من عناصر التنظيم الأكثر نشاطا وفعالية في المملكة العربية السعودية، فقد كانت القصير شخصية رئيسية للتنظيم من حيث تأمين التمويل وتأمين المجندين الجدد، بمن فيهم الأعضاء الذين سيذهبون في وقت لاحق لتنفيذ هجمات انتحارية.
 وقد اتهمت بعدد من الجرائم، منها إلى جانب مساندتها للتنظيم، حيازة الأسلحة المستخدمة في الهجمات الإرهابية، وتحريض الآخرين على ارتكاب أعمال إرهابية.
وفي النهاية فقد يستدعي هذا التقرير ما يفعله الإرهاب في تحويل البشر عموماً والنساء خصوصاً، من كائنات منتجة للحياة إلى كائنات تسعى للقضاء على الحياة، وتعود هذه النتيجة في الأساس إلى أسباب، في ظاهرها تعتمد على التطرف الديني ولكن في عمقها تدل على ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية تخلق منظومة العنف في الأساس. 

سوريا نموذجاً
بعدما اندلع ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي اتخذت المرأة دورا أساسيا في اندلاع هذه الثورات، ولكن يبدو أن الوضع في سوريا أخذ منحى مختلفا؛ فالانتفاضة التي اندلعت سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية طاحنة بين النظام السوري برئاسة بشار الأسد وبين مئات من الجماعات المتطرفة بل والإرهابية أيضا.
ولم تكن المرأة بعيدة أبدا عن ساحة الحرب، بل كانت أداة قوية لكلا الطرفين لحسم الكثير من المعارك؛ وهو ما دفعها دفعا للعب دور رئيسي جنبا إلى جنب مع الرجال، ومن اللافت للانتباه أنها لعبت مثل هذا الدور داخل الجماعات الإرهابية مثل "جبهة النصرة" و"داعش"؛ مما يعد تغيرا نوعيا لدور النساء داخل هذه التنظيمات.
وهذا ما سنحاول التطرق إليه في بحثنا حول التغير النوعي الذي أحدثته الحرب الأهلية في سوريا في وظائف المرأة داخل التنظيمات الإرهابية.
ولكن قبل التطرق لهذه النقطة لا بد من الدخول أولا لفهم الوضع داخل الساحة السورية: 
اندلاع الصراع في سوريا
في مارس 2011 بدأت قصة الصراع في سوريا، وذلك عقب استخدام حكومة الرئيس بشار الأسد القوة المميتة لسحق المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، تطور الأمر بشكل درامي فأنصار المعارضة شرعوا لحمل السلاح، أولا للدفاع عن أنفسهم ثم في وقت لاحق لطرد قوات الأمن من المناطق المحلية، ثم انحدرت البلد إلى حرب أهلية، اشتبكت فيها أطراف الصراع سواء الجيش النظامي لقوات الأسد أو الفصائل المسلحة للسيطرة على المدن والبلدات ومساحات كبيرة من الريف.
في عام 2012 تمتعت القوات المتمردة المتمثلة فيما يسمى "الجيش السوري الحر" بسلسلة من النجاحات التكتيكية التي تحدت الهيمنة العسكرية للحكومة.
حيث إنها نجحت في قصف مدمرة للجيش في حي بابا عمرو في حمص في بداية السنة، من خلال التقاط القواعد الرئيسية، واستولوا على الأسلحة الثقيلة، ونجحوا في تعطيل خطوط الإمداد، وإجبار قوة من الجيش والقوات الجوية على الانسحاب من العديد من المناطق المتنازع عليها.
كما شنوا هجمات منسقة على العاصمة دمشق، وعلى مدينة حلب.
واستطاع المتمردون والجيش السوري الحر في نهاية المطاف السيطرة على العديد من الضواحي والبلدات في الحزام الزراعي للغوطة حول دمشق، واستطاعت إطاحة أجزاء كبيرة من قوات النظام في حلب.
ومع ذلك، فإن التقدم لم يكن محسوما، فبحلول بداية عام 2013 بدأت الحكومة في استعادة معاقل المعارضة في أنحاء العاصمة، في حين كان هناك جمود في حلب التي كانت مقسمة بقوة من الداخل بين قوات النظام وقوات المعارضة.
وفي يونيو عام 2013 استطاعت القوات الحكومية المدعومة من قبل مقاتلين من حركة المقاومة الإسلامية الشيعية اللبنانية، حزب الله، استعادة المدينة ذات الأهمية الإستراتيجية القصيرة، والتي تقع على مقربة من الحدود اللبنانية.
ثم أطلقت قوات الأسد هجمات على معاقل المتمردين المتبقية في حمص وجبال القلمون، التي تقع في الحدود مع لبنان والطريق السريع الذي يربط دمشق مع مفتاح حمص ومعقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد على ساحل البحر المتوسط .
وقد تأثرت المعارضة المتمثلة في الجيش السوري الحر بشكل قوي بسبب الصراع المميت فيما بينها، فمنذ شهر يناير 2013 اندلع الصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام المعروف  بـ"داعش" ، وبين أعضاء من الكتائب المدعومة من الغرب والإسلاميين، وعلى رأسها "جبهة النصرة" المنتمية لتنظيم القاعدة.
ولا يزال الوضع على الأرض غير محسوم، ويتوقف طوال الوقت- وما زال- على أساس أي تحليل على تقييم تقارير من القتال والقوات والأسلحة والحركات وغيرها من الحوادث .

