حزب العدالة والتنمية التركي

الخميس 01/نوفمبر/2018 - 09:58 ص
طباعة حسام الحداد
 

تعريف:

حزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي تركي يصنف نفسه بأنه يتبع مسارًا معتدلًا، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق.. يسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. يقول البعض إنه ذو جذور إسلامية وتوجه إسلامي علماني، لكنه ينفي أن يكون "حزباً إسلامياً"، ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية، ويقول إنه حزب محافظ، ويصنفه البعض على أنه يمثل تيار "الإسلام المعتدل"، وهو الحزب الحاكم حاليًّا في البلاد، تولى أحمد داود أوغلو رئاسته بعد أردوغان والآن يرأسه بن علي يلدريم منذ 22 مايو 2016. 
وصل الحزب إلى الحكم في تركيا عام 2002.
للمزيد عن أردوغان اضغط هنا 

التاريخ:

تم تشكيل الحزب من قبل النواب المنشقين من حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان والذي تم حله بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في 22 يونيو 2001، وكانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة.
يطلق البعض على الحزب وسياساته لقب العثمانيين الجدد، وهو ما أقره الحزب من خلال أحد قادته وزير الخارجية أحمد داود أوغلو؛ حيث قال في 23 نوفمبر 2009 في لقاء مع نواب الحزب: «إن لدينا ميراثًا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا. نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال إفريقيا. والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب. وخاصة فرنسا التي تفتش وراءنا لتعلم لماذا ننفتح على شمال إفريقيا. لقد أعطيت أوامري إلى الخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في إفريقيا سفارة تركية وعليها العلم التركي، وأكدت على أن تكون سفاراتنا في أحسن المواقع داخل الدول الإفريقية.» أتى ذلك في إطار تخصيص أوغلو بالذكر لفرنسا وساركوزي لرفض الرئيس الفرنسي بشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
ويتهم علمانيو تركيا الحزب بتطبيق ما سموه: "خطة سرية لأسلمة البلاد"، وتعيين مسئولين كبار في الدولة "أوفياء له متخرجين عمومًا من مدارس لتأهيل الأئمة".
وفي 30 يوليو 2008 حكمت المحكمة الدستورية في تركيا برفضها بأغلبية ضئيلة دعوي بإغلاق حزب العدالة والتنمية بتهمة "أنه يقود البلاد بعيدًا عن نظامها العلماني نحو أسلمة المجتمع"، إلا أن المحكمة رغم قرارها وجهت رسالة تحذير إلى الحزب وذلك بفرض عقوبات مالية كبيرة عليه عبر حرمانه من نصف ما يحصل عليه من تمويل من الخزانة العامة التركية، ليصرح رئيس الحزب ورئيس الوزراء حينها رجب طيب أوردغان "أن حزبه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية".
في 12 يونيو 2011 فاز الحزب بالانتخابات التشريعية، وذلك بعد حصوله على 59.4% من الأصوات، متقدماً على حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، وحصل الحزب على327 مقعداً من أصل 550 مقعد في البرلمان، إلا أن ذلك لم يخوّله بتنفيذ مراده في تعديل الدستور دون الرجوع للمعارضة، الأمر الذي يتطلب ثلثي مقاعد البرلمان أي 367 مقعدًا.
في انتخابات 7 يونيو 2015، فاز الحزب بأغلبية غير ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى؛ حيث حصل على 258 مقعد من جملة 550، وحصل على 40.87% من الأصوات، وكان يجب عليه تكوين حكومة تحالفات مع أحزاب أخرى، ولكن لم يحصل اتفاق وبقيت حكومة أحمد داوود أوغلو الثانية حكومة مؤقتة حتى انتخابات نوفمبر المبكرة.
في انتخابات 1 نوفمبر 2015، فاز الحزب بأغلبية ساحقة في مقاعد الجمعية الوطنية الكبرى؛ حيث حصل على 317 مقعدًا من جملة 550، وحصل على 49.5% من الأصوات، ولديه القدرة لتكوين حكومة وحده.

توجهه الفكري:

يشكل هذا الحزب الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا، ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية، ويؤكد أنه لا يحبذ التعبير عن نفسه بأنه حزب إسلامي، فهو حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية ومنفتح على العالم ويبني سياساته على التسامح والحوار، ويؤكد عدم معارضته للعلمانية والمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويؤكد أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي مع نقده لبعض جوانبه.
ويرفض الحزب أي عملية عسكرية ضد العراق. أهم مميزاته أنه يرفض التعصب لزعيم واحد حتى النهاية، ويعد بديمقراطية واسعة النطاق داخل الحزب.

الأهداف والمبادئ:

يؤكد الحزب في أدبياته أنه حزب سياسي يحترم القوانين التركية، ويعمل للحفاظ على الأمة التركية ككتلة واحدة، من خلال صيانة التنوع الديني والثقافي والفكري للمواطنين، ورفض كل أشكال التمييز، وأنه يسعى للدفاع عن احترام جميع الحقوق السياسية للمواطنين في إطار نظام ديمقراطي تعددي، يحترم حرية التعبير.
ويقول إنه يعطي أهميةً خاصةً لمفهوم الدولة الاجتماعية، ويؤمن بالإنسان مصدرا أول للتطور الاقتصادي، ويرى أن "عدم العدالة في توزيع الدخل والبطالة أهم مشكلة اقتصادية واجتماعية"، كما يؤكد سعيه للحفاظ على قيم الأسرة والشباب من خلال دعم السياسات التي تخدم هذا الهدف، ودعم البرامج التعليمية والتدريبية.

الهيكلة والعضوية:

لدى رئيس الحزب مساعدون مشرفون على عدة قطاعات بينها الانتخابات والشئون القانونية والسياسية والتنظيم والإعلام والعلاقات الخارجية، والشئون الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات العامة.
وتشرف اللجنة الانضباطية على ضمان احترام القوانين المنظمة، وتشاركها في تنفيذ هذه المهمة هيئة مراقبة الديمقراطية الداخلية.
ويفسح الحزب المجال لكل المواطنين للانضمام إليه، شريطة التعهد بقبول واحترام قوانين الحزب.

الأزمة الداخلية:

تتجه الأزمة داخل حزب العدالة والتنمية إلى مزيد من التفاقم بعد إقصاء القيادات المؤسسة للحزب التي أسهمت بشكل كبير في تحويل تركيا إلى مثال للازدهار الاقتصادي، وبعد إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على اعتماد النظام الرئاسي وحصر كافة الصلاحيات التنفيذية بيده، تلك الازمة قد تقسم أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى أكثر من حزب في ظل تحديات كبيرة تواجهها تركيا تتمثل في عودة الحرب مع حزب العمال الكردستاني وتنامي قوة المتطرفين الإسلاميين والقوميين، وغضب الاتحاد الأوروبي من سياسات فتح الأبواب التركية لمرور اللاجئين.
مؤتمر الحزب الخامس:
في 12 سبتمبر 2015 أقام حزب العدالة والتنمية مؤتمره الخامس وأعلن عن تشكيل قيادة مركزية جديدة بعد إعادة انتخاب أحمد داود أوغلو رئيساً للحزب، وتم استبعاد قيادات مؤسسة للحزب من القيادة المركزية. الصحافة التركية تحدثت عن محاولات قام بها رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لتشكيل قيادة مركزية موالية له، إلا أن الرئيس أردوغان أطلق يد مستشاره السياسي بن علي يلدريم وزير الاتصالات السابق الذي جمع تواقيع ما يقارب من ألف عضو من أعضاء الحزب ليضمن فوزه فيما إذا ترشح لرئاسة الحزب، فاضطر داود أوغلو إلى إعداد لائحة جديدة تضم الموالين لأردوغان وحذف الأسماء المقربة من الرئيس السابق عبدالله جول مثل علي باباجان (نائب رئيس الوزراء السابق ومن مؤسسي الحزب) وبولنت أرينش (نائب رئيس وزراء سابق ومؤسس للحزب) وبشير آتالاين (وزير الداخلية السابق) وحسين شيليك (وزير التعليم السابق)، لينسحب يلدرم وتدخل قيادات جديدة موالية للرئيس أردوغان، مثل براء البيرق (زوج ابنة أردوغان) ووزير الطاقة الحالي، وبن علي يلدرم وزير الاتصالات السابق، وبرهان كوزو المستشار القانوني للرئيس أردوغان، ويلتشن آق دوغان مسئول التفاوض في عملية السلام مع الكرد، وعمر شيليك وزير السياحة السابق، ومجاهد أصلان المستشار السابق لرئيس الوزراء. وكان حسين شيليك قال لصحيفة (حُرييت) بأنه "’تم تهميش وإبعاد 98 ٪ من قياديي حزب العدالة والتنمية بشكل مدروس خلال السنوات الأربع الماضية"،‘ وأن القيادات الحالية هي "وصولية ومنتفعة". 
للمزيد عن أحمد داود أغلوا اضغط هنا 
وبالنظر إلى الأمور الخلافية داخل الحزب الحاكم التي كانت خفية عن الإعلام ثم ظهرت علنًا في تصريحات متبادلة بين القيادات الحالية والقيادات المقالة، فإنه يمكن القول: إن أهم ادعاءات المعارضة داخل العدالة والتنمية هي:
هيمنة "أردوغان" على قرارت الحزب والحكومة:
يقول المراقبون: إن السبب الرئيسي لتأسيس حزب العدالة والتنمية هو نفور القيادات المؤسسة من تسلط القيادات الكبيرة في حزب الفضيلة، مما جعلها تلجأ إلى تأسيس حزب جديد لإفساح المجال للقيادات الشابة من المشاركة في القيادة السياسية. ويبدو أن القيادات نفسها تشتكي من انفراد الرئيس أردوغان بقرارات الحزب واستبعاد الرفاق المؤسسين، مؤيدو أردوغان يقولون إنه يمتلك "’كاريزما‘" قويةً تجعله يفرض قرارته على الحزب والدولة وبنفس الوقت يمتلك شعبية كبيرة وهو ما لا يمتلكه الآخرون، فهم يرون أن الحزب صار مقترنًا بشخص أردوغان بعد إقصاء القيادات الأخرى مع أن الدستور التركي يقضي بأن يكون رئيس الجمهورية مستقلًّا عن أي حزب سياسي.

الصراع مع حركة "فتح الله كولن":

حركة الخدمة أو حركة كولن هي جماعة صوفية أسسها فتح الله كولن في عام 1970، وهي حركة اجتماعية ذات بعد قومي تركي تدعو إلى (نشر الفكر الصوفي السني، والتحالف مع الغرب، والابتعاد عن الشرق الأوسط خصوصاً إيران، والصداقة مع إسرائيل) واعتمدت على استراتيجية طويلة النفس بتركيزها على التعليم ببناء المدارس الخاصة والكليات الأهلية، وأنشأت مؤسسات إعلامية واقتصادية وطبية وثقافية ومراكز للإغاثة وتقديم المساعدات مما اكسبها سمعة طيبة في تركيا خصوصًا أنها لم تدخل في العمل السياسي، لكنها عملت على إنشاء كوادر مخلصة لها في مختلف الاختصاصات وزجت بها للعمل في مؤسسات الدولة. وكان تيار من مؤيدي الحركة انضموا إلى حزب العدالة والتنمية وقدموا دورًا مهمًّا في انجاح الحزب خصوصا في الفترتين الأولى والثانية من حكم الحزب، إذ عملت كل كوادر الحركة في مؤسسات الدولة لدعم العدالة والتنمية ضد الجيش والقوميين وضد ما يعرف في تركيا بالدولة العميقة وهي كوادر من القوميين داخل مؤسسات الدولة كان لها دور أساسي في الانقلاب العسكري ضد نجم الدين أربكان.
ويمكن القول: إن أهم انتقادات الحركة ضد الرئيس أردوغان تشمل (عدم تطبيقه للإصلاحات التي تحدث عنها في بداية توليه للحكم، ابتعاده عن الغرب وتقربه من الشرق الأوسط، طريقة ادارته للازمة مع الكرد، سوء علاقاته مع إسرائيل واقترابه من إيران، وجره لتركيا إلى الساحة السورية) هذه الانتقادات جاءت من كوادر الحركة المنتشرين في المؤسسات الإعلامية والاقتصادية والثقافية، وكان رد أردوغان بإصدار الحكومة لقرار إغلاق المدارس الخاصة التابعة للحركة، وإقصاء الكثير من عناصرها في مؤسسات الدولة خصوصا الأمنية والقضائية. مناصرو الرئيس أردوغان اتهموا الحركة بمحاولة المشاركة في الحكم دون تحمل أي مسئولية سياسية أو قانونية لأنهم لا يشتركون بالعمل السياسي ولكن يحاولون فرض أجندتهم الخاصة عبر الضغط الإعلامي والثقافي وتشويه توجهات الحكومة.
للمزيد عن فتح الله كولن اضغط هنا 

الدولة الموازية والدولة العميقة:

الدولة الموازية مصطلح شائع الاستخدام في تركيا ويقصد به الموالين لحركة الخدمة (فتح الله كولن)، إذ يتهم الرئيس أردوغان حركة كولن ورئيسها بتشكيل دولة موازية في مؤسسات الدولة خصوصاً في أجهزة الامن والشرطة والقضاء والإعلام والتعليم، وان هذه الدولة تتآمر للإطاحة به مما جعل أردوغان يتهم كولن رسمياً بتشكيل تنظيم إرهابي وقيادته وطلب سجنه مدى الحياة وفق قانون مكافحة الإرهاب. وقامت الأجهزة الأمنية بتحقيقات في عدة مؤسسات منها المؤسسة الأمنية ومع مؤسسات اقتصادية خاصة، منها مجموعات تجارية كبيرة بعضها صديقة للرئيس السابق عبدالله جول بتهمة الانتماء للدولة الموزاية. وكان أردوغان قد وجهه نقدا شديدا إلى بولنت أرينش (نائبه عندما كان رئيسا للوزراء) الذي انتقد تدخل أردوغان في شئون الحكومة، قائلا إن أرينش يلعب لمصلحة الدولة الموازية، أي اتهمه بالوقوف مع فتح الله كولن، وهذا اتهام خطير ضد أرنتش أحد مؤسّسي العدالة والتنمية.
ويعتبر القضاء أهم ساحة حرب بين أردوغان وكولن خصوصا بعد اتهامات الفساد التي طالت الحكومة ومقربين من أردوغان منهم نجله بلال، بأدلة وتسجيلات صوتية قالت الحكومة انها ملفقة ومزورة، وعلى أثرها قام حوالي 14 ألف قاض ومدع عام بإجراء انتخابات لاختيار الهيئة العليا للقضاة والمدعين لتصفية اتباع كولن في القضاء والنيابة العامة، إلا أن الانتخابات لم تقضي على نفوذ حركة كولن فيما كانت الحكومة تنشط في تصفية آلاف من رجال الأمن والشرطة، لاتهامهم بالانتماء إلى حركة كولن.
فضائح الفساد كبرى التي طالت وزراء في حكومة أردوغان في كانون الأول 2013، جعل رئيس الجمهورية يعمل على حلّ الهيئة العليا للقضاة والمدعين، بقانون اعترضت عليه المحكمة الدستورية وألغته بعد 3 أشهر من صدوره، ما استدعى التحضير لانتخابات جديدة للهيئة، لكن المعارضة قالت أن الأشهر الثلاثة التي مرّت كانت كافية لتغيّر الحكومة جميع المحققين والمدعين والقضاة الذين عملوا على قضية الفساد، ما أدى إلى تغيير مسار القضية في شكل كامل وإطلاق سراح جميع المتهمين.
أما الدولة العميقة فهو أيضا مصطلح شائع الاستخدام في تركيا ويعرف (بالدولة داخل الدولة) وهم عناصر رفيعة المستوى في الأجهزة الأمنية والجيش والقضاء، ولائهم للقومية التركية ويعملون على تحقيق ما تراه هذه الجماعات مصالح للدولة، وتعادى الدولة العميقة الحركات اليسارية والإسلامية والكردية، مع انها قد لا تكون بقيادة واحدة وربما لكل مجموعة أجندة خاصة. والدولة العميقة في الاعتقاد التركي ظاهرة اجتماعية مثيرة للاهتمام يؤمن بها جميع الأتراك بما فيهم السياسيون، إذ يعتقد الجميع انها تعود لعهود غابرة لعبت دورا مهما في التاريخ التركي الحديث وأشهرها تحريض الجيش على الانقلاب في عام 1960 على حكومة عدنان مندريس (1950-1960) وإعدامه بعد عام، وإرغام نجم الدين أربكان على الاستقالة في عام 1997.
للمزيد عن نجم الدين أربكان.. اضغط هنا
لذا ومع تولي حزب العدالة لحكم البلاد، تحالف الحزب مع حركة كولن لمواجهة الدولة العميقة وقاد الأمن التركي عمليات اعتقال بحق عناصر كثيرة من القوميين في مؤسسات الدولة بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري في 2003 وما بعدها فيما عرف بتنظيم (أرغينيكون) الانقلابي وقضية (المطرقة). لكن تصادم أردوغان مع حركة كولن القوية في 2014 بعد توليه لرئاسة الجمهورية جعله يلجأ إلى القوميين الأتراك لمواجهتها، إذ قامت محكمة التمييز في إسطنبول بتبرئة مئات العسكريين (ممن اتهموا بالعمل في الدولة العميقة والتخطيط للانقلاب) بعد أن إعادة محاكمتهم. وعلق الرئيس أردوغان على البراءة قائلا إن ’’جماعة كولن لفقت الاتهام للجيش، كما لفقت لحكومته اتهامات بالفساد بعد أن تغلغلت في أجهزة الأمن والقضاء‘‘، لكن المعارضة تقول إن جماعة كولن تصرفت بأوامر من أردوغان في ملاحقة العسكر، وتعهد رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليش الإسراع في درس طلبات تظلم (١٠ آلاف طلب) تطالب بإعادة محاكماتهم.
الرئيس السابق عبدالله جول وتياره يرون أن الصدام مع حركة كولن خطأ كبير لأن الحركة جزء من المنظومة الإسلامية التركية وليست خطرا ويمكن احتوائها، لكن الخطر يكمن في القوميين أو الدولة العميقة الذين حكموا تركيا لفترات طويلة وتسببوا في انقلابات عسكرية وأن التحالف معهم لمواجهة حركة كولن والكرد قد يجعلهم يعودون لمؤآمرات الانقلابات وحكم الجيش وتصفية الإسلاميين.

فضائح الفساد الخاصة بالحزب:

في شهر ديسمبر من عام 2013، أصدر القضاء التركي مذكرات اعتقال بحق مجموعة من رجال الاعمال ومقربين من وزراء في حكومة السيد أردوغان بقضايا تتعلق بفساد مالي، منهم أبناء ثلاثة وزراء أحدهم ابن وزير الداخلية، وبعضاً من أبرز رجال الأعمال المقربين من الحكومة وبيروقراطيين في مصارف الدولة وبلديات تابعة لحزب العدالة والتنمية، وقالت صحف المعارضة أنها كانت جزء من الحرب السياسية بين الرئيس أردوغان وجماعة فتح الله كولن. المدعي العام الذي وقف وراء هذه العملية كان نفسه الذي اشتهر بحملاته الأمنية ضد الدولة العميقة والجيش في قضيتي أرغينيكون والمطرقة والمحسوب على جماعة كولن. مؤيدو أردوغان قالوا: إن سبب الخلاف هو مطالبة الحركة بالسيطرة على جهاز المخابرات، إثر سيطرتها على أجهزة الأمن والقضاء.
تيار عبدالله جول رأى أن سمعة الحزب تأثر كثيرا بعد نشر فضائح الفساد وبعضها يتعلق بنجل أردوغان (بلال)، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قلجدار أوغلو طالب أردوغان بالاستقالة، لكن ما فعله الرئيس انه دخل في حرب مع القضاء واتهمها بالعمل لحساب حركة كولن كما اتهم الحركة بفبركة جميع ملفات الفساد ومنها تسجيلات صوتية لصفقات مشبوهة.

الصراع مع وسائل الإعلام:

بلغ عدد الدعاوى التي تقدم بها الرئيس أردوغان إلى القضاء بتهمة ’’تحقير‘‘ رئيس الجمهورية ما يقارب من الفين دعوى ضد نواب وسياسيين، لكن معظم الدعاوى وجهت ضد إعلاميين وصحفيين وضد مواطنين عاديين قاموا بشتم الرئيس أو انتقدوا سياساته، ولم يسبق لرئيس تركي أن وجهه هذا الكم من الدعاوى القضائية ضد منتقديه، بل إن الأمر وصل إلى اتهام أردوغان لبعضهم بالتجسس والخيانة. النقطة الفاصلة التي فجرت المواجهه بين الرئيس والإعلام حصلت عندما نشرت صحيفة جمهورييت في مايو 2015 تقريرا عن شاحنات نقل خارجي تعمل لحساب المخابرات التركية تحمل قذائف وصواريخ وأسلحة إلى سوريا، وهو ما أكد دعم الحكومة التركية للجماعات المسلحة في وقت كانت الحكومة تنفي بشكل قاطع تقديم أي دعم.
وعلى أثرها قامت السلطات التركية باعتقال رئيس تحرير صحيفة جمهورييت جان دوندار وهو من الشخصيات الإعلامية المشهورة ومدير مكتب الصحيفة بأنقرة، إلا أن المحكمة الدستورية ردت قرار الاعتقال واعتبرته بلا أساس قانوني، لكن بعد فوز حزب العدالة والتنمية في تشرين الثاني 2015 اعتقلت السلطات الرجلين مرة ثانية بتهمة التجسس والخيانة، وردت المحكمة الدستورية وأصدرت قرارا بإطلاق سراح الإعلاميين الاثنين. إعلام حزب العدالة والتنمية اتهم رئيس المحكمة الدستورية زهدي أرسلان بالانتماء لحركة كولن، وعلق أردوغان على القرار قائلا ’’أنا لا أعترف بهذا القرار ولا أقبل به ولن أطبقه‘‘.
تعليق الرئيس أردوغان على قرار المحكمة الدستورية فتح عليه وابل من ردود الإعلاميين، لكن الرد الأقوى جاء من بولنت أرنتش نائب أردوغان السابق وأحد المؤسسين الكبار لحزب العدالة، بأن قرار المحكمة الدستورية ملزم للجميع وهي المحكمة التي أقسم فيها الرئيس اليمين الدستورية. وردت الحكومة على قرار المحكمة الدستورية بأغلاق مجموعة FEZA الإعلامية التي تصدر صحيفة الزمان وهي من أكثر الصحف التركية المعارضة انتشارا ومعها وكالة أنباء (جيهان) و(تودي زمان) واعتقال عشرات الإعلاميين والصحفيين، فيما ترقبت صحف معارضة أخرى مثل (جمهورييت، سوزجي، يورت) قرارا بالإغلاق أو التضييق، بعد أسابيع من إغلاق قناة تلفزيونية تدعى (صمانيولو) وإغلاق صحيفة (بوكون).
عبدالله جول وتياره المعارض رفضوا التضييق على الحريات الإعلامية وقالوا إن على الرئيس أن يحترم قرارات المحكمة الدستورية. مراقبون قالوا أن التيار المعارض في الحزب الحاكم يخشى أن يصادر الرئيس قرارات المحكمة الدستورية ويضحى دون رادع بعد التفاف تيار جديد حوله يمجده ويسعى لإنشاء ’’دكتاتور‘‘ في تركيا.

