الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي ورهان السلطة (3-3)

الخميس 21/مايو/2020 - 02:12 ص
طباعة حسام الحداد
 
يعد موضوع الإسلام السياسي من الموضوعات الراهنة التي لا زال يشوبها الغموض، ولم تستوف حقها بعد من التحليل والاستقصاء خاصة بعد دخول عديد من الأحزاب ذات التوجه الديني مجال العمل السياسي الرسمي مما بات يطرح عدة تساؤلات حول حقيقتها ومنهجها السياسي ومحاولة استقصاء طبيعتها ومرجعياتها و البحث عن مستقبلها السياسي .
تتناول الباحثة نعيمة كراولي في هذا الجزء من كتاب "الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي و رهان السلطة مع التركيز على تونس" الصادر عن المركز العربي الديمقراطي – برلين في مايو 2020، كيف فشل الإسلام السياسي في اختبار السلطة، حيث عكست الانتخابات الأخيرة في تونس تراجع الإسلام السياسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث حصل المرشح الذي قدمته حركة النهضة الاخوانية على المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية مما جعله غير مؤهل للجولة الثانية. فالتونسيون غير واثقين بحركة بحركة النهضة خاصة بعد كشف تورط قيادات منها بتأسيس شبكة تجسس استهدفت مواطنين وسياسيين وأمنيين في البلاد، وبعد الاتهام بضلوع الحركة في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي القياديين بحركة الشعب  و الجبهة الشعبية سنة ، 2013 ، اللذين عرفا بمعارضتهما الشرسة لسياسات الحركة. لذا تعتمد نهاية الإسلام السياسي على إقرار مشروع بديل، من قبل قادة وطنيين، يلبي حاجة الناس من توفير الخدمات والوظائف ومحاربة للفساد بكافة أشكاله. أيضا لابد من تقديم مشروع اقتصادي تنموي يستثمر طاقة المواطنين وخاصة الشباب، فعصر الشعارات قد انتهى.
و بعد عقد من المشاركة السياسية والتواصل مع الغرب، والتموضُع الحذر ضد تنظيم القاعدة، هرعت أحزاب سياسية عدة، كلها شطور من جماعة الإخوان المسلمين الأوسع، إلى التربُّع على مناصب في السلطة السياسية غداة الانتفاضات العربية في 2010 - 2011 . كانت هذه الأحزاب حصدت انتصارات انتخابية في مصر وليبيا والمغرب وتونس، ولعبت أدواراً رئيسة في الائتلافات السياسية التي تشكّلت بمساندة غربية وثبت عجز الإسلام السياسي عن التخلي عن استعمال العنف  بشتّى أنواعه الرّمزيّة والمعنويّة والماديّة، وهو عنف يُقوّض الأمن والاستقرار على جميع الأصعدة. وقد تعاظم هذا العنف في المرحلة الرّاهنة فبات عنفا وحشيّا عدميّا ألحق أضرارا جسيمة بوحدة المجتمعات والدّول وشوّه صورة العرب والمسلمين عبر العالم. وتلتقي هذه الحركات موضوعيّا مع المشروع الأمريكي الصّهيوني لتقسيم الدّول العربيّة إلى دويلات صُغرى على أُسس طائفيّة ومذهبيّة، فهي من هذه الجهة تخدم مشروع القوى الإقليميّة والدّوليّة .لذا فأنّ هذه الحركات مهما تلوّنت وحاولت تلميع صورتها وادّعت مراجعة خياراتها الفكريّة والتّنظيميّة تظلّ منشدّة على الدّوام إلى عقائدها الرّاسخة وهي العنف وفرض مشروع ماضويّ مُدمِّر لمقدّرات البلدان العربيّة وخدمة مشاريع الفوضى والتّقسيم الطّائفيّ والمذهبيّ . 
كما يؤكد الفيلسوف والمفكر السوري طيب تيزيني " أن الفكر الذي تطرحه تيارات الإسلام السياسي قد تبدل عدة مرات على مدار العقود الماضية، ورغم ذلك فقد فشل. حاول هذا المشروع خلال هذه الفترة تبديل وتعديل أفكاره بما يعتقد أنه نوع من التطوير، ولكنه لم يستطع حتى الآن أن يحقق أي انتصار على الرغم من أنه كان مشروعا ذو هيمنة واسعة في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث كانت هذه الفترة تكتسي أهمية خاصة لنهوض الفكر الإسلامي ومعه الفكر المدني في الوقت نفسه، وفيما تطور الثاني كثيراً، فشل الأول في تطوير نفسه. كما سبق وأن أكد الكاتب
الفرنسي "أوليفيي روي Olivier Roy " أن الاسلام السياسي قد فشل. 
و تحاول الحركات الإسلامية بطريقة أو بأخرى الوصول إلى الحكم والاستفراد به، وتلقى فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها في السياسة عدم قبول من قبل التيارات الليبرالية أو الحركات العلمانية، التي تريد بناء دول علمانية محايدة دينيا،ً وأن تكون مسألة اتباع الشريعة الإسلامية أو غيرها من الشرائع شأنا خاصا بكل فرد في المجتمع لا تتدخل فيه الدولة .
وقد أثبتت الأحزاب الإسلامية ارتدادها على الديمقراطية بعد وصولها للحكم، ففي مصر تحولت الديمقراطية إلى استبدادية إسلامية، وقد بات من الشائع أن يخرج أحد أعضاء البرلمان، أو أحد الوزراء، لينادي بإقصاء أحد مكونات الشعب المصري، كالأقباط، أو كالمعارضين للنظام الإسلامي. كما بات تعديل القوانين وفقًا لمفاهيم تلك التيارات أمرًا يسيرًا، يحدث في غمضة عين
