فتحي الشقاقي.. مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

الثلاثاء 26/أكتوبر/2021 - 10:21 ص
طباعة
 
هو فتحي إبراهيم عبد العزيز محمد أوحيدة الشقاقي، ابن عائلة الشقاقي المعروفة في ترهونة من قبيلة مرغنة، من مواليد مخيم رفح بمدينة غزة 4-1-1951م حيث هجرت الأسرة إلى غزة عام 1948، ولد فتحي لعائلة فقيرة حيث عمل والده عاملاً في صحراء سيناء، ونشأ في وسط عائلي محافظ وأسرة متدينة تلتزم بالمجال الديني والشعائري، فقد كان والده الابن الوحيد لإمام القرية، فقد الشقاقي أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره ليشب بعدها يتيمًا، درس في جامعة بير زيت بالضفة وتخرج من دائرة الرياضيات، وعمل لاحقا في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم في مدرسة الأيتام، وفي أثناء عمله درس مرة أخرى الشهادة الثانوية لرغبته الشديدة في دراسة الطب، حيث التحق بكلية الطب- جامعة الزقازيق 1974، وبعد تخرجه عمل طبيبا بمستشفى فيكتوريا بالقدس وبعد ذلك عمل طبيبا للأطفال في قطاع غزة، قاد كفاحًا مريرًا ضد الاحتلال، اعتقل في فلسطين أكثر مـن مرة عام 1983 و 1986 ثم أبعد في أغسطس 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين واتهامه بدورٍ رئيس فيها. وفي مصر تأثر بفكر الإخوان المسلمين، ثم تأثر بالثورة الإيرانية منذ بدايتها، وكان أبرز الفلسطينيين الذين دعوا إلى تبنيها كنموذج، حيث ألف كتاباً أسماه " الخميني.. الحل الإسلامي والبديل "، اعتقل في عام 1979 في مصر بسبب تأليفه لهذا الكتاب، ومنذ ذاك الوقت كان يتنقل في بعض عواصم البلدان العربية والإسلامية، وكانت آخر أبرز تلك المحطات مسئوليته في تنفيذ عملية بيت ليد بتاريخ 1995/1/22 حيث أسفرت عن مقتل 22 عسكرياً إسرائيليا وسقوط أكثر من 108 جرحى. اغتيل على يد الموساد الإسرائيلي في مدينة "سليما" بجزيرة مالطا يوم 26 أكتوبر 1995 أثناء عودته من ليبيا أرض أجداده، وكان يحمل جواز سفر ليبيًا باسم إبراهيم الشاويش بعد تصعيده للكفاح المسلح داخل الاراضي الفلسطينية من منفاه

البدايات وخلافه مع الإخوان المسلمين

بدأ فتحي الشقاقي حياته الفكرية ناصري الاتجاه، وكان ذلك قبل هزيمة الخامس من حزيران 1967، غير ان هذه الهزيمة أحدثت فيه تحولاً فكرياً جوهرياً على غرار معظم أبناء جيله الذين انقلب بعضهم إلى الماركسية، وسلك بعضهم الآخر طريق الإسلام الثوري. أما فتحي الشقاقي الذي عثر على كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" فقد كانت قراءته هذا الكتاب فاتحة لقراءة تجارب سياسية كثيرة مثل تجربة الكفاح الوطني المسلح لدى عبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام وغيرهم. وفي هذا السياق التحق بجماعة الإخوان المسلمين في سنة 1968، وكان لا يزال يافعاً آنذاك. لكنه لم يلبث ان اختلف مع هذه الجماعة، وتفاقم الخلاف في سنة 1974. أما المسألة الجوهرية في الخلاف فكانت كيفية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فالإخوان المسلمون في تلك الفترة، وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وتسع سنوات على انطلاقة حركة «فتح»، كانوا لا يزالون غارقين في أفكارهم التقليدية المكرورة ويتغرغرون بالكلام على تحويل المجتمع إلى الإسلام وإقامة دولة الخلافة التي هي وحدها المخولة اعلان الجهاد لتحرير فلسطين. وفي معمعان هذا الجدال انصرف فتحي الشقاقي إلى شأن مختلف.

