الأفعى والسلحفاة

الخميس 04/فبراير/2016 - 10:19 م
طباعة
 
قامت سلحفاة تحذر حيوانات الغابة من أفعى خطيرة مسمومة، ولكي تمضي الأفعى إلى ما تريد بغير تشويش، نصبت كمينا للسلحفاة فالتهمتها، لكنها فتحت فَكّيْها فسُمع صراخ السلحفاة المنذر بخطورة الأفعى، ولما شاهد الحيوانات ذلك هتفوا منوهين بديمقراطية الأفعى.
هكذا رويت لي القصة، وبقدر ما يحوي سردها وحبكتها جملة من النقائص ويعتري بناءها الكثير من التناقض، يحفل شخوصها بعمق كبير في الترميز والإيحاء، جعلني أشعر بتقصير ما أو تحريف ما طال القصة فأحببت إتمامها وتصحيحها. واسمحوا لي بسرد التتمة.
لما وقفت الحيوانات عند هول مشهد التهام الأفعى للسلحفاة اختلفوا، فمنهم من قال بأن السلحفاة متواطئة مع الأفعى فكيف تنذرنا بخطورة الأفعى وهي ملتحمة بها وتصرخ من داخلها، بينما قال آخرون إن الأفعى تسعى إلى الفتك بها وهي في خطواتها الأولى. وطال مكوث السلحفاة في أحشاء الأفعى، وكانت تظن الأخيرة أن السلحفاة سهلة الهضم، لكنها تحصنت بوعائها الصلب. ومع مرور الزمن اكتشفت بعضا من أسرار الأفعى الخطيرة، وأحصت عن قرب كل انتهاك ألحقته الأفعى بحيوانات الغابة. وذات ليلة، بينما الأفعى المغرورة في غفلة، خرجت السلحفاة خلسة فانقضت على وريد حياة الأفعى لتسحقه بأسنانها الحادة. وفي الصباح ذهلت الحيوانات من أسطورة أفعى لا تقهر انهارت مدرجة في الدماء. فقالوا لعل الأسد سئم من خموله فخرج للفتك بها. وفجأة خرجت السلحفاة من وراء شجرة تمشي على استحياء، فزادت دهشتهم وصاحت الديكة: ألم تلتهمك الأفعى؟ !. وتبجح القردة كعادتهم: ألم نقل لكم أنها كانت متواطئة مع الأفعى؟ ! وفاجأ البوم جميعهم نازلا من عليائه قائلا: ظن بعضكم أن السلحفاة خائنة وحسِب آخرون أنها سهلة الهضم، ألم تعلموا وقد طال مقامها بينكم أن الشر ليس ديدنها، ألا تنظرون إلى صلابة جسمها العصي على التحلل والانكسار.
 ثم ناولها الكلمة وروت لهم ما جرى، فتأسف بعضهم وظل آخرون في ريبهم يعمهون، غير أن الأهم من كل ذلك اكتشاف الغابة سر حتف الأفعى وعيش معمريها في أمان. 
قد يسأل أحدكم ما الذي دفعني إلى الكتابة على هذا النحو هذه المرة، إن استمتعتم بقراءة القصة، فالفضل يرجع لأحد منتقدي الأفاضل الذي أثار ضدي جملة من المواقف والأسئلة البالية، غير أن انتقاده استوقفني حين أورد القصة على الشاكلة الموصوفة أعلاه. فالغابة لا يمكن أن تهتف بالديمقراطية وقد رضيت بقدرها؛ القوي فيها يأكل الضعيف، غير أن الضعيف لا يجمل به الاستغراق في الشكوى والنحيب، والإشادة بحسن خصاله وصدق نواياه، بل يتعين عليه التصرف بذكاء والبحث جديا عن مستمسكات القوة الفعلية ليدرك عتبة الأمان.  
إن كان الإصلاح يسير ببطء السلحفاة، وقد يعطي انطباعا عند المراقب العجول الكسول، بكونه تزيين ممنهج لصورة الفساد، فإن نشاطه القاصد لا يفت في عضده الضجيج المنظم، بل يراكم ثمارا وافرة يعجز عن جنيها الثوري المتمايز وإن كان يركض بسرعة الفهد.
أثارت هذه المعاني في دواخلي نشيدا أشارككم بعضا من مقاطعه قبل إتمامه في القادم من الأيام إن شاء الله:
تمهل ولا تقصف بلا اتزان """"واحذر ما يجنيه حصاد اللسان
وانظر إلى المدى تجد حرية"""" فالسجن في العقل لا في المكان
قل للثوار قلبي يهفو إليكم """" لكن عقلي يكابد قساوة الامتحان
كم ذاق أهلي صنوف الرزايا""""وسربلت الليالي فصول الزمان
بلادكَ تراكم نصرا تلو نصر""""فلم نفير يَضِل عن بر الأمان ؟

شارك