حسن البنا.. مؤسس جماعة الإخوان

الخميس 14/أكتوبر/2021 - 08:50 ص
طباعة حسام الحداد
 
حسن البنا (14 أكتوبر 1906 - 12 فبراير 1949م) واسمه بالكامل حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي هو مؤسس حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 في مصر والمرشد الأول لها ورئيس تحرير أول جريدة أصدرتها الجماعة سنة 1933، نشأ في أسرة متعلمة مهتمة بالإسلام كمنهج حياة حيث كان والده عالماً ومحققاً في علم الحديث، تأثر بالتصوف عن طريق احتكاكه بالشيخ عبد الوهّاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية الشاذلية في عام 1923 وكان له أثر كبير في تكوين شخصيته، كما تأثر بعدد من الشيوخ منهم والده الشيخ أحمد والشيخ محمد زهران - صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التي التحق بها لفترة وجيزة بالمحمودية - ومنهم أيضًا الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن الجواهر.
تخرج من دار العلوم عام 1927 ثم عين مدرساً في مدينة الإسماعيلية في نفس العام ونقل إلى مدينة قنا بقرار إداري عام 1941 ثم ترك مهنة التدريس في عام 1946 ليتفرغ لإدارة جريدة الشهاب.
أسس في عام 1928 جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة سياسية إسلامية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية وإعادة الحكم الإسلامي مستنداً إلى آرائه وأطروحاته لفهم الإسلام المعاصر حيث قال: «إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف.» في ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والغزو الفكري الأوروبي للوطن العربي أخذ يدعو الناس إلى العودة إلى السلام ونشر مبادئ الإسلام في جميع المدن المصرية والريف.
له نتاج أدبي ومؤلفات منها رسائل الإمام الشهيد حسن البنا وتعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرُّف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة، ومذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان مذكرات الدعوة والداعية ولكنها لا تغطِّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942. وله عدد كبير من المقالات والبحوث القصيرة جميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات، أوّل مقال نشره كان سنة 1928 في جريدة الفتح تحت عنوان الدعوة إلى الله وآخر مقال نشره قبل اغتياله كان بين المنعة والمحنة ونشر في ديسمبر عام 1948 في جريدة الإخوان اليومية قبيل صدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في نفس الشهر.
وعندما نستعرض سيرة حسن البنا وأعماله والفتن الخطيرة التي صنعها نجد أنه لم يكن شخصا عاديا، ولم يكن يعمل وحده، فالغموض يحيط به وبأصله وانتمائه العائلي، بل وتحقيق اسمه الذي ليس معروفا على وجه اليقين، كما يلف الغموض العلاقات الغريبة لحسن البنا ووالده مع الكثير من الجهات والأشخاص في مصر وخارجها، بل إن بروز حسن البنا على الساحة المصرية جاء في توقيت خطير، كانت فيه مصر والامة العربية قد بدأت صراعاً سياسيًا وعسكرياً مريراً مع اليهود الذين قاتلوا للاستيلاء على فلسطين في الأربعينيات وأعلنوا دولتهم إسرائيل في مايو 1948.

