مصطفى السباعي "بنا إخوان سوريا"

الأحد 03/أكتوبر/2021 - 08:30 ص
طباعة حسام الحداد
 
مصطفى بن حسني السباعي، ولد في مدينة حمص في سوريا عام 1915. نشأ في أسرة معروفة بالعلم منذ مئات السنين، وكان والده وأجداده يتولون الخطابة في جوامع مدينة حمص، وقد تأثر بأبيه الشيخ حسني السباعي، وفي عام 1933 ذهب إلى مصر للدراسة الجامعية بالأزهر، وهناك شارك إخوانه المصريين عام 1941 في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، كما أيد ثورة رشيد على الكيلاني في العراق ضد الإنجليز، فاعتقلته السلطات المصرية بأمر من الإنجليز مع مجموعة من زملائه الطلبة قرابة ثلاثة أشهر، ثم نقل إلى معتقل صرفند بفلسطين حيث بقي أربعة أشهر، ثم أطلق سراحه بكفالة.

تأسيس جماعة الإخوان بسوريا

تعرف السباعي في فترة دراسته بمصر على مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وظلت الصلة قائمة بينهما بعد عودته إلى سوريا، حيث اجتمع العلماء والدعاة ورجال الجمعيات الإسلامية في المحافظات السورية وقرروا توحيد صفوفهم، والعمل كجماعة واحدة وبهذا تأسست منهم (جماعة الإخوان المسلمين) لعموم القطر السوري، وقد حضر هذا الاجتماع من مصر سعيد رمضان، وكان ذلك عام 1942، ثم بعد ثلاث سنوات أي في عام 1945 اختير مصطفى السباعي ليكون أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سوريا.

العمل الصحفي

في عام 1947 أنشأ جريدة (المنار) حتى عطلها حسني الزعيم بعد الانقلاب العسكري العام 1949.
في عام 1955 أسس مع آخرين مجلة (الشهاب) الأسبوعية، والتي استمرت في الصدور إلى قيام الوحدة مع مصر عام 1958.
في العام نفسه أي 1955 حصل على ترخيص إصدار مجلة (المسلمون) الشهرية بعد توقفها في مصر، وظلت تصدر في دمشق إلى عام 1958 حيث انتقلت إلى صاحبها سعيد رمضان في جنيف بسويسرا، فأصدر السباعي بدلا منها مجلة (حضارة الإسلام الشهرية) وظل السباعي قائما على هذه المجلة حتى توفي حيث تولى إصدارها محمد أديب الصالح بدمشق.

البرلمان والجامعة

انتخب السباعي نائبا عن دمشق في الجمعية التأسيسية عام 1949 ثم انتخب نائباً لرئيس المجلس فعضوا في لجنة الدستور المشكلة من 9 أعضاء.
وعين السباعي عام 1950 أستاذا بكلية الحقوق في الجامعة السورية، واستطاع بمساعيه الحميدة تأسيس كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1955 ليكون أول عميد لكلية الشريعة بجامعة دمشق.

رئاسة المكتب التنفيذي للإخوان

بعد اعتقال حسن الهضيبي في مصر خلال مواجهة الإخوان المسلمين بمصر مع حكومة ثورة يوليو ، شكل الإخوان المسلمون في البلاد العربية مكتبا تنفيذيا تولى الدكتور مصطفى السباعي رئاسته.

موقفه من الشيوعية والاتحاد السوفيتي

يقول متحدِّثا عن نفسه في مجلَّة (حضارة الإسلام): "كان (السِّباعي) أوَّل من حمل لواء الدَّعوة إلى مناهضة الشُّيوعية في بلادنا بعد إطلاق سراحه من الاعتقال- خلال الحرب العالمية الثانية- في وقت كان الحلفاء الغربيون يتعاونون مع روسيا للقضاء على خطر هتلر، حتى كانت سفاراتهم هي التي تنقل النَّشرات الشُّيوعية وتوزِّعها على الناس بكل ما أوتيت من نفوذ، وكان رجالُ الدَّولة عندنا يحضرون احتفالات الشيوعيين، ويقفون عند سماع النَّشيد الشُّيوعي الرَّسمي، كما يقفون تماماً عند النَّشيد السُّوري الرَّسمي".
"في هذا الوقت بالذَّات- عام 1942 م- كان السِّباعي يلقي المحاضرات العامَّة علناً ضدَّ الشيوعية، وكان يستمع إليه عشرات الألوف".
ولقد كان السِّباعي من ألدِّ أعداء التَّطبيق الستاليني للاشتراكية. وعندما كان يرأس تحرير (المنار) شنَّ حملةً عنيفةً على الشيوعية، على مبادئها، وسياستها، وتخريب الأحزاب الشيوعية للُحمة المجتمعات العربية، وإشاعة الإلحاد والمجون.
ولكن السِّباعي أدرك الأثر الاستراتيجي الدولي للاتحاد السوفيتي في دعم حركات التَّحرر العربية، في زمن السَّنوات الحارَّة للحرب الباردة، إذ ارتبط عداؤه للرأسمالية بعدائه للغرب، فرحب بالتَّعاون السِّياسي بين البلدان الإسلامية والاتحاد السوفيتي الذي يساعد البلاد لعربية في مواجهتها مع الاستعمار الغربي. وألف كتابه الشهير "اشتراكية الإسلام"، والذي تذكر بعض المصادر الإخوانية أن السباعي قد تبرأ منه فيما بعد.

