حفيد خطيب ثورة 1919: "القمص سرجيوس" أول من فضح الإخوان

الثلاثاء 12/مارس/2019 - 12:29 م
طباعة ريم مختار
 
«إذا كان الإنجليز يتمسكون بوجودهم فى مصر بحجة حماية الأقباط، فليمت الأقباط ويحيا المسلمون أحرارا».. تلك الكلمات المؤثرة هى التى كان يبدأ بها القمص سرجيوس خطبة الموجهة للشعب المصري، فى مواجهة الاحتلال البريطانى إبان ثورة 1919، فى مشهد تأبى الذاكرة المصرية أن تنساه رغم مرور مائة عام عليه.
كان القمص سرجيوس يقول أيضا أنه لو احتاج الاستقلال إلى التضحية بمليون قبطى فلا بأس من التضحية بهم، كان يشبه فى غضبه البركان المتفجر والثائر، كان يمتلك كاريزما شخصية أهلته لأن يكون خطيب ثورة ١٩١٩، وهو اللقب الذى لقبه به الزعيم سعد زغلول أيضا، كما لقبه البعض بخطيب المنبرين، لأنه أول قبطى يخطب على منبر الأزهر ومنبر الكنيسة، كما كان لا يفرق بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء معلنًا أن الوطن لا يعرف مسلمًا أو قبطيًا. «البوابة» التقت حفيدة إدوار حلمي، مدير عام الخدمة الاجتماعية بالمنيا سابقا، والذى عاصر أواخر أيام جده القمص سرجيوس بكنيسة الملاك بطوسون.
وعن ذكرياته حول جده سرجيوس قال: "كان عمرى وقتها لم يكمل العشر سنوات، ولا أتذكر إلا هيبته وقامته العالية المنفرد بها بين الرهبان والقساوسة، وكنت أنام قريبا منه وأراقبه عندما يكون نائمًا.
وكان جدى خطيبا ذكيا واعيا، كان عظيما فى شجاعته الفذة فى الدفاع عن الوطن وعن العقيدة، ولد وعاش ومات ثائرا، فكان أول كاهن يخطب بالجامع الأزهر وجامع أحمد بن طولون، متحديا الإنجليز قائلًا قوله المأثور «إذا كان الاستقلال موقوفا على الاتحاد، وكان الأقباط فى مصر مانعين لذلك، فإنى مستعد لأن أضع يدى فى يد المسلمين للقضاء على الأقباط لتبقى مصر أمة متحدة مجتمعة الكلمة».
وحول تراث جده وميراثه قال: "ترك القمص سرجيوس تراثًا فكريًا خالدًا وثروة روحية، نذكر منها مؤلفاته فى الدفاع عن الإيمان المسيحى واللاهوت المقارن فى الأديان، ومبادئ الإصلاح الكنسى والمواعظ التى ألقاها فى السنوات الأخيرة من أيامه، وتبقى منه مواقفه الخالدة للوطن والكنيسة، فهو كما قيل عنه ثورة وإنجيل.
ومن هذه المواقف أذكر، دعوته إلى الاتحاد بين المسلمين والمسيحيين فى السودان بين ١٩١٢- ١٩١٥، ولما خشى الإنجليز تأثير روحه النزاعة إلى الحرية، طلبوا منه مغادرة البلاد خلال ٢٤ ساعة، ومناداته بالاتحاد بين الأقباط والمسلمين عام ١٩١٩ ومهاجمته للاستعمار، فى خطبته النارية التى كان يلقيها فى الجامع الأزهر والمظاهرات العامة، الذى صاح صارخا فى وجه المعتدين، قائلا «اهتفوا معى ليرحل الإنجليز، لأنهم بظلمهم واستبدادهم علمونا أن نطالب بالاستقلال والحرية»، وصوب ضابط إنجليزى مسدسه لصدر سرجيوس فطلب منه جمهور الحضور أن يبتعد فقال لهم: هل مثلى يهرب.. إن مسدسه محشو بالملبس، وظل يلقى خطابه حتى النهاية".
وحول مواجهته للإخوان قال: "شجاعته فى محاربة الإخوان، وإدراكه المبكر لمطامع هذه الفئة، التى دعت إلى التعصب الدينى والتمييز العنصرى وانتصاره عليها رغم قوة بطشها وخطورة أسلحتها، كان هدفه الأول فى حياته، وقد سجلت له صحائف مجلته المنارة المصرية ومنبر كنيسة القللى مواقف بطولية لن يفعلها سواها، وإذا فعلها غيره فكانت نابعة من تأثيره بسركيوس.
