عودة "القادري" المدعوم من الجيش تصيب حكومة باكستان بهاجس" الثورة"

الإثنين 23/يونيو/2014 - 11:14 م
طباعة
 
عاد التوتر إلى باكستان الملتهبة بالصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، ولكن هذه المرة من خلال رجل الدين والزعيم الصوفي والسياسي المعارض، طاهر القادري، وزعيم حزب "عوامي تحريك باكستان"، القادم من منفاه الاختياري بكندا منذ بداية عام 2013.
فعقب إعلان "القادري" زعيم حزب "عوامي تحريك باكستان"، عودته من كندا حيث كانت يعيش في المنفى الاختياري إلى باكستان في القريب العاجل لـ "رئاسة الثورة" ضدّ الحكومة، وبصفته زعيما لحزب "تحريك منهاج القرآن" نظم طاهر القادري اعتصامًا، في يناير  2013، واحتل عدة آلاف من المشاركين فيها أحياء وسط إسلام أباد.
وطالب "القادري" خلال الاعتصام بحل الحكومة والمجالس النيابية قبل أشهر فقط من الانتخابات العامة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام حول حراكه وتوقيته، ويرى منتقدو القادري، سواء في الحكومة أو المعارضة أو الإعلام، أنه مجرد أداة تستغلها المؤسسة العسكرية التي طالما تُتهم بمحاولة الانقضاض على الديمقراطية في باكستان.

صدامات بين أنصار قادري والشرطة

ومع أنباء وصول القادري و100 شخص من أنصاره إلى العاصمة الباكستانية اسلام أباد، زحف الآلاف من أنصار الزعيم السياسي والصوفي إلى مطار العاصمة لاستقبال قائدهم، ما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة  بين أنصار القادري ورجال الشرطة، أسفرت عن إصابة نحو مئة شخص معظمهم من عناصر الأمن. 
وقد أعلنت السلطات الأمنية حالة التأهب القصوى وإجراءات أمنية غير مسبوقة في العاصمة إسلام أباد ومدينة راولبندي المجاورة لها، ومدينة لاهورن وقامت بقطع الاتصالات، ووُضع العديد من الحواجز والكمائن الأمنية لتأمين العاصمة وقت هبوط طائرة "القادري"، إلا أنها قامت بتحويل طائرته إلى مدينة "لاهور".
كما ألقت السلطات الأمنية القبض على أكثر من 500 من قيادات وأنصار حركة "منهاج القرآن"، لمنع الحركة من تنظيم مظاهرات واعتصامات، لكن كل تلك الخطوات لم تَحُلْ دون وصول أنصار القادري إلى مطار لاهور وقبله إلى مطار إسلام أباد، وتنظيم مظاهرات كبيرة في العديد من المدن. 
فقد أغلقت الشرطة الباكستانية الطرق المؤدية لمطار العاصمة، وفرضت حظراً على التجمهر، وذلك يحول دون تظاهر المئات من أنصار القادري بالقرب من المطار والاعتصام في عدد من الميادين، حيث اندلعت اشتباكات وحالة من الكر والفر بين قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيِّل للدموع والهراوات ضد مناصري القادري الذين رشقوها بالحجارة، الأمر الذي أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من الجانبين.
وخلال احتجاجاتهم، ردد أنصار القادري هتافات تدعو للثورة ومناوئة للحكومة ومؤيدة لزعيمهم وللجيش، وكان نحو ثمانية من أنصار القادري وشرطي قُتلوا في اشتباكات مع قوات الأمن، وجرح العشرات أمام مقر القادري في مدينة لاهور الأسبوع الماضي وسط تنديد واحتجاج من قبل أحزاب المعارضة المختلفة.
وقد أثار مقتل المتظاهرين امتعاض الأحزاب السياسية الباكستانية بتوجهاتها المختلفة، ووجهت انتقادات شديدة إلى الحكومة، كما قامت الحكومة المحلية في إقليم البنجاب بإقالة وزير القانون رانا ثناء الله، وعدد من المسؤولين الأمنيين، وشكلت لجنة قضائية للتحقيق في الموضوع. 
بدورها اتهمت الحكومة الباكستانية، القادري بخلق أزمة جديدة في وجه الحكومة. وأكد وزير الإعلام في الحكومة الفدرالية، برويز رشيد، أن حركة القادري تهدف إلى جر الجيش إلى معترك السياسة.

