جهاديات داعش: دراسات رصدية ونفسية وقانونية

الأحد 29/مارس/2020 - 12:29 م
طباعة حسام الحداد
 
أثار انخراط المرأة في التنظيمات الجهادية النقاش في الإعلام والمراكز البحثية المختصة في دراسة الظاهرة الإرهابية، لا سيما مع ظهور «داعش» الذي استقطب عدداً لا يستهان به من النساء في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا. وعلى الرغم من تباين الإحصاءات بشأن أعداد المنخرطات في هذا التنظيم، سجلت السنوات التي عرفت صعوده بين عامي (2014 – 2018) جذباً للعنصر النسائي لم يتوقعه كثيرون، حيث اعتمد على أسلوب جديد للدعوة الجهادية، واستند إلى خطابات لم تعرفها الجماعات المتطرفة المشابه له.
ومن هذا المنطلق يتناول الكتاب  الذي بين أيدينا "جهاديات داعش: دراسات رصدية ونفسية وقانونية" والصادر عن مركز المسبار للدراسات في 2019، الأسباب والعوامل التي دفعت نساء إلى الانخراط في تنظيم داعش، مستهلاً مقارباته بدور الداعيات في الإسلام السياسي والحركي ونشرهن للتطرف العنيف، ومستكملاً تحليلاته ضمن منهجية متعددة التخصصات، بهدف التعامل مع الظاهرة من زوايا مختلفة، تاريخية وإعلامية وخطابية ونفسية واجتماعية وقانونية وجندرية.
فلم يكن انضمام النساء إلى التنظيمات الإرهابية أمراً جديداً، فقد سبق لتنظيم القاعدة دعوتهن إلى الانضواء إليه، وبقي دورهن محصوراً في الأنشطة الدعوية والأيديولوجية دون أي دور قتالي أو عسكري، إلى حين دعوة أبي مصعب الزرقاوي النساء إلى الأعمال القتالية، وصولاً إلى العمليات الانتحارية التي زادت بعد عام 2006. من المفارقات التي تحسب على «فقه الجهاديين الحركيين»، اختلافهم حول الأدوار المنوطة بالنساء، فبينما يتحفظ تنظيم القاعدة على أنشطتهن العسكرية، يظهر «سجال فقهي حركي» عند «داعش» يحفز المرأة على أداء مهام غير تقليدية؛ مع ملاحظة الدعوات النسائية من داخل التنظيم للالتحاق بالقتال العسكري، ويزعم البعض أن حراكاً نسائياً احتجاجياً مماثلاً داخل القاعدة طالب بفاعلية أكبر للنساء في الساحات القتالية!
ما الذي يدفع نساء حديثات أوروبيات وعربيات إلى تلبية نداء تنظيمات إرهابية متطرفة؟ وما السبل العلمية إلى فهم هذه الظاهرة الحديثة في مجال دراسة التطرف العنيف؟ وهل يمكن اعتبارها خروجاً فجائياً وصادماً على الحداثة تحديداً في الفضاء الأوروبي، حيث كان للأوروبيات دور ريادي في التنظيم الإرهابي؟ لماذا تحاول نساء غربيات متعلمات يمكنهن الوصول إلى أنظمة تعليمية صحية متقدمة العودة إلى ماضٍ خرافي؟ من أجل الإجابة عن هذه الإشكاليات وغيرها، كرس الكتاب ثلاث دراسات تهدف إلى محاولة تفسير وتحليل انضمام النساء إلى داعش من الزاوية النفسية، مع التنويه بأن الخلاصات حملت تحليلات مختلفة دون أن تتباين أو تتعارض في نتائجها.
اهتم الكتاب بالنساء واجتثاث التطرف في أوروبا والدول العربية، ساعياً إلى الإضاءة على دور الدول والمنظمات المدنية في التأهيل وإعادة إدماج النساء اللواتي انخرطن في التنظيمات الإرهابية وتحديداً داعش، وركز على مجموعة من الحالات في أطرها المختلفة، وتطرق إلى التجارب السابقة والمعوقات والإخفاقات الراهنة، على الرغم من تزايد الوعي بدور المرأة في التطرف العنيف.
شكل انخراط الأوروبيات في «داعش» علامة فارقة في تاريخ التنظيمات الإرهابية، وقد تعددت التفسيرات والتحليلات التي عملت على مقاربة وفهم الأسباب التي دفعت الكثيرات في أوروبا للخروج من فضاء حداثي إلى فضاء ماضوي يروج لــ«يوتوبيا الدولة الإسلاموية». إن الفرضيات والحالات التي يطرحها الكتاب تلزم المتابع بقراءة متعددة الزوايا، فالإغواء الداعشي لأوروبيات ينبني على مسارات مختلفة لجهة الرصد والدرس، والتي من بينها -كما تخلص إحدى الدراسات- «الهشاشة الذكورية» مقابل «القوة الفائقة» التي يروج لها داعش عبر إعلامه.
تطرق الكتاب إلى الأنشطة غير القتالية للنساء في تنظيم داعش من الدعاية والتجنيد عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتشكيل شرطة دينية نسائية تمارس الحسبة، إلى جانب أدوارهن في تنشئة جيل مقاتل على مبادئ الدولة الإسلامية المزعومة.
كما قدم الكتاب دراسة تحت عنوان «النسوية الجهادية: حدود المصطلح وإشكالياته» حاول فيها تحليل ونقد ما طرحه دارسون أمثال: عالم الاجتماع الإيراني الفرنسي فرهاد خسروخاور الذي سعى إلى بناء «صورة الجهادية الفرنسية والغربية» اعتماداً على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات والنظريات التي صاغتها النسويات كالناشطية والتمكين والفاعلية الجهادية، التي هي محصلة التأثر بالنسوية في مستوى قوة التصميم والإرادة والرغبة في بناء الذات. في نهاية الملاحظات النقدية يتبين أن المصطلح المتباين والناشئ حديثاً، أي «النسوية الجهادية»؛ أتى تعبيراً عن فئة من الجهاديات الأوروبيات، يمكن إدراجهن في نشأة تيار «ما بعد النسوية»، وأقل ما يُقال عنه: إنه رجعي يتعارض مع الركائز التي قامت عليها التيارات النسوية. من بين الموضوعات التي درسها الكتاب صورة المرأة الجهادية في وسائل الإعلام العربية والعالمية، إذ باتت قصص النساء الناشطات في الجماعات المتطرفة التي شهدت طفرة في سنوات الذروة لتنظيم داعش، حقلاً للتنافس الإعلامي العربي والغربي، الذي يستند في القسم الأكبر منه إلى الصور النمطية وأشكال تمثلات الجندر.

شارك