بوابة الحركات الاسلامية : مصير "الكساسبة"... بين التفاوض والحل العسكري والدور العشائري (طباعة)
مصير "الكساسبة"... بين التفاوض والحل العسكري والدور العشائري
آخر تحديث: الجمعة 26/12/2014 11:51 ص
يكتنف الغموض  مصير الطيار الأردني الملازم معاذ الكساسبة الأسير لدى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في وجود أنباء عن صفقة تبادل أسرى بين التنظيم والمملكة الأردنية الهاشمية، عبر قيادات التيار السلفي الجهادي بالمملكة بعدد من الأسرى التابعين للدولة الإسلامية في سجون الأردن.
فقد اعتبر التنظيم أسر الطيار الكساسبة هدية من السماء، هكذا وصف عناصر وقيادات تنظيم "الدولة الإسلامية" سقوط الطائرة التي كان يستقلها الملازم أول، معاذ الكساسبة، في مدينة الرقة السورية، عاصمة التنظيم المتطرف، والتي نتج عنها وقوعه في الأسر. 

توجهات "داعش"

يبدو أن الكساسبة لتنظيم "داعش" ليس كمثله من الأسرى السابقين، إذ تحدثت وسائل إعلام عربية وأردنية، نقلا عن مصادر من دير الزور أن التنظيم لا يفكر في قتل الكساسبة، على غرار الأسرى الآخرين.
وفيما إذا صح ما نقلته مصادر قبلية من محافظة نينوي عن أن الكساسبة أمضى ليلته الأولى في الرقة ولم يعرض على المحكمة الشرعية، فإن هذا التطور يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات، حول احتمالية بدء التنظيم في تغيير سياسته بالتعامل مع معتقليه في المستقبل.
المعلومات تلك أكدتها مصادر محلية في دير الزور التي شهدت إطلاق نار كثيفا لحظة الإعلان عن إسقاط الطائرة وأسر قائدها احتفالاً بالحدث، وأشارت المصادر إلى أن الكساسبة لن يقتل، وسيكون عامل قوة لحصول التنظيم على أكبر قدر ممكن من المنافع المادية والمعنوية فضلاً عن إطلاق سراح جهاديين في الأردن. 
إلا أن القيادي الأبرز في التيار السلفي بالأردن محمد الشلبي الملقب بـ"أبو سياف" أكد أن قادة تنظيم داعش سيطالبون بمبادلة الأسير لديهم الطيار الأردني الملازم معاذ الكساسبة بالمعتقلة في السجون الأردنية ساجدة الريشاوي، وكذلك المعتقل زياد الكربولي.
والريشاوي مسجونة في الأردن منذ عام 2005 إثر ما عرف حينها بأحداث تفجير الفنادق "تفجيرات عمّان"، والتي راح ضحيتها قرابة 61 شخصاً وجرح ما يزيد عن 120، واعتقلت الريشاوي بعدما فشلت في تفجير حزامها الناسف، أما زياد الكربولي فهو مدان بقتله للسائق الأردني خالد الدسوقي عام 2005 ومحكوم عليه بالإعدام، إلى جانب انتمائه لتنظيم القاعدة، وفقاً لصحيفة الرياض.
وقال أبو سياف في رسالة له بعثها أمس لبعض وسائل الإعلام المحلية: "بالنسبة للأسير الطيار فالأمر عائد لقادة داعش، فقد ترامى إلى مسامعنا أنهم سيقومون باستبداله بالأسيرة ساجدة الريشاوي وبالأسير زياد الكربولي، ونحن نرى أن مصلحة الإفراج عنهما أفضل بكثير من مصلحة قتل الأسير".

