البروفيسور محمد الشريف فرجاني للفيصل: الإخوان المسلمين تماهت مع الفاشية والنازية

الثلاثاء 21/يناير/2020 - 11:41 ص
طباعة روبير الفارس
 
تضمن العدد الجديد من مجلة الفيصل السعودية يناير 2020 حوار مع  البروفيسور محمّد الشّريف فرجاني، أستاذ العلوم السّياسيّة والدّراسات العربيّة في جامعة ليون الثّانية بفرنسا، ويهتمّ أساسًا بالبحث في علاقة الدّينيّ بالسّياسيّ في المجال العربيّ والإسلاميّ. من أهمّ دراساته وقد صدرت بالفرنسيّة أطروحته حول «العلمانيّة وحقوق الإنسان في الفكر السّياسيّ العربيّ المعاصر»، ثمّ بحثه في «محاور البحث في الإسلاميّات والعلوم السّياسيّة المطبقة على العالم العربيّ وإشكالياتها»، وكذلك كتابه «الإسلام السّياسيّ والعلمانيّة وحقوق الإنسان»؛ وكتاب «سبل الإسلام، مقارنة علمانيّة للوقائع الإسلاميّة»، وكتاب «السّياسيّ والدّينيّ في المجال الإسلاميّ» (تُرجِمَ إلى العربيّة)، وكتب -أيضًا- عن «الدّين والتّحوُّلات الدّيمقراطيّة في حوض البحر الأبيض المتوسط وهو كتاب مسبوق بآخر صدر بعنوان «السّجن والحريّة»، وصدر له كذلك «العلمنة والعلمانيّة في الفضاءات الإسلاميّة» (صدر بالعربيّة)، ليكون أحدث إصدارته: «في إسلام الأمس وإسلام اليوم وقد اجري الحوار  الباحث والاكاديمي التونسي  نادر الحمّامي 
وجاء في الحوار حول الثورات المحافظة  الإشارة إلى أن نتائج الحرب العالميّة الأولى لعبت دورًا في ظهور الكثير من الثّورات المحافظة، وإن كان من الصعب إثبات وجود علاقات عضوية مباشرة بين البواعث التي تأسست عليها تلك الثورات في الكثير من البلدان غربًا وشرقًا، فيصعب مثلًا أن نقول: إن هناك علاقات بين الثورة المحافظة في ألمانيا وظهور حركة الإخوان المسلمين في نهاية العشرينيات في مصر أو ظهور حركة محافظة في الهند تدعو إلى التخلص من تأثيرات الثقافات الأخرى والعودة إلى الهوية الهندوسية النقية، وقد تأسست هذه الحركة سنة 1924م، أي في الحقبة نفسها التي تبلورت فيها الثورة المحافظة في ألمانيا، وكان لها أتباع حتى في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وغيرها من الفضاءات المسيحيّة. ومع ذلك يمكن القول: إن الحقبة التي أعقبت الحرب العالميّة الأولى حملت مميزات مشتركة لدى أغلب بلدان العالم، وأنها أثّرت في ظهور الثورات المحافظة بشكل أو بآخر. ولعلّنا ندرك حجم الإحباط والبؤس الذي خلّفته الحرب في نفوس النّاس، وهو ما دعاهم إلى أن يرفضوا الواقع ويتعلّقوا بنوع من المحافظة والانكفاء على ذواتهم هذه الموجة من الإحباط هي التي مَهَّدت لانتعاش الثورة المحافظة، وهذا الأمر نفسه نجده في كتابات ألكسندر سولجينيتسن في روسيا، الذي كتب «أرخبيل غولاغ» حول القمع في الاتحاد السوفييتي في المدة ما بين عامي 1918م و1956م. هكذا كانت نتائج الحرب العالميّة الأولى انتصارًا للثورة المحافظة، ودعمًا لمن تبنَّوْا فكر الفاشية والنازيّة والحركات الشوفينية. ونحن نذكر كيف أنّ حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي وكل الحركات القوميّة الشوفينية في العالم تماهت مع الفاشية والنازية إبان الحرب العالمية الثانية.وقد عرفت هذه الحركات نوعًا من الجزر مقارنة بالمد الذي عرفته في حقبة ما بين الحربين الأولى والثانية، وقد ارتبط العالم بعد الانتصار على النازية والفاشية وعلى حلفائهم وذيولهم، بعودة قوية لدور الدّولة في ضمان المستوى الاجتماعي مع ما سُمِّيَ بدولة الرَّفَاهية التي أخذت على عاتقها تأمين الحقوق والخدمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، وقد رافق ذلك تشكل المجموعة الاشتراكية التي كانت تراهن على دور الدّولة في ضمان تلك الحقوق على حساب الحرّيات.