غموض تأسيس الجماعة

لم يكن تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان عفويًّا، بل طبقًا لتخطيط وترتيب أسهمت أطراف دولية واقليمية عديدة في تنفيذه، فبمجرد تخرجه من دار العلوم – ولم يكن عمره يتعدى 22 عامًا في عام 1928 – طلب حسن البنا التعيين في مدينة الإسماعيلية حيث اتصل بشركة قناة السويس "الإنجليزية – الفرنسية"، وحصل منها على مساعدة مالية قدرها 500 جنيه - وهو مبلغ كبير بمقاييس ذاك الزمن - أنشأ بها جماعة الإخوان ومسجدها في الإسماعيلية، وهنا نتوقف أمام بعض الحقائق التي أوردها البنا في مذكراته وشقيقه جمال البنا في كتبه، وأيضاً بعض كبار الإخوان في كتبهم ومذكراتهم، وأبرزها أن اختيار البنا للتعيين في الإسماعيلية رغم بعدها الواضح عن موطنه المحمودية بمحافظة البحيرة كان مرتبطا بهدفه في سرعة إنشاء جماعة الإخوان فور استقراره وتسلمه العمل، وحصوله على المنحة التي طلبها من شركة قناة السويس بتوصية من السفارة البريطانية بالقاهرة لبناء المسجد ومقر الجماعة والانفاق على تأسيسها، وهو ما اعترف به في مذكراته وخطاباته، وقد حصل على هذا المبلغ فور طلبه! وهو ما يفرض سؤالا بديهيا يطرح نفسه حول طبيعة العلاقة التي تسمح لمدرس للخط بالمرحلة الابتدائية بمقابلة كبار المسئولين الأجانب في شركة قناة السويس لطلب مساعدة مالية لنشاط ديني إسلامي، وسبب تحمسهم لهذا المطلب واستجابتهم السخية والسريعة له.
كان والد حسن البنا، وكذلك أحمد السكري زميل البنا في النشاط الديني بالمحمودية، يتابعان أولا بأول أخبار إنشاء الجماعة في الإسماعيلية، وكان حسن البنا يرسل إليهم تفصيلات نشاطه واتصالاته في الإسماعيلية، وما يحققه من نجاح وما يقابله من مشاكل، وهو ما أورده جمال البنا في كتابه ”خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه“ والذي نشرته دار الهلال عام 2009، وكان والده يساعده عن طريق شبكة اتصالاته الواسعة والغامضة حتى نقل نشاط الجماعة إلى القاهرة، وعند ذلك سافر أبوه وأحمد السكري إلى القاهرة واستقرا بها، حيث تولى والده منصب (المراقب العام للإخوان المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية) وأشرف على إصدار جريدة (الإخوان المسلمين)، كما تولى أحمد السكري منصب (الوكيل العام لجماعة الإخوان).
وقد اعترف حسن البنا في مذكراته المنشورة في كتاب (مذكرات الدعوة والداعية)، وكذلك شقيقه جمال البنا في كتابه المشار إليه آنفًا، بالمساندة المالية الكبيرة التي كان حسن البنا يتلقاها في إنشاء الجماعة في الإسماعيلية من بعض المسئولين والأعيان دون أن يكون هناك ما يفسر سبب هذه المساندة والعلاقة الغامضة – ومن هؤلاء مراقب التعليم الابتدائي بالوزارة على بك الكيلاني، الذي ارتدى شارة الجماعة وأعلن انضمامه لها، وكان معه المأمور والمعاون ووكيل النيابة، مع غيرهم من الأعيان وكبار الموظفين، وهو ما يؤكد أن حسن البنا في هذه المرحلة من تأسيس الجماعة لم يكن يعمل وحده، بل كان معه من يساعدونه ويساندونه في هذا العمل الغامض.
وكان حسن البنا يعمل في هذه المرحلة بتخطيط وحرص شديد لإخفاء الأهداف الحقيقية لجماعته حتى تتستر في البداية في ثوب الدعوة الدينية الخالصة، حيث نصت المادة الثانية من اللائحة الأولى للجماعة عند إنشائها عام 1928 على أن (هذه الجمعية لا تتعرض للشئون السياسية أيا كانت)، ثم جاء التعديل الأول بعد ذلك ليحذف هذه الفقرة بالكامل!، ثم التعديل الثاني في عام 1945 ليغير اسم (الجمعية) إلى (هيئة الإخوان المسلمين) التي كشفت عن وجهها السافر كجماعة سياسية، حيث وضعت ضمن أهدافها (السير إلى الجامعة الإسلامية سيراً حقيقياً)، (إقامة الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه) إشارة إلى عملها في أمور سياسية وسعيها إلى السيطرة على الحكم تحت شعار الخلافة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية الصالحة!

