مؤتمر "التأويلية ونصر حامد أبو زيد".. محاولة للوصول بفهم التراث والقرآن إلى القاعدة الجماهيرية

الأربعاء 15/أكتوبر/2014 - 09:35 م
طباعة
 
• مفهوم التأويل عند أبو زيد وإشكالية التفسير
• لماذا تفرض إشكالية التحريم نفسها عند الحديث عن علاقة الفن بالدين
• التأثير في وعي المتلقي والتفكير في زمن التكفير
عقد مؤتمر " التأويلية ونصر حامد أبو زيد " الجمعة والسبت 10،11 أكتوبر 2014، برعاية مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية، وقد ناقش المؤتمر مفهوم الـتأويل عند نصر حامد أبو زيد من خلال مجموعة مميزة من الباحثين، واللافت للانتباه وما تحدث فيه الكثير من الحضور على هامش المؤتمر التساؤل التالي: لما لا يعقد هذا المؤتمر في جامعة القاهرة؟ حيث إنها المكان الأولى بعقد مثل هذه المؤتمرات، وأن نصر حامد أبو زيد تخرج فيها وقام بالتدريس فيها، هذا بجانب بعض المناقشات الهامشية المحترمة والتي من المفترض أن تتم مناقشتها في مؤتمرات أخرى، ألا وهي "كيف نصل بفهم نصر حامد أبو زيد للتراث بشكل عام، وفهمه للقرآن بشكل خاص إلى القاعدة العامة من الناس حتى نخرج من الحالة الداعشية التي نحياها على مستوى الفكر والواقع ؟" 

