بوابة الحركات الاسلامية : أشهر العمليات الإرهابية في تاريخ الإخوان... [الجزء الثاني] (طباعة)
أشهر العمليات الإرهابية في تاريخ الإخوان... [الجزء الثاني]
آخر تحديث: الثلاثاء 02/11/2021 08:30 ص

نسف محكمة الاستئناف:

في هذه العملية قام عدد من كوادر الجهاز الخاص بمحاولة لنسف محكمة استئناف القاهرة والتي كان يحفظ فيها أوراق ما عرف بقضية "السيارة الجيب" التي كان على رأس المتهمين فيها "مصطفى مشهور" (أحد قادة النظام الخاص، ومرشد الجماعة الخامس فيما بين عام 1996 وعام 2002)، وحكاية السيارة الجيب معروفة، حيث تم ضبط مصطفى مشهور يقود سيارة محملة بأسلحة وقنابل كان النظام الخاص يستخدمها في التدريبات، بالإضافة إلى بعض الأوراق التي تحتوي على خطط واستراتيجيات الجماعة، وقد أنكر البنا - في بيان وزع على الصحفيين آنذاك - أن يقوم أحد الإخوان بهذه الفعلة الشنيعة، ولكن السنوات تأتي بما لم يكن يشتهي البنا، يقول محمود الصباغ حول هذا الحادث: "وبعد نجاح السرية في هذا العمل الفدائي، نظر السيد فايز في كل ما تنسبه الحكومة إلى الإخوان من جرائم باطلة، مدعية أنها تستند في كل ما تدعيه إلى حقائق صارخة في المستندات والوثائق المضبوطة في السيارة الجيب، وكان يعلم يقيناً بكذب هذه الافتراءات، ودليل ذلك ما ذكره عبد المجيد أحمد حسن بعد أن قرر الاعتراف على زملائه، واستندت إليه المحكمة في براءة النظام الخاص مما وجه إليه من اتهامات – ولم يساوره شك في أن الحكومة قد زورت وثائق وقدمتها للنيابة لتدين الإخوان بما ليس فيهم من جرائم واتهامات باطلة، فقرر حرق هذه الأوراق وكون سرية لهذا الغرض بقيادة الأخ شفيق أنس، وقد رسمت الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات القضية المسماة زوراً وبهتاناً قضية محاولة نسف المحكمة، وحقيقتها أنها كانت محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب، وتمكن شفيق أنس من أن يضع حقيبة مملوءة بالمواد الحارقة معدة للانفجار الزمني بجوار دولاب حفظ أوراق قضية السيارة الجيب، إلا أن قدر الله قد مكن أحد المخبرين من ملاحظة شفيق وهو يترك الحقيبة ثم ينصرف نازلاً على درج المحكمة، فجرى مسرعاً وحمل الحقيبة وجرى بها خلف شفيق، الذي أسرع في الجري حتى لا تنفجر الحقيبة على سلم المحكمة أو وسط حشود الداخلين في بهوها، ولما خرج إلى الميدان حذر المخبر من الحقيبة، فتركها فانفجرت في ساحة الميدان دون إحداث خسائر تذكر، وقبض على شفيق".

ماهر والنقراشي وعبد الهادي:

في 24 فبراير 1945 كان أحمد ماهر باشا متوجها لمجلس النواب لإلقاء بيان من هناك وأثناء مروره بالبهو الفرعوني قام شاب يدعى محمود العيسوي بإطلاق الرصاص عليه وقتله في الحال، بعد الحادث ألقي القبض على حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين وآخرين من جماعة الإخوان، والتي كان العيسوي عضواً فيها، ولكن بعدها بأيام تم الإفراج عنهم بسبب اعتراف العيسوي بانتمائه للحزب الوطني، ولكن هناك من يؤكد أن محمود العيسوي من غلاة الإخوان المسلمين وتستّر تحت عباءة الحزب الوطني ليحمي جماعته من الضرر، وبعد الإفراج عن قيادات الجماعة لم يذكر أي أحد منهم علاقته بـ"العيسوي" ولكن في سنوات لاحقة ثبتت علاقة الجماعة بالعيسوي، ويسوق الدكتور عبد العظيم رمضان الأدلة على ذلك بما رواه محمد علي أبو طالب من أنه سمع من الأستاذ خالد محمد خالد أن الشيخ سيد سابق – وهو من زعماء الإخوان والذي أفتى بمشروعية اغتيال النقراشي باشا – قد أخبره بعد مقتل أحمد ماهر باشا بأن محمود العيسوي كان من صميم الإخوان المسلمين، ولم يكذب خالد محمد خالد أو الشيخ سيد سابق هذا الكلام، ويستدل أبو طالب على صحة رأيه بوجود وزيرين من زعماء الحزب الوطني، وهما: حافظ رمضان باشا رئيس الحزب، وزكي علي باشا - وهو من زعمائه منذ نشأته - في وزارة أحمد ماهر، ولم يحاسبا على اشتراكهما في قرار إعلان الحرب، بل قرر حافظ رمضان بأنه لا يرى ضرراً في ذلك، ويميل عبد العظيم رمضان إلى احتساب محمود العيسوي من الإخوان – وهذا ما أرجحه على أساس أن كثيرا من المصريين كانوا يجمعون بين انتماءين: الانتماء إلى حزبهم والانتماء للإخوان المسلمين، وأن انتماء محمود العيسوي إلى الحزب الوطني لا يحول دون انتمائه للإخوان المسلمين. "، ويأتي بعد ذلك الصباغ والذي كان واحداً من رجال التنظيم الخاص ليذكر أن أحمد ماهر خائن ولا يختلف على ذلك اثنان - على حد تعبيره - ولكن الإخوان لم يجيزوا قتله ولم يمنعهم هذا من دراسة وتحضير خطة لاغتياله حتى يقوموا بها إذا تطورت الأمور، وذكر الصباغ أنه هو شخصياً كان القائم بهذه الدراسة. 

ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين:

اعتراضا على قرار حل الجماعة قام الجهاز الخاص بوضع خطة لاغتيال رئيس الحكومة – آنذاك – محمود فهمي النقراشي باشا، وكان يشغل وقتها إلى جانب رئاسته للحكومة منصب وزير الداخلية، ففي يوم 28/12/1948 تنكر الإخواني عبد المجيد أحمد حسن في زي ضابط بوليس، واقترب من رئيس الوزراء ووزير الداخلية - أثناء دخوله لمبنى الوزارة - مطلقاً عليه ثلاث رصاصات أدت إلى وفاته على الفور، ولم تمر ساعات قليلة إلا وكان مرشد الجماعة حسن البنا قد خط بياناً بعنوان: "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، زعم مقربون منه أن البيان كتب قبل يومين من الحادث، قال فيه: "لقد وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشرّبوا روحها، وتلا أمر حلّ الإخوان ذلك الحادث المروع، حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا، الذي أسفت البلاد لوفاته وخسرت بفقده علماً من أعلام نهضتها وقائداً من قادة حركتها ومثلاً طيباً للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ولسنا أقل من غيرنا أسفاً من أجله وتقديراً لجهاده وخلقه".
الغريب أن المتهم - بعد أن أنكر صلته بالإخوان وأصر على أنه قام بتنفيذ العملية من تلقاء نفسه - عاد واعترف بدور الجماعة في العملية فور سماعه لبيان المرشد العام، وبعيداً عن اعتراف الشاب بمسؤولية الإخوان الذي قد يدفع البعض بأنه جاء تحت وقع التعذيب أو التهديد، يعترف محمود الصباغ بعد أربعين عاماً على الحادث - في كتابه السابق الإشارة إليه، وفي معرض حديثه عن مقتل النقراشي باشا - بأن العملية جاءت من باب حماية الدعوة، في إشارة إلى قرار النقراشي بحل الجماعة ويواصل: "وبدأ السيد فايز - مسؤول الجهاز الخاص آنذاك - المعركة برأس الخيانة محمود فهمي النقراشي، وقد كوّن فايز خلية من: محمد مالك وشفيق أنس وعاطف عطية حلمي والضابط أحمد فؤاد وعبد المجيد أحمد حسن ومحمود كامل، لهذا الغرض، وبفخر يقول الصباغ: ونجح عبد المجيد أحمد حسن في قتل النقراشي في مركز سلطانه ووسط ضباطه وجنوده وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية. 
ولم يتوقف الإخوان بعد اغتيال النقراشي ورأوا أن إبراهيم باشا عبد الهادي امتداد للنقراشي ومن ثم قرر الإخوان الفدائيون - هكذا يصفهم الصباغ – اغتيال إبراهيم باشا، وبالفعل كمنوا له في يوم 5 مايو 1949 في الطريق إلى رئاسة مجلس الوزراء وأطلقوا عليه وابلاً من الطلقات أصابت بعض المارة وكذلك الموكب الذي اعتقدوا أنه خاص بإبراهيم باشا، ولكنه كان موكب حامد جودة رئيس مجلس النواب، الذي لم يصب بأي أذى، وبعد القبض على منفّذي العملية بدأت محاكمتهم التي استمرت حتى قيام ثورة يوليو، واعتبر بعدها المتهمون أبطال تحرير وصدر عنهم جميعا عفو شامل.