أصله المجهول

عندما تكشفت الأهداف التخريبية لدعوة الإخوان، واتضح دورها في نشر الفوضى والقتل والإرهاب في المجتمع المصري في الأربعينيات من القرن الماضي، مع تشكيل التنظيم السري في الجماعة عام 1944، وهو ما تمثل في اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا لأنه أسقط حسن البنا في انتخابات برلمان عام 1945 واغتيال رئيس الوزراء الذي خلفه محمود فهمي النقراشي باشا عام 1948 لقراره بحل الجماعة، وأيضا المستشار أحمد الخازندار لإصداره أحكاما ضد الجماعة عام 1948، عند ذلك بدأت التساؤلات تبرز في مصر حول حقيقة هذه الدعوة المخربة التي تتستر بالدين وحقيقة صاحبها حسن البنا وأصله، وقد تبين أن اسم (حسن البنا الساعاتي) الذي عرف به ليس اسمه الأصلي أو الحقيقي، فالبنا ليس اسما لأبيه، كما أن الساعاتي هي مهنة أبيه وليست اسما له – وقد تساءل الأستاذ عباس محمود العقاد – في مقال له بجريدة الأساس في 2 فبراير 1949 عن أصل حسن البنا من هو جده وأين كان يعيش، وفي هذا يقول العقاد : ”عندما نرجع إلى الرجل الذي أنشأ تلك الجماعة فنسأل من هو جده؟ إن أحداً في مصر لا يعرف من هو جده على التحقيق، وكل ما يقال عنه أنه من المغرب، وأن أباه كان ساعاتيا في السكة الجديدة. والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا في مصر هنا لا نكاد نعرف ساعاتياً كان مشتغلاً في السكة الجديدة بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود، ولا يزال كبار (الساعاتية) منهم إلى الآن“. ثم يمضى العقاد فيربط بين أعمال الإخوان والإسرائيليين، فيقول: "ونظرة إلى ملامح الرجل (يقصد حسن البنا) تعيد النظر طويلا في هذا الموضوع، ونظرة إلى أعماله وأعمال جماعته تغني عن النظر إلى ملامحه، وتدعو إلى العجب من هذا الاتفاق في الخطة بين الحركات الإسرائيلية الهدامة وبين حركات هذه الجماعة. ويكفى من في ذلك كله أن نسجل حقائق لا شك فيها، وهي أننا أمام رجل مجهول الأصل، غريب النشأة، يثير الفتنة في بلد إسلامي وهو مشغول بحرب الصهيونية، ويجري في حركته على النهج الذي اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لهدم الدولة الإسلامية من داخلها بظاهرة من ظواهر الدين“. ثم يكشف العقاد حقيقة مخادعة الإخوان حول دعمهم القضية الفلسطينية، فيقول: ”وليس مما يبعد الشبهة كثيراً أو قليلا أن أناسا من أعضاء الجماعة يحاربون في ميدان فلسطين، فليس المفروض أن الأتباع جميعا يطلعون على حقيقة النيات، ويكفى لمقابلة تلك الشبهة أن نذكر أن اشتراك أوائل الأعضاء في الوقائع الفلسطينية يفيد في كسب الثقة وفي الحصول على السلاح والتدرب على استخدامه، وفي أمور أخرى تؤجل إلى يوم الوقت المعلوم، هنا أو هناك“. ثم يختم العقاد مقاله مؤكدا على الهوية الإسرائيلية الحقيقية لجماعة الإخوان القائمة على الإرهاب قائلا:”فأغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية في منهجها وأسلوبها ان لم تكن فتنة إسرائيلية أصيلة في صميم بنيتها، وأيا كان الأمر فهي فتنة غريبة عن روح الإسلام ونص الإسلام، وأنها قائمة على الإرهاب والاغتيال، فلا محل فيه للحرية والاقناع، وجدير بالمسلمين ومن يؤمنون بالحرية والحجة من غير المسلمين أن يقفوا له بالمرصاد".
