الإخوان المسلمون في سلطنة عُمان.. التصدي المبكر يُقزم دور "الجماعة"

الإثنين 21/يوليو/2014 - 04:56 م
طباعة
 

مدخل

يعد تنظيم الإخوان المسلمين في عمان من التنظيمات ذات الطبيعة الخاصة فسلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي استشعرت خطر الإخوان وسرعة تنامي حركتهم التنظيمية وتوسع قاعدتهم الشعبية؛ مما جعل الدولة تسارع بتوجيه ضربة استباقية للجماعة في بداية التسعينيات قبل أن يستفحل أمرها أكثر مما هي عليه. 
وسواء أكان حجم الجماعة كما وكيفا مفاجئا للأجهزة الأمنية أو لم يكن، إلا أنه وبكل تأكيد كان مفاجئا لعامة الناس وأفراد المجتمع، خاصة بعد أن اتضح أن الكثيرين من المعتقلين من ذوي المناصب العالية ومن عِلية القوم، ورغم ذلك ظلوا بعيدا عن الأنظار وبعيدا عن الحركة الظاهرة للجماعة ودورها الدعوي في المجتمع إلى ساعة اعتقالهم.
ورغم الأحكام القاسية التي نزلت بساحة الجماعة وخاصة كبارها إلا أن السلطان قابوس آثر العفو عنهم وإعادة انخراطهم في المجتمع من جديد عملا بمبدأ "العفو عند المقدرة"- أدراك الكثيرون أن تلك الضربة الاستباقية  تعني تمتع السلطنة بخبرة واسعة في التعامل مع هذه الجماعة حيث قضت عليها في مهدها وقامت بتفكيك تركيبتها التنظيمية.

