"الصَّدر" يُجَمد " سرايا السلام".. حساب الميليشيات تؤكد غياب الدولة وعُلو الأشخاص؟

الأربعاء 11/نوفمبر/2015 - 11:55 ص
طباعة
 
كشف إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن تجميد عمل ميليشيات "سرايا السلام" في ديالي، عن غياب مؤسسات الدولة في المراقبة ومحاسبة عمل الميليشيات، وتأتي المحاسبة والعقاب من قبل مبادرات شخصية وليس من قبل الدولة.

تجميد السَّرايا

فقد أعلن مقتدى الصدر عن تجميد عمل سرايا السلام في محافظة ديالي، فيما عزا ذلك لوجود غموض بعملهم ومندسين يقومون بأعمال خطف وابتزاز، دعا معاونه الجهادي أبا شجاع إلى تطبيق القرار فوراً والإعلان عن أسماء المذنبين خلال أسبوعين.
وقال زعيم التيار الصدري في بيان له، إنه "يجمد عمل سرايا السلام في محافظة ديالي الحبيبة وذلك لما يكتنف العمل من غموض واندساس بعض الأفراد الذين يسيئون لهذا العنوان، من خلال أعمال الخطف والابتزاز وأمور أخرى لا يرتضيها العقل والإنسانية والشريعة السمحاء".
وأمر الصدر، معاونه "الجهادي أبو شجاع بتطبيق هذا القرار فوراً مع الإعلان عن أسماء المذنبين المجرمين خلال مدة أقصاها 15 يوماً من تاريخ هذا البيان، بل وكل متعاون ومتعاطف معهم وتخليص العنوان من هؤلاء الحثالة الضالة المظلمة ليبقى عنوان الجهاد والمجاهدين ناصعاً بأعين الجميع".
ومقتدى الصدر أحد ألد أعداء نوري المالكي الذي سبق أن خاض صراعًا مسلّحًا ضدّه حين كان رئيسًا للوزراء بإطلاقه سنة 2008 حملة عسكرية تحت مسمى "صولة الفرسان"، مُسْتهدفةً ما كان يُعرف آنذاك بجيش المهدي التابع للصدر. وعلى هذه الخلفية يقف الصدر اليوم إلى جانب رئيس الوزراء حيدر العبادي في صراعه ضدّ نوري المالكي الذي يحاول إرباك عمله وتعطيل إصلاحاته..

اتهامات

واتهم سياسيون عراقيون في ديالي ميليشيات بتنفيذ عمليات خطف وتدمير للقرى على أساس طائفي، في المحافظة المختلطة عرقياً وطائفياً شرق البلاد. 
وديالي هي محافظة عراقية على الحدود مع إيران، ويتواجد بها نسبة كبيرة من الميليشيات الشيعية، واتهمت بتنفيذ عمليات تهجير وتطهير على أساس مذهبي، لسنة العراقيين بالمحافظة.
ودَفْع إيران للميليشيات العراقية للسيطرة على مقاليد الأمور في محافظة ديالي يأتي من باب عدم ثقتها في القوات المسلحة العراقية، بالإضافة إلى المحافظة التي تعد حزامًا أمنيًّا وخط دفاع أوليًّا عن تقدم تنظيم "داعش"، أو تسلل مقاتلين للتنظيم إلى إيران مع النفوذ الواسع للتنظيم في العراق.
وعلى مدار الأشهر الماضية مارست الميليشيات ضغوطًا شديدة على سكان المحافظة تراوحت بين الخطف والقتل والاستيلاء على الأموال والممتلكات، فيما أثار منع النازحين من سكان المحافظة من العودة إلى ديارهم شكوكًا بموجود مخطط لتغيير التركيبة السكانية للمحافظة لتصبح ذات غالبية شيعية.
ولا تزال قرى ناحية خان بني سعد الواقعة جنوب غرب ديالي تتعرض إلى أعنف حملة تطهير عرقي منظمة من قتل، وخطف، وحرق، وتهجير، واعتقال، وتضييق تستهدف السكان من العرب السُّنَّة، وتجري تحت غطاء سياسي وقانوني وحماية من الأجهزة الأمنية عشرات الآلاف من سكان القرى العربية السنية هُجّروا من بيوتهم قسراً؛ بعد تزايد حالات القتل والاختطاف للشباب السُّنَّة عقب سيطرة ميليشيات بدر على المنطقة، وتحكمها بالملف الأمني في المحافظة التي يتزعمها هادي العامري، واستغلت التفجير الأخير الذي وقع في سوق ناحية خان بني سعد في 17 من شهر يوليو 2015، بانفجار شاحنة لنقل الوقود صهريج والذي أدى إلى مقتل أكثر من 120وإصابة أكثر من 165 بينهم 58 مدنياً سُنِّيا، وتبناه تنظيم "داعش"؛ إلا أن التفجير صَعَّد من وتيرة الاحتقان الطائفي؛ ما جعل كابوس التغيير الديموغرافي لديالي أقرب للواقع.
وبحسب مركز بغداد لحقوق الإنسان، أدت عمليات التطهير والتهجير والخطف إلى إحداث تغيير ديموغرافي في التركيبة السكانية للمحافظة، مؤكدة في تقرير، أن الحملة ستستمر وترتفع وتيرتها، "خاصة بعد حصول قيادي في ميليشيا بدر على منصب المحافظ، وهو متهم بالإشراف على جرائم القتل والخطف والتهجير الطائفي التي يتعرض لها السُّنَّة في المحافظة".
ودعا المركز الحقوقي، الأممَ المتحدة ومجلسَ الأمن الدولي- استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة- إلى ضرورة تشكيل قوة حماية عسكرية دولية تتولى حماية المحافظة ومناطق حزام بغداد "وباقي المناطق التي تشهد جرائم تطهير عرقي وطائفي.

