أصول المشكلة الصحراوية

الخميس 25/فبراير/2016 - 10:41 م
طباعة
 
ستكمل القضية الصحراوية قريبا عقدها الرابع , هذه القضية التي اختلطت فيها كل عناصر الاشكال و تراوحت بين فترات السلم و الحرب و الاستقرار و اللجوء , وكانت الأقاليم الصحراوية مسرحا لكل التدخلات الخارجية و المشاريع الاستغلالية والطموحات التوسعية لدول الجوار و حتى الدول القوية لما وراء البحار.
في زمن السماوات المفتوحة و الاتفاقيات الكبرى لتوحيد شعوب و دول العالم من الاتحاد الاوروبي الذي يجمع 28 دولة مختلفة الدين و العرق و اللغة والمحملة بتاريخ من الحروب و النزاعات لكن الموحدة بفكرة العيش المشترك , و حتمية المستقبل الواحد , في هذا الزمن لا زالت قضية الأقاليم الصحراوية قضية تقرير مصير و ارادة شعب في الاستقلال .
1- الصحراء والصحراويون في التاريخ:
كل من يعرف تاريخ المغرب يعلم أن الأقاليم الصحراوية كانت جزءا من المغرب الكبير و يقرون بوحدة الانسان الذي عاش فيها منذ العصور الحجرية الأولى و الذي خلد آثاره و رسومه على صخور الصحراء حين كانت مروجا و سهولا خضراء تحولت الى صحراء بفعل التغيرات المناخية خلال آلاف السنين.
يتفق كل علماء التاريخ على حقيقة عدم قيام أي دولة في هذه المناطق الصحراوية التي كان يسكنها البدو , و كل من يرى خريطة العالم العربي قد يلاحظ في كثير من مواضعها أن الخطوط المكونة للحدود كأنها رُسمت بخطوط مستقيمة أو أن أحدهم سطرها بكل بساطة , كل هذه الحدود الهندسية الشكل موجودة في المناطق الصحراوية الخالية من السكان أو مسكونة ببدو الصحراء وهذا راجع لكون الانسان البدوي الصحراوي لا يعرف معنى للاستقرار أو الثبات في حيز مكاني واحد بل يعيشون مع جمالهم و حيواناتهم , وينتقلون بحثاً عن الماء و المرعى في رحلات عبر خطوط سير ممتدة لكيلومترات و ينتظمون في تشكيلات قبلية و اتحادات و مجالس يقودها شيوخ القبائل تحل النزاعات و تدبر الاختلافات وتعقد التحالفات , بعد مجيء الاستعمار وتقسيم شمال افريقيا و الصحراء الكبرى مع بداية القرن التاسع عشر , لم يراع المستعمر أي خصوصيات اجتماعية أو ثقافية لهذه المجموعات البشرية , فقسم الصحراء الكبرى حسب مصالح الدول المستعمرة و حلفائها المحليين , بعد رسم هذه الحدود وجدت العديد من القبائل الصحراوية نفسها محبوسة داخل حدود تمنعها من مواصلة رحلاتها في الرعي و البحث عن الماء و المرعى .
2- من مجتمع البيضان إلى الدولة الصحراوية :
كما ذُكر فالمجال الصحراوي الواقع بين غرب النيجر و مالي إلى موريتانيا ومن نهر درعة إلى نهر السنغال , لم تعرف أبدا قيام دولة مستقلة عن المغرب أو الجزائر أو عن الخلافة الاسلامية بالمشرق , ولكن عرفت مجموعات بشرية ذات خصوصية اجتماعية و ثقافية مشتركة يمكن أن نسميها أو تُسمى بمجتمعات البيضان أو البيظان .
ذكر ابن بطوطة  وابن خلدون وغيرهم من المؤرخين اسم البيضان كوصف مقابل لمصطلح السودان وهما توصيفان لمجموعات بشرية على أساس الاختلاف العرقي و الاثني , في الجزء موضوع النزاع تعيش منذ القدم مجموعات من القبائل يمكن تقسيمها وظيفيا :
+ قبائل مقاتلة تمتهن ممارسة الحروب و الجهاد مثل : أيتوسى ,السكارنة,أولاد دليم , أولاد بوسباع,قبائل تكنه التي تجمع تحالفا حربيا من العديد من القبائل,قبائل أعريب.