مقتل السيد فايز:

جرت هذه الحادثة العجيبة وفق منطق "النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله"، فعندما قام البنا بتعيين سيد فايز مسؤولاً عن الجهاز الخاص بدلاً من عبد الرحمن السندي، قرر الأخير اغتيال أخيه في الدعوة الذي جاء ليزيحه عن مكانه، فأرسل إليه بعلبة من الحلوى في ذكرى المولد النبوي الشريف، وعندما حاول سيد فايز فتحها انفجرت في وجهه ومعه شقيقه فأردته قتيلاً في الحال، وأسقطت جدار الشقة، وعندما علم البنا بهذا الحادث المفجع أنكر في تصريحات حادة للصحافة أن يكون مرتكب الحادث من الإخوان المسلمين، واتهم أعداء الجماعة – كالعادة – بتدبير هذا الحادث، ومرة أخرى يأتي الزمان بما لا يشتهي البنا ولا جماعته، وهذه المرة على لسان محمود عبد الحليم - أحد قادة الجماعة ومؤرخها ورفيق درب البنا - يقول عبد الحليم: "كان السندي يعلم أن المهندس سيد فايز – وهو من كبار المسؤولين في النظام الخاص – من أشد الناقمين على تصرفاته، وأنه وضع نفسه تحت إمرة المرشد العام لتحرير هذا النظام في القاهرة على الأقل من سلطته، وأنه قطع في ذلك شوطاً بعيداً باتصاله بأعضاء النظام بالقاهرة وإقناعهم بذلك، وإذن فالخطوة الأولى في إعلان الحرب، وكذلك سولت له نفسه أن يتخلص من سيد فايز، فكيف تخلص منه؟، تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله، انتهز فرصة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، وأرسل إليه في منزله هدية، علبة مغلقة عن طريق أحد عملائه، ولم يكن الأخ سيد في ذلك الوقت موجوداً بالمنزل، فلما حضر وفتح العلبة انفجرت فيه وقتلته وقتلت معه شقيقاً له، وجرحت بقية الأسرة وهدمت جانباً من جدار الحجرة، وقد ثبت ثبوتاً قاطعاً أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة، كانت بتدبير هذا الرئيس، وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين في هذا النظام بتقصّي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني، أرأيتم ماذا تفعل التربية الإخوانية للأعضاء أنفسهم، حتى لتنطبق عليهم قولة الرسول الكريم: "أخشى أن تعودوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وهذا ما فعله الإخوان بالضبط.

الثورة والإخوان والعنف:

المثير للدهشة، وبينما كان يردد الإخوان أن جهازهم الخاص أنشئ من أجل محاربة الصهيونية ومواجهة الإنجليز، وبعد خروج الإنجليز من مصر وقيام حكومة تحارب الصهيونية (1954)، كان الجهاز السري يعزز وجوده بل ويلقي بظلاله على الجماعة كلها، فقد كوّن المرشد قبيل سفره إلى الأقطار العربية في أوائل يوليو 1954 لجنة قيادية مهمتها مواجهة موقف الحكومة من الإخوان بما يلزم مما تهيّئه قدراتهم على ضوء الأحداث، وهذا طبيعي، لكن المثير للدهشة هو تكوين اللجنة، فاللجنة مكونة من يوسف طلعت (قائد الجهاز السري)، صلاح شادي (المشرف على الجهاز السري وقائد قسم الوحدات وهو جهاز سري أيضاً)، والشيخ فرغلي (صاحب مخزن السلاح الشهير بالإسماعيلية)، ومحمود عبده (وكان من المنغمسين في شؤون الجهاز السري القديم).

