مهند خورشيد عميد معهد الدراسات الإسلامية بألمانيا في حوار خاص لبوابة الحركات الإسلامية

الإثنين 31/أغسطس/2020 - 02:50 ص
طباعة محمد ثروت
 
مشاريع التنوير لا تجد من يدعمها بينما تمول دول المراكز التابعة للإسلام السياسي ومصر تلعب دورا مهما في مواجهة التطرف 
في حوار مع البروفيسور مهند خورشيد عميد معهد الدراسات الاسلامية بجامعة مونستر الألمانية، أكد على أهمية إظهار الاسلام في صورته الحقيقية كدين رحمة، كما ناقش قضية تجديد الخطاب الديني، وكيفية مواجهة الإسلام السياسي والدور الذي تلعبه مصر في مواجهة التطرف وذلك بمناسبة صدور كتاب خورشيد" محامو الله المزيفون خيانة الإسلام" جاء ذلك على النحو التالي:

أصبح الإسلام لدي الغرب مرادفاً للتطرف والعنف، فكيف تواجه هذه المعضلة وأنت تقدم الإسلام للجمهور الغربي؟
في البداية أود أن أوضح نقطة، نحن لا نستطيع أن نقول أن كل الغرب ينظرون للإسلام بأنه دين عنف، وتوجد دراسات أكدت أن الأغلبية في الغرب وأوروبا، تصوراتها إيجابية للإسلام ولكن يمكن القول أن هناك فئات لديها صورة مشوهـة وتوجد فئات أخري يمينية هي التي تشوه صورة الإسلام. ولكي نطرح صوره إيجابية للإسلام لابد أن نبدأ بالمسلمين أنفسهم، لأن أحياناً تكون الصورة سلبية بسبب المسلمين.
فمثلاً الجماعات المتطرفة قليلة ولكن أصواتهم مرتفعة بحيث عندما يفعلون أشياء ضد المجتمع أو عمليات عنف تؤثر كثيراً في المجتمع وفقط الأشياء التي تسبب خطر على المجتمع هي التي تسمعها الناس في الأخبار، ولكن حياة المسلم العادي اليومية لا تأتي في الأخبار فتولد صورة ذهنية خاطئة لدى الناس.
لذا نحن نعمل الآن علي تنوير المسلمين أنفسهم وكيف يفهمون صورة الإسلام الصحيحة مثل علاقة المسلم بغيره فيوجد الكثير من المسلمين الذين يعيشون بألمانيا يقولون أن الألمان كفار ومحرم علينا التعامل معهم أو حتي إلقاء التحية أو التعرف عليهم ومصاحبتهم. لذلك حينما يعطي المسلم صورة عن الإسلام بهذه الطريقة فهو بذلك يشوه الإسلام و الألماني يعتقد بأن المسلم مضطهده لأنه غير مسلم وهذا جانب خطير في نظرة الآخر للمسلم و يترتب عليه أشياء خطيرة : كالتعامل مع آيات قرآنية وأحاديث لو أخذنها على ظاهرها و تم توظيفها خطأ هنا تكون صورة الإسلام سلبية كما قال تعالى "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ" (البقرة 191) أو حديث النبي (ص) الذي رواه الإمام أحمد في مسنده" بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ". هذه النصوص تُؤْخَذ أحياناً من سياقها، لذلك تشوه صورة الإسلام وهناك نقطتان أساسيتان: ما هو الإسلام؟ وما هي الصورة التي نريد أن نوصلها؟ هل هي صورة إسلام المحبة والرحمة كما قال الله تعالي في القرآن أم صورة سلبية وعداء للآخر.
لذا يجب أن نعيد التفكير في صورة الإسلام التي نقدمها ومقتنعين بها، بالنسبة للأوربيين: كيف الذي منهم يرى الأشياء السلبية فقط ان يأخذ صورة إيجابية عن الإسلام، يجب على المسلم أن يكون صاحب صوت مرتفع وليس المتطرفين فقط هم الذين أصواتهم عالية، لكي يظهر للأوربي صورة ذهنية صحيحة وإيجابية. ونحن الآن نحاول تقديم مشروع الإسلام دين الرحمة وهذا لا يكفي بالكلام فإنه لا يصلح ان نقول كل المسلمين يدخلون الجنة او نقول كل المسلمين يدخلون النار.