كما اكد فرجاني في الحوار علي انه من السهل جدًّا على الحركات الهويّاتية والمحافظة والدينية والشوفينية القومية أن تتلاعب بمشاعر الناس الذين هم ضحايا هذه الكونيّة الزائفة.

وهذا الأمر يتواصل في ظل ما نلاحظه من غياب الوعي بالعلاقة بين الثورات المحافظة والليبراليّة الجديدة في كل الكتابات التي نقرؤها وفي جُلِّ الخطابات السياسية التي نسمعها، وليس هناك تركيز بما فيه الكفاية على ضلوع تلك الثّورات المحافظة في النتائج المأساويّة التي يعاني تبعاتها كلّ الشعوب بما في ذلك شعب الولايات المتحدة الأميركيّة والشعوب الأوربيّة، فليس هناك شعب لا يعيش مآسي الليبرالية الجديدة. ونحن نرى تعبيرات الثورة المحافظة في كل المجتمعات من أقصى اليمين في أوربا إلى المحافظين الجدد في أميركا إلى الحركات القومية الشوفينية في بلدان الجنوب… كلها تستثمر الغضب من نتائج عولمة الليبرالية الجديدة، وتأخذه في الحسبان، كما فعل هتلر في ألمانيا فيما بين الحربين الأولى والثانية، وقد ربط بين القومية والاشتراكية في خطابه، ونلاحظ اليوم الربط بين المسألة الاجتماعية والثورة المحافظة لدى الإسلاميين والقوميين الشوفينيين، وأذكر في هذا السّياق الكلمة التي ألقاها هتلر بمناسبة عيد العمال  في الأوّل من شهر مايو 1927م، ويمكن أن نتبيّن من خلالها بوضوح استثماره للأوضاع المأساويّة التي تسبب فيها النّظام الرأسمالي، يقول: «نحن أعداء النظام الرأسمالي الحالي الذي يستغِلّ الضعف الاقتصادي، بأجوره الظالمة، وتقييمه الجائر للإنسان استنادًا لثروته ولما يملكه عوضًا عن ذاته وإنجازه، ونحن عازمون على القضاء على هذا النظام بكلّ السبُل». وهذا الخطاب هو ما نجده في خطابات جميع الثورات المحافظة أمام الأزمات الاجتماعية الناجمة عن الرأسمالية المتوحشّة، وتشترك جميعها في التأكيد على المسألة الاجتماعية للتحقير من مسألة الحريات والمساواة، وهنا مكمن الداء الذي تلتقي عنده الشعبويات اليمينية واليسارية.
خطورة التعاطف مع الاسلام السياسي 
وقال فرجاني علينا أن ننتبه إلى أن حركات اليمين المتطرف اليوم هي التي تتحدّث عن ضحايا الليبراليّة الجديدة، هذا ما تقوم به في فرنسا مارين لوبان، وما يقوم به اليمين المحافظ في أوربا الشّرقية وفي الهند وغيرها. في حين أنّنا نجد الحركات اليساريّة تلتقي الليبراليّةَ المتوحشّةَ، بل تدافع عن بعض أشكالها؛ من ذلك أن بعض اليسار في تونس يساند جانبًا من مواقف الإسلام السّياسي فيما يتعلّق بالطرح الاجتماعي، كما أنّ بعض اليساريّين لا يُخْفُونَ تحالفهم مع اليمين، متعلّلين بأنّه يثير المسألة الاجتماعيّة فيما يعِد به من سياسات. وقد تناسى هؤلاء أنّ الاعتبار الحقيقي للمسألة الاجتماعيّة يكون لدى الحداثي والاشتراكي الحقيقي ولدى الديمقراطيين بالربط لا بالفصل بين المسألة الاجتماعية ومسألة الحريّات والمساواة. فالحركات المحافظة، تؤكّد على أنّ مسألة الحرّيات ليست أولويّة مُلِحَّة الآن، وأنّها يمكن أن تخضع لتراتب الأولويّات، وهي، في حقيقة الأمر، إنّما تعلن التّضحية بالحريّات والمساواة باسم أولوية المطالب الاجتماعية، وتقول: إنّ الّذي يموت جوعًا لا تهمّه مسألة الحريات؛ لأنّها مسألة رفاهية، ويقول قيس سعيد، الرئيس التونسي الحالي في تونس: «الشعب لا يطالب بذلك، وإنما هو يريد الخبز والكرامة والشغل»، وقد وصفت إحدى الصحفيّات المرافقات له من يتحدّثون عن الحريّات والحداثة بكونهم «المرَفَّهون الذين لا يفكرّون إلَّا في مصالحهم ولا تعنيهم هموم الشعب الحقيقيّة». هذا هو نفسه ما كان مكمن الداء مع هتلر حتى مع موسوليني الذي كان يقول الشيء نفسه. والإشكال أن تكون الحركات اليساريّة طرفًا في هذا المسار الذي يقبل التضحية بجانب من مقولاته الأساسيّة في سبيل مطالب اجتماعيّة، ليلتقي بذلك مع تعبيرات الثّورة المحافظة الأكثر خطورة.