وعندما تكشفت الأهداف التخريبية لدعوة الإخوان واتضح دورها في نشر الفوضى والقتل والإرهاب في المجتمع المصري في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ازداد التساؤل عن حقيقة هذه الدعوة المخربة التي تتستر بالدين، وحقيقة صاحبها حسن البنا وأصله – وقد تبين أن اسم (حسن البنا الساعاتي) الذي عُرف به ليس هو اسمه الأصلي أو الحقيقي، فالبنا ليس اسما لأبيه، كما أن الساعاتي هي مهنة أبيه وليست اسما له. ويكشف جمال البنا في كتابه (خطابات حسن البنا) عن هذه الحقيقة، فيذكر أن والده عمل في (المحمودية) في إصلاح وبيع الساعات، وكان يتسمى بعدة أسماء، وأن اسمه المعلن كان (أحمد عبدالرحمن محمد)، ولكن عندما طلب التعيين في القضاء الشرعي في وظيفة مأذون تقدم باسم (أحمد عبدالرحمن الساعاتي)، وأما في المعاملات غير الرسمية بين الناس وفي كتاباته الدينية فقد أطلق اسم (البنا) على نفسه ليصبح (عبدالرحمن البنا)، كما أطلقه على ابنه حسن الذي اشتهر باسم (حسن البنا).
وقد أكد الشيخ محمد الغزالي - وكان عضوًا في الجماعة - في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث، ص 226، أنه يوقن أن هناك أصابع هيئات سرية عالمية تعبث داخل هذه الجماعة، واتهم أكبر قادة الإخوان – ومن بينهم المرشد حسن الهضيبي – بأنهم من الماسونيين، وأن المستقبل ربما يكشف هذه الأسرار.. حيث قال تعليقا على تولى المستشار حسن الهضيبي لمنصب المرشد "استقدمت الجماعة رجلاً غريباً عنها ليتولى قيادتها .. وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية .. وقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان، ولكن لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على هذا النحو، وربما يكشف المستقبل أسرار هذه المأساة، وترجع أهمية شهادة الشيخ محمد الغزالي واعترافاته هذه إلى أنه كان شديد الإخلاص والحماس والانتماء للإخوان المسلمين، كما كان من أكثر من اقتربوا من قادة الجماعة وأطلعوا على أسرارهم.
وقد اعترف علي عشماوي - آخر قادة التنظيم السري - في كتابه (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين)، أنه عندما قابل سيد قطب بعد خروجه من السجن في منزله بحلوان، أكد له سيد قطب أن بعض كبار الإخوان يعملون لحساب الأجهزة الغربية والصهيونية وعلى رأسهم (الحاجة زينب الغزالي والأستاذ عبدالعزيز على اللذان يعملان لحساب المخابرات الأمريكية)، وحذره من الاتصال بهما (ص 170). كما قال سيد قطب أن ”الدكتور محمد خميس حميدة كان ماسونيا وعلى درجة عالية من الماسونية، ورغم ذلك ارتقى إلى أن أصبح وكيلا عاما لجماعة الإخوان المسلمين في عهد الأستاذ حسن الهضيبي وأن الحاج حلمي المنياوي كان ممثلا للمخابرات الانجليزية داخل الجماعة (ص174).. وقال سيد قطب أن حسن البنا كان يعلم بوجود هؤلاء الناس، وقد ترك المجال لهم أن يترقوا إلى الدرجات العليا في الجماعة وأن يحموا قبضتهم عليها (ص175).