الشقاقي في مصر

جاء فتحي الشقاقي إلى مصر لدراسة الطب في جامعة الزقازيق في سنة 1974، أي في السنة التي كان خلافه مع الإخوان المسلمين قد وصل إلى ذروته. وفي الزقازيق انخرط في جدال معمق مع المجموعات الإسلامية عن الثورة وفلسطين والحكومة الإسلامية، ولما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1978 وجد فيها مثالاً للثورة الشعبية الشاملة. ومع انتصار الثورة الإيرانية في مواجهة الشاه محمد رضا بهلوي في فبراير 1979، حسم خياراته السياسية، وأصدر في 16/2/1979 كتابه «الخميني: الحل الإسلامي والبديل»، الأمر الذي فتح عيون السلطات الأمنية عليه وعلى نشاطه السياسي، فاعتقلته في سجن القلعة في 20/7/1979 بتهمة معارضة النظام الحاكم في مصر، والانتماء إلى جماعات إسلامية غير شرعية، وأمضى في السجن أربعة أشهر، وكانت تهمة الانتماء إلى جماعة إسلامية محظورة تهمة خطيرة في تلك الفترة، خصوصاً إذا كان المتهم فلسطينياً، فالأجهزة الأمنية المصرية كثيراً ما ارتابت بالفلسطينيين بعد الهجوم على الكلية الفنية العسكرية التي قادها الفلسطيني عبد الله صالح سرية.
في خضم هذه المجادلات، وبين صفوف الطلاب الفلسطينيين، تبلور فكر فتحي الشقاقي السياسي، وبدأ الاعداد لتأسيس جماعة جهادية جديدة. وتبرعم هذا التفكير في سنة 1981 حين ظهرت الخلية الأولى لحركة الجهاد الإسلامي كمركب مزجي ومختلف من الإخوان وفتح، فالإخوان المسلمون، بحسب الشقاقي، اختاروا "طريق الهدى".
وتركوا طريق الجهاد في ذلك الزمن، والتيار الوطني الفلسطيني اختار طريق الجهاد وابتعد عن طريق الهدى، أما حركة الجهاد الإسلامي فقد جمعت الهدى إلى الجهاد..

العودة الى فلسطين

غداة اغتيال أنور السادات غادر فتحي الشقاقي مصر إلى قطاع غزة سراً في 1/11/1981، ثم وصل إلى القدس ليعمل طبيباً في مستشفى فيكتوريا على خطى جورج حبش ووديع حداد: ثم لم يلبث ان غادر القدس إلى غزة لينهمك في نضاله السري ويكرس حياته لإعلان انطلاقة العمل العسكري، وكانت فاتحة عمليات الجهاد في باب المغاربة في القدس، عند حائط البراق في 15/10/1986، وكانت السلطات الإسرائيلية اعتقلته أول مرة في سنة 1983، ووضعته في سجن نفحة الصحراوي قرابة السنة، وفشلت في انتزاع أي اعتراف منه، ثم اعتقل ثانية في 2/3/1986 وحكم بالسجن اربع سنوات. وقبل انتهاء مدة سجنه، وبالتحديد في 1/8/1988 أبعد إلى لبنان، وعاش في الضاحية الجنوبية لبيروت، فكان أول المبعدين الفلسطينيين إلى لبنان. ثم غادر بيروت ليقيم في دمشق التي عاش فيها حتى آخر أيامه.

اغتياله

أراد الكيان الإسرائيلي من اغتياله أن يوجّه ضربة قاضية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وخصوصاً بعد سلسلة عمليات ناجحة نفذتها الحركة في الأعوام 1993، و1994، و1995.. وظنّ الإسرائيليون أن باغتيالهم للشقاقي سينهون حركة الجهاد الإسلامي باعتبار أنها حركة شديدة المركزية ـ حسب المسئول الكبير الأسبق في جهاز الاستخبارات "شين بيت" الإسرائيلي جدعون عيزرا، وأن اغتيال القائد المركزي في الحركة سيجعلها تترنح ومن ثم تفقد حضورها ووجودها أيضاً.

التحضير لعملية الاغتيال

بعد الضربة الموجعة التي وجهتها حركة الجهاد الإسلامي للكيان الإسرائيلي في عملية "بيت ليد"، في عام 1995، والتي أسفرت عن مقتل 22 جندياً إسرائيلياً وجرح 108 آخرين، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق المقبور "إسحاق رابين"، أوامره شخصياً باغتيال الدكتور الشقاقي. وبناء على ذلك، قرر جهاز "الموساد" وضع خطّتين لاغتيال الشقاقي بعد أن اطلع على كيفية سفر الدكتور، وذلك إثر نجاحه في التغلغل عبر وحدة تسمى "الوحدة 8200" إلى أحد فروع الاستخبارات العسكرية السورية ويدعى "فرع فلسطين" عبر أساليب تكنولوجية متطورة.
وفي الخطة الأولى تم تقديم اقتراح بخطف الشقاقي خلال رحلته الذي تمرعن طريق مالطا، لكن اسحاق رابين عارض هذه الخطة خوفاً من ردود الفعل السياسية التي يمكن أن تنتج عن هذه العملية. فيما كانت الخطة الثانية تستهدف اغتياله في مالطا نفسها، وهي الخطة التي أثارت إعجاب رابين حيث وافق عليها على الفور.
وذكرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، أن رابين قد رفض السماح للموساد بتصفية الشقاقي في دمشق لأسباب سياسية، بل أنه رفض السماح في إشراك المقر الأوروبي للموساد الموجود في بروكسل في العملية.
لذا عندما علمت الاستخبارات "الإسرائيلية" بسفر الشقاقي إلى مالطا، قرر رئيس الموساد، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، وقائد شعبة الإستخبارات العسكرية ورئيس الحكومة أن تكون مالطا مكان تنفيذ الاغتيال.

