التنوع الإسلامي في كردستان العراق (1)

الخميس 16/يوليو/2020 - 12:51 ص
طباعة حسام الحداد
 
يناقش كتاب مركز المسبار " الإسلام في كردستان: السنة، الشيعة، الخورشيديون" التنوع المذهبي عند المسلمين في إقليم كردستان العراق، ساعياً إلى استكمال تغطيته للمشهد الإسلامي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والتي استهلها برصد الحركة الإسلامية هناك بأجنحتها المختلفة، وتابعها بإصدار عن السلفية الكردية، وقد أتى هذا العدد لفهم المجال الأوسع لاستقبال الكرد للإسلام وتفاعلهم معه من نواحٍ عقائدية وفقهية وسياسية.
 وتبحث دراسات الكتاب في الإسلام السني بشقيه الحنفي والشافعي، والإسلام الشيعي في صيغته الكردية وتأثره بمحيطه الجغرافي، كما تنظر للتصوف، دون أن تغفل عن سطوة العادات والتقاليد الكردية التي أخذت من الأديان. وراقبت الدراسات تحولات القبيلة والعشيرة وفق تغير المكان والزمان؛ واضعة كل ذلك أمام تحديات الإرهاب التي فرضت طرح أسئلة جديدة حول الدين والوطن والهوية والتطرف.
الإسلام في كردستان العراق.. أصالة أم اختلاف؟
يتناول إبراهيم صادق ملازادة (أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوران -أربیل) تاريخ قدوم الإسلام إلى كردستان العراق، ويقف علی مرحلتین من علاقة الكـرد بالإسلام: المرحلة الأولی: تاریخ دخول الإسلام إلى كـردستان، وأهم المراحل التي مر بها خلال تاریخه الطویل. المرحلة الثانیة: تاریخ دخول الإسلام السیاسي ومجموعاته المختلفة إلى كـردستان العراق وتشكـیل تنظیماته المختلفة.
لقد كانت كـردستان، قبل العهد الإسلامي، تحت هیمنة الدولة الساسانیة، وبحسب الكثیر من المصادر، فإن غالبیة الشعب الكـردي في ذلك الوقت، كـان یدین بالدیانة الزرادشتیة، والسلطة الحاكـمة في كـردستان في ذلك الوقت كـانت الدولة الساسانیة، والتي كـانت تضم المناطق التي تسمی حالياً العراق وإیران ومناطق أخری. يدرس الكاتب دخول الإسلام إلى كردستان التاريخية في العهدين الأموي والعباسي وكيفية تفاعل الأكراد معه، فقد شهدت الفترة الممتدة على مدار مئة عام ثورات كردية ضد الحكم الإسلامي لأسباب سياسية واقتصادية من بينها الثورة الكـردیة الكـبری في مقاطعات أصفهان وجبال فارس التي نشبت سنة (٢٣٠هـ/ 844م).
تفاعل المجتمع الكردي مع الثقافة الإسلامية فظهر الكـثیر من العلماء الذین كـانت لهم الید الطولى في العلوم المختلفة العقلية والنقلية. كما لم ینقطع المجتمع عن التطورات الدینیة التي كـانت تمر بها المجتمعات الإسلامية، فأولی الإشارات تمت عن طریق انتشار المذهب الشافعي داخله، والذي يعود إلی بدایات ظهور المذهب في القرن الرابع الهجري المصادف للقرن العاشر المیلادي، «المعروف بقرن الفتوحات الشافعیة». فبحسب شرفخان البدليسي (ت1005هـ/ 1596م) -كما يلف ملازادة- «الأمة الكُرْدية جميعها تتمذهب بمذهب الإمام الشافعي». عدا المكـونات الأخری التي تنتمي إلى أهل السنة، لأن هناك مكـونات مذهبیة مختلفة تماماً عن المذاهب السنية، كـما أن هناك أدیاناً أخری في كـردستان. 
يتطرق الباحث إلى تعدد المدارس الدينية في كردستان ويلاحظ “أن قوة وتماسك الإسلام في كـردستان مرا بتصاعد تدریجي، وكـذلك نری نوعاً من التلازم والتناسق والانسجام بین المذهب الشافعي والطرق الصوفیة والمدارس الدینیة المختلفة من جانب، وبالتناغم بین الإسلام والثقافة الكـردیة ذات الخلفیة الغنیة بتلاحم وتعانق الأدیان والثقافات المتعددة التي تتسم بها كـردستان، من جانب آخر، وذلك حتی أواسط القرن العشرین، عندما دخل الفكـر السیاسي الإسلامي والاتجاه السلفي إلى كـردستان”.