اتفاق بالتوجه إلى لاهور

عقب 5 ساعات من التوقف والاتصالات من أجل إنهاء الأزمة التي اشتعلت وأدت إلى إصابات ووفاة العشرات من أنصار قادري، توصلت الحكومة الباكستانية مع الزعيم الصوفي المعارض إلى اتفاق، يقضي بإخلائه الطائرة التي أقلته برفقة أنصاره بعد رفض دام ساعات، وطلبه التوجه بالطائرة إلى مدينة لاهور شرقي باكستان بدلاً من العاصمة كما كان مقرراً للرحلة، وعزت الحكومة قرارها لما وصفته بوجود تهديدات جدية على سلامة القادري وركاب الطائرة ، وقد غادر القادري الطائرة إلى قاعة الاستقبال في مطار "علامة إقبال الدولي"  في لاهور، حيث توجه بعدها لعلاج أنصاره الجرحى في أحد المستشفيات، ومنها إلى منزله في أحد أحياء مدينة لاهور.
واشترط زعيم حزب "عوامي تحريك باكستان"، تدخل الجيش وحمايته خوفاً مما اعتبره تهديدات على حياته، وأبدى عدم ثقته بالحكومة، قابلًا وساطة من حاكم إقليم البنجاب تشودري محمد سرور بصفته الشخصية، مشيراً إلى أنه لن يتفاوض مع حكومة شهباز شريف التي وصفها بالإرهاب، واتهمها بقتل أنصاره واختطاف الطائرة التي تقله. 
وتعهد القادري في حديث لوسائل الإعلام، بأنه سيواصل كفاحه من أجل ما وصفه تغيير النظام والقضاء على الفساد والثأر لأنصاره، فيما أكد حاكم إقليم البنجاب أن حكومة الإقليم ستستجيب لجميع المطالب العادلة للقادري.

اتهامات القادري بزعزعة استقرار باكستان

اتهمت العديد من الأحزاب الداعمة للحكمة الباكستانية وفي مقدمتها حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، بأن عودة طاهر القادري، تهدف إلى الفوضى وعدم استقرار البلاد.
 فقد اتهم نواز شريف رئيس وزراء باكستان، أحد القادة في حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، أنصار القادري بتخريب الممتلكات العامة والاعتداء على قوات الأمن، ومحاولة احتلال مطار العاصمة، واتهم وزير الإعلام برويز رشيد القادري باختطاف طائرة لدولة أجنبية.
وقد أثارت عودة القادري خشية الحكومة الباكستانية من تزعمه تحالفاً معارضاً تمهيداً للإطاحة بها، واتهم قادة في حزب الرابطة الإسلامية طاهر القادري بالعودة لباكستان وفق أجندة خفية تهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد وجرها نحو الفوضى، وتساءل وزير الداخلية  "تشودري نثار علي خان"، عن سبب اختيار القادري مطار العاصمة لعودته، فيما يعلن أنه متوجه إلى مدينة لاهور، وأكد نثار أن الحكومة لن تسمح للاعتصامات والتظاهرات الحاشدة في العاصمة نظرًا للتهديدات الأمنية.