وعمل الاسلام السياسي في تونس على تفريق الوحدة الوطنية .فقد تحالف حزب
النهضة مع نظام كان يعارضه في السابق، واستثمر في السياسة الانتخابية، ازداد الالتباس بشأن هويته، مما طرح عدة تساؤلات منها هل تعطي النهضة الأولوية للمنافسة الانتخابية فوق أي اعتبار آخر، حتى على حساب الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يكون بإمكانها المساهمة في تحقيقه؟ وفقا لبعض قيادي النهضة و قاعدتها، ليس الفوز في الانتخابات هدفا بحد ذاته إذا لم يؤدِّ إلى تحقيق عدالة اجتماعية أكبر وإعادة توزيع السلطات والثروات في البلاد. حيث كان حزب النهضة يُقدِّم الفوز الانتخابي على أي أمر آخر، وهذا يعني ضمنا أنه انخرط في منظومة المصالح المستحكِمة التي تطبع تقاسم السلطات والثروات في تونس والتي عارضها على امتداد عقود من الزمن. ويوافق قادة النهضة وقاعدته الناخبة على أهمية الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية وعلى الركيزة الأساسية للمنظومة السياسية الديمقراطية، إلا أنهما يختلفان في الرأي بشأن دور الحزب داخل هذه المنظومة. وسوف تكون قدرة النهضة على إبقاء الأمل بالتغيير حيّا فيما تعمل على تبنّي مقاربة انتخابية حديثة، أساسية لبقائها كحزب.
و فيما "يخص سيناريوهات مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية فقد كشفت نتائج دراسة وجود أزمة بنيوية حقيقية فيما يوصف ب"مشروع الإسلام السياسي"، فقد بنت القوى الإسلامية العربية شرعية وجودها في المرحلة التي سبقت الثورات، واستطاعت تصدر المشهد السياسي عقب الثورات، من خلال تأكيدها امتلاك مشروع إسلامي بديل على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
إلا أن نسق الأداء الذي قدمته تلك القوى بتنوعاتها المختلفة كشف، إضافة إلى العديد من الأبعاد الأخرى، عن غياب واضح لهذا المشروع، وأن ما قدمته تلك القوى لم يكن سوى رؤية خطابية لا تعتمد على تأصيل فكري أو ثقافي أو سياسي حقيقي، فتيارات الإسلام السياسي لا تتردد في إبداء براجماتية سياسية واضحة، وعندما تعلن مرجعيتها الدينية، لا تفصل القول في كيفيات بناء هذه المرجعيات وتأويلها، في علاقتها بواقع المجتمعات المعاصرة، ولم يزد المشروع الذي قدمته تلك القوى عن كونه "مشروع سلطة" دون أن يتجاوز إلى أن يكون "مشروع تغيير"، وهو ما عكسته نتائج الدراسة التحليلية والميدانية، من تكريس تلك السمات التي ارتبطت منذ فترة طويلة بصورة القوى الإسلامية، لا سيما ما يتعلق بالسمات الفكرية الخاصة بالانغلاق والتشدد واستغلال الدين لخدمة المصلحة السياسية، ورفض التيارات المعارضة، واللجوء إلى العنف والارتباط بقوى غير وطنية ومشاريع خارجية للمنطقة، وكلها سمات سلبية، لم يفلح أداء القوى الإسلامية في تغييرها، بل ربما ساهم في تكريسها وترسيخها.
وفي الختام لم تعد المسألة الدّينيّة عند حركات الإسلام السّياسي سوى غطاء إيديولوجيّ هدفه الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة العربية أولا، و الوصول إلى السّلطة لتحقيق مصالحها ثانيا .
وتستّرها بالدّين لايعني أنها إسلامية المنبع والنشاة بل تمّ توظّيفها لغايات محددة سلفا , فحركة الإخوان المسلمين لا تقيم وزنا لعقيدة التوحيد، ولا تلقي بالا لأقسام التوحيد التي أكّد عليها أهل السنة و الجماعة، هذا التوحيد الذي يتعارض مع حركة الإخوان, فلا يهمها إلا جمع أفراد الأمة مهما كانت عقائدهم واتجاهاتهم 
وبصفة عامة هناك نوعان من الإسلام، الإسلام الذي توارثناه عن أجدادنا و الذي ظهر منذ البعثة النبوية الشريفة، والذي تواصل إلى يومنا ، الذي يحمل في طياته محبة الأخر والسلام، والإسلام السياسي الذي ظهر إبان الاستعمار الغربي للمنطقة العربية ، الذي بدأ بالتمكن بداية من السبعنيات من القرن الماضي والذي أنشىء بهدف القضاء على كل ما هو وطني
كما أنّ مشروع حركات الإسلام السياسي المجتمعيّ والسّياسيّ مشروع استعماري يعيق الانطلاقة الحضاريّة المنشودة للبلدان العربيّة و يعرقل اكتسابها عناصر القوّة اللّازمة لتحقيق أهدافها في التّقدّم والرّقيّ وبناء غد أفضل للأجيال القادمة. فحركات الإسلام السّياسيّ هي من ضمن الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تأخر وتبعية الدول العربية للغرب، وهي من أهم العوامل التي سجنت العالم العربيّ في دهاليز الماضي وحالت دون لحاقه بركب التطور الحضاري، ولم يقم تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سنة 2001 بخطف الطائرات فحسب، بل حاول أيضا خطف رسالة دين الإسلام، فشن الحرب الشاملة، وقتل ثلاثة الف شخص بريء، باسم الجهاد، في تعار ض تام مع تعاليم الإسلام الحنيف.

شارك