ماذا كان يريد المرشد العام الثاني إذن، وإلى ماذا كان يخطّط، خاصة أن الجهاز السري الذي زعم حسن البنا - وما زال الإخوان يزعمون – أنه أسس لمحاربة الاستعمار، قد تغيّب تماماً عن معارك الكفاح المسلح في القنال (1954)، وقد تنصل المرشد العام المستشار الهضيبي من أية مشاركة فيه، وقال: "كثر تساؤل الناس عن موقف الإخوان المسلمين في الظروف الحاضرة، كأن شباب مصر كله قد نفر إلى محاربة الإنجليز في القنال، ولم يتخلف إلا الإخوان، ولم يجد هؤلاء للإخوان عذراً واحداً يجيز لهم الاستبطاء بعض الشيء، إن الإخوان لا يريدون أن يقولوا ما قال واحد منهم – ليس له حق التعبير عنهم – إنهم قد أدوا واجبهم في معركة القنال، فإن ذلك غلو لا جدوى منه ولا خير فيه، ولا يزال بين ما فرضه الله علينا من الكفاح وبين الواقع أمد بعيد والأمور إلى أوقاتها"، هذا الكلام نرجو أن يتمعن الدكتور "محمد بديع" فيه جيداً قبل أن يخرج علينا ليصدعنا بأن النظام الخاص أنشئ من أجل قتال الإنجليز على ضفاف القناة.

المنشية عام 1954:

كان الإخوان قد وصلوا مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى طريق مسدود، وكانوا قد أعادوا تنظيم النظام الخاص - كما سبق أن أشرنا - وفي اللحظة الحاسمة قرروا التخلص من عبد الناصر، ففي يوم 26/2/1954 وبمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء وقف الرئيس عبد الناصر يلقي خطاباً بميدان المنشية بالإسكندرية، وبينما هو في منتصف خطابه أطلق محمود عبد اللطيف - أحد كواد النظار الخاص لجماعة الإخوان - ثماني طلقات نارية من مسدس بعيد المدى باتجاه الرئيس ليصاب شخصان وينجو عبد الناصر، وحتى هذه اللحظة يصر الإخوان على أن هذا الحادث لا يخرج عن كونه تمثيلية قام بها رجال الثورة للتخلص من الجماعة، ولكن المتهمين في المحكمة العلنية - "محكمة الشعب" التي كانت تذاع وقائعها على الهواء مباشرة عبر الإذاعة المصرية - قدموا اعترافات تفصيلية حول دور كل منهم ومسؤولية الجماعة عن العملية، (تم جمع هذه المحاكمات ونشرها بعد ذلك في جزأين بعنوان محكمة الشعب) وقد شكك الإخوان كثيراً في حيادية هذه المحكمة، لكنهم لم يعلقوا على ما ورد على لسان أبطال الحادث في برنامج الجريمة السياسية الذي أذاعته فضائية الجزيرة عبر حلقتين في الثاني والعشرين والتاسع والعشرين من ديسمبر عام 2006، والذي تفاخروا – من خلاله - بالمسؤولية عن الحادث، وأنه تم بتخطيط شامل وإشراف دقيق لقيادات الجماعة.

قضية سيد قطب:

في 30 أكتوبر 1965 أخطرت نيابة أمن الدولة العليا أن جماعة الإخوان المسلمين المنحلة قامت بإعادة تنظيم نفسها تنظيماً مسلحاً بغرض القيام بعمليات اغتيال للمسؤولين تعقبها عمليات نسف وتدمير للمنشآت الحيوية بالبلاد، هادفة من وراء ذلك الاستيلاء على الحكم بالقوة، وأن التنظيم يشمل جميع مناطق الجمهورية ويتزعمه سيد قطب، كان قطب قد تم الإفراج عنه – وقتها - بعد وساطة قام بها الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم أثناء زيارته للقاهرة عام 1965، إلا أنه كان قد وصل إلى قناعة بأن الحكومة التي تقوم بمثل هذه الأعمال من التعذيب في سجونها، لا بدّ أن تكون كافرة، ومن هذا المنطلق خطط قطب لمواجهة معها تشمل رؤوس الحكم، تمهيدا لخلخلة النظام والثورة عليه، وقد تم كشف القضية بالصدفة عبر إبلاغ الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية العسكرية أنها ألقت القبض على مجند وهو يتفاوض لشراء أسلحة من أحد زملائه بالإسكندرية، وعلى الفور تم القبض عليهما واعترفا بأن هذه الأسلحة لصالح عدد من قادة جماعة الإخوان، ثم توالت الاعترافات وقدم المتهمون إلى المحاكمة التي قضت بإعدام سيد قطب وستة من زملائه، وسجن ستة وثلاثين آخرين بينهم المرشد العام الثامن للجماعة، الدكتور محمد بديع، ونائبه الدكتور محمود عزت، اللذان يقومان الآن بالترويج لأفكار قطب، في محاولة لبعث "القطبية" من جديد، بعدما تبرأ منها الإخوان، عبر كتاب مرشدهم الثاني المستشار حسن الهضيبي، "دعاة لا قضاة".