طقوس البيعة

أدخل حسن البنا في تنظيم الإخوان العديد من الأساليب، كان أخطرها (بيعة النظام السري الخاص)؛ حيث كان قادة هذا النظام الخاص يؤدون البيعة بوضع اليد اليمني على المصحف والمسدس وقد اعترف كثيرون من قادة الإخوان بأن حسن البنا هو الذي أدخل هذه الطقوس الماسونية بنفسه، حيث اعترف المرشد السابق حامد أبو النصر في كتابه (حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر)، ص 12، بأن ”حسن البنا قد أعطاه العهد على المصحف والمسدس في منزله في منفلوط، كما اعترف د. محمود عساف وهو من أقرب المقربين من حسن البنا، وأمين المعلومات بالجماعة – بأنه قد أدى هذه البيعة مع د. عبدالعزيز كامل – وزير الأوقاف الأسبق – في غرفة مظلمة في بيت في حارة الصليبية، ثم أضاف د. عساف تعليقا على هذه الطقوس "كتم كل منا غيظه وقال عبدالعزيز كامل: إن هذه تشبه الطقوس السرية التي تتسم بها الحركات السرية الماسونية"، راجع كتاب محمود عساف (مع الإمام الشهيد حسن البنا) ص 54.
وقد أورد أحد الإخوان تفاصيل البيعة عند الماسونيين في كتابه (الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين – دار نهضة مصر عام 2012) حيث ذكر في ص 226 أن الطقوس التي يؤديها الإخوان المسلمون في بيعتهم مأخوذة تماما عن بيعة الماسونيين التي وردت في كتاب (الأسطورة الماسونية) للكاتب الأمريكي جي. كي، والتي تتم – كما أورد تفاصيلها قادة التنظيم السري الخاص في مذكراتهم وكتبهم المنشورة- في غرفة مطفأة الأنوار بأن ( يواجههم أخ في الإسلام مغطى جسده تماما من قمة رأسه إلى أخمص قدمه برداء أبيض يخرج من جانبيه يدان) ويقول للمبايع "إن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يخلى ذلك سبيل الجماعة منك وتتعرض للإعدام"، ثم يؤدي القسم والعهد على السمع والطاعة بوضع اليد اليمني فوق المصحف والمسدس، ويتحول المبايع بعد هذه البيعة إلى قسم سري يتعامل به بدلا من اسمه الاصلي، ويتعرض للإعدام إذا خرج على الجماعة أو أفشى أسرارها (راجع تفاصيل بيعة النظام الخاص للإخوان في كتاب أحمد عادل كمال "النقط فوق الحروف" ص 112، وأيضا كتاب محمود الصباغ "حقيقة التنظيم الخاص" ص 132، 138.
الضياء، الطبعة الأولى 1987. ص37).

