«دين الحب».. سرُّ ذياع صيت جلال الدين الرومي في أمريكا

الثلاثاء 29/مايو/2018 - 11:09 ص
طباعة إسلام محمد
 

يركز الكثيرون على الجانب الروحي والتأملي من تراث جلال الدين الرومي، دون أن يدفعهم ذلك للالتفات إلى فحوى المنظومة الفكرية التي تبناها، التي كان لها أكبر الأثر في ذياع صيته في أنحاء العالم وفي الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص.



فالحفاوة التي يلقاها تراث «الرومي» في الغرب دون بقية الكُتَّاب المسلمين، يرجع جزء كبير منها إلى أنه يقدم التجربة الروحية لقرائه بشكل جذاب، بعيدًا عن القواعد والقناعات الدينية، فالكل عنده سواء، وأماكن العبادة عنده سواء.



وفكره يتسم بالتسامح الشديد مع «الآخر» أيًّا كان هذا الآخر، وهو ما يتسق مع قيم الحضارة الغربية الحديثة، وسمات عصر العولمة، التي من أبرز خصائصها تخطي الاختلافات الثقافية بين الشعوب، وتبني أفكار وحدة الأديان، وتجاوز مسألة الانتماءات بشكل كامل، فكان يقول: «مسلم أنا ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي.. توكلت عليك أيها الحق الأعلى.. ليس لي سوى معبد واحد.. مسجد أو كنيسة أو بيت أصنام».



وفي مطلع ديوانه «التبريزي» يقول: «أنا نفسي لا أعرف نفسي، فلا أنا مسيحيٌّ، ولا أنا يهوديٌّ، ولا أنا مجوسيٌّ، ولا أنا مسلمٌ، ولا أنا شرقيٌّ، ولا أنا غربيٌّ، ولا أنا من البر، ولا أنا من البحر، ولا أنا من الكون، ولا أنا من المكان».



جهاد الروح لا العدو

وبالرغم من أنه عاش في عصر الاجتياح المغولي للعالم الإسلامي، فإن أسرته هاجرت من أفغانستان فرارًا من غزو المغول، لم يكن الرومي يدعو إلى مقاومتهم، ولم يقتنع بفكرة الجهاد بالمعنى الحربي، كما هو حال فقهاء ذلك الزمان، بل دعا إلى الجهاد الداخلي، أي جهاد «النفس» وقهرها والرقي بها.



ويروي أبوالفضل القونوي في كتابه «أخبار جلال الدين الرومي» أن أتباع الرومي الملقبين بـ«المولوية» لم يكونوا في صف المقاومين لجيوش المغول، بل بالعكس كانوا على صلة طيبة بهم، وكان المغول في المقابل يتجنبون نهب أملاكهم، وكان «عارف جلبي» حفيد «الرومي» يبرر مودته للمغول بقوله: «نحن دراويش، نظرنا مربوط بإرادة الله، فمن أراده الله وأعطى المملكة له، فنحن معه ونرغب فيه، ويريد الله الآن عساكر المغول.. قد أخذ الله البلاد من أيدي السلاجقة وأعطاها لأتباع جنكيزخان (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ)».



ويذكر «القونوي» واقعة تاريخية شديدة الغرابة، وهي أن «الرومي» رفض الصلاة على جثمان ابنه «العلاء» الذي خرج عن طاعته واشترك في جهاد المغول حتى استشهد؛ إذ كان يرى أن المغول قَدَرٌ قدّره الله، ولا يجوز مقاومة الأقدار الإلهية.



وفي كتابه المسمى بـ«فيه ما فيه» قال «الرومي»: إن «المغول كانوا منكسري القلوب وضعفاء فأعانهم الله وأجاب دعاءهم، بعدما صام ملكهم عشرة أيام، وأظهر الخضوع والخشوع، فجاء نداء من الحق تعالى: «قبلت ضراعتك وتوسلك، اخرج أينما ذهبت فستكون منصورًا»، وهكذا كان؛ عندما خرجوا انتصروا بأمر الحقّ، واستولوا على العالم».