خطابات اليسار المتأرجحة
ويشخص فرجاني  مشكلات خطاب اليسار قائلا  أنّها خطابات  لم تستطع أن توفّق بين المطالب الاجتماعية ومسألة المساواة والحريّة، انظر إلى خطابات اليسار على مستوى العالم مثلًا، فهي تتأرجح، وتجد فيها دائمًا التركيز على مسألة العدوّ الخارجي، وبالتالي فهي تسقط رغم أنفها في نظريّة المؤامرة التي هي في صلب أفكار الحركات المحافظة، وتركّز على شعارات نضاليّة فضفاضة ضدّ الإمبرياليّة والصهيونيّة من دون الانطلاق من واقع المجتمعات التي توجد فيها لتنظر في مشاكلها من زاوية الارتباط الوثيق بين الحريّات والمسائل الاجتماعية؛ فأين تجد هذا الارتباط مثلًا في برامج اليسار وفي برامج الأحزاب المعارضة للإسلام السياسي اليوم؟ والحقيقة أنّها برامج تلتقي أفكارَ القوميين الشوفينيين والإسلاميين في اعتبار أولويّة المسألة الاجتماعيّة على مسألة الحريّات والمساواة. هذا يعني أن اليسار لم يستطع أن يوفق بين المسألتين، وبهذا سينتهي إلى عدم الوفاء بالوعود في كليهما كما فعل هتلر والفاشية. لذلك أعتبر أن الأزمة التي عليها الحركات الحداثيّة بصورة عامة تكمن في أنها لم تتخلّص بما فيه الكفاية من تلك المقابلة بين المسألة الاجتماعيّة ومسألة الحقوق الفرديّة والمساواة.