مشروع النظام الرئاسي:

يسعى الرئيس أردوغان إلى إقامة النظام الرئاسي بدلا عن النظام النيابي ليحصل على صلاحيات دستورية مطلقة وليضمن استقلاليته كرئيس للجمهورية بغض النظر إن كان حزبه العدالة والتنمية يمتلك أغلبية في مجلس النواب أم لا. وتشمل صلاحيات الرئيس في مشروع النظام الرئاسي، تعيين قادة القوات المسلحة ومدراء الأمن العام والمخابرات، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية والقضاة والمدعين العامين، وامتلاك حق النقض للقرارات الصادرة من مجلس النواب، ورفض الموازنة العامة، وتوقيع اتفاقيات دولية، دون وجود رئيس للوزراء. وهو نظام مشابه للنظام الأمريكي إلا أن المعارضة تخشى من أن يتحول النظام في تركيا إلى نظام استبدادي لعدم وجود مؤسسات قضائية أو تشريعية قوية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه المخاوف يحملها أيضا تيار داخل الحزب الحاكم وبالأخص تيار عبدالله جول وعدد من نواب الحزب الرافضين للنظام الرئاسي.
العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة وأوروبا:
لعل من أهم الأهداف الخارجية لحزب العدالة والتنمية التي أعلن عنها منذ تسلمه للسلطة أواخر 2002 هو الانضمام للاتحاد الأوروبي، وبالفعل حققت تركيا إنجازات مهمة على المستوى السياسي والاقتصادي والإنساني حسب معايير الاتحاد الاوربي من حيث الديمقراطية واحترام حقوق الأقليات. لكن الرئيس أردوغان أراد في عام 2011 استغلال الربيع العربي لصالحه وبالأخص في سوريا، فتبنى سياسات مغايرة تماما لما كان قبل الحرب الأهلية السورية وسعى لفرض ارادته السياسية في سوريا على حلفائه الأمريكيين والاروبيين وجعل الامن القومي الاوربي في خطر بعدما وجد أن حساباته السياسية لم تكن دقيقة. فحسب إحصاءات إدارة الطوارئ التركية يوجد في تركيا على طول الحدود السورية 25 مخيماً للاجئين السوريين يقيم فيها ما يقارب من 220 الف لاجئ مما يشكل 15٪ من عدد السوريين في تركيا، فيما يتوزع 85٪ الآخرون على باقي المحافظات التركية وبعضهم (25٪) يعيش في أماكن غير صالحة للسكن البشري. وما زاد من مشكلة اللاجئين السوريين سحب الحكومة التركية لتراخيص العمل الممنوحة لهم وانتشار نظرة الكراهية للاجئين واتهامهم بارتكاب الجرائم.
الرئيس التركي طالب مرارا من قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا لتوطين اللاجئين، لكن لم ينجح في اقناعهم. فلجأ إلى سياسة الضغط على أوروبا عندما فتح أبواب تركيا امام تدفق اللاجئين. ونقلت وكالة رويترز في شباط 2016 عن موقع (theeuro2day) اليوناني أن أردوغان عقد اجتماعا ‘‘متوترا’’ مع وفد ترأسه جان كلود جانكر رئيس المفوضية الأوروبية، حيث قال أردوغان لهم ’’نستطيع أن نفتح الحدود إلى اليونان وبلغاريا في أي وقت، ويمكننا أن نضع اللاجئين على الحافلات… كيف ستتعاملون مع اللاجئين ما لم يكن لديكم اتفاق؟ هل ستقتلون اللاجئين‘‘ ثم طلب أردوغان من الأوروبيين ستة مليار دولار لمعالجة أزمة اللاجئين على مدار عامين إلا أن الاتحاد الاوربي وافق على تقديم ثلاثة مليار دولار فقط.
ورقة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبى أتت بنتائج معكوسة، واتضح ذلك في الشهر الماضي من حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية، إذ قالت ميركل إن ’’الاتفاق مع تركيا فرصة كبيرة لتسوية أزمة اللاجئين إلا أنها في الوقت ذاته لا بد من عدم الموافقة على كل مطالب تركيا وأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى ليس مطروحا حاليا على جدول البحث‘‘. ومع مرور الأيام يزداد القلق الاوربي من سياسات الرئيس أردوغان التي صارت تهدد الامن القومي الاوربي وظهرت في سلسلة تفجيرات إرهابية، وسط اتهامات لتركيا بأنها ممر آمن لمعظم الإرهابيين القادمين من أوروبا إلى مناطق داعش والعكس.
وقد نشرت صحيفتي الغارديان وميدل ايست آي البريطانيتين عن محضر اجتماع مسرب في يناير 2016، عقد بين الملك الأردني مع أعضاء نافذين في الكونغرس من بينهم جون ماكين رئيس اللجنة العسكرية، قال خلاله: إن ‘‘تركيا تقوم باستغلال قضية اللاجئين السوريين الذين يتدفقون إلى القارة الأوروبية من أجل تحقيق مصالحها وتنفيذ أجندتها. وأنها ترسل الإرهابيين إلى أوروبا للضغط على دول الاتحاد’’، وقال الملك الأردني “ان الرئيس رجب طيب أردوغان يؤمن بالحل الإسلامي الراديكالي لمشاكل المنطقة، وان وجود جماعات إرهابية إسلامية في أوروبا جزء من استراتيجيته هذه"، وأن "‘رؤية الأردن للحل في سورية تختلف عن الرؤية التركية القائمة على دعم التطرف".
ويخشى تيار عبد الله جول أن تؤدي المواجهات السياسية بين أردوغان والاتحاد الاوربي إلى تغير الموقف الاوربي من تركيا كسحب استثماراتها أو تبني سياسات اقتصادية متشددة تنهك الاقتصاد التركي وتفقد حزب العدالة والتنمية مزيته التي حكم بها منذ 13 عام ألا وهو الانتعاش الاقتصادي، وبنفس الوقت قد يلجأ الاوربيون إلى ممارسة ضغوط سياسة كدعم القوميين في الجيش.

أردوغان في مواجهة القيادة المؤسسة للحزب:

ظهرت المواجهة العلنية بين الطرفين عندما انتقد الرئيس السابق عبدالله جول (سبع سنوات رئيس للجمهورية وخمس سنوات رئيس للوزراء ووزير للخارجية) السياسة الخارجية لأردوغان وقال إن ’’تركيا بحاجة إلى مراجعة سياستها في الشرق الأوسط والعالم العربي بتبني سياسات واقعية‘‘، وقال جول في لقاء مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بتاريخ 15 أبريل 2015 إن تركيا تواجه “مخاطر نتيجة سعي الرئيس أردوغان إلى السيطرة على السلطة”، وأن “تركيز السلطة السياسية في أيدي أردوغان يهدد بتدمير الديمقراطية التركية”. وأضاف” لا أريد أن ينظر لي على أنني ما زلت أحمل طموحات لتولي السلطة، ولكنني أقدم النصح لتركيا من خلال إطلالي على شاشات التلفاز وفي المؤتمرات من حين لآخر، وأعتقد بأن الشعب التركي ينظر لهذا بإيجابية ويعطيه اهتماما جديا”.
وتحدث جول بإيجابية عن النجاح الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي ودخول الكرد لأول مرة إلى مجلس النواب التركي وقال ”إن التقارب أمر كنت دائما أنادي به وأؤمن بأهميته، فالمشاكل تحل من خلال التواصل والتفاعل بين الأحزاب وليس بإقصائها” وأن هناك فرق بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. وتحدث جول أيضا في جامعة أوكسفورد وقال إن عدم المساواة الاقتصادية ونقص الشفافية وتقصير المؤسسات الحكومية في أداء دورها خلق حالة من الاستياء الشعبي في الشرق الأوسط وتركيا نفسها. الإعلام الموالي للرئيس أردوغان رد بنشر مقاطع من أقواله يرد فيها على جول "’تركنا وراءنا الخونة والجبناء والمترددين والمتمسكين بمصالحهم الشخصية وأكملنا طريقنا السياسي دون تغيير، أما هم فباتوا اليوم خارج السياسة".
وجاءت انتخابات يوليو 2015 وخسر الحزب أغلبيته في مجلس النواب، فأتبع أردوغان سياسة التقارب مع القوميين لمواجهة الكرد وخاض حربا ضد حزب العمال الكردستاني وفاز بأغلبية بسيطة في انتخابات نوفمبر2015 لكنه أدخل تركيا في دوامة الحرب القومية التركية الكردية، وهو ما رفضه عبدالله جول وتياره.
صحف المعارضة تحدثت عن نية عبدالله جول وتياره المعارض داخل الحزب عن الانشقاق وتشكيل حزب جديد، مما دعا أردوغان إلى أن يوجه دعوة إلى جول لزيارة قصر الرئاسة في 10 فبراير 2016، ونقلت الصحف أن الرئيس سمع من الرئيس السابق خلال ثلاث ساعات انتقادات لسياساته في الملفين الداخلي والخارجي ومسألة أنشقاق تيار جول. مصادر إعلامية مقربة من أردوغان قالت: إن جول لا يريد العودة إلى العمل السياسي وأنه لا يدعم أي انشقاق داخل الحزب الحاكم. وبعد يوم على لقائه أردوغان، التقى جول مع بولنت أرنتش (نائب رئيس الوزراء السابق) وحسين شيليك (وزير التعليم السابق) وسعد الدين آرغين (وزير الصناعة السابق)، وهم أهم وجوه المعارضة داخل الحزب الحاكم.
مصادر قريبة من تيار جول قالت لصحف تركية: إن جول لا يريد منصب رئيس الوزراء إنما يسعى لرئاسة الجمهورية، وإنه يرى أن علي باباجان الأصلح لرئاسة الحكومة لكونه من أفضل التكنوقراط التركي، ومن أسهم بشكل كبير في تبني سياسات اقتصادية ناجحة وسياسات خارجية تصالحية، ولذلك ينبغي تأسيس حزب سياسي جديد، وقالوا لصحيفة جمهورييت أنه وفقا لنتائج استطلاع رأي أعدته مؤسسة تعمل لحساب جول في مارس 2016، فإن الحزب الجديد قد يحصل على 15٪ في أول انتخابات، مما قد يعني انتقال عدد من نواب حزب العدالة والتنمية إلى الحزب الجديد.
ونقلت صحيفة (سوزجو) المعارضة عن المدون التركي الشهير في موقع تويتر "فؤاد عوني" الذي سرب الاخبار السياسية في مناسبات عديدة، قوله بأن أردوغان قال عندما سمع تصريحات أرنتش ‘‘لقد أكدت أن جول ورجاله سيخونوننا’’. وقال: إن أردوغان وجه التعليمات بعدم تصعيد الصراع حاليا مؤكدا أنه سيقوم بتصفيتهم بعدما يتمكن من الانتقال إلى النظام الرئاسي. ولفت “عوني” إلى أن أردوغان يخشى حاقان فيدان رئيس المخابرات لأنه لم يتدخل لصالح أردوغان.

تيار أحمد داود أوغلو:

يبدو أن مسألة الخلاف الأساسية بين أردوغان وداود أوغلو تتمحور حول طرح مشروع النظام الرئاسي، إذ قال مستشار الرئيس أردوغان للشئون السياسية برهان كوزو: إن فشل الحكومة في إقرار المشروع في مجلس النواب في نهاية نيسان الجاري سيدفعها إلى تنظيم استفتاء عام على مسألة الدستور الجديد والرئاسة، لكن طرح المشروع للاستفتاء العام بحاجة إلى 330 نائب ولحزب العدالة والتنمية 317 نائبًا في المجلس النيابي، مما يعني التوجه إلى انتخابات مبكرة في الصيف المقبل. مصادر إعلامية مقربة من رئاسة الجمهورية قالت إن أردوغان أمهل داود أوغلو حتى الشهر القادم لحسم مسألة الدستور الجـــديد والنظام الرئاسي إما بإقناع 13 نائباً معارضاً لتأمين 330 صوت، أو تنظيم انتخابات مبكرة مستخدماً صلاحياته بحلّ البرلمان. ويبدو أيضًا أن داود أوغلو غير مقتنع بذلك حيث قال: إن "النظام الرئاسي أولوية ولكن إذا لم يكن فرضه ممكناً في مجلس النواب، فلا مجال للإصرار عليه".
والانتخابات المبكرة في الصيف المقبل في ظل اجواء الحرب مع حزب العمال الكردستاني سيقلل من أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وربما يخرجه من مجلس النواب، وبنفس الوقت تعاني الحركة القومية من أزمة داخلية وهو ما قد يمكّن حزب العدالة والتنمية من كسب أصواتهما ونيل ثلثَي مقاعد المجلس، وهو ما يأمله أردوغان. إلا أن هناك انباء صحفية تتحدث عن خلافات بين أردوغان وأحمد داود أوغلو حول قضايا كثيرة، إذ تفيد الصحافة التركية بأن داود أوغلو يحاول كسب بيروقراطيين وحزبيين لتشكيل تيار يدعمه في مواجهة الرئيس التركي، وبذلك فإن الحزب الحاكم إنقسم إلى ثلاثة ولاءات، أردوغان وداود أوغلو وجول. وما يلفت النظر أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يراقب عن كثب كافة التطورات بين أردوغان وتيار جول، ولا يعرف بالضبط إن كان سيقف إلى جانب جول في حال تأسيس حزب جديد أم يقف مع أردوغان، ولكنه يخشى أن يتم إقصاؤه فيما إذا تم إقرار النظام الرئاسي، كم تم إقصاء القيادات المؤسسة للحزب.

تحالف أردوغان مع الكماليين:

نادراً ما يظهر قادة الجيش التركي بنحوٍ علني في الأحداث السياسية، ولكن في السابع من آب ظهر خلوصي آكار -رئيس أركان الجيش التركي- مرتدياً زيه الرسمي أمام تجمع لأكثر من مليون شخص في إسطنبول إلى جنب الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن على يلديريم وقادة المعارضة التركية، تقدم آكار بشكره للمواطنين الأتراك لمساعدتهم في سحق محاولة الانقلاب التي حدثت في حزيران، قائلاً: إن "الخونة" وراء ذلك سيتم معاقبتهم بشدة.
للمزيد عن "بن علي يلدريم".. اضغط هنا 

إن صورة الوحدة بين الشعب والجيش والسياسيين المنتخبين تعد تناقضاً كبيراً للصور الدموية التي ظهرت بعد أحداث محاولة الانقلاب في شهر تموز، التي أظهرت قادة الجيش والجنود وهم يتعرضون للتعذيب على أيدي رجال الشرطة، وأبرزت أيضاً التحول الذي يجري حالياً في العلاقة بين الحكومة التركية وجيشها.
يحاول أردوغان تحقيق التوازن بين اثنتين من الضرورات في تعامله مع القوات المسلحة التركية، إذ يجب على الرئيس إعادة بناء الجيش المحطم وتحويله إلى مؤسسة قوية تحظى بالاحترام، ويمكن إبراز قوتها في مواجهة التحديات الأمنية التي تتمثل بالانفصاليين الأكراد وإرهاب تنظيم داعش من جهة، ومن جهة أخرى التأكد من أن الجيش يخضع لسلطته بالكامل؛ لتحقيق التوازن بين هذه المطالب فإن أردوغان سيعتمد على التحالف بين حكومته الإسلامية مع العناصر العلمانية المتطرفة في الجيش التركي والمجتمع، إذ إن هذا التحالف قصير المدى من شأنه إخماد آفاق السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، وقد يبعد تركيا عن الغرب ويدفعها باتجاه الصين وإيران وروسيا.

