عالم اللاهوت الدكتور جرجس يوسف: لماذا لا يوجد لاهوت تحرير في الشرق الأوسط؟

الثلاثاء 30/أكتوبر/2018 - 08:35 ص
طباعة حوار: روبير الفارس
 
- الأديان تتجاور ولا تتحاور 
- علم اللاهوت يقابله في الإسلام علم الكلام 
الدكتور جرجس كامل يوسف عالم لاهوت، وآبائيات ومترجم في هذه المجالات التي سوف نعرف منه علي معانيها بوضوح في السطور خلال هذا الحوار تخرج من كلية  الصيدلة عام 1972 بتقدير ممتاز وحصل على دبلومة لغويات وترجمة عام 1985ودراسات في الدرماتولوجية الصيدلانية بالمراسلة ومدقق لغوى  ومترجم لاهوتي وآبائي منذ نيف وأربعين سنة  وأثرى المكتبة العربية بالعديد من ترجماته  من كتب الاباء الاولين بمصر عن يوحنا ذهبي الفم ومارمرقس والبابا اثناسيوس وغيرهم   يقول  وأنا بعد في صباي كنت أرافق عمى القمص ابراهيم الأنبا بيشوى أحد رهبان دير الأنبا بيشوى بوادي النطرون وكان كفيفا يحتاج إلى من يملى عليه النصوص التي يقوم بتأليفها فقد كان مفكرا ودارسا للغات اليونانية والأمهرية والقبطية والعربية والإنجليزية فوقع اختياره على لأقوم بمهمة الكتابة من هنا انفتح وعيي المبكر على الكتاب المقدس، لكن لم يكن عمي الراهب متخصصا في تراث الآباء ثم التقيت والدكتور وهيب حلمي قزمان وهو أول مبعوث لليونان وانجلترا وأول من حصل على رسالة الدكتوراة في لاهوت النعمة عند القديس اثناسيوس الرسولى – البطريرك رقم 20 في تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية - على يد الدكتور اللاهوتى اليونانى جورج ديون دراجاس في جامعة  درهام بانجلترا  كلفنى  الدكتور وهيب قزمان بالمشاركة معه في ترجمة النصوص الأصلية للقديس اثناسيوس ومن هنا بدأ اهتمامى يتركز في قراءة الآباء وعشقى لهم
وهنا نبدأ الحوار 
- ماذا يعنى علم اللاهوت وكيف تطور؟
علم اللاهوت يقابله في الإسلام علم الكلام، لكنه في المسيحية نشأ بسبب ظروف تاريخية مرت بها الكنيسة منذ قرونها الأولى، فكانت في البداية الدفاعيات- اى دفاع عن العقيدة -  ضد اتهامات الأباطرة والحكام الوثنيين الذين نسبوا كل شر وكل نكسة وكل مجاعة وهزيمة في الحروب إلى الإيمان المسيحي ثم تطور الأمر إلى الرد على الهرطقات- مخالفات العقيدة -  وتفنيدها من أناس كانوا للأسف من غير العلمانيين كلهم كانوا من الأساقفة والبطاركة او الكهنة الذين طعنوا في وحدة الكنيسة ثم في طبيعة المسيح ثم في الثالوث فكانت المجامع  المحلية والمسكونية- أي العالمية مشتقة من كلمة المسكونة -  تكتب التقارير وتسجل الردود ومنها تجمعت الكتب للآباء المشاهير مثل اوريجينوس وبنتينوس وكليمنض الإسكندرى والرومانى وهيبوليتس الرومانى واثناسيوس الرسولى وكيرلس الكبير والآباء الكبادوك (نسبة الى بلدتهم وكانت تسمى كبادوكية ) غريغوريوس النيزينزى وباسيليوس وغريغوريوس الكبير وغيرهم.
 