الكرد والإسلام السني: الانتماء العرقي والهوية الدينية
ركز المختصون بتاريخ العقائد والأديان على الأقليات الدينية في كردستان؛ كالإيزيدية واليارسان (الكاكائية) والعلوية والشبك. وإذا ما تناولوا الإسلام السني، اهتموا أكثر بالأبعاد الصوفية له في تجلياته الطرقية في المجال الكردي، خصوصاً الطريقتين النقشبندية والقادرية. أما ما يتعلق بالباحثين الكرد أنفسهم، فبسبب غلبة الواقع السياسي والاتجاه القومي على الخطاب الأكاديمي، قلما اتجهوا صوب دراسة الهوية الدينية الكردية. لذا بقي تاريخ الإسلام الكردي مبهماً وينظر إليه على أنه تاريخ مكمل للتاريخ العام للمذهب السني في المجال الإسلامي. من هنا تكمن صعوبة دراسة الإسلام، والبحث عن طبيعة فهم الكرد له ودوره في تشكيل وتوجيه مخيالهم الجمعي، كذلك خصائص هذا الفهم وتجلياته على المستويين الشعبي والنخبوي.
يرصد حيدر لشكري (أستاذ مساعد في تاريخ الأديان في جامعة كوية، إقليم كردستان العراق) التشكل التاريخي للإسلام الكردي السُني وهذا لا يعني غياب المذاهب الإسلامية الأخرى عن الخريطة الدينية الإسلامية في كردستان لا سيما في الأزمنة الحديثة. “فبالإضافة إلى أهل السنة والجماعة هناك المجاميع الذين بقوا على اعتقاداتهم القديمة، أو حتى تلك التي اتبعت مذاهب واتجاهات غير سنية، وإن عدت غير مقبولة من قبل السنة. مع هذا كان ينظر إلى الكرد في المجال العام الإسلامي على أنهم جزء من العالم السني وعلى المذهب الشافعي، بحيث أصبحت تعابير مثل «الكرد السنة» أو «الأكراد الشافعية» ذات مفهوم ودلالة واضحين، بل وعنواناً لهويتهم الدينية. وقد عرفوا دينياً بهذا الانتماء إلى حد أن أصبح غير الكرد يتعجبون من كردي يتمذهب بغير المذهب السني. 
يلفت الباحث إلى انتشار الطرق الصوفية في كردستان في عصور متأخرة، ففي القرن الخامس عشر، كان أتباعهم ومريدوهم منتشرين في ربوع كردستان من الطريقة القادرية، الرفاعية، الحروفية، السهروردية، الكبروية، وغيرها. ولكن، وبمرور الزمن، تقلص هذا العدد واختفت أغلب الطرق، وبقيت فقط الطريقتان القادرية والنقشبندية. يتتبع لشكري أثر الإسلام السني على الذهنية الكُردية، على الرغم من صعوبة “رؤية أثر الإسلام السني على الشخصية الكردية بشكل واضح، لعدم وجود النصوص المنتجة من قبل علماء الدين الكرد وهم يتحدثون عن المجتمع الذي عاشوا فيه. لذا ما يمكن قوله في هذا المجال ينسحب على تمثيلات ذهنية أنتجها نظام التدريس الديني العام، وكيفية تلقي المجتمع للشخصية الدينية لأفرادها. على الصعيد الاجتماعي اختلف الأفراد والجماعات القبلية الكردية في تمثل هذه الهوية السنية، بحسب فاعليتهم التاريخية وقربهم من المراكز الدينية السلطوية. وقد جسد هذا انتسابهم للأمة- الدولة الإسلامية أو عدم انتسابهم، بمقدار تمثلهم لهذه الهوية ووعيهم بها”.
الشيعة الكرد: الفيلية والشبك والمستبصرون 
ينتمي غالبية الكرد الشيعة، ينتمون إلى الإمامية الاثني عشرية أي الجعفرية، وعلى الرغم من أنهم بعیدون عن الأنظار، وهذا یرجع لأسباب سیاسية من جهة ودینیة مذهبية من جهة أخری، فإنهم يشكلون جزءاً مهماً من النسيج الديني والعرقي في كردستان. ولكونهم أقلية شيعية في وسط سني، دفعهم هذا لیمارسوا اعتقاداتهم خفية تارة وعلانية في بعض الأحيان. من هنا تأتي أهمية دراسة الجماعات الشيعية بين الكرد. بشكل نظري ومیداني معاً وبطرق علمية”.
