علي مبروك.. مساهمة في نزع أقنعة التقديس (2)

السبت 20/مارس/2021 - 10:41 ص
طباعة حسام الحداد
 
ولد الدكتور علي مبروك في 20 أكتوبر عام 1958م، حصل مبروك على درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية - علم الكلام عام 1988، وعلى درجة الدكتوراه في الفلسفة عام 1995، من جامعة القاهرة.
عمل الدكتور علي مبروك في العام 2003 أستاذًا مساعدًا للدراسات الإسلامية، بقسم الدراسات الدينية، بكلية الإنسانيات في جامعة كيب تاون، بجنوب أفريقيا، كما شغل منصب عضو مجلس تحرير مجلة "أدب ونقد"، والتي تصدر في القاهرة، بالإضافة إلى مقالاته بجريدة الأهرام.

إسراء إرادة: الانتقائية المفاهيمية فى مشروع على مبروك

وضع مشروع على مبروك بصمة فلسفية نيرة الأثر، لم تتسم بالتناول والتحليل اللغوى كما كان الأثر عند نصر حامد أبو زيد، بل أتخذ مبروك التحليل الفلسفى النقدي مهداً لإعادة قراءة الواقع من خلال عملية انتقاء المفاهيم من غيبات الشوائب التي علقت بها، وتنكرت بداخلها لسنواتٍ طويلة، وكأنها جزء من بنيتها الأساسية، وكان ذلك بفعل السلطات الدينية والسياسية على مدار العصور، والذي كان باستخدام التراث كأداة يمكن أن تضيف إلى المفاهيم النكهات المقدسة المحببة كثيراً لقلوب العامة.
حاول مبروك تفكيك المفاهيم وإلغاء مركزيتها واستبعاد ما يعانى منها من فقر معرفى، وكانت مفاهيم : العقل، والنقل، والتراث، والخطاب، والأصل، والثقافة، والواقع، على سبيل المثال وليس الحصر من أهم المفاهيم التى تناولها مبروك من أجل الضبط والتحديد، فالتحرر من سطوة المفاهيم يكون عن طريق الخروج من مركزيتها التى باتت مطلقة، إلى رحابة المعانى الواسعة التى تجعلها متسقة مع الواقع الراهن، ووقائعه التى تتباين عن نظائرها فيما مضى، حتى لا تتحكم فى الوعى الجمعى، ولا تبقى مؤبدة الحضور والتأثير. 
ويعد مفهوم الخطاب على وجهٍ خاص أبرز المفاهيم التى عزم على تحديد أبعادها، ومجريات تجديدها من أجل هدم الثوابت المعرفية التى تحيط به وتُأزم اتساقه مع الواقع، فقد أكد فى كتابه "ثورات العرب" على أن تجديد الخطاب هو تصحيحاً للفكر وإعادته لمساراته، كما حاول كشف التباينات الفكرية والتناقضات داخل البنية المفاهيمية للنص، وكل هذا كان للخروج من الواقع العربى إلى خارج الأنساق الفقهية والأصولية بوجهٍ عام، والخروج بالخطاب إلى ساحة الحداثة ورحابتها على وجهٍ خاص، وترسيخ  الوعى النقدى بديلاً للوعى النقلى.

أشرف البولاقي: ما وراء تأسيس الأصول "مساهمة في نزع أقنعة التقديس

انطلق د. علي مبروك من فكرة حضور (الأصل) في الثقافة والفكر والتاريخ، باعتباره مركزًا لكل فعالية إنسانية، فهو – أي الأصل – إمّا يكون حضوره كنقطة بدء للوعي ينطلق منها العقل مستوعبًا ومتجاوزًا لها إلى ما بَعدها، وإمّا يكون واقعةً نهائية تدور حولها الفعالية الإنسانية تكرارًا وإعادةَ إنتاج وتقليدًا واتباعية .. مؤكدًا أن حضور (الأصل) كمعنى ومفهوم احتل موقع المفهوم الأكثر مركزية وتأسيسية في الثقافة العربية والإسلامية، وانشغل في كتابه بفحص كيفية حضور هذا المفهوم ونوع وطبيعة اشتغاله، خاصةً وأن علومًا كثيرة قد نشأت وتبلورت حوله – حول الأصل – كأصول الدين وأصول الفقه وهي العلوم التي لعبت دورًا بالغ الأهمية في تكوين وبناء العقل العربي الإسلامي.