تطور علم اللاهوت بعد فترات المجامع في القرنين الرابع والخامس على يد لاهوتيين معاصرين في الكنائس الشرقية الأرثوذكسية ولا أريد الدخول في التفاصيل فهى كثيرة وقد تستغرق مساحات مطولة لكن أذكر على سيبل المثال الآباء جون مايندورف والأب جورج فلورفسكى والآب الكسندر شميمن ونيقولا افاناسييف وغيرهم كثر

وما هو علم الاباء؟ أو الباترولوجيا ؟
أما علم الآباء فهو يتناول موجزا عن كل أب من معلمي الكنيسة القديسين الموثوق في علمهم وتقواهم وإيمانهم المستقيم وأحب أن أنوه هنا عن أشهر الكتب التي تتناول علم الباترولوجيا أو الآبائيات مثل القس الكاثوليكي يوهانس كواستن  وله أربعة مجلدات مشهورة تتناول بشيء من التفصيل الموجز غير المخل فترات القرون الأولى حتى الثامنة وأعكف الآن على ترجمة المجلد الثاني عن آباء الإسكندرية وروما وأفريقيا والغرب والآباء اللاتين وهو يذكر سيرة حياة الأب وكتبه ومؤلفاته التي اندثرت والتي بقيت وفكرة عامة عن المحتوى الدفاعي واللاهوتى للفكر الآبائى كوكبة الآباء تركوا لنا تراثا رائعا في الدفاعيات عن الإيمان المسيحى والمسيحيين وعن الشرح العقيدى والتفسير الرمزى والسرائرى لليتورجيات أى القداسات الكنسية  وهو تراث لو عكفنا على دراسته بعمق لخرجنا منه بالمفهوم الرصين عن لاهوت الخلق والتجسد والفداء والقيامة والتأليه وكذلك عن الاكليسيولوجيا في فكر الآباء والتربية والتهذيب في فكر الآباء والثالوث والكريستولوجيا أى طبيعة وشخص وعمل المسيح في فكر الآباء وعلم المريولوجيا أى المريميات الخاص بمريم العذراء الخ

لماذا لم يجد لاهوت التحرير صدى في الشرق الاوسط رغم وجود الظروف المتشابهة مع دول العالم اللاتينية التي نشأ فيها؟
لاهوت التحرير لم يحظ بقبول الشرق، وخصوصا مصر القبطية لعدم ميل الآباء الكهنة إلى تسييس اللاهوت وتحويله إلى علم سوسيولوجى أي مجتمعي ثقافي بل تركز جل اهتمام العلوم اللاهوتية في الشرق على الدفاع عن العقيدة الثالوث والمسيح وطبيعته ربما لوجودنا في بيئة ثقافية إسلامية لا تقبل مفهوم ولاهوت الخلاص بالمسيح ولا حتى لاهوته، لاهوت التحرير يجد متنفسا له في المجتمعات البعيدة عن الثقافات العربية الإسلامية خاصة في امريكا الجنوبية والبرازيل والبرتغال وما يتاخمها من بلدان تثور على طغيان الحكام وعلى الفقر و الفساد  والمخدرات والدعارة.

كيف ترى أسباب الخلاف بين البابا شنودة والأب متى المسكين؟
الخلاف بين الأب متى المسكين والأنبا شنودة خلاف من طرف واحد أثاره الأخير ولم يهتم الأول بالرد وكلف الرهبان ألا يدافعوا عنه والخلاف بسبب آراء شخصية يجتهد الأنبا شنودة فرضها على حساب التعليم الآبائي الرصين والمستقر ورفضه تعليم التأليه ورفضه ما يكتب فيه الأب متى عن لاهوت الشركة وحلول الروح القدس في الإنسان مع الجواهر والأسرار، القضية إذن تضرب الغاية من التجسد الإلهى في مقتل عند الأنبا شنودة فإن كل علماء اللاهوت المعاصرين والقدامى اكدوا على أن التجسد تتمة الخلق وأن الغاية منه الخلق الجديد والتأليه وهو ما يرفضه الأنبا شنودة ويكتب مهاجما له

في رايك هل تتحاور الاديان؟ 
الأديان لا تتحاور وإنما تتجاور لكن الحوار بينها  لن يقربنا من بعضنا البعض، أما المتحاورون فهم المتجاورون، لابد ألا  ننخدع بين الأديان خلافات في العقيدة جوهرية ثم نحاول أن نوهم أنفسنا أن الأديان تتحاور، النص الواضح والقاطع في الإسلام أن الله خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا لم يقل النص القرآنى ليتوحدوا، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة هنا الطريق مقطوع تماما على الأديان أن تتوحد حتى ولو كان الإيمان فيها بالوحدانية المطلقة لرأينا التقارب بين الإسلام واليهودية لكن "البون" واسع وشقة الخلاف كبيرة والفارق بينهما كالمسافة بين السماء والأرض لذا يفشل الحوار دائما ولا أخاله سينجح يوما.

شارك