يركز زيرك أحمد، الباحث والمترجم العراقي، في دراسته علی محاور سیاسیة ودينية واجتماعية للشیعة الكرد، من خلال علاقتهم بالوسط الكردي السني من جانب، وبالجماعات الشیعیة الأخری من غیر الكرد، وكـذلك علاقتهم بمكـونات دینية مختلفة من جانب آخر. كـذلك يبحث في العلاقة بین المذهب والقومية والقواسم المشتركة بین شيعة الكرد وغیرهم، والاهتمام بالعلاقة بين انتمائهم القومي والحس المذهبي. وكـذلك يقوم بدراسة علاقة هذا المكـون بالمرجعیات التقليدية للشيعة، والأحزاب السیاسیة الشيعية من جهة والأحزاب الكردية من جهة أخرى. آخذاً بعين الاعتبار التوزيع السكاني لشيعة الكرد من حیث تكوينهم الديني والإثني:
المكون الأول: الفیلیة، حیث يدرس هذا المكـون في مناطق تعتبر عربية كـمحافظة بغداد وجنوب العراق. وكـذلك في مناطق تعتبر جزءاً من المناطق المتنازع عليها كمناطق گرمسير أي الخانقيين والمندلاوية والبدراويين وغيرها.
المكون الثاني: الشبك، فهم من حیث اللغة مختلفون عن المكونين الأول والثالث، فهم یتحدثون بلهجة أشبه بهورامية خليطة ببهدينية وكـلمات عربية وتركـية وفارسية.
المكون الثالث: الذين عرفوا بالمستبصرين، الكرد المتشيعون: فهم كـرد من المذهب السني غیروا مذهبهم إلى الشيعة الاثني عشرية. 
العلوية الكردية.. الجدل الديني والقومي والسياسي
تركز دراسة محمد حريري، الباحث الكردي العراقي المتخصص في الحركات الإسلامية، على العلوية الكردية في كردستان العراق، محددة وجودها التاريخي والعلاقة المتبادلة بين الديني والقومي والسياسي. يحاول الباحث التعريف بالعلوية وهویتها المركبة، والتي تحمل إلى الآن أثر الزرادشتية والمانویة والإيزيدية وأديان كردية وإيرانیة قديمة أخرى. ويتحدث عن إطلاق اسم قزلباش والحساسیة التي يسببها لهم ذلك الاسم وتاریخه. والأهم من هذا العلاقة الجدلیة القویة للعلویة مع البكتاشیة، وكیف أن هذه العلاقة شكلت منعطفاً في تاریخ العلویة. ويستعرض تمايز العلوية الكردية مع العلوية التركية والعربية مع النقاط المشتركة بينها وبين العلويات الأخرى. 
يلاحظ حريري ظاهرة تنمو بشدة داخل الأقلیات الدینیة في المجتمع الكردي، والعلوية الكردية ليست بمنأى عنها، والتي من الممكن تسمیتها بقومنة مذهبیة أو دینیة، التي يؤكد أتباعها التمايز القومي عن الكرد والبحث عن المبررات العقائدية والتاريخية لتشكيل قومية خاصة بها. فهناك مجموعات علوية مثلها مثل الإيزيدية والهورامية تؤكد أن العلوية هي قومية منفصلة عن الكرد، ومستقلة في حد ذاتها، فلا هي كردية ولا تركية ولا عربية.
ومن بين المحاور الأخرى التي تتناولها الدراسة ظاهرة العلوية السياسية في كردستان العراق وأهم تجلياتها، والتي يمكن للسیاسي ملاحظتها بعين مجردة. مشيراً إلى النفوذ القوي للعلوية في السیاسة وعلى اليسار التركي بشكل عام، واليسار الكردي وحزب العمال الكردستاني بشكل خاص. ثم يناقش المنظور العلوي الدیني والفلسفي للحیاة والإنسان ومدی مساهمته في خلق الأمن والسلم الاجتماعي وبث القیم الدیمقراطیة والحیادیة بین أبناء الوطن الواحد. 

شارك