النشأة والتاريخ

ترجع بداية جماعة الإخوان المسلمين في سلطنة عمان إلى نهاية السبعينيات، ويمكن تقسيم تواجد تنظيم الإخوان المسلمين في عمان إلى مرحلتين: 
الأولى: وكانت في عام 1988؛ حيث نشأ تنظيم أكثر دقة وإحكاما؛ تجاوزت به الجماعة مرحلة تأسيس الحالة الفكرية.
الثانية: حدثت في عام 1992؛ عندما تم اعتماد شكل جديد ووضع لائحة تنظيمية لدستور مكتوب للتنظيم؛ وتعد هذه المرحلة الأكثر جرأة، وأشبه بثورة فكرية وإدارية داخل الحركة.
وترجع أسباب انتشار جماعة الإخوان في سلطنة عمان للأسباب التالية: 
1- عودة كثير من الكوادر المتعلمة تعليما نوعيا رفيعا من دول عربية وغربية وفي تخصصات عدة إلى سلطنة عمان بعد أن تلقت أفكار الجماعة.
2- دعم التنظيم فكريا وتنسيقيا وربطه مع التنظيمات الإخوانية الأخرى في الخارج.
3- عقد الحوارات والمؤتمرات العالمية مع العديد من التوجهات؛ مما أدى إلى ظهور مزيد من الكوادر للجماعة التي كانت حريصة على المشاركة والتفاعل معها.
4- عرض الجماعة نفسها على أنها "حركة معتدلة، تعليمية أكثر منها سياسية"، وتتبنى المنهج الإصلاحي، ولا تسعى إلى السلطة.
5- رعاية أسر شبابية متوزعة على المناطق ذات الكثافة السنية (محافظة مسقط، محافظة ظفار، المنطقة الشرقية، ومنطقة الباطنة)؛ مما سمح لها بمزيد من الانتشار داخل المجتمع العماني.
6- حالة الحداثة والمدنية العمرانية والتعليمية التي شهدها المجتمع العماني البلاد في تلك الفترة، أوجد قابلية عند العمانيين وخاصة الشباب فيما تطرحه الجماعة من أطروحات فكرية وتربوية.
7- تبنى الفكر الإخواني عدد من قيادات الصف الثاني في القطاعين المدني والعسكري في الحكومة العمانية؛ كمسلم سالم قطن وكيل وزارة الزراعة، وخميس مبارك الكيومي وكيل وزارة التجارة والصناعة ساعدوا على انتشار الجماعة وأفكارها.
8- الأحداث الإقليمية حفزت انتشار الفكرة الإسلامية في بلد كعمان؛ ولانتشار أفكارها.
9- زيادة النشاط الإسلامي وإجراء المراجعات الفكرية والتنظيمية للجماعة ساعد على انتشارها.
10- دور الإسلاميين في ترجيح كفة الوحدة في اليمن بعد أحداث حرب انفصال اليمنيين، وظهور حزب التجمع اليمني للإصلاح والذي تكون في سبتمبر 1990. 
11- دخول صدام حسين للكويت في 1990 وما أحدثه من جدال كبير بين أوساط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي نتج عنه انسحاب إخوان الكويت وتوتر العلاقة بعد ذلك. 
12- وصول الإسلاميين للحكم في السودان أعطى دفعة تفاؤل كبير لبقية التنظيمات الإخوانية في العالم العربي؛ وساعدهم على الانتشار ويعد عام 1992 عام التغييرات الجذرية في تنظيم الإخوان العماني بحق؛ إذ تم وضع رؤية إستراتيجية؛ مبرمجة ببرنامج زمني للنشاط والفعاليات، كما تم اعتماد بنية تنظيمية جديدة راعت التطورات المحلية والإقليمية للجماعة.
وكان من بين الدول التي استقطبت الطلبة العُمانيين للدراسة فيها جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، واللتان تنتشر فيهما جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو أن احتكاك الطلبة العُمانيين واختلاطهم، بحركة الإخوان المسلمين، جعلهم يتأثرون بهذا الفكر، بل إن بعضهم اعتنقه.
وبعد عودة هؤلاء الطلبة إلى السلطنة قاموا بتنظيم أنفسهم في إطار سياسي إسلامي إخواني، ومارسوا الأنشطة التي تحضرها السلطات؛ مما جعلهم في وضع المواجهة مع السلطة القائمة.
ولم يكن الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين حكراً على أبناء مذهب معين، إذ لوحظ أن من بين معتنقي فكر هذا التنظيم هم ممن ينتمون إلى المذهب الإباضي، إضافة إلى المذاهب الأربعة المعروفة، وربما يعود ذلك إلى اقتناع القائمين على التنظيم بالتقارب الفكري بين هذه المذاهب، ووحدة هدفهم المتمثل في تنزيل أحكام الإسلام الحرفية على مختلف نواحي الحياة في الواقع المعاصر.
ولعبت القيادات العمانية التالية دوراً تأسيسياً في العمل الإخواني في عمان وهم عبد الله محمد الغيلاني، وسالم أحمد الغزالي وعبد الله طاهر باعمر دورا كبير في نشر الفكر الإخواني. 
 وأعلنت الحكومة العُمانية في عام 1994 اعتقال 126 عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين، منهم سفير سابق لدى الولايات المتحدة وقائد سابق لسلاح الجو واثنين من وكلاء الوزراء في الحكومة وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين سنتين والسجن المؤبد للمدنيين، والإعدام للعسكريين وقد عفا عنهم السلطان قابوس عام 1995 وقد أشار حينها أحد المسئولين أن أعضاء التنظيم السري المحظور تأثروا بمنظمة عالمية لها فروع في دول عربية، وأن هذه المنظمة لها وجود في دول خليجية. وقد فهم من تصريحاته آنذاك أن المقصود من المنظمة العالمية هو جماعة الإخوان المسلمين.
وإثر العفو الذي أصدره سلطان عمان في العام 1995 وجدت الجماعة نفسها أمام ثلاثة خيارات: إما العودة إلى العمل السري، أو البحث عن إطار رسمي يجسد وجودا رسميا للحركة، أو تحويل الحركة إلى تجمع فكري في المجتمع. 
ونظرا للتكلفة الباهظة للخيار الأول، وعدم إمكانية الخيار الثاني؛ فقد اختارت الحركة بعد مداولات ومراجعات معمقة أن تصبح "تجمعا فكريا الروابط فيه قائمة على العلاقات الاجتماعية". فلم يعد للحركة وجود رسمي، ولا شخصية اعتبارية؛ كل ذلك كانت موجهات العمل لدى التنظيم في أصدرت المحكمة أحكاماً بالسجن لمدد متفاوتة أقصاها خمسة وعشرون عاماً على أعضاء التنظيم السري المحظور، ومرة أخرى جاء عفو صاحب الجلالة في مايو 2005 حائلاً دون تنفيذ تلك الأحكام. 
وقال عنهم السلطان قابوس في خطاب ألقاه في 18 نوفمبر 1994: "إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته- نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق".
هنا يبرز سؤال عن مسلك العفو هذا، هل هو لضعف هذه النوعية من التنظيمات؟ أم هو تجلي لشخصية صاحب الجلالة في حبه للسلام والتسامح؟ إن المتتبع لسيرة السلطان قابوس منذ توليه الحكم يلحظ هذا السلوك المتكرر، ابتداء من ثورة ظفار، فقد أصدر عفواً عاماً عن كل من حمل السلاح آنذاك، بل إن بعض قادة الجبهة تبوءوا مناصب وزارية حتى يومنا هذا، واستمر على هذا النهج في العفو عن الخصوم السياسيين حتى الآن.
في عُمان، وبشكل عام يعتبر تأثير «الإخوان» محدوداً نظراً للأصول السنية للجماعة. على خلاف مواطني عُمان، الذين يتبعون في معظمهم العقيدة الإسلامية الإباضية.
 ومع ذلك، فنظراً لعدم اكتراث معظم العُمانيين بـ «الإخوان»، ينبغي أن يُنظر إليهم كتهديد للحكومة على نطاق أوسع إذا ما حصل التعاون بينهم وبين الجماعات الأخرى. 