محاور اليوم الأول : التأويلية والقرآن ومنهج نصر أبو زيد

انقسمت فعاليات المؤتمر في يومه الأول إلى جلستين، الأولى أدارتها الدكتورة ابتهال يونس، وتحدث فيها الباحثون " هاني المرعشلي، وجمال عمر، من مصر ومجدي عز الدين من السودان "
جاءت عنوان الورقة البحثية لـهاني المرعشلي: "التأويلية عند نصر حامد أبو زيد، مفاهيم واتجاهات"، وقد تتبع الباحث مسيرة نصر حامد أبو زيد وتتبع فهمه التأويلي والسياقات التي ارتكز عليها لبناء هذا الفهم منطلقا من مرحلة الطفولة وصولا الي آخر كتابات نصر حامد أبو زيد .
وكان عنوان بحث  جمال عمر: "القرآن وقراءته: تطور المفاهيم عند نصر حامد أبو زيد " وقد تتبع الباحث المفاهيم المرتبطة بالنص القرآني عند نصر حامد أبو زيد، بداية من أن القرآن نص قد تأسس عبر سياق اجتماعي وثقافي ما وصولا إلى "القرآن" حيث انه النص المؤسس لثقافة قادمة وكيف اصبح هذا النص منتجا للثقافة بعدما كان هو نتاج لثقافة ما، ثم كيفية تطور مفهوم نصر أبو زيد حول القرآن وتحوله إلى خطاب بل خطابات متعددة .
فيما جاء بحث مجدي عز الدين تحت عنوان "المنهج التأويلي عند نصر حامد أبو زيد " وقد حدد الباحث 9 محاور لمناقشة المنهج التأويلي عند نصر حامد أبو زيد:
والموضوع الرئيس لورقته البحثية هو تفحص المنهج التأويلي الذي اتبعه نصر حامد أبو زيد في دراسته للنص القرآني تفحصا نقديا، فالباحث هنا لا يكتفي بالسرد والعرض وإنما يتجاوزهما للتحليل والمقارنة والنقد، وتركز الورقة البحثية على الطريقة والكيفية التي عالج بها أبو زيد موضوعه، وتركز بشكل أساسي على أدواته التأويلية وعدته المنهجية والكشفية التي قارب بها موضوعه، وتركز الورقة على:
1- مفهوم التأويل عند نصر حامد أبو زيد وإشكالية التفسير/ التأويل ونقد أبو زيد للتفسيرية 
2- التمييز بين الدين والفكر الديني
3- مفهوم النص "القرآن بوصفه نصًا لغويًا ومنتجًا ثقافيًا" القرآن وسؤال الفهم
4- التاريخية " تاريخية النصوص الدينية، بداية من تاريخية الكلام الإلهي"
5- ما الإسلام؟ ويناقش فيها أطروحة الفهم الموضوعي للإسلام 
6- موقف تأويلية نصر أبو زيد من التراث 
7- أبراز آليات الخطاب الديني كما فككها نصر حامد أبو زيد 
8- منهج القراءة السياقية 
9- العلمانية وتأويلية أبو زيد 
التطور الدلالي وتأويل النص والجذور التراثية
أما الجلسة الثانية فقد أدارها الاستاذ أشرف البولاقي وتحدث فيها "نادر عمر، الشريف منجود، عبد الباسط سلامة"
جاء بحث نادر عمر بعنوان "التطور الدلالي في القرآن: بين تاريخية القدماء والنظريات الأدبية والتأويلية عند المحدثين"، وقد ركزت هذه الورقة البحثية على اهتمام علماء اللغة العرب قديما بالتطور الدلالي بشقيه التطور في الألفاظ والتطور في التراكيب، ولكن أحصرت هذه المساعي والاهتمامات في مسايرة التطور في الجانب التاريخي دون الجوانب الاجتماعية والإنسانية التي ظهرت بعد ذلك في دراسات المعاصرين خصوصًا الغرب في علوم السيموطيقا والهرمنيوطيقا، وعلى حد رأي الورقة البحثية كانت أول محاولة في تتبع التطور الدلالي للمصطلحات العربية في القرآن كانت على يد أبي حاتم الرازي في كتابه "الزينة" حيث قام بتتبع تطور المصطلحات العربية من الجاهلية إلى الإسلام ونظرا لانتمائه لمدرسة الاشتقاقيين التي منها "الأصمعي وأبو عبيدة " الذين قاموا بتضييق المعنى اللغوي والدلالي في حيز الاشتقاق اللغوي وأحصروا هذه الدراسات في الجانب الديني فقط، ويخرج الباحث من هذه المقدمة إلى أنه يجب على الباحثين وعلماء اللغة المحدثين عزل اللغة عن الدين وإخضاع اللغة للجوانب الإنسانية والاجتماعية والفلسفية لتوسيع الدائرة الدلالية كما في المدارس التأويلية الحديثة عند شلير ماخر وهيدجر وجدامر، كذلك للتقريب بين النص القرآني والجوانب الإنسانية خصوصا الوجود الانساني، ودراسة العلاقة الجدلية بين النص والقصد والتأويل في القرآن بشكل معاصر تبعا لمدارس ونظريات الأدب الحديثة وهذا ما يسعى الباحث إليه كنوع من محاولة لتأسيس علاقة جديدة بين النص والثقافة .
ويتناول بحث الشريف منجود، المعنون بـ" تأويل النص وتشكيل العقل عند نصر حامد أبو زيد : دراسة في هرمنيوطيقا النص الديني "، تجاوز نصر أبو زيد التفرقة الاصطلاحية المتأخرة بين التفسير والتأويل، ليعود إلى التوحيد بينهما وهو ما قدمه في مفهوم النص وفلسفة التأويل وآلياته، كما أن التأويل ينطلق لديه – نصر أبو زيد- من البلاغة والمجاز في التراث الأدبي إلي النص الديني .
ويعتمد أبو زيد حسب هذه الورقة البحثية على مستوى المعنى الباطني الذي يقوده إلى مفهوم الدلالة اللغوية، كما أن الباحث ينطلق من تلك الفرضية التي تؤكد أن التفاعل مستمر بين النص والواقع وان القرآن نزل مستجيب لحاجات الواقع وحركته المتطورة خلال فترة زادت على العشرين عاما، ومع تغير حركة الواقع وتطوره – بعد انقطاع الوحي- تظل العلاقة بين الوحي والواقع علاقة جدلية يتغير فيها معنى النص ويتجدد بتغير معطيات الواقع .
وتناول عبد الباسط سلامة هيكل في بحثه " الجذور التراثية في تأويلية نصر أبو زيد" ويرى أن أي حراك إصلاحي على مستوى خطابنا الديني، أو أي محاولة للخروج من حالة التلفيق، أو الاستلاب، أو الاستعلاء وما يمكن أن يوصف في مجموعة بالتيه يحتاج إلى جرأة أقلام تكسر الصمت، وتحرك حالة الركود الفكري، وليس اقلاما صارخة تنفعل .. وكأنها تفعل، وكتابات حالمة صبغت الأفكار بألوان محلية لتكسبها شرعية القبول والتداول، وخطاب جماعات اسلامية، جعلت التفكير انفعالا أداته الوجدان، وليس حالة مستمرة وسيلتها العقل.
فمن مظاهر الحراك الفكري الدافعة لمسيرة الإصلاح والتجديد في خطابنا الديني دراسة تأويلية نصر أبو زيد التي شكلت منهجه البحثي على مدار ربع قرن عند نصر، غير مبال باتهامها قديمًا وحديثًا من المدرسة المحافظة التي جعل من قراءات القدامى للنص جزءا من النص، فوقعوا تحت سلطة النص على نحو أصاب العقل بالكثير من الجمود، واصاب البحث بحالة من النقل، وتمخض عنهما حالة من الترديد المسبق للنتائج قبل التعرف على المقدمات، وسوق الاحكام قبل مناقشة الأفكار، فتنطلق الورقة البحثية من موقف المتسائل عن الجذور التراثية لتأويلية نصر أبو زيد، في محاولة للاجابة عن سؤال مفاده : هل تأثر نصر بالتراثيات، وهو يصوغ تأويليته ؟ أم أنه بحث عن أصداء التأويلية في التراث؟ 