أطراف الصراع
دفعت سلسلة من التصعيدات المتبادلة بين مختلف الأطراف داخل سوريا بالوضع إلى حالة من الحرب الطائفية الإقليمية، التي يصعب كبح جماحها، هذه الحرب التي مزقت أوصال سوريا وشككت لأول مرة منذ نحو قرن في الحدود الإقليمية الفاصلة بين دول المنطقة، بل وأثارت احتمال نشوب صراع بين قوى دولية متمثلة في روسيا وإيران من جهة تساند نظام الأسد والولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى تساند المعارضة المتمثلة في الجماعات المتشددة والإرهابية.
وتتمثل أبرز أطراف الصراع دخل الأراضي السورية في: 

1- نظام بشار الأسد

مع نهاية العام الماضي كانت قوات المعارضة قريبة من الضواحي المحيطة بوسط العاصمة دمشق، وبدا النظام الحاكم في وضع حرج، ولكن وعلى الرغم من حدوث بعض الانشقاقات في صفوف الجيش، فإنه لا يزال متماسكا على نحو ملحوظ، ولكن عدد القوات التي يمكن الاعتماد عليها محدود، وقد استهلكت طاقاتها.
مما دفع الأسد إلى اللجوء إلى حلفاء رئيسيين مثل روسيا وإيران، ويبدو أنه ظفر بتعهدات تؤكد أنهما لن يسمحا بسقوط نظام حكمه، وهذا ما جعل كفة الأحداث تميل لصالحه.
كما طردت المعارضة من الضواحي المحيطة بدمشق، ومع انقطاع خطوط الإمداد أو التهديد بذلك، لم تعد المعارضة في وضع يسمح لها باجتياح العاصمة، فضلا عن الضغوط عليها في الجبهات الأخرى.
ولعبت طهران دورا كبيرا في انقلاب الميزان في ميدان المعركة، عكس روسيا التي كان دورها أقل بروزا، حيث صد مقاتلون شيعة تابعون لجماعة حزب الله، التي تدعمها إيران، هجمات في مدينة القصير.
واستطاعوا بالتعاون مع مسلحي الشيعة، من لواء أبي الفضل العباس العراقي- وهم تنظيم إيراني أيضا- الدفاع عن ضريح السيدة زينب على الجانب الجنوبي لدمشق.
كما نجحت إيران بدور رئيسي في تشكيل ميليشيات الدفاع الوطني، وهي ميليشيات أغلب عناصرها من الطائفة العلوية، تتولى مهام الأمن في المناطق العلوية، وتساعد في التخفيف من مهام الجيش الذي يشكو من قلة العدد.
يبدو أن النظام أصبح الآن متماسكا جدا سياسيا وعسكريا، وله رؤية إستراتيجية واضحة، ويتمتع بدعم حلفاء يثق فيهم؛ مما يجعله أكثر استعدادا لتحمل فترة توازن واستنزاف من المعارضة التي باتت أكثر تشتتا وتمزيقا.