ويضيف قائلا المفروض أنّ هذه الحركات اليساريّة والحداثيّة تناهض الثورة المحافظة، ولكن هل الوعي لديها متحقّق بأن الإسلام السياسي والحركات القومية الشوفينية تنخرط في إطار الثورة المحافظة؟ هل نجد أثر الوعي بهذه المسألة في خطاب النخب السياسيّة اليوم؟ الجواب: لا، فهي غائبة تمامًا وليس هناك وعي بأن هناك ثورة محافظة كونيّة اليوم، وأنّه لا يمكن مقاومة الليبراليّة الجديدة من دون مقاومة تعبيرات الثورة المحافظة بمختلف أشكالها، فهذا الوعي منعدم في خطابات الحداثيين الرّاهنة، وفي جُلّ الخطابات التي تتنافس مع حركات الإسلام السياسي ومع الحركات القومية الشوفينية، من دون أن تقطع تمامًا مع الأرضيّة التي تنتعش في ظلها حركات الثورة المحافظة. أمّا الشعوب فهي كلّها تعيش تحت وطأة الحياة اليوميّة ومآسيها التي لا تسمح لها بأن ترتقي تلقائيًّا إلى نظرة استشرافيّة للمستقبل، وأن تفهم الأسباب الكامنة وراء مأساتها. وأعتبر أنّ هذا الدور يجب أن تضطلع به النخب السياسيّة، فهي التي وجب أن تنطلق من تلك المآسي لتبحث في أسبابها الحقيقيّة وفي الوسائل التي تمكّنها من علاجها من دون الوقوع مرة أخرى في مآسٍ جديدة.
واكد فرجاني في حواره للفيصل انه منذ بداية ظهور الثورة المحافظة، فقد كانت نوعًا من التلفيق بين ثورة الأنوار والحداثة والحقوق والمحافظة، وبالتالي فهي تواصل هذا الترميق والتلفيق. والثورات المحافظة سواء كانت دينية أو قومية أو قبليّة، لا يمكنها ألَّا تتأثر بالحداثة فهي نتيجة لها ورد فعل لها؛ وبالتالي فإنّ ما يجب التأكيد عليه لمواجهة مختلف تعبيرات الثورة المحافظة هو تجنّب الفصل بين المسألة الاجتماعية ومسائل المساواة والحرية، والارتقاء بالتضامنات التي أفرزتها الحداثة في إطار الدولة القومية إلى البحث عن تضامنات كونية في مستوى العولمة، وليس باسم الكونيّة التي جاءت بها الحداثة الغربيّة والتي كانت مهّدت للاستعمار والإمبرياليّة الجديدة، ولا يجب أن نقاوم الكونيّة المزيفة بالانكماش على الهويات القاتلة، بل على الضد يجب مقاومة تلك الكونية الزائفة بكونية أرقى منها، يجب أن تكون الكونية الحقيقية منطلقًا وأساسًا لسيرورة واضحة، وهدفًا لمطالب الحركات الخصوصية – للشعوب المستعمرة وللأقليات التي تعاني الحيفَ والتمييزَ، والتي لا يمكن فصلها عن كلّ الحقوق الفرديّة. فيجب أن تصاغ هذه المطالب والحقوق لا من زاوية العداء للكونية وإنما من زاوية البحث عن كونيّة تجمع بينها وتؤمّنها جميعًا، فلا نضحي بالكونيّة؛ لأنّ أنماط الكونية كانت مشوّهة وغير وفية لمفهوم الكونيّة، ولا بدّ من التركيز على أن الكونية تُبنَى عبر هذه السيرورة. ومن المهم جدًّا الوعي بأنّ مقاومة الثورات المحافظة تبدأ بمقاومة كل أشكال الهيمنة على العالم؛ لذلك فالتصفيق لخطاب ترمب مثلًا عندما يتهجَّم على حركات الإسلام السياسي لأنهّا مسَّت مصالح أميركا، أو التصفيق لبوتين عندما يحارب داعشًا ويقف مع النظام السوري لمصالح إستراتيجيّة تخصّ بلاده، لا يمكن أن يؤدّي إلَّا إلى دعم الثورات المحافظة؛ لأنّ مقاومة أي تعبير من تعبيرات الثورة المحافظة لا يمكن أن يكون بالتحالف مع شكل آخر من أشكالها عملًا بمقولة عدوّ عدوّي صديقي، فذاك مكمن الفشل؛ لأنّ تلك المقولة ليست دائمًا صائبة.

شارك