+ قبائل مرابطية أو زوايا دينية هم قبائل عرفت باشتغالها في الدعوة للإسلام ونشره و التفرغ لطلب العلم و ممارسة تدريس القرآن و الفقه من هذه القبائل : أولاد تيدرارين ,توبالت, فيلاله , أهل بارك الله , أهل الشيخ ماء العينين, أهل ألفغ الخطاط, تركز ,أديبسات , تاجاكانت.
+ قبائل تمتهن الحرف اليدوية و التجارة : لميار ,الشناكلة, أولاد بوعيطة, لفيكات, ايمراغ , مجاط.
تجدر الاشارة أن العديد من هذه القبائل الصحراوية لها ارتباطات تاريخية مع المغرب , فبعضها لها امتدادات اثنية أو لها فروع خارج الفضاء الصحراوي و داخل الوسط المغربي وعلى سبيل المثال لا الحصر قبيلة الركيبات التي تنحدر مباشرة من سيد أحمد الرقيبي أحد أحفاد حفيد مولاي عبد السلام بن مشيش دفين جبل العلم قرب تطوان , ومن أبناء أحمد الرقيبي تفرعت قبيلتي الركيبات , فمن قاسم بن أحمد انحدرت رقيبات القواسم و من أخيه علي بن أحمد انحدرت قبيلة ركيبات الساحل.
قبيلة العروسيين ينتسبون الى الاشراف من سلالة ادريس الثاني , فحين ارتحلوا نحو الصحراء لا يزال إلى اليوم جزء من قبيلتهم شمال المغرب يحمل نفس الاسم بني عروس.
واضح أن القبائل التي تسكن الجزء الغربي من الصحراء الكبرى لها ارتباطات قوية و ثابتة مع كل المناطق في موريتانيا و الجزائر و السنغال , ومن المعروف تاريخيا أن العديد من الدول و الممالك التي حكمت المغرب و أجزاء من شمال أفريقيا ضمت اليها هذه القبائل , وعلى سبيل الذكر دولة المرابطين التي انطلقت من المنطقة المجاورة للعاصمة نواكشط حاليا وامتد حكمهم ليشمل باقي قبائل الصحراء وغرب الجزائر و المغرب والأندلس.
استمرت العلاقة بين القبائل الصحراوية و باقي قبائل المغرب و قبائل الصحراء , لكن ظهور الاستعمار ووضعه لتلك الحدود الدائمة و المانعة , والتي لم يعرفها الانسان الصحراوي ساهمت في  خلق العزلة و تعميقها بين سكان الصحراء و باقي سكان المغرب الكبير.
3- من جيش التحرير إلى البوليساريو :
مع دخول الاستعمار الاسباني للأقاليم الصحراوية و ما صاحبه من اعتداءات على الانسان و الأرض كان من الطبيعي ظهور حركات للمقاومة و المناداة بالاستقلال , خاض جيش التحرير في كل مناطق المغرب حربا ضد المستعمر الفرنسي والاسباني كبَّدته خسائر فادحة , مع الحركة الوطنية و المطالب السلمية و انتصارات جيش التحرير اضطر المستعمر الفرنسي أن يعترف باستقلال المغرب ثم تلاه استقلال الجزء الشمالي المحتل من المستعمر الاسباني , بقيت الأقاليم الجنوبية وبقي جيش التحرير يواصل عملياته الحربية ضد المستعمر الاسباني, لكن التحالفات والمساومات التي كانت بين الدولة المغربية و المستعمرَين الفرنسي والاسباني التي أعطت الاستقلال في شمال و وسط المغرب كان من شروطها تفكيك جيش التحرير و اكمال المطالبة الاستقلال بالوسائل السلمية و الدبلوماسية والمفاوضات , هذه المساومات سيرفضها قادة جيش التحرير الذين رفضوا وضع أسلحتهم مادامت مناطق تحت الاحتلال و سيترتب عن هذا الرفض أولى الصدامات بين النظام المغربي الرافض لكل جيش خارج الجيش الملكي و النظامين الاستعماريين الفرنسي والاسباني من جهة ومن جهة أخر قيادة جيش التحرير في الجنوب , أهمها عملية إيكوفيون سنة 1958 , هذه العملية الاسبانية الفرنسية المشتركة مع التسهيلات المقدمة من النظام المغربي و التي استهدف جيش التحرير و خلفت خسائر كبيرة في المدنيين الصحراويين قتلا وتهجيرا و حرقا لخيامهم و قتلا لإبلهم, العديد من الصحراويين أعضاء جيش التحرير أو ضحايا هذه الحرب سيُؤسس أبناؤهم بعد سنوات جبهة البوليساريو.