2- المعارضة المسلحة

تبدو المعارضة السورية المسلحة في وضع حرج، فهي منقسمة من الناحية العسكرية إلى مئات الجماعات المتنافسة، وبعضها لا يخضع على الإطلاق لرقابة مركزية، كما أن قيادتها السياسية تتسم بالفوضى وتتشكل من عناصر خارجية بشكل كبير ذات صلة سطحية وبغير نفوذ بعناصر داخل البلاد.
كما أن هذه المعارضة تواجه مشكلات كثيرة، منها نزعات الانفصال السائدة في المناطق الكردية في الشمال، وهي منطقة يطمح سكانها إلى الحكم الذاتي مثل الذي يتمتع به أقرانهم عبر الحدود الشمالية العراقية.
كما أن الممارسات المتشددة التي تقوم بها هذه الفصائل ضد المواطنين ومحاولة تطبيق مفهومها الضيق للشريعة عن طريق تطبيق الأحكام فقط، أدى ذلك إلى انخفاض شعبيتهم وتزمر الشارع السوري ضدهم، وهو ما يظهر بشكل واضح في مدينة مثل "الرقة" التي تسيطر عليها "داعش"، حيث دعا النشطاء للإضراب على مستوى المدينة احتجاجا على الممارسات القمعية والضرائب التي يفرضها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على المدينة.
كما أن أكبر خطر يواجه هذه المعارضة هو الاقتتال فيما بينها، وخاصة بين جبهتي "النصرة" و"داعش "، وهو ما جعل "أيمن الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة يستشعر الخطر ويدعو إلى الهدنة بين التنظيمين، ودعا إلى إنشاء ما أسماه المحكمة الشرعية للبت في الخلافات بين الطرفين، ووجه الظواهري نداء لأبي بكر البغدادي زعيم "داعش" يطالبه فيه بالتفرغ للقتال في العراق، وطالب "جبهة النصرة" بوقف قتال من أسماهم المجاهدين.

3- جبهة النصرة

تنتمي منظمة "جبهة النصرة" للفكر السلفي الجهادي، وتعود البدايات الأولى لها إلى ديسمبر 2011 مع بداية الأزمة السورية، وقد نمت قدراتها بعدها، لتصبح في غضون أشهر من أبرز القوى المعارضة للنظام السوري. 
وتتكون الجبهة من المجاهدين الإسلاميين السُنّة، الذين كانوا جزءا من تنظيم القاعدة بزعامة أبي مصعب الزرقاوي الذي كان يقاتل  القوات الأمريكية في العراق، وعقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أرسلت القاعدة مقاتليها إلى سوريا، كذلك ضمت "جبهة النصرة" مقاتلين عربا وأتراكا وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين، كما التحق بها عددٌ من الأمريكيين ذوي أصول جنوب آسيوية، وانضموا إلى القتال في سوريا، ومنهم "سينه نجوين فينه نغو"، المعروف باسم حسن أبي عمر غنوم، والذي اعتقل في ولاية كاليفورنيا في 11 أكتوبر 2013.
وبلغ عدد أعضاء "جبهة النصرة" عام 2013 ما يقارب الستة آلاف عضو، يتوزعون في هيكل تنظيمي يختلف بحسب المناطق في سوريا، ففي دمشق العاصمة التي يسيطر عليها النظام، يعمل التنظيم من خلال عدد من الخلايا السرية، بينما يختلف الأمر في حلب التي يسيطر التنظيم على أجزاء منها، وينتظم في شكل مجموعات على أسس عسكرية شبه تقليدية، عبارة عن وحدات مقسمة إلى ألوية، وأفواج وفصائل، بحيث يخضع المجندون في التنظيم لدورة تدريبية لمدة 10 أيام، يليها برنامج للتدريب العسكري لمدة تمتد إلى 20 يوما .
وتعد مدينة حمص مركزا لـ"جبهة النصرة"، وتتركز أهم مناطق عمليات الجبهة بمحافظات إدلب وحلب ودير الزور والغوطة.

4- الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"

يرجع تشكيل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" "داعش" إلى 15 أكتوبر 2006 بعد اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة حلف المطيبين، الذي تم فيه اختيار "أبي عمر" زعيما للتنظيم في أول انشقاق تنظيمي عن القاعدة الذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي داخل العراق.
وشن هذا التنظيم هجمات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة على الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والمدنيين والمقاولين الأجانب ووزارات الدولة ومؤسساتها والمنظمات الدولية، وتكفير فئات من الشعب العراقي.
وبعد مقتل الزرقاوي بغارة جوية أمريكية استهدفته في محافظة ديالي وسط العراق- تغير اسم التنظيم ليحمل تسمية "دولة العراق الإسلامية"، ومع اندلاع الصراع المسلح بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومعارضيه أعلنت قيادة تنظيم القاعدة في العراق عن دمجها مع قاعدة سوريا ليكونا "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بقيادة البغدادي.
وتمتلك "داعش" قوات قتالية كبيرة من الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والسيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة، التي حصلت عليها من الجيش العراقي، والجيش السوري، والجيش الأمريكي، والجيش البريطاني في العراق. 
ويمتد نفوذ "داعش" في العديد من المناطق على رأسها محافظات الرقة وحلب‏ وريف اللاذقية ودمشق وريفها ودير الزور وحمص وحماه والحسكة وإدلب، ويتفاوت هذا التواجد والسيطرة العسكرية من محافظة لأخرى، فمثلا لديها نفوذ قوي في محافظة الرقة وفي بعض أجزاء محافظة حلب، بينما نفوذها يقل في حمص واللاذقية.

المرأة ورقة أساسية داخل ساحة المعركة
من الواضح أن مقولة "المرأة هي أكثر خطورة من الأسلحة" تم تفعيلها وإثباتها بشكل كبير داخل ساحة الصراع السورية، وكما يقول ناشط سوري بأنك "إذا كنت ترغب في نشر الفكر الخاص بك، فأفضل طريقة للقيام بذلك هي من خلال المرأة"، ويبدو أن الصراع في سوريا قد نقل المرأة من أدوارها التقليدية من مجرد داعم للرجل إلى فاعل أساسي جنبا إلى جنب مع الرجل في ساحة المعركة بل وتفوقت عليه في بعض الأوقات. 
وإذا رجعنا إلى أدوار المرأة داخل الجماعات الإرهابية والتي سبق تحديدها في تقرير سابق بعنوان "دور المرأة الإستراتيجي داخل الجماعات الإرهابية"، فإنها تنحصر في: 
الأمومة: وذلك حيث إنها تخدم وظيفة نفسية لتعزيز الروح والأفكار المتطرفة؛ من خلال زرعها في الجيل الصغير الصاعد لخلق جيل جديد من الإرهابيين.
التجنيد: بالتأكيد هذا الدور يعتمد بشكل أكبر على الرجال، حيث إن القيادة وصناعة القرار ما زالتا في أيدي الرجال داخل الجماعات الإرهابية، ولكن هذا لا يغفل الدور الذي تلعبه النساء في تجنيد أو التسهيل لعملية التجنيد لغيرهن من النساء. 
البروباجندا: مع ازدياد التقدم التكنولوجي وتطور وسائل الإعلام أصبحت المرأة عاملا مهما لدى التنظيمات الإرهابية للترويج لنفسها وجذب الانتباه، فاتبعت إستراتيجية النساء الانتحاريات وتصوير فيديوهات لهن قبل التفجير وترويجه إلى وسائل الإعلام بأكبر قدر ممكن، مما يجذب أكبر قدر ممكن من التعاطف وكسر الصورة النمطية لهذه التنظيمات، وبذلك تصبح أداة قوية من الدعاية خاصة مع اهتمام وسائل الإعلام بالنساء أكثر من الرجال.

