بين تسرُّع السعودية واعتذار المغرب

السبت 20/فبراير/2016 - 09:59 م
طباعة
 
في الوقت الذي أعلنت فيه السعودية عن وقف مساعدات مالية كانت تقدمها إلى لبنان، لزيادة تسليح الجيش اللبناني وتطوير الأمن العام الداخلي، كانت المغرب تعلن اعتذارها عن استضافة القمة العربية القادمة، والتي كانت من المقرر إقامتها فى مراكش المغربية فى ابريل 2016، وأكدت الخارجية المغربية أنه  نظرا للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع ومناسبة، وأنه أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي انطباعًا خاطئا عن الوحدة والتضامن بين دول العالم العربي!
فى حين أعلنت السعودية أنها قامت بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يتناسب مع هذه المواقف ويحمي مصالح المملكة، واتخذت عدة قرارات منها إيقاف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق الجمهورية الفرنسية وقدرها ثلاثة مليارات دولار، وإيقاف ما تبقى من مساعدة المملكة المقررة بمليار دولار المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، وأرجعت هذه القرارات إلى عدم إدانة لبنان للاعتداءات على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في إيران فضلا عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها ما يسمى حزب الله في لبنان!
والرابط الملحوظ بين الحدثين هو تزايد الهوة والشقاق بين الدول العربية وعدم القدرة على التوصل إلى قرارات مشتركة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة العربية، ما بين حرب موسعة بين القوى الدولية على الأراضي السورية، واستمرار تدمير ليبيا، والأزمة اليمنية، واستمرار الخلافات المذهبية فى العراق، واتساع الهوة بين الأطراف المتصارعة في لبنان، وغيرها من الأزمات.
الغريب فى الأمر هو استمرار الانتحار السعودي من خلال عدة قرارات يغلب عليها التسرع وعدم النظر للمصالح المشتركة، وبالرغم من عدم انتهاء حرب اليمن وما اطلق عليها "عاصفة الحزم" وما خلفته من زيادة التخريب العربي لليمن، حتى أعلنت عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا للحرب بالوكالة عن الغرب المتردد فى حسم الصراع السوري، وسط نية مبيتة سعودية تركية على الإطاحة بالأسد من الحكم دون النظر للمصالح الروسية وتنسيق موسكو الدائم مع طهران ودمشق، بل محاولة لتوريط عدد من الدول العربية فى هذه الحرب البرية تحت مزاعم القوة العربية المشتركة، وأخيرا – وليس أخرا- التنصل من الوعود والتعهدات التي قطعتها السعودية لمساعدة لبنان على ما يعانيه من تحديات داخلية وخارجيه وتركه يواجه مصيره عقابا على عدم اسكات صوت حزب الله فى قرارات الدولة اللبنانية.
ويبدو أن المملكة العربية السعودية ستعمل خلال الفترة المقبلة بسياسة العصا والجزرة كما اعتادت  الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية فى التعامل مع البلدان العربية فى القضايا الدولية والاقليمية، ومن ليس معنا فهو ضدنا، وهو الشعار الذى رفعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ابان حرب أمريكا ضد الارهاب، ودون أي حسابات أخري تتطلب من المملكة ان تكون أكث مرونة، خاصة وان لبنان يعانى كثيرا من الأزمات الداخلية وخلو المنصب الرئاسي، إلى جانب ارهاق الاقتصاد اللبناني بأزمة اللاجئين السوريين، وكان من المهم ان تنظر السعودية لهذا الأمر قبل أن تعاقب الشعب اللبناني ردًا على مواقف حزب الله.
وإذا كانت السعودية تسعى عبر هذا القرار إلى الضغط على الفرق المتناحرة بشأن المنصب الرئاسي فربما تكون مخطئة، حيث انه من المنتظر ان يكون لطهران دورا أكبر خلال الفترة المقبلة، فى ضوء رفع العقوبات الغربية عن ايران، ومن ثم زيادة النفوذ الإيراني فى بيروت كما زاد فى دمشق، وربما تتسع الهوة مع دول أخري ستنظر فى أي مساعدة سعودية قادمة بعين الاعتبار خشية تراجع السعودية أو فرض املاءات ما قد لا ترضي بها دول أخري.
القرارات السعودية الأخيرة ستؤدى إلى مزيد من التمزق فى العلاقات السعودية مع لبنان كما حدث مع اليمن، فبالرغم من تدخل السعودية فى اليمن بموافقة من الرئيس الشرعي، إلا أن التقارير الأممية تشير إلى شبهة قيام السعودية بجرائم حرب من خلال قصف المستشفيات واستهداف المديين، وهو ملف سيتم اثارته دوليا بلا شك فى فترة لم يحن موعدها بعد!
أعتقد أنه من المهم أن تراجع السعودية مواقفها الأخيرة، وأن تراعي التحديات التى تواجه المملكة فى ضوء القرارات المتعجلة، وعلى جامعة الدول العربية تطوير آلياتها  والنظر باهتمام فيما قدمته المغرب من مبررات الاعتذار، خاصة أن الشارع العربي لم يعد يثق بما يصدر عن الجامعة العربية أو القمم العربية، وهو ما ينبئ بغياب الأمل عن المنطقة لعقود قادمة!

شارك