فعاليات اليوم الثاني: خطاب التحريم والرسم باللغة

أما اليوم الثاني للمؤتمر فقد قسم أيضا لجلستين: الأولى وقد أدارها الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق، وتحدث فيها الباحثان "سلمى مبارك، وابتهال يونس". 
جاء بحث سلمى مبارك بـ "خطاب التحريم والفن عند نصر حامد أبو زيد " وقد تناولت ورقتها البحثية محاولة الإجابة على السؤال الرئيس "لماذا تفرض إشكالية التحريم نفسها عند الحديث عن علاقة الفن بالدين ؟" ومن وجهة نظر الورقة البحثية، يشكل كل من الدين والفن وجهين لعملة واحدة . كلاهما احتياج إنساني، طريق لتحرر الإنسان، وصلة مع اللا متناهٍ. الدين والفن ممارسات تقع في سياق ثقافي/ تاريخي يشكلها ويحدد علاقتها مع مفهوم المقدس، كل من الدين والفن يتشكل في نص هو مادة للتأويل، كلاهما تتخاطفه الخطابات المتصارعة .
وعلى حد قول الباحثة فهذه التشابهات لم تمنع- بل قد تكون هي السبب في تأجج- الاشتباك بينهما على مر التاريخ
وتستطرد الباحثة.. يتوقف نصر حامد أبو زيد عند هذا الاشتباك وعند مفهوم خطاب التحريم في الفن على وجه الخصوص في كتابه " التجديد والتحريم والتأويل" فيحاول تفكيك مفاصل مفهوم التحريم وتشريحه ومن ثم فض الاشتباك بين ما يراه البعض " الأخوين العدويين" .
ابتهال يونس وعنوان البحث " الفن في القرآن . الرسم باللغة " وقد تناولت في بحثها كيف ان القرآن مليء بالصور الفنية والاساليب الجمالية مبينة بعض الاختلاف في فهم دلالات الألفاظ القرآنية على سبيل المثال الفرق في استخدام القرآن للفظة "الأصنام والاوثان والتماثيل " كذلك تقديمها للاستخدام اللوني في القرآن وصولا إلى الرسم باللغة حيث ان الجزيرة لم تنتج أشكالًا فنية سوى الشعر القراءات الحديثة وآليات الاشتباك والمرتكزات الاعتزالية
اما الجلسة الثانية والتي ادارها الدكتور طارق النعماني ومن الباحثين "محمد احمد الصغير، وائل سيد عبد الرحيم، محمد جبريل "
محمد احمد الصغير والذي تناول بحثه " القراءات الحديثة للنص القرآني بين التأويل والابداع في خطاب نصر حامد أبو زيد وطه عبد الرحمن " واكدت الورقة البحثية أن الذي يطمح اليه نصر حامد أبو زيد بقوله "البدء بالواقع معناه البدء بالحقائق التي نعرفها من التاريخ " – فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربي ص 16،17 – وهذا ما يسميه نصر أبو زيد على حد قول الباحث بجدلية النص بالواقع من تناول ظاهرة الوحي والنبوة، وعلاقة المكي والمدني بعلوم القرآن، ولواحقها من القيد والمطلق أو المحكم والمتشابه، والإعجازي، أما عمل المفكر المغربي طه عبد الرحمن فيرتكز على تفكيك دعائم القراءات الحداثية التي حاولت تفسير النص القرآني، وفق رؤية تأويلية أو تأريخية أو حتى عقلانية، تنزل فيه النص المقدس منزلة النصوص البشرية .