ولكن من يعمل عملاً صالحاً يدخل الجنة و من يعمل عملاً سيئاً يدخل النار لأن الإسلام دين رحمة ولا يمكن أن نقول ان المسلم أفضل من الكافر فيجب أن لا أتعامل معه او أوجه له التحية ، لذا علينا أن نترجم معنى الرحمة و نعيد النظر في فهم القرآن والأحاديث و الفقه و التاريخ الإسلامي لأن يوجد فيه أشياء كثيرة غير صحيحة و المذاهب الفقهية ، وآخر نقطة .القرآن يقول أن علاقة الإنسان بالله هي علاقة محبة في صورة المائدة قال تعالى (يحبهم و يحبونه) وللأسف نحن لا نتكلم كثيراً عن المحبة نحن نتكلم فقط عن صورة الإله الذى نخافه ، بحيث يكون النازع لماذا نحن نصلى نصوم او نتحجب بسبب الخوف من العقاب او نقول للأولاد صلي حتي لا تدخل النار تكون هنا صورة الإله ليس الرحمن الرحيم و إنما المنتقم الذي ينتظر  من الناس أن تخطأ حتي يعذبهم .
فأتمني أن ننشر علاقة الرحمة والمحبة بين الله وعباده، حتى نعيد علاقتنا بالله وثقتنا بأنفسنا وتعاملاتنا مع الناس على مبدأ المحبة والتراحم. وهذا شيء في صدارة رسالة القرآن وهو الأساس ويبقى هذا خطابنا على المنابر وفي التلفزيون وفي كل مكان.
وهل نجحت فكرت تجديد الخطاب الديني في ألمانيا؟
كي تنجح فكرة التجديد الديني في أي بلد تحتاج إلى المؤسسات الدينية، التجديد لا يكفي إلا عن طريق مؤسسات أو عن طريق خطاب تصل به الي الناس، فألمانيا فتحت مجال قبل بضع سنوات لتدريس الدين الإسلامي في المدارس العامة ولتدريس الإسلام في الجامعات أيضا. فذلك بدأ يؤسس لخطاب إسلامي جديد في ألمانيا، لأنه يوجد عامل المؤسسات ومن الممكن أن أقوم بتوصيل الرسالة لصغار السن أو للأئمة أو أدرب أئمة يوصلوا الرسالة للآخرين.
نحن شرعنا في توصيل رسالة التنوير ولكن مازلنا في البداية، وخاصةً أنه يوجد في ألمانيا ٨٠٪؜ من المساجد تابعه للإخوان المسلمين او ما يعرف بالإسلام السياسي، وهي مازالت مشكلة، فهناك في المدارس والجامعات إسلام تنويري ولكن في المساجد مازال عمل الإسلام السياسي واستغلال عواطف الناس يؤثر سلبيا على مفهوم الدين.

كيف تتم مواجهه الإسلام السياسي ومحاولة خلط الدين بالسياسة؟
فعليا في المانيا لا توجد مشاريع جادة لمواجهة الإسلام السياسي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى اليوم، فقد ركزت على الإرهاب ولكن الإرهاب هو السلفية الجهادية وهو الآن لم يعد المشكلة الأساسية خاصةً بعد سقوط داعش انتهي أو كاد أن ينتهي أوضاعه والتفجيرات إلى آخره. فالمشكلة الأكبر أصبحت مشكلة الإسلام السياسي ولكن الدولة الألمانية مازالت لا تعي هذه المشكلة فتجد عندما تتحدث مع الهيئات الرسمية أو بعض ممثلي الجاليات المسلمة، تظن أن هؤلاء يمثلون الإسلام الصحيح وللأسف هناك غياب لدور الدول الإسلامية المعتدلة وهذا الأمر نشتكي منه. بينما تركيا تحاول التأثير علي كل شيء وقطر أيضا تدعم  المراكز الإسلامية واتجاهات معينه من الخارج تمول، بينما نحن لا يصلنا أي دعم، لدينا مشروع تنويري كبير ولكن نحصل علي دعم الجامعة فقط  ولا نحصل من الخارج علي أي دعم لطباعة منشورات و توزيعها وإقامة مساجد تنويرية، ونتمنى أن يكون لدينا مسجداً تنويراً في مدينتنا، و لكن هذا سيكلف الكثير من المبالغ فمن سيدفع هذه المبالغ، أما الإسلام السياسي فهو مدعوم من الخارج بأموال كثيره وأكرر: عدم حضور بلاد إسلامية معتدلة تسطيع تمويل الإسلام التنويري يسبب مشكلة، ولابد من إيصال هذه الرسالة.
