ثورة 19.. والعلمانية المفقودة

الخميس 14/مارس/2019 - 03:39 م
طباعة
 
في كتابه المرجع " الاحزاب السياسية في مصر 1907 – 1984 " اختار الدكتور يونان لبيب رزق ثورة 1919 كحد فاصل بين طبيعة المسالة الدينية في العمل الحزبي السابق عليها وبين طبيعتها في العمل الحزبي اللاحق لها ولم يأت هذا الاختيار من فراغ .فالدكتور يونان يري ان الهوية القومية تتضح بصورة رائعة في هذه الثورة  .والقومية حين نشأت في اوروبا منذ القرن السادس عشر نشأت مناهضة " للانتماء الدينى " الذي ساد خلال العصور الوسطي ورافضه لاستمرار التبعية لكنيسة روما مدعومة في ذلك بتعاظم المصالح وتشابكها بين الطبقة البوجوازية والملوك القوميين وتناقضها الحاد مع النظام الكنسي الذى استمر البابوات  الكاثوليك في فرضه من قبل ومع التسليم باختلاف الظروف فان العلاقة العضوية بين المحتوي القومي لثورة 19 والطابع العلماني يمكن تبينها بسهولة بالرغم مما تقول به بعض الدراسات التى صدرت مؤخرا بعكس ذلك .
ويبدو هذا الطابع دون لبس اولا في شعار الثورة المشهور " الدين لله والوطن للجميع " وقد لايكون من قبل التزيد تفسير هذا الشعار علي انه "ثورة علمانية " فهذا الشعار يعني ببساطة ان يكون الدين " علاقة خاصة بين الانسان والله ؟" ويمثل هذا الفهم الركيزة الاولي من ركائز الثورة العلمانية كما حدثت في اوروبا 
ويضيف المؤرخ الكبير قائلا يبدو ثانيا في ان زعامة الثورة قد تخلصت من كافة الروافد الدينية التى كانت تصب في الحركة الوطنية المصرية قبل عام 1914 مما بدا في رفض تبنى افكار الجامعة الاسلامية او اعلان اي شكل من الولاء للخلافة التى كانت لاتزال قائمة في استنبول وهو ولاء استمرت بعض زعامات الحزب الوطني حريصة علي التمسك به حتى قرب سقوط الخلافة في تركيا نفسها 
وثالثا سقطت الفلسفة القديمة التى حكمت العلاقة بين الطوائف الدينية في العصر العثماني والمقصود بها الفلسفة الملية وحلت رؤية جديدة محلها ظهرت كرؤية علمانية في دستور 1923 الذي نص علي " حرية الاعتقاد  وحرية الري وعلي المساواة بين المصريين جميعا ومن رفض تمثيل الاقليات "
كما ان الثورة تتجلي فيها المتغيرات الفكرية ولعل اخطرها في هذا الجانب ماحدث منذ بدا محمد علي في بناء جهاز تعليم مدني فان هذا الجهاز قد صنع في النهاية المناخ الذي مكن من قبول بعض العناصر للفكر العلماني دون خلط – من جانبهم علي الاقل – بين هذا القبول وبين الخروج عن مقتضيات الذين وصل من بعض خصومة ولايزال الي درجة التكفير وقد تمت صناعة المناخ ليس فقط من خلال اتساع قاعدة المثقفين ثقافةعلمانية او علي وجه الدقة ثقافة غير دينية وانما ايضا من خلال اتساع جسور الاتصال مع الثقافة الغربية وهو اتساع عبرت عنه حركة ترجمة واسعة جنبا الي جنب مع زيادة حركة السفر الي اوروبا بهدف الدراسة او بهدف السياحة 
ان الاحتفال بمئوية ثورة 1919 فرصة للبحث عن العلمانية المفقودة في الفكر والواقع المصري المعاش بعد مرور 100 كاملة علي هذه الشعارات وتلك الثقافة وكيف ولت  

شارك