تحالف أردوغان الجديد:

الجيش لم يثق أبداً بالسياسيين للخضوع لهم بنحوٍ تام كونهم حراس العلمانية في تركيا، إذ هدفت تدخلات الجيش في السياسة في الأعوام (1960، 1971، 1980، 1997) إلى حماية الجمهورية مما كان يراه القادة العسكريون بأنها نوايا ضارة تصدر من السياسيين الأتراك، وكان الجيش في نظر الرأي العام التركي لفترة طويلة حارساً لرؤية مصطفى كمال أتاتورك للدولة القومية التركية العلمانية.
من الناحية التأريخية، كان الجيش يؤدي أعماله في ظل غياب الرقابة المدنية، إذ بعد كل انقلاب، حرص القادة العسكريون على توسعة نفوذهم من خلال سن القوانين والأنظمة الجديدة؛ ونتيجة لذلك تمتع الجيش باستقلال كبير.
في الأشهر الأخيرة كانت مهمة أردوغان هي تجريد هذه الاستقلالية من القادة العسكريين من دون المساس بفعاليّة الجيش، وفي الأسابيع التي تلت محاولة الانقلاب وضعت الحكومة كل من خفر السواحل وقوات الدرك -وهي قوة الأمن الداخلي- تحت سيطرة وزارة الداخلية، وخَضَع الجيش والقوات الجوية والبحرية تحت سيطرة وزارة الدفاع، وقامت أنقرة بإغلاق المدارس العسكرية التركية، ومررت قوانين جديدة من شأنها السماح لخريجي مدارس (إمام خطيب الدينية)- التي تقوم بتدريب الخطباء- بالانضمام إلى القوات المسلحة، يحاول أردوغان كذلك بأن يضع رئيس هيئة الأركان العامة تحت السيطرة المباشرة لمكتب الرئيس، وإقامة نظام جديد الذي يخول الرئاسة بالموافقة على منح الترقيات العسكرية رفيعة المستوى والتعيينات، إن نظام قانون الطوارئ الذي طبق بعد محاولة الانقلاب وتم تمديده إلى تشرين الأول يسمح للحزب الحاكم- الذي يسيطر عليه أردوغان- بتمرير هذه الإصلاحات الهيكلية من غير إشراف قضائي أو تشريعي حقيقي.
من شأن هذه الإجراءات أن توجه تركيا نحو إحلال السيطرة المدنية الكاملة على الجيش، ومع ذلك فإنها سوف تقوّض صلاحيات القوات المسلحة وتسيسها، إذ تسببت حملات أردوغان التطهيرية- التي استهدفت الآلاف من الموظفين العسكريين وما يقارب من نصف الجنرالات الأتراك- بإضعاف الجيش، ومن المرجح أن تقوم التغييرات المؤسسية المتسرعة بتعطيل سلسلة من الأوامر وزرع الانقسامات والمنافسة في صفوف الجيش، وعلى المدى البعيد، فإن خطة أردوغان لزرع الفكر المحافظ والإسلام في الجيش وملء مؤسساتها مع الموالين للحكومة قد يؤدي إلى تسييس الضباط؛ وبالتالي إضعاف الجيش.
إن الجيش حالياً أضعف من أن يقاوم هذه التغييرات أو حتى بالحفاظ على استقلاليته، ويظهر ذلك في التوغل العسكري التركي في سوريا الذي بدأ في أغسطس- بعد أن قاوموا مطالب أردوغان في التدخل لعدة سنوات- وذلك كإثبات على ولائهم.
إن الطريقة المثلى في إخضاع الجيش لسيطرة أردوغان مع الحفاظ على فعاليته ستكون- كما ذكرنا- باللجوء إلى العلمانيين- الكماليين- الذين غالباً ما تعرضوا للتجريح من قبل أردوغان منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002، ومن دون تعاون تلك المجموعة- التي ينتمي إليها أعداد هائلة من الأفراد في الجيش- فإن حكومة أردوغان ستعاني بنحوٍ كبير في استبدال الآلاف من ضباط الجيش، أما من وجهة نظر الكماليين فإن التعاون مع أردوغان في الوقت الحالي من شأنه أن يساعد في إصلاح سمعة الجيش المتضررة وحماية أيديولوجياتها من الاعتداءات.
إن تصريح الحكومة المتمثل باتهام أتباع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية- فتح الله كولن- في شن الانقلاب ضد الحكومة سيقوم بتيسير هذا التعاون؛ نظراً لكونها قد تغاضت عن دور الكماليين في أعمال العنف، ويوجد عدد كبير لأتباع كولن في الجيش التركي الذين تم تجميد رتبهم منذ عام 2002- حينما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة- ونتيجة لذلك كانت معظم رتبهم على مستوى عقيد وما دون، والجدير بالذكر أن اعترافات بعض الضباط الكماليين، فضلاً عن أعداد الجنرالات المشاركين في محاولة الانقلاب مع تصريحات الحكومة تتناقض باتهام أتباع كولن حصراً في محاولة شن الإنقلاب.
سيواصل كل من القادة المدنيين وكبار الضباط في إنكار تورط الكماليين، إذ إن اعتبار أنصار كولن المسئولين الرئيسيين لمحاولة الانقلاب هو ما شكّل حجر الأساس لتحالف الحكومة مع الكماليين، وإن شروط هذه الشراكة واضحة وهي: أن يخضع الجيش للحكومة الإسلامية، وبالمقابل سيسمح أردوغان بزيادة قوة الكماليين على المدى القصير.
هناك دلائل تشير إلى أن هذا التحالف بدأ يتشكل، إذ في أعقاب محاولة الانقلاب فإن عشرة ضباط كماليين برتبة عقيد -الذين قد حكم عليهم بالسجن في محاكمات جماعية- تمت ترقيتهم إلى رتبة عميد، وصرّح العديد من المسئولين الحكوميين مراراً باعتبار أتاتورك رمزاً للوحدة في تركيا، وقد وضعت صورة لأتاتورك على واجهة مقر حزب العدالة والتنمية، وأعرب الكماليون في الجيش عن دعمهم الكامل للحكومة المنتخبة.
ومع ذلك فإن الحفاظ على تحالف الحكومة مع الكماليين لمدة طويلة سيكون أمراً صعباً، وعلى الرغم من اعتبار أنصار كولن بمنزلة كبش فداء فإن أردوغان لا يزال قلقاً من انقلاب قادة الكماليين، فضلاً عن الرؤية المختلفة لكلا الجانبين حول مستقبل هذا البلد والجيش، إذ يرى الكماليون أن الحل الأمثل للتخلص من الفوضى في تركيا هي بالعودة إلى المبادئ العلمانية، بينما يفضل أردوغان وأتباعه الخضوع الكلي للجيش وزرع الفكر الإسلامي والمحافظ بنحوٍ تدريجي في صفوفه؛ ولذلك فإنه من المرجح أن يحدث اشتباك بين الطرفين في نهاية المطاف نتيجة لجهود أردوغان في محاولة إعادة هيكلة الجيش، وفي الوقت الحالي فإن كلاً من الحكومة التركية والجيش سيركزان على التخلص من العدو المشترك.

