إسلاميو السودان.. تجربة قسمت البلاد وأهانت المواطنة

الأحد 02/فبراير/2020 - 07:54 م
طباعة نهلة عبدالمنعم
 
تبدو الدول في مراحلها الانتقالية مُحفزة للبحث والتقصي في تاريخها الذي دفع بتراكماته نحو تغيير ما، فمن خلال كتاب «السودان.. الحكم الإسلامي وتحديات الدولة الحديثة» يقدم الباحث «حيدر إبراهيم علي»، رؤية مختلفة لما كانت عليه الأوضاع في الخرطوم قبل إزاحة الرئيس عمر البشير من المشهد السياسي.
وبصدور الكتاب في 2016 فهو يعطي خاصية مميزة لدراسته حالة الجماعات الإسلاموية والإخوان في البلاد، في سياق تصدرها المشهد آنذاك، فيبدأ حيدر في المقدمة بالإشارة إلى تجربة الحكم المصبوغة بالدين في عام 1989، وكيفية اعتماد الجماعات الإسلاموية على السلاح للوصول إلى السلطة؛ ما رسم بدوره طبيعة اتخاذ القرارات وتنفيذها بالدولة.
وفي حين اتجه العالم لنبذ الشمولية، يرى الباحث أن الجماعات الإسلاموية بدأت في التسعينيات من القرن الماضي حقبة مغايرة لاعتماد ما انتهت عنه أغلب الأنظمة السياسية، إذ دعمت جماعة الإخوان عبر ستار حكم عمر البشير، باستخدام القوة والعنف كمتغيرات أولية للسلطة، معتقدين أن الزمن توقف عند مرحلتهم.
واستنادًا على تفرد الجماعات الإسلاموية بالسلطة إبان مرحلة الرئيس المعزول عمر البشير، يعتقد الباحث أن هذه التجربة دليل على فشل هذه الجماعات في إدارة الدول على أسس حضارية، بل هي نموذج متراجع لأدوات سقطت، مستشرفًا بأن سقوط هذه الأنظمة سيخلف إنكارًا وتبرؤًا من قبل الجماعات الإسلاموية لمن ترأس النظام، وهو بالضبط ما قامت به جماعة الإخوان عقب سقوط البشير.

منطقية الدولة الدينية ومآلات المواطنة
يناقش كتاب «السودان.. الحكم الإسلامي وتحديات الدولة الحديثة» منطقية قيام دولة في المنطقة على أسس دينية، وسط العولمة والتغير المستمر للإنسانية، فضلًا عن الخطاب المزدوج لتيارات الإسلام السياسي، إذ يرى أن أول إشكالية تواجه الجماعات عند الوصول للحكم هي قيم المواطنة، وكيفية تطويعها بما يخدم الواقع، ولا يقلل من المعايير الرنانة التي استحوذوا بها على مشاعر العامة.
ويرى أن نموذج الحكم الماضي في السودان اصطدمت خطاباته الفقهية التي لطالما أذاعها على مسامع أتباعه مع مفردات الواقع، وخصوصًا فيما يتعلق بملف التعامل مع غير المسلمين الذين عانوا في النهاية من فرض أحكام لا تخصهم شرعًا، على الرغم من السماحة التي اتسم بها الدين ونصوصه في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى، إذ دفع الكتاب بأن الإسلام حين بدأت رسالته واجه بالأساس التعصب القبلي والعشائري في شبه الجزيرة العربية.
ونتيجة لعجز إسلاميي السودان عن تطبيق مفاهيم المواطنة، وإيجاد توفيق عصري لفقه الدين فيما يخص التعامل بعدل ومساواة مع أهل الأديان الأخرى، وقعت السلطة في نيفاشا 2005 اتفاقية السلام الشامل الضامنة لتطبيق المواطنة على مواطني الجنوب، وتطبيق الشريعة على مواطني الشمال، ما فصل البلد واقعيًّا إلى شطرين، ومهد انقسامها فيما بعد بعوامل داخلية وخارجية، أدت إلى خسارة السودان وتمزيقه، وهو ما عده الكتاب فشلا للتجربة.

المشاركة السياسية كبدعة ضرورية
ولطالما تبرأت الحركات الإسلاموية في بداية تجذرها من العمل السياسي العام، دافعة بأن الأحزاب والعملية الديمقراطية ما هي إلا بدعة بعيدة عن أصول الشرع، لكن التجربة السودانية بما أتاحته من مساحة لهذه الجماعات للصعود أظهرت مدى البراجماتية المتسم بها هذا الفصيل، إذ اختفت تمامًا فتاوى تحريم التكالب على السلطة، وبات الجميع يتكالب عليها، فيما شكلت الثورة الشيعية المتشددة بنجاحها في فرض السطوة على إيران نموذجًا هدف التيار الديني في السودان إلى محاكاته، ولكن دون تفريق بين الدعوة المتشددة التي تبنوها في البداية، والممارسة السياسية الحقيقية التي اصطبغت بمعايير التكفير والإقصاء والانحلال الفكري.
ويعني الباحث حيدر إبراهيم علي، في أطروحته بأن التيار الديني بالسودان لم يكن جاهزًا بما يكفي لتجربة الحكم، ملقيًا الضوء على المؤتمر التأسيسي لجماعة الإخوان في عام 1954 عندما بدأت العناصر في مناقشة المشاركة السياسية ومعاييرها، إذ ظهر تياران أحدهما يقدم التربية على العمل السياسي والآخر يتبنى العكس.
وكانت الأغلبية في السودان ممن يمثلون تيار الإخوان، ومنهم حسن الترابي، يفضلون تقديم الممارسة السياسية على العمل التربوي والدعوي، معللين ذلك بأن الدعوة تأخر تأسيس الدولة الإسلامية المنشودة، فبحسب «الترابي» فإن مَن يفضل الدعوة على السياسة والقانون يريد التسويف ليعربد في المتع الدنياوية قبل أن تطبق عليه أحكام الشريعة.
وبناء على هذه الرؤية المناهضة لذوي الفكر الآخر انقسم السودانيون بين مؤمن وكافر، ودار إسلام ودار زندقة، ما صدره أصحاب الأجندات كأنه صراع بين المسلمين والمسيحيين تدخلت على إثره قوى خارجية أسهمت في رسم خريطة جديدة للسودان، بحسب الكتاب.

شارك