البنا والوفد

كان الإخوان، بتوجيه حسن البنا، يبحثون عن دعم ملكي لمواجهة شعبية الوفد وسيطرته على الشارع السياسي، وكان الملك ومستشاره يبحثون عن كل القوى التي تنادى الوفد وتستطيع أن تهدد قوته وتشق صفوفه.
العداء للوفد هو المشترك الأكبر الذي جمع بين الإخوان والقصر الملكى، لكن أزمة الإخوان في تصورهم أن العلاقة ندية متكافئة، ولم يكن الملك ورجاله يرون فيهم إلا أداة لتخويف الوفد.
ولقد استمر تأييد الإخوان للقصر والملك حتى سقط النظام كله، ومن ناحيته، أسدى الملك ورجاله خدمات جليلة للبنا وجماعته، لكن التحالف لم يكن مبدأياً أو قائماً على أسس تصلح للبقاء، ولم يكن إلا تعبيراً عن الاتفاق حول ضرورة العمل من أجل إضعاف الوفد.
كان منطقياً أن يكون التوتر هو السائد الحاكم في علاقة الإخوان المسلمين مع الوفد، فالأمر في حقيقته صراع بين مدرستين مختلفتين واتجاهين متنأقضين..
البدايات الأولى للإخوان لا تنم عن عداء صريح للوفد، لكن موقفهم اتسم بالسلبية عندما خاض الوفد معركته ضد ديكتاتورية محمد محمود وصدقى، وارتقى الأمر إلى درجة العداء العلنى الصريح في منتصف الثلاثينيات .
كانت بداية هجوم الإخوان على الوفد في عام 1935، عندما أبدى الزعيم مصطفى النحاس إعجابه بالزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، وراى فيه عبقريا يفهم المعنى الحقيقي للدولة الحديثة، التي تستطيع أن تعيش وتنمو في ظل المتغيرات الدولية.
هاجم البنا أتاتورك والنحاس معاً، واتهم الوفد بأنه لم يحقق شيئاً من آمال المسلمين عبر حكوماته المتتالية.
واللافت للنظر هنا، استخدام البنا لكلمة "المسلمين" وليس "المصريين"، ذلك أن برنامج الوفد لا يشير من قريب أو بعيد إلى الدفاع عن مصالح المسلمين، والتركيز كله على المصريين دون نظر إلى دياناتهم .
وتكرر الهجوم على الوفد وزعيمه بعد توقيع معاهدة سنه 1936، وقال الإخوان إنها معاهدة مشئومة تخدع المصريين.
واتهم الإخوان حزب الوفد بمعارضته تطبيق الشريعة الإسلامية، وانحازوا في كل الصراعات بين الوفد والملك إلى مصلحة السراى، وهو ما دفع بعض الصحف الوفدية إلى التحذير من مخاطر صعود الإخوان، وأثارت من جديد قضية الفصل بين الدين والدولة.
وقد استمر الإخوان في معاداة الوفد والانحياز إلى السراى، وبخاصة أن كثيراً من الرؤى الملكية تتوافق مع الفكر الإخواني، وبخاصة فيما يتعلق بالموقف السلبي من الدستور والحكم البرلماني والنظام الحزبي. ولم يتورع البنا عن الهجوم على الزعيم سعد زغلول، وثورة 1919 بالتبعية، ورأى فيه زعيماً حيث لا زعيم!
وقد ألف حسن البنا بالإسماعيلية أول فرقة للرحلات وكان يزاول تدريبها بنفسه على بعض التمرينات الرياضية التي كانت تزاول في المدارس، وبعد انتقال مركز الإخوان إلى القاهرة عين مكتب الإرشاد مدرباً بمكافأة ليتفرغ لتنظيم هذه الفرق وبفضل ممارسة التدريبات الرياضية والأنشطة الاجتماعية فقد نمت هذه الفرق بصورة منتظمة حتى كان المؤتمر الثالث عام 1935والذي اهتم بالتنظيم فوضع قواعد للعمل التنظيمي ومن هذه القواعد تنظيم تشكيلات الجوالة، وبعد المؤتمر الثالث تكثفت الجهود للتوسع في إنشاء فرق الرحلات (الجوالة) فزاد عددها واعتبرت تنظيماً وهيكلا مستقلا تابعا للمركز العام مباشرة. ومما أشعل الحماسة للتوسع في تكوين هذه الفرق ما كان يشاهد في شوارع القاهرة من استعراض الوفد لفرق القمصان الزرقاء واستعراض مصر الفتاة لفرق القمصان الخضراء، وكان لا بد للإخوان هم أيضاً من فرق، لردع خصومها. وفي عام 1936 استطاع الإخوان حشد ما يقرب من عشرين الفا من جوالتهم في استعراض للقوة احتفالاً من جانبهم بمناسبة اعتلاء الملك العرش.
ومع انعقاد المؤتمر الخامس 1938، والذي حدد الطبيعة الشاملة للجماعة، دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقية صوتية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية، هذه الأفكار جعلت من فرق الجوالة، وهي فرق رياضة اجتماعية، دوراً رئيساً لتطبيق هذه الطبيعة الشاملة.
ويقدر نجاح الجماعة في زيادة عدد فرق الجوالة بقدر ما تقترب من خطوة التنفيذ الأخيرة، ولقد ربط البنا بين هذه الأعداد وبين خطوة التنفيذ .
وفي اهتمام خاص بفرق الجوالة، اختير لها أخلص شباب الجماعة، كما عين لها قائد عاماً سنة 1939 وهو الصاغ محمود لبيب وتكون لها مجلس قيادة من سبع أشخاص واهتمت القيادة بصقل الأعضاء وتدريبهم وتعويدهم الطاعة التامة، ولقد أفادت التحالفات السياسية مع القصر والحكومة الأقلية بالحفاظ على تشكيلات الإخوان المسلمين على الرغم من أن حكومات الأقلية ألغت القمصان الخضراء والزرقاء .
في خريف 1937، وإلى جانب الجوالة، تم إنشاء كتائب (أنصار الله)، والكتائب عبارة عن مجموعة تضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين كما بدأ البنا في تكوين ثلاث كتائب: الأولى من العمال والثانية من الطلبة والثالثة من الموظفين والتجار، وكانت كل كتيبة تلتقى على حدة في ليلة محددة، وتمارس أكبر قدر ممكن من صلوات الفرد والجماعة والتسبح وتلاوة القرآن وتفسيره وأقل قدر من النوم، والهدف الأخير من هذه التربية كان جوهره الالتزام المطلوب من العضو والذي يتلخص في ثلاث كلمات : العمل والطاعة والصمت، ويبدو أن الجوالة والكتائب كانت مرحلة يستخلص فيها البنا من هذين التشكيلين أخلص الخلصاء وانقى الأنبياء والأكثر طواعية من أعضائهما لتكوين تنظيم عسكري جديد يكون أكثر انضباطاً وهو ما عرف بالجهاز الخاص.