محور أوروبا/آسيا:

إن تأثير التحالف بين أردوغان وقادة الجيش سيظهر في الصراع مع حزب العمال الكردستاني، فمنذ انتهاء فترة إيقاف إطلاق النار بين تركيا وهذه المجموعة في تموز عام 2015 قتل أكثر من 1700 شخص في هذا القتال، وتم نزوح أكثر من 350 ألف شخص، وسعياً منه إلى حشد الدعم القومي انتهج أردوغان سياسة التصعيد ضد حزب العمال الكردستاني.
 إن احتمالية استئناف المحادثات بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني معدومة، وستزداد صعوبة في ظل تحالف الحكومة مع الكماليين، فالجيش التركي كان من أشد المعارضين فيما يخص محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني؛ ولذلك سيستمر أردوغان بالقتال ضد تلك الجماعة؛ لضمان حصوله على دعم كبار قادة الجيش، ويرى الجيش بأن هذه الحملة هي فرصة لاستعادة صورتها التي تضررت بنحوٍ كبير لدى عامة الشعب.
من المرجح أن يقوم التحالف بين الحكومة والكماليين إلى إبعاد تركيا عن الغرب، ففي الأشهر الأخيرة كانت المشاعر المناهضة للغرب في أعلى مستوياتها في تركيا، إذ يعتقد معظم الأتراك أن الولايات المتحدة -التي يقيم فيها كولن بنحوٍ دائم- قد أدت دوراً في محاولة الانقلاب، فكانت الحركة المعادية للولايات المتحدة كبيرة داخل المؤسسة العسكرية ولا سيما منذ المحاكمات الجماعية، إذ شكّل كبار القادة مجموعة داخل المؤسسة العسكرية أظهرت عداءً كبيراً تجاه الولايات المتحدة ولا سيما في فترة الاستجوابات؛ لأنهم اشتبهوا في أن واشنطن استخدمت كولن لتطهير الجيش من معارضي حلف الشمال الأطلسي.
في أعقاب محاولة الانقلاب عادَ كبار قادة الجيش المعادون إلى الولايات المتحدة البالغ عددهم 10 أشخاص، الذين تمت ترقيتهم بعدما حكم عليهم بالسجن في المحاكمات الجماعية في تموز وهم أنصار لإعادة الهيكلة الاستراتيجية. قامت حكومة أردوغان منذ شهر يوليو بطرد المئات من الموظفين العسكريين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب والذين كانوا يعملون مع منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا والولايات المتحدة، وفي مقر حلف شمال الأطلسي في بلجيكا- حيث كلفت تركيا 50 موظفاً عسكرياًّ للعمل هناك فيما مضى- لم يتبقَّ سوى 9 موظفين وذلك في تشرين الأول من هذا العام، في الوقت الذي يزداد فيه التوتر بين أنقرة وواشنطن بشأن تسليم كولن للحكومة التركية فمن المرجح أن تحالف الكماليين مع الحكومة قد يزداد قوة.
من المحتمل أن يسفر عن تحالف الحكومة مع الكماليين ظهور دولة تركية استبدادية وقومية ومناهضة للغرب بنحوٍ أكبر؛ إذ لا يؤمن كل من حكومة أردوغان الدينية المحافظة ولا عناصر الجيش العلمانيين بالديمقراطية الليبرالية أو السياسات الموالية للغرب، وعلى العكس من ذلك فإن القومية ومناهضة الغرب وسيادة تركيا هي النزعات الرئيسة التي توحد جميع الأطراف، وفي حالة عدم وجود حل للصراع مع حزب العمال الكردستاني وعدم تسليم كولن إلى الحكومة التركية، فإن تلك النزعات ستزداد سوءاً، لا يمكننا سوى أن نأمل بأن أولئك الذين وقفوا ضد الدبابات في 15 تموز سيدافعون عن الديمقراطية والعلمانية ضد هذه النزعات المخيفة.

علاقة مصر وتركيا:

نعتمد في هذا الجزء على ورقة بحثية من اعداد بوابة الحركات الإسلامية بعنوان "فرص المصالحة بين مصر وتركيا" والتي جاء فيها أن هناك حالة من الترقب تسود في الوقت الحالي الأوساط المصرية والتركية ترقباً لما يمكن أن تتمخض عنه مساعي المصالحة بين النظامين المصري والتركي، خاصة أن تركيا تتجه في الوقت الحالي إلى إنهاء خلافاتها مع العديد من الخصوم الدوليين بينهم روسيا فضلاً عن إنهاء الخلاف مع إسرائيل.
ولكن الحال يختلف قليلا مع مصر خصوصا بعد ما شهدته العلاقة بين البلدين من توترات في الفترة الأخيرة، خاصة بعد إزاحة المعزول "مرسي" والإطاحة بحكم الإخوان في مصر، وتحول العاصمة التركية لملاذ لقيادات الإخوان وحلفائها؛ حيث يلقون الدعم المادي واللوجيستي من أنقرة، مع التوقف أمام محاولات السعودية للتقريب بين البلدين، وتناول المصالحة التركية المصرية في سياق ما أقدمت عليه تركيا مؤخراَ، من تغيير في سياستها الخارجية، بالتصالح وتخفيف حدة التوتر مع روسيا، وتزايد التفاهمات وتمكين علاقاتها مع إسرائيل، ونرصد سيناريوهات مسار المصالحة (المصرية/ التركية) واّفاقها على المدى المنظور.
ومن أكثر الشواهد التي تؤكد حرص البلدين على ما يسمى بـ"شعرة معاوية" لاحتمالية عودة العلاقات بينهما، هو حرص البلدين على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع القاهرة، ومحاولة تجنيب العلاقات والاتفاقات الاقتصادية الثنائية آثار التوتر مع مصر، فعلى الرغم من مهاجمة أردوغان المتواصل للنظام المصري، إلا أن تلك السياسات لم يشذّ عنه إلا الرئيس التركي عبد الله غُل الذي أرسل رسالة تهنئة للسيسي إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو ما استدعى نقدًا مبطنًا له من أردوغان.  
فرص المصالحة بين الجانبين بلا شك تصاعدت خلال الفترة الأخيرة خاصة مع الجهود التي بذلها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال الفترة الماضية رغبة منه في تشكيل الحلف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب، فضلاً عن مكايدة أبرز خصوم المملكة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 
وعلى الرغم من التصريحات العدائية التي دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاقها ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ينتوي حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا إرسال وفد رفيع المستوى إلى مصر، إذ نقلت وكالة الأناضول عن القيادي في حزب العدالة شعبان ديشلي قوله: إن زيارة الوفد إلى مصر خلال الأيام القريبة القادمة، ستستهدف تخفيف التوتر في العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وذلك بعد أن اتخذ الجانب التركي خطوات مهمة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا.
وقال ديشلي خلال احتفال نقابي بعيد الفطر في محافظة سكاريا بشمال غرب تركيا يوم 6 يوليو: "إن شاء الله ستشهد علاقاتنا مع مصر تحسنا أيضا، وإن شاء الله سنضع حدَّا لحمام الدم في سوريا بفضل تخفيف التوتر في المنطقة"، مضيفًا أن حزبه سيرسل وفدا إلى مصر بعد عيد الفطر، وقد جاءت تصريحات القيادي في حزب العدالة بعد يوم من تأكيد الرئيس التركي أن عملية التصالح المحتملة مع مصر ستكون "مختلفة" عن تطبيع العلاقات مع كل من إسرائيل وروسيا. 
وقد عكست التحركات الموجودة حالياً على الساحة الإقليمية، مدى وجود مُؤشرات على بداية حلحلت الأزمة بين مصر وتركيا، التي بدأت منذ أطاح المصريون بحكم الرئيس الإخواني محمد مرسي خلال ثورة 30 يونيو 2013؛ حيث كشفت أنقرة من وقتذاك عن وجهها الإخواني التي سعت خلال الفترة الماضية إلى إخفاؤه؛ حيث بدا أن هناك لاعبين دوليين دخلوا على خط الأزمة محاولين الوساطة بين الطرفين.
اللافت أنه وبحسب مراقبين، فإن آخر جهود الوساطة المبذولة حالياَ للملمت العلاقات المُتوترة بين البلدين هي مساعي أمين عام مُنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، حيث لوحظ تحركاته الإقليمية، خلال الساعات القليلة الماضية، فقد استقبله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال الأشهر الماضية، وعرض مدني من جانبه ما تعتزم الأمانة العامة القيام به من مبادرات وبرامج في المرحلة المقبلة والتحضيرات الجارية للقمة الإسلامية التي تم عقدها خلال الفترة الماضية في إسطنبول منتصف أبريل الماضي.
ويبدو أن مدني كان يريد تقريب وجهات النظر بين (القاهرة وأنقرة) منطلقاً مما أكده الرئيس السيسي أن مصر تُولي أهمية خاصة بالمنظمة، بصفتها رئيسة للقمة الإسلامية، وأن القاهرة تسعى لتطوير العمل الإسلامي المشترك والتضامن والتعاون لما فيه خير الشعوب الإسلامية، كما يعول مدني على الدور المحوري الذي تقوم به مصر عبر دبلوماسيتها الفاعلة في دعم العمل الإسلامي المشترك.
وأشارت تقارير إعلامية، إلى أن المملكة السعودية سعت من قبل للمصالحة المصرية التركية، فقد سبق وزار السيسي السعودية في مارس الماضي، وبعد بدء زيارته بيومين، جاء أردوغان للمملكة في زيارة رسمية، وقبلهما كان هناك الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، وهو ما يصعب أن يأتي مصادفة على الإطلاق، وفق متابعي ملفات المنطقة.
ورجح متابعون أن يكون هدف المملكة السعودية من عقد تصالح بين القاهرة وأنقرة، حاجتها للتقريب بين الفرقاء في إطار تحالفها العسكري الإسلامي؛ حيث لم يتقدم هذا الحلف حتى اللحظة خطوة واحدة على الأرض، كونه يشمل فرقاء مختلفين فيما بينهم، مثل مصر وتركيا؛ كونها ترى أن مواجهة إيران لا تكون إلا بتحالف ثلاثي تكون مصر وتركيا أحد محوريه. 
المشكلة، من وجهة النظر التركية، تتمثل في أن عدم وجود نوع من الحوار بين أنقرة والقاهرة، يجعل العلاقات تفتر بينها وبين معظم العالم العربي، مع استمرار حالة الانسداد الدبلوماسي، وهو ما يضعف هيبة أنقرة بالداخل والخارج، لذلك، قد تلجأ أنقرة كحل بديل، وهو بناء تبادل دبلوماسي خلف الستار، والتوقف عن مباريات الهجوم المتبادلة، بالرغم من أن أردوغان "نوع من الرجال نادرًا ما يتراجع عن شيء يشعر به بقوة"، كما يرى كثير من الكتاب.
وأكد رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، حول التقارب بين كل من مصر وقطر- أنه معلوم للجميع المستوى الرفيع لعلاقاتنا الجيدة مع قطر، فتركيا لا ترهن سياساتها ومواقفها مع دولة بعينها، وفقاً لعلاقاتها مع دول أخرى، تركيا فعلت ما تمليه عليها مواقفها المبدئية، وستواصل فعل ذلك، وأشار أوغلو إلى أن الشعب المصري ككل يتميز ببنية متجذرة، أفرزت الأفكار الرائدة، ليس في العالم العربي فقط وإنما في العالم الإسلامي أيضا؛ لذلك ليس لدينا مشكلة مع مصر وشعبها.
ويبدو أن المشكلة لدى النظام التركي أنه كان يأمل في إقامة حكومة إسلامية ديمقراطية قريبة الشبه من نهج حزب العدالة والتنمية، في مصر، لذلك هي تأخذ على عاتقها محاربة النظام المصري. 
السياسات التركية العدائية التي ينتهجها النظام التركي أدت إلى تراجع حقيقي في علاقات تركيا الخارجية، إذ أضحت قطر الصديقة الوحيدة لتركيا في الشرق الأوسط، كما تسبب جمود العلاقات التركية المصرية في خسائر خطيرة أبرزها ذلك التعاون بين مصر وغريمتي تركيا قبرص واليونان، حول النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وإنشاء طرق عبور جديدة وخطوط أنابيب، ويعزز ذلك التعاون محاولات تركيا لتأكيد حقوقها كقوة رئيسية ساحلية، وكذلك بالنسبة للقبارصة الأتراك، كما يخلق توقعًا غير مبشر بحتمية التعامل التركي مع ائتلاف غير رسمي يضم قبرص واليونان وربما إسرائيل عند محاولة أنقرة حل قضايا الطاقة الإقليمية.
وفي ضوء كل هذه التطورات يمكن رصد ثلاثة سيناريوهات محتملة لشكل العلاقات، بينها، مصالحة شاملة وتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، بما في ذلك العلاقات السياسية والاقتصادية وإنهاء التراشق الإعلامي، ولكن هذا سيحتاج وقتًا طويلاً، وسيطبق على مراحل متدرجة وفق النموذج القطري في المصالحة، وربما على مدى زمني أطول. ويبدو هذا السيناريو الأقل حظًّا في ظل عدم حماسة مصر للتصريحات والاشتراطات التركية، خاصة أن موضوع المصالحة مطروح منذ فترة، ولكن مطالب الطرفين منعت استمرار اللقاءات أو تحقيق أي اختراق فيها.
الثاني: إنهاء القطيعة وعودة العلاقات بالحد الأدنى، عبر تبادل السفراء أو القائمين بأعمالهم واستئناف العلاقات التجارية بين البلدين، على قاعدة التعامل مع الأمر الواقع، دون القدرة بالضرورة على تجاوز الخلافات الجوهرية أو إنجاح عملية المصالحة المصرية الداخلية. 
الثالث: يتضمن بقاء الحال على ما هو عليه؛ أي غياب التراشق الإعلامي والتأكيد على الرغبة بالمصالحة وعلى شروط تركيا (وربما مصر) لتحقيقها، لكن دون تجاوب مصري أو خطوات عملية لذلك، وهو ما يضمن لتركيا تخفيف الضغوط عليها دون أن تضطر لدفع أي أثمان سياسية في الخارج أو انتخابية في الداخل

رؤية مستقبلية:

يرجح المراقبون للشأن التركي أن المعارضة التركية وتيارات داخل حزب العدالة والتنمية تخشى من تحويل الدولة التركية إلى دولة حكم "شمولي دكتاتوري" عبر الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهذه المخاوف انتقلت إلى دول الاتحاد الأوروبي التي لا تريد أن ترى دولة دكتاتورية على حدودها الشرقية وهي ترى تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي داخل المجتمع التركي.
الرئيس رجب طيب أردوغان لم يكن أول من طالب في تركيا بالانتقال من النظام النيابي إلى الرئاسي، فقد سبقه إلى ذلك كل من الرئيسين توركوت أوزال وسليمان ديميريل اللذان لم ينجحا في وقت كان حزبيهما يحكمان تركيا في الثمانينيات والتسعينيات، وانتهى الأمر بحزبيهما خارج مجلس النواب.
ويخشى تيار عبدالله جول من أن يؤدي الانتقال إلى النظام الرئاسي إلى تحرك الجيش الذي ما زال يحتفظ بما يكفي من قوته رغم كل الاعتقالات التي طالت عناصره بتهم الانقلاب، أصحاب هذه الرؤية يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان صارا يشكلان تهديدًا للأمن القومي الأوروبي والغربي عمومًا، ولم تعد تركيا تملك علاقات طيبة مع الغرب أو الشرق الأوسط أو دول الجوار، في وقت تشن فيه الحكومة التركية حملة عسكرية وثقافية ضد الكرد المتحالفين مع الغرب، وتقمع الحريات الشخصية والإعلامية، وتدخل في حرب ضد المؤسسات القضائية. وبعد كل هذا يسعى الرئيس أردوغان إلى صلاحيات دستورية رئاسية يجعله قادرًا على تغيير المبادئ العلمانية للجمهورية التركية وأسلمة الدولة .. كل هذا قد يجعل الجيش يتحرك بموافقة أمريكية أوروبية.

شارك