المرأة كأداة للجنس

ولعلَّ من أهم الوظائف التي تقوم بها المرأة داخل التنظيمات المسلحة في سوريا هي الوظيفة الجنسية، وقد برزت هذه الوظيفة خاصة  بعد إعلان وزير الداخلية التونسي بأن هناك 13 فتاة من المتعاطفات مع حركة الجهاد الإسلامي قد سافرن إلى سوريا لممارسة ما يسمى "جهاد النكاح"، ويعتمد هذا المفهوم على تقديم النساء أنفسهن للمقاتلين لإقامة الحكم الإسلامي ودولة الخلافة. 
ويُقال: إن الداعية السعودي محمد العريفي قد أصدر فتوى في ربيع عام 2013 تتضمن سفر النساء إلى سوريا لتلبية الرغبات الجنسية للمقاتلين المعارضين للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، واشترط العريفي حسب الفتوى المنسوبة له تجاوز أعمار الفتيات 14 من العمر وكونهن مسلمات، هذه الفتوى نفاها العريفي، كما أن التنظيمات المسلحة نفت عن نفسها ممارستها هذا النوع من الجهاد كما يسمونه، لكن يبدو أن هذا الإنكار والنفي مجرد كلام لا يمت للواقع بصلة.
فتجنيد النساء للسفر إلى سوريا لممارسة هذه الوظيفة تخطى حدود المنطقة العربية ووصل إلى أوروبا أيضا.
فالحكومة البريطانية تراقب بتخوف العدد المتزايد من النساء البريطانيات المسافرات إلى سوريا للزواج من المقاتلين في صفوف المعرضة داخل الجماعات المتطرفة، ويعتقد العديد من المراقبين أن الزواج يتم عن طريق شبكة الإنترنت، ويشترط أن يتم الزواج قبل السفر حيثُ يحظر على النساء غير المتزوجات من السفر وحدهن.
ووفقا لدراسة أجراها المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن فإن حصر عدد النساء اللاتي تزوجن من مقاتلين في سوريا يصعب تحديده بدقة، ولكن يعتقد مركز الأبحاث أن عشرات من النساء البريطانيات تزوجن الجهاديين الناطقين باللغة الإنجليزية، وقد تم تجميع الكثير من المعلومات حول هذه النقطة وفقا  لغرف "الشات" التي تراقب المنتديات الإلكترونية .
ووفقا  للدراسة فإن نساء أخريات ذهبن إلى سوريا للزواج من المقاتلين من جنسيات متعددة مثل فرنسا، السويد، صربيا، الفلبين وألمانيا.
تشكيل الميليشيات النسائية

الأسد يلقي بالكارت الأول

وتلعب المرأة داخل سوريا كل هذه الأدوار السابق ذكرها، لكن تبقى سوريا نقطة تحول نوعي في دور المرأة بشكل لافت، بل إنها دفعت تنظيمات مثل القاعدة في التخلي عن أفكارها في تحريم وجود المرأة كمقاتل، بل ودفع الصراع داخل سوريا "جبهة النصرة" المنتمية للقاعدة إلى تكوين كتائب نسائية عسكرية خاصة.
ويبدو أن الخطوة الأولى التي اتخذها نظام الأسد بتكوين كتائب للإناث في مايو 2012 والتي شُكلت من نحو 500 امرأة سميت كتاب اللبؤات للدفاع الوطني، وكانت تابعة لقوة الدفاع الوطني، ذراع النظام الرئيسي لمكافحة التمرد، وقد اتسمت كتائب نساء الأسد بوحشيتها، حتى إنهن مَن ذبحن حوالي 108 مواطنين سوريين من بينهم 34 امرأة و49 طفل في مدينة حمص فقط.
ويبدو أن تكوين كتائب للإناث من قبل نظام الأسد كان له دوران أساسيان في ساحة المعركة إلى جانب القتال، الأول هو شن حرب نفسية على المعارضة التي تعتمد على الأدوات التقليدية في المعارك وما يعنيه من انكسار نفسي بسبب الهزيمة على يد النساء.
كما استخدمها الأسد كوسيلة لنقل صورة ليبرالية للنظام أمام الغرب بعكس المعارضة المتشددة التي لا تؤمن بدور المرأة كفاعل أساسي في الحياة السياسية. 
وردا على خطوة الأسد بدأت المعارضة في تكوين كتائب نسائية في خطوة تعتبر الأولى من نوعها بالنسبة للتيارات المعروفة بتشددها. 