سيناريو المفاوضات

وفيما يتعلق بسيناريو إطلاق الطيار الأردني، من يد أسر "داعش"، توقع المحلل السياسي، ضابط المخابرات الأردني السابق، خالد المجالي، ألا يقدم "داعش" على قتل الطيار الأردني، مرجحا عقد صفقة، مثل الإفراج عن الكساسبة مقابل الإفراج عن عدد من المعتقلين بالسجون الأردنية من المتعاطفين أو المنتمين لتنظيم الدولة، أو مقابل الحد من المشاركة الأردنية في التحالف الدولي ضد التنظيم.
وقال المجالي: "الأردن يملك أوراقا رابحة للتفاوض مع "داعش" للإفراج عن الكساسبة، ومن الممكن أن تلعب تركيا دور الوسيط في عملية مقايضة متوقعة مع قادم الأيام".
الوزير السابق في الحكومة الأردنية والمتحدث باسمها سميح المعايطة، رأى أن المفاوضات بين الحكومة الأردنية وتنظيم "داعش" عبر وسطاء، قائمة لإطلاق سراح الطيار الأردني، مؤكدا أن الأردن سوف يتبع جميع السبل من أجل الإفراج عن طياره الأسير، لكنها لن تخضع للابتزاز من قبيل أن تغادر التحالف مثلا.
وأوضح المتحدث السابق باسم الحكومة الأردنية، أن لدى عمان معتقلين وتحت حكم الإعدام وأشخاص يحقق معهم بتهم الإرهاب- تربطهم صلات مباشرة بـ"داعش" ومن الممكن أن يتم التفاوض عليهم.

دور العشائر

فيما يبدو أن علاقة المخابرات الأردنية بالعشائر السنية في كل من العراق وسوريا سوف تلعب دورا كبيرا في التوصل إلى مكان أسر الطيار بسلاح الجو الملكي، فلدى الأردن نفوذ قوي في صفوف العشائر السنية العراقية، يمكن أن يسهم في بلورة صفقة إفراج محتملة عن الكساسبة.
وتعتبر عشيرة الكساسبة (آل كساب) من العائلات التي لها تواجد في المملكة الأردنية الهاشمية، وفلسطين، ولبنان، وتركيا، ومصر، والسعودية، بالاضافة إلى أنها لها تواجد في العراق وسوريا، وهو الذي يساعد على إنهاء الأزمة تفاوضيا وليس عسكريا وقتل الطيار الأردني على يد مقاتلي تنظيم الدولة.
وكان ملك الأردن عبدالله الثاني قد حرص، خلال الأشهر الأخيرة، في جميع تصريحاته تقريبا- على التأكيد على ضرورة دعم العشائر السنية في العراق وسوريا لمواجهة التنظيمات الإرهابية.
وتعاني العشائر السنية العراقية، من ضعف الدعم الحكومي في مواجهة داعش، وهو ما يجعل أبناءها بين خيارين أحلاهما مر، وهو إما الانضواء تحت راية التنظيم الإرهابي أو مواجهة مصير الموت.
ويرى محللون أن القرار الأردني، يخدم مصالح الطرفين، فهو وإن كان سيلبي مطالب العشائر، إلا أنه سيساعد أيضا الأردن في درء خطر "داعش" الذي بات قريبا من حدوده.

التدخل العسكري.. آخر الفرص

من جانب آخر أطلقت صحف غربية تكهنات تفيد بأن قوات أردنية وأمريكية ستسعى لتخليص الكساسبة من قبضة "داعش" بالقوة، وهو ما يضع حياة الطيار على المحك.
وفي إطار أن جميع التكهنات تذهب إلى الحل التفاوضي، ذكرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية الخميس أن قوات ‏خاصة أردنية وأمريكية تستعد لإنقاذ الطيار الأردني، وأوضح الجنرال لورد ريتشاردز، قائد القوات المسلحة البريطانية السابق أنه من المهم أن تبقى عزيمة التحالف قوية في مواجهة ‏التنظيم الإرهابي، مضيفا أن الأردن كان يعلم أنه ستكون هناك انتكاسات تكتيكية لا ‏مفر منها.‏
وحول الحل العسكري استبعد وزير الإعلام الأردني السابق نبيل الشريف، لجوء الأردن لحلول عسكرية قبل أن يستنفد جميع الحلول السياسية، قائلا إنه "في حال فشلت جميع المحاولات السياسية لتحرير الكساسبة، فإن الأردن قد يقوم بعمليات إنزال"، مستبعدا أن يقوم بشن غارات جوية "لما تشكله من خطورة على حياة الطيار المحتجز".
وتابع: "المفاوضات مع تنظيم الدولة قد تتم على عدة محاور، أولا قد يلجأ الأردن إلى توظيف من لهم فكر متماش مع تنظيم الدولة ليقوموا بالتفاوض مع قادة التنظيم، أو من خلال بعض الدول التي لديها علاقات أو صلات تربطها بالتنظيم أو بمقربين منه".
وتمتلك المخابرات الأردنية قاعدة بيانات ضخمة عن الشخصيات المؤثرة داخل التنظيم، وقد نجحت بالفعل في أوقات سابقة في التواصل مع شخصيات فيه من خلال اختراق مواقعهم وصفحاتهم على الإنترنت.