الرومي في الغرب

الغرب يرى في «الرومي» وجهًا إسلاميًّا غير متصادم مع حضارته الليبرالية وثقافته الكونية، ووزعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» ميداليات باسم مولانا جلال الدين، وجاء في إعلانها آنذاك أن «أفكار وآمال الرومي يمكن أن تكون جزءًا من أفكار وآمال اليونسكو»، أثناء الاحتفال الذي أقيم في واشنطن بمناسبة مئويته الثامنة، وتم الإعلان عن حصول مؤلفات الرجل على لقب «الأعلى توزيعًا» في الولايات المتحدة لـ3 سنوات متتالية من 2004 إلى 2006، لاسيما ديوانيه «المثنوي والتبريزي»، حتى إنها فاقت توزيع سلسلة هاري بوتر صاحبة الرقم القياسي في التوزيع.



وترجم كولمان باركس، الشاعر الأمريكي، بعض قصائده، ونشرها في كتابي «ضروريات الرومي» و«كتاب الحب»، كما يعكف حاليًّا الكاتب الأمريكي «دايفد فرانزوني» على كتابة فيلم يتناول قصة حياة «الرومي»، والذي من المتوقع أن يقوم ببطولته الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو، وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية، لافتًا إلى أن الفيلم المرتقب يهدف إلى تغيير الصورة النمطية عن المسلمين في السينما الغربية.



وزادت شهرة الرومي بشكل كبير حول العالم منذ عام 2010، عندما نشرت الكاتبة التركية إليف شفق رواية «قواعد العشق الأربعون» في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترجمت إلى عدد من اللغات ولاقت رواجًا كبيرًا.



وتأثر «الرومي» بشخصيتين كان لهما أكبر الأثر في اتجاهه إلى التصوف، وكتابة تلك الأشعار التي خلدت ذكره لقرون طويلة، هما محيي الدين بن عربي، صاحب كتاب «الفتوحات المكية»، وشمس الدين التبريزي، صاحب «الديوان الكبير»، وكلاهما من الرموز الصوفية الشهيرة.



و«التبريزي» كان الأكثر تأثيرًا في حياة الرومي؛ حيث انبهر به، ووصل إلى حدِّ الولع بشخصيته، وسمى ديوانه الأول «شمس تبريز» تيمنًا به، فعلى يديه تحول من فقيه حنفي إلى شاعر يكتب الغزليات الصوفية، ويتفنن في وصف المشاعر والأحاسيس، ويغني على أنغام الناي، وقائد للرحلات الروحية لعدد لا يُحصى من المريدين في أزمنة وأماكن شتى، من أتباع الأديان والمذاهب المختلفة.



الرومي العابر للحدود

توفي الرومي في السابع عشر من ديسمبر من عام 1273 ميلادية، تاركًا ثلاث دول تتنازع على انتمائه إليها، فإيران سعت لتسجيل أعماله ضمن تراثها القومي، باعتبار أن أعماله كتبت باللغة الفارسية، وتركيا تحتضن ضريحه في مدينة «قونية»؛ حيث قضى الشطر الأخير من حياته، وأثارت مساعي الدولتين لتسجيل ديوانه «المثنوي» ضمن تراثهما الثقافي المشترك في قائمة اليونسكو للتراث العالمي غضب أفغانستان، التي احتجت باعتبار أن الرجل ولد بها منذ أكثر من 8 قرون.



ولايزال قبره يزار إلى اليوم في تركيا، من قبل مريديه الذين يزداد عددهم حول العالم، بفضل كتاباته التي لا يزيدها مرور الأيام إلا حضورًا وانتشارًا، وكلماته التي تكتب يوميًّا في الصحف والمواقع الغربية، وحتى على أشجار عيد الميلاد.

 

شارك