موقفه من القومية العربية

كانت للعروبة مكانةٌ رفيعةٌ في نفس السِّباعي، وكثيراً ما كان يُطرب أسماع المستمعين لخطبه بهذا النداء: يا أبناء العروبة والإسلام.. فيقرن العروبة بالإسلام والإسلام بالعروبة في خطبه وكتاباته كلِّها، وقد أهمَّه العرب كما أهمَّه المسلمون، وناضل من أجل أن تتحرَّر الأقطار العربية من الاستعمار، وساعد قادة التَّحرر، وأيَّد الجامعة العربية، ونادى بالوحدة العربية تحت راية الإسلام، ثم أيد الوحدة بين سوريا ومصر.
وكان يرى أن تقوم القوميةُ العربية على أساس من قيم الإسلام الرُّوحية، وتعاليمه الأصيلة، وتراثه الحضاري الخالد، ورفض أن تكون وعاءً للعلمانية أو أن تكون بديلاً عن الإسلام، كما ينادي البعث والقوميون العرب.
كما يرى أن الأمة العربية المسلمة – متناسيا أن هذه الأمة العربية بها عقائد أخرى غير الإسلام كاليهودية والمسيحية- هي وحدها المؤهَّلة للنُّهوض بالعمل الحضاري المرتقب، لحمل حضارة الغد، وعليها أن تأخذ بالأسباب لتحقيق ذلك.

موقفه من المرأة

كان اهتمام السِّباعي بالمرأة كبيراً، وكان تقديره لأثرها في الحياة العامَّة والدَّعوة خاصَّة، عالياً، وقد قال: "لا بدَّ للحركة الإسلامية المعاصرة من أن تشارك فيها المرأة".
فهو لا يرى مانعاً من أن تشارك المرأة في عملية الانتخاب، ناخبة ومرشَّحة. وقد شارك مع مجموعة من العلماء في إصدار فتوى تجيز مشاركة المرأة في الانتخاب.
ومع ذلك يقول: "فإني أعلن بكلِّ صراحة، أن اشتغال المرأة في السِّياسة، يقف الإسلام منه موقف النُّفور الشَّديد، إن لم أقل التَّحريم، لا لعدم الأهلية، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنه، وللمخالفة الصَّريحة لآداب الإسلام".
ومن أراد الوقوف على تفصيلات آرائه في المرأة ككل، فليراجع كتابه (المرأة بين الفقه والقانون).

موقفه من الشِّيعة

يرى السِّباعي أن الوقت قد حان لتقارب المسلمين، وتفاهمهم وتعاونهم، بعدما مضى وانقضى ما كنَّا نختلف عليه، فقد انتهت كل عوامل الفرقة.
يقول: "ومن الواضح أن السَّبب الذي بدأت به الفرقة، وهو الصِّراع حول الأحقِّ بالخلافة، ورئاسة الدَّولة، لم يعد موجوداً في عصرنا هذا، بل منذ عصورٍ كثيرة، فقد أصبحنا جميعاً تحت سلطة المستعمرين، فلم يبق مُلْكٌ نتقاتل عليه، ولا خلافةٌ تختلف من أجلها، وذلك مما يقتضي جمع الشَّمل، وتقريب وجهات النظر، وتوحيد كلمة المسلمين على أمر سواء، وإعادة النَّظر في كل ما خلَّفته تلك المعارك من أحاديث مكذوبةٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصفيائه وحملة شرعه، وحاملي لوائه.
وقد بدأ علماء الفريقين في الحاضر يستجيبون إلى رغبة جماهير المسلمين في التَّقارب، ودعوة المفكرين إلى التَّصافي، وأخذ علماء السُّنة بالتقارب عملياً، فاتجهوا إلى دراسة فقه الشِّيعة، ومقارنته بالمذاهب المعتبرة عند الجمهور.

موقفه من الفنّ

لم يؤمن مصطفى السباعي بدور الفن في نهضة المجتمع ورقيه الأخلاقي والجمالي، بل كان يصور الفن دوما على أنه قيثارة الشيطان؛ ففي كتابه (هكذا علمتني الحياة) يقول: "الفنُّ قيثارة الشيطان"، وكتب: "ليس صدفة ولا عن حسن نيَّة أن توجَّه طاقات شبابنا وبناتنا إلى الرَّسم والرَّقص والغناء، ويكون ذلك محورَ التَّوجيه في الصَّحافة والإذاعة والتلفزيون من حيث لا توجَّه طاقاتهم ولا عبقرياتهم إلى العلم والصناعة والاختراع. إنها خطَّة استعمارية تُنفَّذ من أموال الشَّعب على أيدي بعض الأغرار من المراهقين والمراهقات".

مؤلفاته

من أهم مؤلفاته: 
"شرح قانون الأحوال الشخصية" (ثلاثة أجزاء)، "من روائع حضارتنا"، "المرأة بين الفقه والقانون"، "عظماؤنا في التاريخ"، "دروس في دعوة الإخوان المسلمين"، "السنة ومكانتها في التشريع"، "هكذا علمتني الحياة" (ثلاثة أجزاء كتبها فترة المرض)، "اشتراكية الإسلام"، "أخلاقنا الاجتماعية"، "أحكام الصيام وفلسفته" و"الدين والدولة في الإسلام".

مرضه ووفاته

أصيب مصطفى السباعي في آخر عمره بالشلل النصفي حيث شل طرفه الأيسر مدة 8 سنوات إلى أن توفي يوم السبت 3 أكتوبر 1964 وصلي عليه في الجامع الأموي.

شارك