الورطة

رغم أن أغلب التقارير الإعلامية والمصادر تشير إلى أنه ستكون هناك صفقة بين الأردن وتنظيم "داعش"، لكن العقيد الطيار المنشق عن الجيش العربي السوري فايز الحسين، يرى أن الحكومة الأردنية في ورطة لا تُحسد عليها؛ حيث يصعب على الأردن التي تحارب الإرهاب، أن تفرج عن إرهابيين في نظرها مقابل الإفراج عن الكساسبة.
واعتبر الحسين أن "تنظيم الدولة" "إذا كان يفهم في السياسة عليه أن يبادل الأسير، ويعطي انطباع أنه براغماتي ومنفتح للحوار، على عكس ما يصورونه على أنه متوحش" على حد قوله، وأضاف أن الشعب الأردني أصبح منقسماً في قضية الطيار، وأن لدى الأردن أسرى من "الإسلاميين". وأشار الحسين إلى أن قبول "تنظيم الدولة" المفاوضة على الكساسبي، يفوت الفرصة على الحكومة الأردنية في القول للشعب بأنه لم يشفع للطيار أنه عربي ومسلم.
وعن احتمالية قبول الحكومة الأردنية مفاوضة التنظيم، لفت العقيد إلى أن الحكومة ستقبل بالتفاوض درءاً للضغط الشعبي، مضيفاً أن "هذه المفاوضات ستبقى سرية"، على حد قوله.

موقف الحكومة

حتى الآن لم تصدر أي تصريحات رسمية أمس حول هذه القضية، باستثناء تصريح، نقل عن رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، خلال لقائه أمس بأبناء الطوائف المسيحية من محافظة الكرك في عمان، عندما أشار إلى أن "مفاوضات مع أطراف دولية بدأت للإفراج عن الطيار الكساسبة"، مشددا على أن "جلالة الملك عبدالله الثاني يضع الإفراج عن الكساسبة على رأس الأولويات"، وذلك بحسب ما نقلت مصادر مطلعة حضرت اللقاء لـ"الغد".
وحسب المصادر، فقد أكد النسور أيضا، خلال اللقاء الذي جرى في ديوان أبناء الكرك في دابوق، أن "هذه حرب وعلينا تحمل تبعاتها، والوقوف صفا واحدا خلف القيادة الهاشمية".
بينما تحفّظ وزير الدولة لشئون الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الدكتور محمد المومني، عن التصريح لـ"الغد" أمس حول تطورات قضية الأسير الكساسبة.
إلا أن أوساطا دبلوماسية عربية بدأت تتحدث فعليا عن مفاوضات حول سيناريو لتبادل محكومين لدى الأردن، في قضايا أمنية وإرهابية، بالأسير الطيار الكساسبة. وتتحدث هذه الأوساط تحديدا عن ثلاثة معتقلين يقضون محكومياتهم في الأردن حاليا.

المشهد الحالي

فيما يبدو أن إقدام تنظيم "داعش" على قتل  الطيار الأردني ليس أمرا أكيدا في ظل سعي التنظيم من أجل الإفراج عن منتسبيه لدى الحكومة الأردنية، وهو ما يشير إلى أن هناك صفقة قادمة يتم طبخها في دهاليز الأجهزة الأمنية والعشائر السنية، وربما تتوسع لتشمل عواصم عربية وإقليمية، لها علاقات وطيدة بتنظيم الدولة الإسلامية، ويبقى الحل العسكري بعيدا في ظل فشل عملية عسكرية سابقة لـ"المارينز" الأمريكي في اليمن للإفراج عن صحفي أمريكي أسير لدى تنظيم القاعدة أحد أهم الجماعات الإرهابية، وهو ما يشير إلى أن هناك صفقة قادمة للإفراج عن "الكساسبة".