كيف نصلح الخطاب الديني في بلادنا العربية رغم وجود من يشوّهون صورته؟
الإصلاح في بلادنا العربية لابد أن يكون اصلاحا منهجيا، عندما نتحدث عن الاصلاح فنحن نتحدث عن تغيير الفتوي وهناك فتاوي تتغير بالفعل، زمان كانوا يحرّموا الموسيقي، الآن صاروا يحلّلوا الموسيقي.. زمان كانوا يحرموا في بعض البلاد عمل المرأة، الآن يحللوا عمل المرأة. هذا جميل، لكن لا يكفي.. الإصلاح ليس من ناحية فقهيه فقط، المفروض يبدأ الإصلاح أيضا بصورتنا للإله كما قلت، يعني علاقتنا برب العالمين هل هي علاقة إله بعبيد أم بعباد؟، وهناك فرق كبير بين العبيد والعباد.
عندما نتحدث عن علاقتنا بالله، عاده كأننا نتحدث عن علاقتنا كعلاقة إله بعبيد، ولكن الله اعطي للإنسان كثير، سوّاه خليفه في الارض اعطاه مسؤولية، حريه، إمكانيات، وجعله هو اللي من خلاله الله يفعل في هذا الكون، يعني الانسان مسئول، الانسان بين قوسين هو يد الله، فهو المحقق لمراد الله بالمحبة والرحمة، فالإنسان مسئول.
فلابد من إعادة النظر في هذه المسائل أيضا، مثل علاقة الله بالإنسان، صورتنا للمرأة، صورتنا للإنسان بشكل عام.
هناك فرق بين أن أرى الانسان هو شيء، أم الانسان هو فاعل في تاريخه، إنسان حر يملك ويكتب تاريخه.
هناك فرق بين أن نرى المرأة مجرد شىء خلق لكي يكون الرجل مبسوط، وبين المرأة كإنسان حر يستقل بنفسه، عنده أهدافه وحقوقه.
يعني هناك أمور كثيرة ولائحة طويلة لابد أن نعيد النظر فيها في بلادنا، لكي   نعيد طرح إسلام حضاري، إسلام رحمه، إسلام محبة.
لا يكفي أن ننتقد المتطرفين ونقول هم سيئين، لازم نسأل أنفسنا طيب أين البديل؟
الآن نلاحظ في بلاد إسلامية زيادة نسبة الالحاد بعد موضوع داعش.. لماذا؟ ...لأن الناس قالت إذا كان هذا الإسلام الذي تصوره داعش فنحن لا نريد الإسلام.
أين البديل طيب، أين اسلام المحبة والرحمة، من يتكلم عن المحبة والرحمة قليلون. لكن نرى من يتحدث عن التشدد والضغط كأن الإسلام صار أداة ضغط وسلطة على الناس، لكن الإسلام ليس هكذا (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
إذا ركزنا على أن الإسلام دين رحمه ومحبة، وأعدنا النظر في مناهج التدريس في الجامعات والمدارس، نكون بذلك بدأنا الطريق الصحيح. لا يكفي أننا ننتقد التطرف، لازم نقدم البديل، وإلى الآن لا أرى البديل.