الهيكل التنظيمي

ينقسم الهيكل التنظيمي للإخوان في سلطنة عمان إلى عدة هيئات منتخبة تتمثل فيما يلي: 
1- مكتب تنفيذي منتخب برئاسة المراقب العام. 
2- مجلس شورى منتخب؛ عدد أفراده 15 عضوا؛ منهم 3 معينون.
3- قام الإخوان في سلطنة عمان بتقسم سلطنة عماني إلى هيئتين:
الأولى في الشمال، الثانية في الجنوب.
4- الهيئتان مقسمتان إلى مناطق، والمناطق إلى شُعَب- ملحوظة (يتحفظ الإخوان التصريح بأسماء من تقلدوا هذه المسئولية لأسباب أمنية)- بالإضافة إلى مكاتب إدارية ولجان وأقسام متخصصة.
ووضع الإخوان لائحة تنظيمية هي بمثابة الدستور للجماعة حيث ينظم كل ما سبق من نشاط تم استصداره والاتفاق عليه في عام 1992م. 
ويؤكد الباحث العماني عامر الراشدي على أن حركة الإخوان المسلمين كتيار حديث بامتدادها على الأرض العمانية، لم يكن الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين حكرًا على أبناء مذهب معين في عمان، إذ لوحظ أن من بين معتنقي فكر هذا التنظيم من ينتمون إلى المذهب الإباضي، إضافة إلى المذاهب الأربعة المعروفة. 