أحزاب مؤيدة للجيش تتضامن مع القادري

أعربت بعض الأحزاب المحسوبة على الجيش تضامنها مع القادري وحقه وأنصاره المشروع في الاحتشاد والتظاهر، كما انتقدت بعض أحزاب المعارضة طريقة تعامل الحكومة مع القضية واتهمتها بالتخبط والاستبداد.
ويدعو القادري إلى تغيير نظام الحكم في باكستان، حيث يعتبر أن نظام الحكم الحالي فاسد ويكرس الإقطاع. 
وتأتي عودة القادري في ظل الحديث عن وجود خلافات بين الحكومة والجيش بشأن عدد من الملفات، لعل أبرزها محاكمة الرئيس الأسبق برويز مشرف والإعلام، كما تأتي عودة القادري بعد إعلان عدد من الأحزاب المحسوبة على الجيش عزمها تشكيل تحالف موسع ضد حكومة نواز شريف.
وصف زعيم المعارضة في البرلمان الاتحادي خورشيد شاه، تعامل الحكومة مع القادري وأنصاره باللامنطقي، وشدد على أن تحترم الحكومة رأي الشعب عموماً، ورأي أنصار القادري على وجه الخصوص، وأن تتعامل معهم داخل أطر قانونية. 
قال المحلل السياسي الباكستاني افتخار حسين، "إن الحكومة الباكستانية إذا اختارت ممارسة العنف مع المتظاهرين، فإنها ستخلق أزمة أمنية حادة لا تُحمد عقباها، وأن الحكومة لا محالة سترضخ إلى مطالب قادري في نهاية المطاف". 

مع الجيش ضد حركة طالبان

يعد الزعيم الصوفي "طاهر القادري" من أبرز رجال الدين الداعمين للجيش الباكستاني في مواجهة حركة طالبان المتشددة، والتي تشكل تهديدًا للأمن الباكستاني، الأمر الذي اعتبره البعض أن عودته أتت باتفاق مع قيادات الجيش، ليكون أداة في إطار جهوده لتهميش الحكومة الحالية التي يتزعمها حزب الرابطة الإسلامية.
وقال القادري في كلمة على حسابه على موقع تويتر عشية عودته "أنا قادم لدعم جيشنا الباكستاني في معركته ضد المتشددين، مضيفًا في تعليق آخر "من الواجب الآن على شعب باكستان أن يخرج ويقوم بثورة"
وتابع "أنا قادم إلى باكستان للقضاء على الإرهاب وتحقيق السلام والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية للفقراء".
وتأتي عودة طاهر القادري في وقت تشهد فيه باكستان حالة من عدم الاستقرار، بعد أن أعلن الجيش عن شن هجوم شامل ضد المتشددين على الحدود مع أفغانستان، ما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من المنطقة.
ويعارض نواز شريف رئيس وزراء باكستان، منذ وقت طويل العمل العسكري، وقرار إرسال قوات إلى هناك يُنظر إليه على أنه انتصار للجيش، وأدى القادري دورًا بارزًا في دعم قائد الجيش والرئيس السابق برويز مشرف بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عام 1999، وإطاحته بشريف الذي كان رئيسًا للحكومة في ذلك الوقت.

اعتصام يناير2013

نظم " قادري" وأنصاره اعتصاماً أمام مبنى البرلمان الاتحادي في العاصمة إسلام أباد في يناير 2013، شارك فيه عشرات الآلاف من أنصاره، للمطالبة بإجراء إصلاحات في قانون الانتخابات، وانتهى الاعتصام الذي استمر عدة أيام، إثر محاولات بذلتها بعض الأحزاب السياسية، على رأسها حزب الرابطة الإسلامية جناح قائد أعظم، وتوصلت الحكومة الباكستانية آنذاك إلى اتفاق مع القادري، على إجراء إصلاحات في قانون الانتخابات، لكن تلك الاتفاقية وبنودها باتت مجرد حبر على ورق بعد عودة المعتصمين إلى منازلهم. 
وتشمل الاتفاقية إشراك مؤسسة "منهاج القرآن" فيما يتعلق بتعيين رئيس الوزراء للحكومة الانتقالية التي ستشرف على عملية الانتخابات البرلمانية الباكستانية.

شارك