الجيش السوري الحر يشكل كتائب نسائية

بعد شهر من تكوين الأسد الكتيبة العسكرية النسائية قام الجيش السوري الحر بتكوين الكتيبة النسائية الأولى في صفوف المعارضة، وقد تشكلت هذه الكتيبة من حوالي 150 امرأة معظمهن كرديات.
وتلعب النساء الكرديات الدور العسكري بشكل أوضح وأقوي من كل فصائل المعارضة الأخرى.
ووفقا لوكالة فرانس برس فإن واحدا من بين كل 5 مقاتلين في وحدات الحماية للشعب الكردي (YPG) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من النساء. 
ومن اللافت للانتباه أن حزب الاتحاد الكردي قد شكل كتائب نسائية في جميع أنحاء البلاد، وأن المقاتلين الرجال لا يجدون غضاضة لوجود النساء معهم على الخطوط الأمامية في ساحات الاقتتال مع النظام. 

كتائب القاعدة النسائية
سعى تنظيم القاعدة منذ بداية تشكله حسم موقفه من مشاركة المرأة في صفوف القتال؛ لتبقى غائبة عن الأدوار العسكرية بين صفوف المقاتلين الأفغان العرب، وحتى بعد انتقال الخلايا إلى السعودية وتحولها عقب ذلك إلى اليمن، ثم حدث تحول غير مسبوق عندما بدأت المرأة بتفخيخ نفسها في العراق في 2005 من خلال إعلان «القاعدة» حينها على لسان قائدها الزرقاوي تجنيد عشرات الفتيات كانتحاريات.
ويأتي الدور العسكري لنساء القاعدة مخالفا لفتاوى رجال التنظيم خاصة ما قاله يوسف العييري في بيان نشره ووجه فيه النداء للمرأة قائلا: «نحن لا نريد منكِ أن تدخلي أرض المعركة لما فيه من تبذل وفتنة، ولكننا نريد منك أن تقتدي بنساء السلف في تحريضهن على الجهاد وإعدادهن له وفي صبرهن على هذا الطريق وفي شوقهن للمشاركة بكل شيء مقابل انتصار الإسلام»، متابعا: «فأقل ما يطلب منك في حال خروج الرجال إلى الجهاد أن تسكتي وترضي بما أمر الله به، واعلمي أنك حين تثنين الرجال عن الجهاد، سواء كانوا أبناء أو أزواجا أو إخوة فإن هذا نوع من الصد عن سبيل الله لا يرضاه أبداّ".
رغم هذا الموقف التأصيلي والقديم السلبي تجاه المشاركة القتالية للمرأة، فإن مجموعة من النسوة خرجن ببيان تحت اسم «رفيقات الجنان» لمساندة موقف الإرهابية السعودية "ندى القحطاني" التي قررت السفر للقتال في سوريا وقلن في البيان: "إن نفير المرأة المسلمة إلى الشام إنما هو شأن خاص، ولها الحرية في الإقبال على ذلك طالما كان دون معصية".
ويعتبر هذا البيان خطوة كبيرة نحو تغير جذري في التنظيم الإرهابي الأكبر على الساحة الدولية الآن.
كتائب "جبهة النصرة"
جبهة النصرة كما تم الذكر مسبقا هي فرع تنظيم القاعدة داخل سوريا، ويبدو أن الجبهة لم تجد مفرا من تكوين كتائب من المقاتلات النساء، خاصة بعدما اشتركت كل الفصائل الأخرى سواء مع التي تقاتل ضد النظام أو تلك الموالية له.
وقد تعاونت الكتائب النسائية مع بعضها البعض ، فاشتركت كتائب "جبهة النصرة" مع الكتائب الكردية، وتم تدريبهم على استخدام أنواع من الأسلحة التي لا حصر لها بل وتدريبهن على القنص بالـ"أر بي جي".