فكان متحمسا فى الدعوة إلى الوحدة المسيحية بكتاباته وخطبه التى ألقاها فى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، ومن أقواله المأثورة التى أحفظها عن ظهر قلب، دخل مرة أحد المساجد بصحبة الشيخ أبوالعينين واعتلى المنبر قائلًا: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الأب والابن والروح القدس إننى مصرى والوطنية لا تعرف مسلمًا ولا مسيحيًا، بل تعرف مجاهدين فقط بغير تمييز عمامة بيضاء وعمامة سوداء لو قيل لى إن الموت يتجول فى الشوارع لنزلت لأتفرج عليه، إنى لن أموت إلا مرة واحدة، أما الجبناء فإنهم يموتون فى اليوم الواحد عدة مرات، إن أيامى كلها مملوءة بالآلام، وكان يرددها كما أخبرتنى والدتى عند شلحه المتكرر من الكهنوت، خاصة أنه كان له عشرة أبناء، خمس بنات وخمسة أولاد، ومع ذلك كان لا يخاف الموت ولا قول الحق الذى جلب عليه الكثير من البلايا".
وحول الدور الوطني الذى قام به القمص سرجيوس قال: " كان التقدير الذى يستحقه أكثر من أن يطلق اسمه على شارع كبير بمصر الجديدة، والإشارة الدائمة لاسمه فى كتب التاريخ عند ذكر ثورة ١٩، فكنت أتمنى أن تحول وزارة الثقافة منزله بجرجا لمتحف يضم كتبه ومجلاته ومقتنياته كرمز ومعنى حقيقى لكلمة الدين لله والوطن للجميع، فى حين أن الكنيسة تتنكر له، وقد مرت هذا العام الذكرى الخمسون لرحيله دون اهتمام، ولم تهتم الكنيسة بإعادة طبع كتبه التفسيرية والعقائدية وهى كتب تدرس وتخدم المسيحية وفكرها بصورة لا مثيل لها".
وعن حياة القمص سرجيوس قال: "جدى يمكن أن نلخص مراحل عمره فى كلمة واحدة، رحالة عاش مسافرا منذ أن خرج من مسقط رأسه مدينة جرجا إلى أن التحق بكلية اللاهوت، وهذه الكلية الكثير يعرفها، ويعتبر هو من أول ابتكر فكرة التظاهر فى مصر، لأنه أول من قام بثورة طلابية فى تاريخ مصر سنة ١٩٠٣ لتطوير مكان إقامة الطلاب بالإكليريكية، حيث وجد المكان متسخا جدا فقام بإشعال النيران فيه ليتم تجديده، وهنا أوضح أنه وليس كما يردد البعض نقل الثورة من أجل الوطن إلى الثورة لأجل الكنيسة، بل هو ولد ثائرا،وبدأ بالكنيسة قبل الوطن وليس العكس".
وحول تأثير الروح المتمردة على حياته قال: "بعد هذه الواقعة قربه حبيب جرجس منه، وهو مؤسس مدارس الأحد والكلية الإكليريكية، وتلمذه على يده، وبعد تخرجه رسم كاهنا فى ملوى وانتقل وكيلا لمطرانية أسيوط ومنها إلى القاهرة القللى، واستدعاه الأنبا صرابامون الإسناوى سنة ١٩١٢ وشعب الخرطوم وعينه وكيلا لمطرانية الخرطوم، وهناك بدأ كفاحه الوطنى ضد الإنجليز، فأصدر مجلة المنارة المرقسية مما جعل المدير الإنجليزى يأمر بترحيله، فقال إننى سواء كنت فى السودان أو فى مصر لن أصمت حتى تتحرر بلادى، ومكث هناك ٣ سنوات وحاول الشعب السودانى إرجاعه دون جدوى".
وأضاف قائلا: "أقام بالقللى فترة زمنية كبيرة وبنى كنيسة مار جرجس بمعاونة أقباط الحى سنة ١٩١٥، وفى ١٩١٩ غير اسم المنارة المرقسية إلى المنارة المصرية ولدوره الوطنى الكبير فى الثورة نفى إلى رفح مع الشيخ القاياتى لمدة ثمانين يوم".
وحول المعارك التي دخلها القمص سرجيوس مع الإخوان وعلى رأسهم الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان قال: "بالفعل القمص سرجيوس كتب عنهم كثيرا، وكان كارها لهم ولعنفهم، وأطلق عليهم منذ أكثر من ٨٠ عامًا بأنهم تجار الدين، بل وقدم شرحا وافيا بعقل مستنير لآيات القرآن التى لم يستطع البنا شرحها، وكان الضربة للإخوان عندما مال الأزهر الشريف لتفسيرات جدي، كما أنه كشف عن خطورة هذه الجماعة على الوحدة الوطنية، وقال جملته الشهيرة الموت ولا حكم عم حسن، فكانت تلك الجملة ضربة قوية جعلت الإخوان كارهين له ومعتبرينه معاديا قويا لهم، خاصة بعد موقفه ضد الإنجليز".

شارك