الاتهامات الموجهة للنظام الليبي

واتهمت حركة الجهاد الإسلامي، على لسان مصدر مسئول فيها بتاريخ (4-2-2011) العقيد المخلوع، معمر القذافي ونظامه بتسهيل عملية اغتيال مؤسسها وأمينها العام السابق، في جزيرة مالطا على يد الموساد الإسرائيلي.
وقال مسئول في الحركة فضّل عدم ذكر اسمه لوكالة "قدس برس": "لقد كانت زيارة الدكتور فتحي الشقاقي إلى ليبيا زيارة سرية جداً، ولم يكن أحد يعرف بهذه الزيارة إلا دائرة ضيقة جداً من المحيطين بالعقيد معمر القذافي، حيث كان يتبع أسإلىب محكمة في التخفي والتمويه".
وكشف أن "الشقاقي كان متابَعاً ومرصوداً منذ أن وصل ليبيا قبل أيام من اغتياله، وحتى مغادرتها، وأنه وعلى الرغم من سرية الزيارة، وحيازة الشقاقي لجواز سفر باسم إبراهيم الشاويش، إلا أن الموساد تمكن من الوصول إلىه، وتصفيته في جزيرة مالطا، وذلك بعد حصوله على معلومات مؤكدة عن الشقاقي".
وأضاف المصدر "أنه بعد اغتيال الشقاقي رفض النظام الليبي التعاون في التحقيق الذي فتحته حركة الجهاد الإسلامي حول اغتياله، أو إعطاء أي معلومات عن ذلك، مما أثار شكوكاً حول مساهمة العقيد القذافي والنظام الليبي في اغتياله، حيث قطعت العلاقات تماماً بين الحركة والنظام الليبي".
وأوضح القيادي في الجهاد أن ملف التحقيق في اغتيال الشقاقي لا يزال مفتوحاً، ولم يغلق بعد، مشيراً إلى أن الكثير من الأمور سوف تتضح لاحقاً، وأن حركة الجهاد الإسلامي ستواصل عملها حتى إغلاق هذا الملف.

ما الذي أضافه مشروع الشقاقي إلى الساحة الفلسطينية؟

لا بد من التأكيد بداية أن الشقاقي لم يكن مجرد قائد تنظيم أو فصيل فلسطيني مسلح، ولكنه كان قبل كل ذلك مفكراً ومنظراً على مستوى الحركة الإسلامية، وانتاجه الفكري وأدبياته تشهدان على ذلك، لقد استطاع أن يحل كثيراً من الإشكاليات على المستويين الفلسطيني والإسلامي، واستطاع أن يترجم تصوراته الى منهجية عملية وجهادية واضحة.
على سبيل المثال، كان يرى أن الصراع بين الوطنية والقومية من جهة، والإسلام من جهة ثانية، والذي مزّق العالم العربي خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، هو صراع مفتعل، تغذيه القوى التي تريد تمزيق الأمة، وتعيق قدراتها. لذلك، كان أول من دعا الى حل هذه الإشكالية، معتبراً أن الصراع مع العدو الصهيوني يتماهى فيه الإسلامي والوطني والقومي، مع أنه كان يقدم الإسلام على غيره. وكذلك الحال، كان أول من أطلق شعار أن فلسطين هي القضية المركزية للحركة الإسلامية، داعياً الحركات الإسلامية في العالم الى توجيه بوصلتها باتجاه فلسطين، معتبرًا أن تحرير فلسطين هو مشروع المواجهة الأساس مع المشروع الغربي في المنطقة، ومقدماً رؤيته للمشروع الصهيوني كرأس حربة للمشروع الغربي، وليس مجرد احتلال عارض. هذه الإسهامات، وغيرها، هي الجوهر الذي تتميز به رؤية حركة الجهاد الإسلامي، وعلى المستوى الميداني، استطاع أن يترجم رؤيته، القائمة على أسس قرآنية وتاريخية وواقعية، من خلال إطلاق الجهاد والكفاح المسلح من داخل فلسطين ذاتها، وأن يأتي بالحركة الإسلامية الى فلسطين. وهو ما نشهد اليوم نتائجه الطيبة، حيث استطاعت قوى المقاومة، أن تحقق إنجازات كبيرة من خلال التمسك بفكرة الجهاد والمقاومة في فلسطين.

شارك