ويخلص الباحث في ورقته إلى أنه من الطبيعي أن تكون هناك بعض الآراء الناقدة للمنهج التأويلي عند نصر حامد أبو زيد، إذ ان عمل الفلاسفة هو المحاورة فيما بينهم أو السجال المعرفي في طريق ومسالك الإبداع، ويؤكد الباحث أن الممارسة التأويلية للنص تجعلنا ننفلت من دوغمائية القراءات التحريفية والسطحية للنص القرآني، كما تجنبنا إضافة إلى ذلك مأذق الثنائيات التي سيجت الفكر الإسلامي بمغالق أصبح صعبا فتحها، كثنائية " العقل والنقل" إذ يمكن أن نصحح من هذا المنظور التأويلي الكثير من الأفكار المستفزة كما يشير نصر حامد أبو زيد عن تراثنا الفكري والديني والفلسفي، إذ بفضل القراءة وآلياتها نصبح أمام نص منفتح على الدوام، ويحتضن العديد من الاحتمالات، فهي تزيل ذلك التصدع القائم بين جوانب التراث في أذهاننا، وفي مناهجنا، فلا نقيس الفكر الاسلامي على الفكر اليوناني أو غيره .
ويؤكد وائل سيد عبد الرحيم سليمان عبر بحثه " آليات الاشتباك في خطاب المساجلة: التفكير في زمن التكفير نموذجا" أن أية "عملية تأويلية" تستهدف التأثير في وعي المتلقي، وإذا ما قوبلت هذه العملية التأويلية بتضاد تأويلي، بوجود طرف آخر لديه "تأويل مضاد"، يحاول أن يقف كحائط صد حتى لا يمر التأويل الجديد إلى نفوس المتلقين، فتحدث عملية إزاحة وخلخلة للتأويل المتوارث، فإن صاحب التأويل الجديد يكون مضطرًا إلى الدخول في "مناظرة" من أجل مواجهة الحجج والأسانيد التي يتصدى بها الطرف الآخر لعمليته التأويلية، لنصبح هنا أمام "دائرة تأويلية" مركبة من عدة مستويات، فأولا: هناك " التأويل الجديد" الذي تم إنتاجه ليحل محل "تأويل قديم" وهذه هي الحالة الأولى من الدائرة التأويلية في مستواها الأول، وهي ما يسميه الباحث " التأويل الناعم" حيث في هذه الحالة الأولى يتم تخصيص الخطاب، وتخصيص الرسالة الموجهة للقارئ لدعم التأويل الجديد الذي يقدمه المؤول بالحجج والأسانيد. ثم يعرض الباحث " التأويل المضاد " ومن بعده " الاشتباك التأويلي " ويقرر أن هذه الحالات التأويلية قد حدثت مع نصر حامد أبو زيد فقد أطلق " التأويل الداعم "في كتب "الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية " و"نقد الخطاب الديني " ثم تمت مواجهة هذه التأويلات على نحو ما هو معروف تاريخيًا، لكي يقوم نصر أبو زيد بتأليف كتاب "التفكير في زمن التكفير"، وهو الذي يمثل الحالة التي يطلق عليها الباحث "الاشتباك التأويلي"، وهذا الموقف الاستثنائي من الممارسة التأويلية التي تنطلق مع حالة المناظرات والسجالات، والمتداخلة مع منهج دراسة المناظرة هي ما لفتت نظر الباحث لكي تكون موضوعا للبحث والدراسة 
وجاء بحث محمد جبريل بعنوان "المرتكزات الاعتزالية في مشروع أبي زيد التأويلي: قضية خلق القرآن نموذجًا" وتعرض هذه الورقة على أربعة محاور وخاتمة:
1- طبيعة النص القرآني: يهتم هذا المحور بإلقاء الضوء على الجهد الفكري الذي بذله نصر أبو زيد في محاولته لتحديد طبيعة النص القرآني، حيث كونه لم يأتي مفارقا للواقع الثقافي الذي نزل فيه، وتصل تلك النقطة إلى تقرير علمي بالنتيجة التي توصل اليها نصر أبو زيد من كون القرآن " منتج ثقافي" 
2- خلق القرآن ومسألة تطبيق الشريعة: يحاول الباحث هنا الربط بين انتصار نصر أبو زيد لمفهوم خلق القرآن عند المعتزلة، لينطلق بعد ذلك في تفنيد دعوى "صلاحية النصوص الدينية لكل زمان ومكان" 
3- الاتجاهات المعاصرة في قراءة النص القرآني : حيث ينطلق هذا المحور حول القراءة التحليلية التي انجزها أبو زيد 
4-  مقاربة جديدة للقرآن: ويعرض هذا المحور للجهود التأويلية التي بذلها أبو زيد ضمن محاولته في إنتاج وعي علمي بالنص القرآني .

شارك