ترحيب بالمحاسبة

من جهته، رحّب مجلس عشائر محافظة ديالي بقرار الصدر، داعياً الفصائل الأخرى إلى أن "تحذو حذو الصدر وتجمّد عمل ميليشياتها في المحافظة". 
كما رحب رئيس مجلس النواب العراقي (البرلمان) سليم الجبوري بخطوة مقتدى الصدر قائلًا في بيان صدر أمس عن مكتبه إنه "يثمن مبادرة السيد مقتدى الصدر بتجميد عمل سرايا السلام في ديالي"، داعيا "للإسراع بإجراءات حصر السلاح بيد القوات الأمنية في جميع أنحاء البلاد"، في إشارة إلى اضطلاع الميليشيات بالمهام الأمنية في ديالي منذ استعادتها من "داعش".
ولا تخلو خطوة مقتدى الصدر من أبعاد سياسية أعمق، إذ إنها تكرّس توجهًا ملحوظًا نحو الابتعاد التدريجي عن "معسكر إيران في العراق" الذي يمثله كبار قادة الميليشيات و"صقور" البيت السياسي الشيعي، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والاقتراب في المقابل من "معسكر" رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي يقول عراقيون إنه بات يمثّل نهجًا استقلاليًّا عن إيران مدعومًا بالمرجعية الشيعية العليا، مُمَثَّلَةً بعلي السيستاني.

المشهد العراقي

وإذا كان إلقاء التبعة على "مندسين" أمرًا شائعًا بين قادة الفصائل الشيعية في العراق لتبرير ما تقدم عليه من اعتداءات بحقّ سكان بعض المناطق، وخصوصًا من أبناء المكوّن السني، لكن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والذي بدأ يأخذ خطوات وخُطًا وَاضِحَةً في التعامل مع المكونات العراقية، وإتاحة فرصة للتقارب بين مكونات الشعب العراقي؛ مما يخفف من وطأة وجروح ما تتركه بعض أفعال الميليشيات الشيعية الصادر عن تشدد مذهبي يُشير إلى أهمية الوقوف أمام قرار الصدر في محاسبة المعتدين، والذي بدا جادًّا في خطوات محاسبة حين أرفق قراره تجميد نشاط سرايا السلام في ديالي بأمر لأحد القادة الميدانيين للسرايا يُكنى "أبو شجاع" بأن يجري تطبيق القرار فورًا مع الإعلان عن أسماء المذنبين المجرمين خلال مدة أقصاها 15 يومًا من تاريخ هذا البيان، وهو ما يشير إلى أن هناك من يعود إلى العقل في معالجة الأمور للحفاظ على الوطن، ولكن الأمر الآخر يؤكد غياب هيبة ومؤسسات الدولة العراقية، في محاسبة الميليشيات العراقية بكافة مذاهبها وتوجهاتها السياسية في الحماية المذهبية التي تحميها من أي محاسبة أمام قانون الدولة، بل هي عبارة عن مبادرات شخصية وليست في إطار قانون الدولة الجامعة لكل المواطنين.

شارك