الخلايا التكفيرية النائمة في ربوع الثقافة المصرية.. الزغبي وعقيدة الولاء والبراء (2)

السبت 12/ديسمبر/2020 - 03:57 م
طباعة
 
نستكمل مناقشة كتاب محمد جاد الزغبي كتاب "شرح تلبيس إبليس لابن الجوزي" الجزء الأول "المعتزلة والشيعة" في 2010، والصادر عن وكالة العز للدعاية والإعلان، وقد نوهنا في المقالة السابقة بأننا سوف نتناوله في أكثر من مقالة لكشف ما فيه من دعاية وتحريض ضد مفهوم الدولة والمواطنة وعدم اعتراف بالدولة المصرية وتكفير مواطنيها.
واستكمالا لتعريف محمد جاد الزغبي والذي يعرفه الاعلامي على القنوات السلفية "الصفا، والأئمة" بأنه دكتور، كما يعرف هو نفسه أنه يعمل باحث في شؤون الإسلام السياسي في الدستور والبوابة وفيتو والجمهورية وعندما بحثنا في هذه المواقع تبين أنه لم يعمل في أي من المواقع المذكورة، بل أخذ منه بعض الصحفيين تصريحات حول موضوعات معينة 5 تصريحات لفيتو وقصيدة في رثاء هيكل و4 تصريحات في اليوم السابع ولا يوجد له ذكر لا في الدستور ولا البوابة ولا الجمهورية.. تلك هي النماذج التي تنتشر الأن على الساحة الثقافية ويقومون باطلاق احكام الضلال والتكفير على رموزنا الثقافية بداية من محمد عبده وطه حسين وحتى الأن، وهذا مثبت في كتابه الذي بين أيدينا الأن.
وقبل ان نتطرق لهجومه على رموز الثقافة المصرية كأفراد، نستكمل معا هجومه على تيار النهضة أو التنوير او العصرانيين الجدد كما يحب هو تسميتهم حيث يقول: "وتركز دور العصرانيين العرب في ترديد نغمات المعتزلة التي اهتزت أوتارها قديما بتلك المبادئ ومنها: الدعوة لإبطال مفاهيم الولاء والبراء وطرق التعامل مع أهل الذمة وأهل الملل الأخرى في دار السلم والحرب، والدعوة لوحدة الأديان !"
وهنا لنا وقفة مهمة حيث يدافع الكاتب عن مفهومي الولاء والبراء وتلك العقيدة التي أكد عليها سيد قطب ومن قبله المودودي وابن تيمية ويعتبرمفهوم "الولاء والبراء" أحد أبرز المعتقدات الدينية التي أساءت العديد من الجماعات والتيارات الدينية الإسلامية استخدامها، ليكون التطور الحتمي لمفهوم "الولاء والبراء" وفقًا لتصور التيارات الدينية المتشددة هو "التكفير"، خاصة مع تصور أن: "كل تعامل مع غير المسلم يمثل شكلاً من أشكال المداهنة والتنازلات في دين الله بدعاوى سماحة الإسلام" !!
 ومن هنا برزت دعوات تلك التيارات المتشددة على ضرورة: جهر الفرد بمعاداة أعداء الله وإظهار بغضهم ومنابذتهم بالسنان واللسان والجنان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعدم التعاون معهم، ولا المشاركة بأعيادهم.
ويهتم الكاتب في ثنايا كتابه بابن تيمية ويعده شيخ الإسلام ومن ينتقد ابن تيمية يعد من الضالين الكفرة، فما هو مفهوم الولاء والبراء عند ابن تيمية الذي يعده الكاتب مرجعا له..؟
يلخص الإمام ابن تيمية مذهب أهل السنة والجماعة فيما يخص عقيدة الولاء والبراء، في عدد من النقاط هي:
- الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعادة وفقاً لما أنزله الله في كتابه وسنة نبيه، فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان.
- من كان فيه إيمان وفجور أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي كما يقول الخوارج والمعتزلة.
- لا يجوز جعل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحون بمنزلة الفاسق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة.
- ومن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع أن الولاء القلبي وكذلك العداوة يجب أن تكون كاملة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "فأما حب القلب وبغضه، وإرادته وكراهته، فينبغي أن تكون كاملة جازمة، لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان، وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته، ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل".
وكذلك فعل الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي أكد على دعاوى أو فهم ابن تيمية للولاء والبراء حيث يقول: "فالله.. الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره.. أسه ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم- ولو كانوا بعيدين- واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال، ما علي منهم، أو قال، ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم- ولو كانوا إخوانه وأولاده- فالله.. الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا".
يتضح من هذا أن محمد جاد الزغبي ومن خلال كتابه "شرح تلبيس ابليس" وظهوره في القنوات السلفية كواحد من الجماعة الثقافية والمشاركة مع حسام عقل بموقعه الالكتروني ومندى السرد الشهري الذي يقيمه من أهم الداعين والداعمين لمفهم ابن تيمية وابن عبد الوهاب لمفهوم الولاء والبراء الذي هو أحد أبرز المرتكزات الأدبية لتنظيمات الإسلام السياسي وخاصة الحركي "المسلح" منها والتي تتخذ من الجهاد منهجاً للتغيير، ويزعم اتباع منهج سلف المسلمين، الذي يعتبر الجهاد أحد أركانه، وأن الجهاد الذي يجب وجوباً عينياً على المسلمين يتم تطبيقه ضد العدو المحتل وضد النظام الحاكم المبدل للشريعة الإسلامية، ويحكم بالقوانين الوضعية أو النظام المبالغ في الظلم والقهر.
وتقوم هذه التنظيمات على مبدأين أساسيين هما "الحاكمية" و"الولاء والبراء"، والذي من خلالهما تحمل السلاح ضد كل من الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي أو ضد الأعداء الخارجيين وكذلك ضد المواطنين أيا كانت ديانتهم طالما هم خارج اطار الجماعة.

شارك