المرتكزات الفكرية

 لا تختلف المرتكزات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين في سلطنة عمان عن أفكار الجماعة العامة، وإن كان للسلطنة خصوصية محددة تتمثل في محاولة الظهور بدور الجماعة الدعوية والتربوية البعيدة عن السياسة من خلال هذه الأهداف؛ ولذلك لم تخرج منطلقات التنظيم الفكرية والسياسية عن المدرسة الإخوانية الأم في مصر والمتمثلة فيما يلي: 
1- ربانية التكليف.
2- شمول الإسلام.
3- اعتماد النص وليس التاريخ.
4- واقعية التنزيل، والبناء على المشترك الإنساني.
5- انتهاج الوسطية والاعتدال. 
6- إيمان التظيم إيمانا راسخاً بمجموعة الثوابت التي تعزز المشهد السياسي العماني ولا تسعى إلى هدمه. 
7- شرعية الحكومة الحالية للسلطنة.
8- صيانة الوحدة الوطنية، جنبا إلى جنب مع السلم الاجتماعي، مع الحفاظ على المكتسبات المتحققة للإنسان على الأرض.
9- التأكيد على مرجعية الشريعة والتي تعتبر منطلقاً سياسياً محوراً للتنظيم.
10- إعداد أجيال تؤمن بالإسلام عقيدة ونظام حياة.
11- التزام الجماعة بالنزاهة والاستقامة والنبوغ العلمي والعملي.
12- إحياء التدين في وسط عامة الناس؛ من خلال نشر الكتاب والشريط الإسلامي. 
13- إقامة حكومة دينية.
14- الاستثمار في القطاعات الدعوية والتربوية للسيطرة على الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية. 
15- الإسلام نظام شامل متكامل بذاته، وهو السبيل النهائي للحياة بكل جوانبها، وقابل للتطبيق في كل مكان وزمان من خلال الدعوة والتربية.
16- الإخوان هيئة سياسية تدعو إلى الإصلاح دون تدخل في النظام السياسي القطري من الداخل.
17- جماعة الإخوان المسلمين في عمان مثلها مثل تنظيمات الإخوان في العالم تلتزم بفريضة الجهاد، إذا ما توافرت شروطه المُوجبة.
18- يتحقق الدور الحضاري من خلال السيادة والشهادة والأستاذية في العالم. 
19- التحولات الديمقراطية ضرورة يحتمها الواقع، وتلزمها السنن الكونية؛ وهي السبيل لبناء ثقافة سياسية ناضجة تقبل بالتعددية، وتصون الحريات العامة، وتحافظ على الحقوق والكرامة الإنسانية تحقيقا للعدالة القانونية والاجتماعية. 

أهم الشخصيات

عبد الله محمد الغيلاني 
عبد الله محمد الغيلاني من قيادات الإخوان في عمان.. كان من ضمن من أعلنت الحكومة العُمانية عن اعتقالهم في عام 1994، وتم اعتقاله مع 126 عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين مع  سفير سابق لدى الولايات المتحدة وقائد سابق لسلاح الجو، واثنين من وكلاء الوزراء في الحكومة وصدر ضده حكم بالسجن. 
ولكن السلطان قابوس قام عام 1995 بإصدار قرار بالعفو عنهم مما دعاه إلى ممارسة العمل العام في إطار تجمع فكري فقط قائم على الروابط والعلاقات الاجتماعية. 
 واتهم بالانتماء إلى تنظيم دولي سري محظور له فروع في دول أخرى وخرج من السجن بعد العفو السلطاني، ومن الشخصيات الإخوانية الأخرى سالم أحمد الغزالي عبد الله طاهر باعمر.

الانتقادات الموجهة إلى التنظيم

1- جماعة الإخوان في سلطنة صنفت السلطة المركزية منذ البداية كخصم سياسي؛ يجب محاربته ورفع السلاح في وجهه، مما أدخلها في صدام مباشر معها واعتبرتها الحكومة "متربصاً سياسياً يقظاً"، وأدى الأمر في النهاية إلى القضاء على التنظيم. 
2- الطابع السرى الغالب للتنظيم والذي لجأ له الإخوان وجميع التنظيمات السرية الإسلامية أدى إلى كراهية؛ أهالي عمان للإخوان؛ نظرا لما تميزت به البلاد من تعقيدات سياسية وأمنية.
3- لم تتعاون جماعة الإخوان مع الدولة بمؤسساتها الرسمية ولا الأهلية بل اعتبرتها خصما لها؛ مما أدى إلى عدم  دعم أفكار الجماعة واعتبرتها الدولة غير قادرة على القيام بدور سياسي منفتح، تستوعب من خلاله داخل الحراك المدني الطبيعي الذي يعرف به أي مجتمع حي وسليم. 
4- استخدام الإخوان لأدوات سياسية كالاحتواء، والإقصاء، وعدم المشاركة؛ أدى إلى تعاطي السلطة معها على أنها تنظيمات؛ خارجة على الدولة، وأدى إلى خسارة الجماعة لجميع مكاسبها الماضية. 

شارك