مع بداية الستينات واكتشاف فرنسا للبترول بصحراء الجزائر ستبدأ اسبانيا بالتماطل عن الخروج من الصحراء الغربية, وبدأت بالترويج لأول مرة لفكرة الوطنية الصحراوية مع المسئول الاسباني لوبيز ريدود سنة 1963  دون أن تلقى هذه الدعوات والأفكار الدخيلة أي تجاوب من الشعب الصحراوي , لكن مع السبعينات سيتحرك مجموعة من الشباب الصحراوي الذي يدرس في المغرب لطرق أبواب مقرات الأحزاب المغربية من أجل التحرك لتحرير الصحراء المحتلة , هذه الأحزاب و الشخصيات التي كانت تخوض صراعات مع القصر وأزمات داخلية اجاباتها لم تكن لتشفي غليل الشباب الصحراوي , هؤلاء الشباب سيتلقفهم نظام القدافي الذي كان أول من زودهم بالسلاح النوعي آنذاك و قاموا بواسطته بأول هجماتهم على الأهداف الاسبانية في الصحراء المحتلة مستفيدين من معرفتهم الجيدة بالأرض , النظام الجزائري بدوره سيتدخل بعد أن خشي على مصالحه من تدخل نظام القدافي ليعلن من على أراضيه وبدعمه انشاء جبهة البوليساريو التي سيتكلف بتجنيد الشباب الصحراوي و تسليحه و احتضان قاعدة ثابتة له على مدينة تندوف الجزائرية , لتنطلق مرحلة جديدة من كفاح و تضحيات الشعب الصحراوي ولكن بتوجيه من المحتضن الأول النظام الجزائري و بتأثير مصالح هذا النظام.
إن كان التاريخ شاهدا على الوحدة الثقافية و الدينية و الانسانية لشعوب المنطقة و في قلبها الشعب الصحراوي , فإن كل أحداث التاريخ الحديث منذ ظهور الاستعمار الغربي يشهد على كل الظلم و الاعتداء الذي وقع على هذه الشعوب من طرف الاستعمار ومن طرف الأنظمة التي جاءت بعده , إن مشكل الصحراء و تطلع الشعب الصحراوي و باقي شعوب المنطقة للاستقلال والكرامة بمرور كل هذه السنوات لم تزد المشكل إلا تأزماً , والأسباب متعددة من أطماع الاستعمار واستغلاله للأرض و الانسان ثم الأنظمة الحاكمة التي جاءت بعده والتي كرست لسياسات القمع والاستغلال و إلغاء وجود شعوب كاملة و سحق كرامات الناس أو تخييرهم إما الالحاق وليس الوحدة أو الحروب و إشعال الفتن القبلية و العرقية.
ما يحتاجه الشعب الصحراوي هو ما تحتاجه شعوب المنطقة هو إحقاق دولة الحق والقانون والانتقال من الانتماء القبلي الضيق إلى رحابة الانتماء الى الوطن , وما يجب أن تعييه الأنظمة الحاكمة والشعوب المحكومة هو ضرورة التخلي عن منطق الرعية و الرَّيع إلى منطق المواطنة والمساواة .

شارك