النظام الخاص

وخلال الفترة نفسها، شكل البنا "النظام الخاص"، وهو ما يعرف خارج الجماعة باسم "الجهاز السري"، وعلى الرغم من صعوبة التحديد اليقيني الصارم لتاريخ تأسيس النظام الخاص، الذي سيلعب أخطر الأدوار في تاريخ الجماعة خلال السنوات التالية، فإنه بمثابة التجسيد العلمي لمرتبة "المجاهد"، التي أقرها المؤتمر الثالث للجماعة في مارس 1935، وهي المرتبة التي يتم اختيار أعضائها ممن هم في درجة العضوية العاملة، أي من أعضاء فرق الجوالة، بالنظر إلى عضوية الجوالة كانت شرطا أساسياً للعضوية العاملة. 
ويمكن تبرير إنشاء الجهاز الخاص بمخاوف حسن البنا مما قد يهدد الجماعة وشخصه، وهو ما تعبر عنه رسالة الوداع التي كتبها عام 1943، وتنبأ فيها باحتمال مواجهة الجماعة للمحنة ومخاصمة الحكومات لها.

النزعة التكفيرية

ذكر ثروت الخرباوي أن البنا أول من وضع ملامح المجتمعين، مجتمع الإيمان الصحيح - الإخوان - ومجتمع الباطل وهو باقي المسلمين، حيث تضمنت رسائل البنا – خاصة رسائل التعاليم – العديد من اللمحات للأمة بأنها كافرة وغاب عنها الإسلام منذ قرون، وأن الله سخره وجماعته ليعيد الإسلام لها، وقال طارق أبو السعد القيادي الإخواني السابق: إن حسن البنا مارس شكلاً من أشكال الخداع الفكري، فقد صنع جماعة ظاهرها الدعوة وباطنها استخدام القوة مستشهدًا بقول حسن البنا «سنستخدم القوة عندما لا يجدى غيرها، وسننذر أهلها قبلها، وسنكون شرفاء ونتحمل النتائج» التي قالها في رسالة المؤتمر الخامس. 
كما قال أحمد ربيع الغزالي محامي جماعة الإخوان المسلمين السابق، إن فكر حسن البنا الأصولي العام كان بعيدًا عن التكفير، حيث أنه لم يختلف مع أهل السنة والمذاهب الأربعة ومفهوم الأزهر المعتدل، ولم يكفر مسلم نطق الشهادتين، إلا أن فكره السياسي كان مضطربًا، وأشار الغزالي إلى أن البنا أنشأ الجماعة بغرض الوصول إلى الحكم وهو أكد ذلك بنفسه، ولا يرى أن يكون الوصول إليه عن طريق الاقتراع أو الانتخاب أو الأحزاب، ولكن عن طريق القوة المسلحة، حيث كان البنا يريد أن يصل إلى الحكم عن طريق تجهيز 12 الف من المجاهدين، وخلفية الفقه السياسي خلفية تكفيرية ولكن لم يصرح بها.
وقال سامح عيد الباحث في شئون الجماعات الإسلامية والقيادي المنشق: إن حسن البنا كان عندما يتحدث عن جماعته يستدعي آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن المؤمنين والصالحين، أما حينما يحدث عن المخالفين له فكان يستدعي آيات المنافقين والمشركين، وأنه كان يقول دائماً «اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون» لمن دون جماعته، وأوضح أن البنا قام بتسمية نفسه بالمرشد وهو ابن 22 عاماً وهو كما يظن سامح عيد أنه استعلاء إيماني، وهذا يجعل من غيره ضالين وهو مرشدهم، وأضاف أن حسن البنا كان يرى أنه هناك 3 قوى، وهي القوة الإيمانية، قوة الترابط، والقوة التنفيذية، مستشهداً بقول حسن البنا «سأكون 12 ألف وأخوض بهم لجج البحار واقتحم عنان السماء وأقاتل كل عنيد جبار.