ومن ثَم التفت الباحث إلى الشافعي باعتباره مؤسس علم أصول الفقه، التي ما كان له أن يبنيها أو يؤسسها إلا في حضور الأصل الأول والأعلى وهو هنا الكتاب أو النص. الأمرُ الذي يتشابه مع فكرة هيمنة وتسلط معطىً سابقٍ دائمًا في ثقافة العرب قبل وأثناء عصر الشافعي، وهو معطى الثقافة الأبوية التي لا يملك المرءُ إلا التمحورَ والدوران حولها والانصياع الكامل لسطوتها، رغم نعي القرآن نفسِه – وهو الأصل هنا – على تلك الثقافة .. الأمرُ الذي كشف به د. علي مبروك أن آلية التفكير بالأصل أو بالنص تجاوزت فكرة التفكير بالأصل أو بالنص من حيث هو قرآن فقط أو سُنة إلى كل تفكير بالأصل على الإطلاق.

ومن هنا كان الشافعي مضطرًا وهو يؤسس لعمله الضخم إلى التعالي عن الشروط الإنسانية الموضوعية – ما دام التأسيس يدور بآلية التفكير بالنص الذي هو الأصل – ليمنح عملَه القداسة ليس فقط في مادة العمل ومتنِه ولكن أيضًا في القواعد والآليات المعرفية وطرائق التفكير التي اكتست هي الأخرى بقداسة أخرى ...فجاء كتابه – كتاب د. مبروك - سعيًا منه في محاولة مخلصة لدفع العقل العربي والإسلامي للارتداد من المقدس المتعالي إلى الإنساني الموضوعي.

وكان تأسيس القداسة وتشابكات الدين والقبيلة محورا للفصل الأول من كتابه متتبِعًا تجلياتِها في الديني والقَبَلي والسياسي، وممارسات الصحابة .. فضلا عن حديث النقل والعقل والعلاقات التي رسخت للقداسة الدينية والسياسية والقَبَلية.

ويجيء الفصل الثاني (الشافعي وتأسيس الأصول من تقديس الأب إلى تقديس الأصل) مبتدِئًا بالإشارة إلى اقتراب الفقيه من السلطة – الشافعي ورغبته في إقصاء الخلاف والرأي ووضع كتاب يجمع عليه الناس -  في خطوة أولى للتضييق على العقل والرأي، وهو ما يفسِّر إدراجَ الشافعي الاختلافَ والرأي ضمن دائرة الاستحسان، بل يؤلف كتابًا كاملا في " إبطال الاستحسان " .. وإذا كان الكتاب القرآن هو الأصل الذي يرجع إليه، فإن آلية التفكير بالأصل تفرض على الشافعي أن يضع كتابًا يكون أصلا وأصولا لكل ما يأتي بعده في مجال الفقه.

ويلتقط د. علي مبروك ولَع العرب بعلم الأنساب رغم محاولات البعض تهميشه، إلا أن الشافعي التقطه  ليكرسّه باعتباره سلطةً أصلية، خاصةً وأن النسب في حالته هو متصل بأرومة النبي، الأمرُ الذي سيترتب عليه تثبيت مركزية القبيلة المنتمي إليها النبي والشافعي معًا، ومن ثم تثبيت منهج وفقه الشافعي بسبب نسبِه الطاهر الشريف .. فضلا عن جعله القبيلة والعشيرة مناطًا لخطاب إلهي واضحٍ ومحدد ..  أيكون هو جديرًا بهذا أم يكون الآخر الفارسي أبا حنيفة؟ ... ليتسرب اعتزاز الشافعي وفخره بنسبِه إلى أنساقه الفقهية، وليَدخل الشافعي نفسُه بنسبِه هذا إلى فضاء القداسة، قال أحدهم ليلة مات الشافعي " الليلة مات النبي صلى الله عليه وسلم" وقال الرازي " من تعرض لمنازعته – يعني الشافعي – فقد جعل نفسه هدفًا لعذاب الله تعالى" .

ولعل تلك القداسة نفسَها وتثبيت سلطة الأصل نصًا ونسبًا هما ما وجّهَا عملية تأسيس الشافعي للأصول وترتيبه لها على نحو جعله يتعالى بسنّة النبي إلى مقام النص.

ومركزية السنّة هنا هي إعادة إنتاج واضحة لمركزية القبيلة ومركزية الشافعي نفسِه، الأمرُ نفسه جرى عند الشافعي مع اللغة باعتبار اللسان القرشي أفضل الألسنة.

عند علي مبروك بنى الشافعي الاجتهاد مقابل النص، حيث اعتمد في مفهومه للنص على آليتَي التوسع والإلحاق، بينما اعتمد في الاجتهاد على آليتَي التضييق والإهدار مع إقصاء الرأي  والاستحسان بعيدًا ... خاصةً وأن الاجتهاد يُحدِثه المرء مِن نفسه، بينما أُمِر الإنسانُ باتباع غيره والغير هنا هُمَا الكتاب والسنة. بينما راح في القياس والاجتهاد قبلَه يلحقهما بالنص، والقياس إمّا كنص أو مجرد هامش تافه وضئيل على نص بالغ الاتساع والإحاطة.

للمزيد عن علي مبروك

شارك