لديكم مشروع نحو تأويل القران الكريم بمنظور معاصر، إلى أين وصل المشروع؟
معناه ان القران لم يخاطب فقط الناس في القرن السابع الميلادي، بل يخاطبنا جميعنا، في القرن الـ21 وفي ألمانيا ليس فقط في مكة والمدينة، هذا يعني أنه لابد أن نعيد دائما طرح السؤال “كيف أفهم القرآن؟ "
لا أستطيع أن آخذ القرآن بحرفية، فلابد من فهم مقاصده، يعني لا أقف عند حرفية القرآن.
فعندما يتحدث القرآن عن سوره معينه مثلا للإنسان أن هناك استعباد، لا أستطيع أن أتبني هذا المفهوم اليوم، في عصر التحرر من الرق، هذا كان في القرن السابع الميلادي.
فمثلا القرآن يتحدث عن "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (النحل:8)، لا أستطيع أن أقول علينا أن نأخذ القرآن بحرفيته ونركب الحمار والبغال ونأخذها زينه في المانيا او في القرن الـ 21، فلابد من التفكير في مقاصد القرآن ودور المرأة، دور الاخر في القرآن، لابد من وضعه في سياقاته.
تختلف سياقات الآيات في القرآن، فمثلا كانت هناك حروب أيام الرسول لذلك نجد أن القرآن نبرته حاده في بعض المواضع عندما يتحدث عن الآخر " اقتلوهم حيث ثقفتموهم"، (البقرة 191) وهناك مواضع أخري تجد مكانا في الجنة للآخر "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يحزنون (المائدة 62)، فلابد أن نضع القرآن في سياقاته التاريخية.
ما رأيك في الدور الذي تقوم به مصر في مواجهة التطرف؟
مصر تلعب دورا مهما جدافي مواجهة التطرف، وذلك لسبب وهو سبب جميل ومحزن في نفس الوقت: لو تتبعتم خطابات الرئيس السيسي منذ بداية انتخابه 2014 إلى اليوم، يلاحظ أنه خطاب تجديدي.. فهو يطالب بالتجديد وتستجيب له المؤسسات الدينية فهذا جميل انه من رأس الدولة جاء لفت النظر لأهمية الخطاب التجديدي، فهو دائما يطالب بالتجديد، ويحث على ضرورة وجود إسلام حضاري.. عصري متنوع، يحترم العقل وإنسانية الإنسان، يحترم المرأة والرجل، يحترم التعددية في المجتمع إلى اخره هو يطالب بذلك وتستجيب له المؤسسات الدينية في مصر هذا الجميل، أما المحزن في الموضوع أن التغيير لم يأت من المؤسسات الدينية، كان من الأفضل أن تنتبه المؤسسات الدينية أنه لابد من تجديد الفكر الديني..
الرسول (ص) ذاته قال في الحديث الذي رواه أبو هريرة «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».
فالتجديد جزء من المفهوم الإسلامي للإسلام حتى يكون الدين عالميا. الآن مصر رائدة في التجديد ولكن ليس لأن المؤسسات الدينية هي التي حملت شعار التجديد من ذاتها، ولكن هي استجابت لمطالب الرئاسة.
فنحن شاكرين أن جاءنا رئيس يطالب بالتجديد، إذا لم يأت رئيس يطالب بالتجديد فلن يكن هناك تجديد. لذا فهناك نقاط ضعف وقوة، ونقاط القوة أن الدولة داعمة والمؤسسات الدينية تستجيب، فيكمن التحدي الكبير أن الأجيال القديمة التي مازالت متحجرة في تفكيرها وتعتقد أنها تملك الحقيقة المطلقة، لذلك رافضة التجديد، يجب تحييدهم وإعطاء الفرصة فقط لمن يحمل شعار التحديد بجدية وبجرأة وبإخلاص.
هل تري ان جماعات الإسلام السياسي تقف وراء تشويه صورة الإسلام في الغرب؟
هي تلعب دورا أيضا ولكنها ليست الوحيدة، فهناك إسلام غير سياسي، وهو إسلام عامة المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام بطريقة صحيحة، ربما غير سياسيين لكن لديهم فهم خاطئ للإسلام.
ومع ذلك فإن الإسلام السياسي له الأثر الأكبر في تشويه سمعة الإسلام، التي تشوهت ابتداء من الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، فالعنف شوه سمعه الإسلام بشكل كبير.

شارك