الدعوة للعنف

كان مما فعله البنا منذ اللحظة الأولى التي أنشأ فيها جماعة الإخوان أن جعل من السيف شعاراً لها، ليس سيفا واحداً بل سيفين، وكانت دلالة اختياره للسيفين أن أحدهما يجب أن يوجه للداخل لمحاربة من يقفون ضد الدين، والثاني يجب أن يوجه للخارج حيث سيكون السيف هنا وسيلة لفرض الدين للحكم في العالم تحت مسمى إنشاء دولة الخلافة، كما اختار البنا كلمة مأخوذة من آية قرآنية لتكون هي المحور الذي يرتكز عليه السيفان، وهي كلمة وأعدوا من آية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».
وذات يوم سأل ثروت الخرباوي الأستاذ عمر التلمساني المرشد الثالث للجماعة عن هذا الشعار، فقال إن البنا اختاره ليواجه به الاستعمار الإنجليزي، فقال الخرباوي له: ولماذا لا نغيره الآن وليس هناك من يحتلنا؟ فقال: ولكن اليهود يحتلون فلسطين، فيعتقد خصوم الإخوان أن الدين عندهم هو القتل والقتال، هو الإجبار والإكراه، هو الولاء والبراء، فحيثما كان الرجل معك في تنظيمك وفهمك للدين فيجب أن تواليه وتحبه.

شعار الإخوان المسلمين

أما عن العنف والقتل والقتال فهناك مقولة للبنا في رسالة من رسائله قال فيها: «الإخوان المسلمون يعلمون أن أول مراتب القوة هي قوة العقيدة والإيمان، ثم تليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح» وفي رسالة أخرى للبنا يوجهها إلى شباب الجماعة يتحدث فيها عن أمله في أن يكون لديه من الإخوان كتائب مقاتلة من الشباب يغزو بهم العالم فيقول: «لا في الوقت الذي يكون فيه لكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها .. في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحر، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإنى فاعل إن شاء الله» كما قال مرةً «من يقعد من الإخوان عن التضحية مع هذه الكتائب فهو آثم».
من أجل ذلك أنشأ حسن البنا الجهاز الخاص الذي ارتكب الكثير من الاغتيالات وفقا لما ورد في مذكرات قادة الجهاز الخاص - أحمد عادل كمال ومحمود الصباغ - حيث ورد في مذكراتهم:« إن قتل أعداء الله هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه ويقتله».

مؤلفاته

له عدة مؤلفات، منها: "مذكرات الدعوة والداعية"، " المرأة المسلمة"، " تحديد النسل"، "المأثورات"، " مباحث في علوم الحديث"، "السلام في الإسلام"، "الرسائل"، "رسالة المنهج"، "رسالة الانتخابات"، "رسالة التعاليم"، " مقاصد القرآن الكريم".

اغتيال البنا

في الساعة الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949 م كان حسن البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين ويرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودق جرس الهاتف داخل الجمعية فعاد رئيسها ليجيب الهاتف فسمع إطلاق الرصاص فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، وأخذ رقمها وهو رقم "9979" والتي عرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952 م . 
لم تكن الإصابة خطرة بل بقي البنا بعدها متماسك القوى كامل الوعي وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة ثم نقل إلى مستشفى القصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. لفظ البنا أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل أي بعد أربع ساعات ونصف من محاولة الاغتيال بسبب فقده للكثير من الدماء بعد أن منعت الحكومة دخول الأطباء أو معالجتهم للبنا مما أدى إلى وفاته ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخرىين وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة ولكن ثورة والده جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلى البيت مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً وألا يقام عزاء . 
اعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد باشا والذي لم تعتقله السلطة لكونه مسيحيا وكانت تربطه علاقة صداقة بحسن البنا.
سار في جنازته أب عجوز وابن يافع، وأحاط الجنود المدججون بالسلاح نعشه، وانتهت رحلة المرشد مع الحياة، وانتهت مرحلة حافلة من تاريخ الإخوان المسلمين، لكن اغتيال المرشد لم يكن نهاية الجماعة.
للمزيد عن الحياة الشخصية للبنا وتأسيسه وقيادته لجماعة الإخوان حتى اغتياله انظر الحلقات التالية:
الإخوان البداية.. والنهاية (الحلقة الأولى) اضغط هنا
الإخوان البداية.. والنهاية (الحلقة الثانية) اضغط هنا
الإخوان البداية.. والنهاية (الحلقة الثالثة) اضغط هنا

شارك