كتائب داعش الأكثر رعبا
يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو التنظيم الأكثر وحشية في ممارساته مع المناطق التي يسيطر عليها، ويظهر ذلك بوضوح في منطقة مثل الرقة التي صار اسمها "إمارة الرقة"، ولا تقل ممارسات الكتائب النسائية الداعشية وحشية عن ممارسات المقاتلين الرجال من التنظيم نفسه، ومن بعض القوانين التي تفرضها داعش: 
1- فرض النقاب الأسود السميك، وأي تهاون من قبل المرأة وخصوصا فيما يتعلق بدرجة سماكة النقاب يؤدي إلى الاعتقال، إذ تعتبر هذه المخالفة من أكثر المخالفات التي تم اعتقال نساء في الرقة بناء عليها.
2- إجبار مسيحيي الرقة على توقيع عهد ذمي، يقضي بدفع "الجزية" تبدأ بـ13 جراما من الذهب بالنسبة للأثرياء وربعها بالنسبة للمسيحيين الفقراء، ومنعهم من رسم الصليب أو استخدام مكبر الصوت في صلواتهم، بالإضافة لمنعهم من امتلاك أو حمل سلاح ولا حتى للدفاع عن النفس.
3- الجلد للفتيات السوريات لظهور حواجبهن من تحت النقاب.
4- عدم مخالطة الرجال للنساء في الأماكن العامة ودوائر العمل وعدم الخروج مساء من دون محرم (رجل) إضافة إلى عدم الصعود في سيارات الأجرة في أي وقت من دون محرم أيضا.
5- حظر ارتداء النساء والفتيات لـ"الجينز" والكنزة، واستبدالهما بالعباية والبرقع.
6- حظر تدخين السجائر أو النارجيلة.
7- إغلاق محلات الحلاقة الرجالية، ومنع الشباب من تسريح شعورهم على الطريقة الحديثة أو وضع أية مادة عليه.
8- إغلاق محلات الخياطة النسائية إذا شوهد فيها رجل، ومنع النساء من زيارة طبيب نسائي للعلاج.
9- حظر بيع أقراص الغناء وآلات الموسيقى وتشغيل الأغاني الماجنة في السيارات والحافلات والمحلات وجميع الأماكن العامة، وإزالة صور الرجال والنساء من واجهة المحلات.
10- على كل صاحب متجر قبل نداء الصلاة بعشر دقائق إغلاق متجره.
11- على أي رجل خارج الطرق التوجه إلى المسجد، لأداء فريضة الصلاة، وعدم التأخر أو الجلوس للحديث في الطرق، و"من وجد أثناء الصلاة فاتحا متجره، أو خارج المسجد في الطرق، فإن متجره سوف يغلق ويطلب للمساءلة الشرعية".
12- يجلد 70 جلدة كل من يتداول كلمة "داعش"، إذ عليه أن يقول "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

وتفرض "داعش" عقوبات على مخالفي هذه القوانين ما بين الجلد وبتر الأعضاء لتصل إلى الإعدام في الحالات التي يتم فيها خرق القوانين المتعلقة بالتدخين.
وقد كونت "داعش" كتيبتين نسائيتين رئيسيتين، هما "كتيبة الخنساء" وكتيبة "أم ريان"، وجاء ذلك بعد تعرض أفراد من التنظيم لعدة مكامن نفذها انتحاريون يرتدون زيا شرعيا نسائيا، فشكلت "داعش" كتيبة نسائية لتفتيش جميع النساء خوفا من تكرار هجوم من هذا النوع.
ونهاية فإن النظر للوضع في سوريا يظهر بوضوح تغيرا نوعيا في دور النساء داخل الجماعات المتطرفة والإرهابية وتحول هذا الدور التقليدي للمرأة من الدور الأمومي إلى الدور التجنيدي، ومن كونها مجرد أداة جنسية إلى كونها فاعلا أساسيا، ومحركا للأحداث على أرض معركة الحرب السورية، هذا التغير الذي طال التنظيم الإرهابي الأكبر على الساحة وهو تنظيم القاعدة.
وقد يضعنا هذا التغير في المستقبل أمام تساؤل: هل سيتخلى الرجال عن أدوارهم القيادية للمرأة.. مما سيعني تغيرا جذريا في الأفكار؟