الفنية العسكرية وسبعينيات القرن الماضي:

بعد مجيء الرئيس الراحل أنور السادات إلى الحكم، قام بإطلاق سراح قادة الإخوان من السجون وأبرم معهم اتفاقا يقضي بعدم العمل في السياسة، فاتحاً صفحة جديدة مع الجماعة، وسرعان ما سعى كوادرها إلى ضم عدد من الشباب الذين اعتنقوا فكر سيد قطب الجهادي ليستخدموهم في محاولة جديدة لقلب نظام حكم الرئيس الراحل، وهو ما عرف في حينها بقضية الفنية العسكرية، لقد كشف طلال الأنصاري أحد قادة التنظيم الذي حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد في مذكراته المعنونة "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة.. من النكسة إلى المشنقة"، أنهم كانوا قد شكلوا تنظيماً سرياً بمدينة الإسكندرية عام 1968، وظل هذا التنظيم قائماً إلى أن خرج الإخوان من السجون، حيث قادته الصدفة عن طريق أحد كوادر جماعة الإخوان بالإسكندرية ويدعى (الشيخ علي) إلى التعرف على زينب الغزالي، التي قدّمته بدورها إلى الإخواني العراقي صالح سرية، حيث فاتحه الأخير في الانضمام هو وتنظيمه إلى جماعة الإخوان ليكونوا نواة الجناح العسكري الجديد للجماعة، ويضيف الأنصاري أنه بعد موافقته على هذا الطرح رتبت زينب الغزالي للقاء يجمعه بالمرشد العام آنذاك أواخر عام (1972)، المستشار حسن الهضيبي، وذلك بمنزله بحي منيل الروضة، ويروي الأنصاري قصة بيعته للإخوان كاملة فيقول: "وحين سلم الأنصاري على المرشد كان أشبه بمن أصابه مسّ من الذهول من هذا المشهد الذي لم يره قبلا ولم يتعوّده، وبعدها جلس المرشد - الذي لم ينطق بكلمة واحدة - وكان الأقرب إليه مقعداً هو الشيخ "علي" الذي راح يلتقط أنفاسه، ثم انطلق يشرح للمرشد ما فوجئ به في الإسكندرية من حركة الشباب المتعلق بالإخوان، وقدم إليه الأنصاري كونه على رأس هؤلاء الشباب، واسترسل يشرح حب هؤلاء الشباب للإخوان وولاءهم لهم وقراءاتهم لأدبياتهم، وانتظارهم لعودة الإخوان إلى الحياة العامة، سكت الشيخ علي فجأة - حيث ساد الصمت برهة - وانتبه الأنصاري إلى همس آت من ناحية الشيخ علي، لم يفهم منه سوى أمره له: امدد يدك، فتصور أنه يأمره بالمصافحة والسلام، فمد يده للمرشد فإذا بالمرشد ينتفض واقفاً، ثم يقبض يده بقوة على يد الأنصاري الذي وجد نفسه يردّد وراء الشيخ علي عبارات البيعة الإخوانية المعروفة: "أبايعك على السمع والطاعة في اليسر والعسر، وفي المنشط والمكره، والله على ما أقول وكيل (أو شهيد فالله أعلم حيث تباعدت السنون)، وكانت دموع المرشد تنهمر في صمت نبيل وقد احتضن الأنصاري بقوة، في حين كان الشيخ علي يقف متأثراً ودموعه ما تزال تسيل، لم يدم اللقاء طويلاً ثم حيث خرج الشيخ علي ووراءه الأنصاري. 

صالح سرية يصبح همزة الوصل

كان اللقاء الذي تم في رعاية وترتيب زينب الغزالي بداية مرحلة جديدة من تاريخ الجماعة، وكانت أول تعليمات صالح سرية للشباب – وفق الأنصاري – أنه هو وحده حلقة الوصل بالإخوان، وأنه اعتباراً من هذا التاريخ لا بدّ أن يتوارى أي دور ظاهر للإخوان، كما ينبغي عدم الإعلان عن أيّة صلة بهم، وتنفيذاً لذلك أعد صالح سرية سيناريو درب عليه الأنصاري لتنفيذه عند ظروف التحقيق الأمني بهدف إبعاد الإخوان عن أيّة صلة بالأحداث المقبلة، كان السيناريو يهدف إلى إظهار أن معرفة صالح بالأنصاري تمّت عن طريق آخر غير طريق الإخوان وزينب الغزالي، كان البديل الذي رتّبه صالح ينص على أن الأنصاري قرأ حديثاً صحفياً أجرته مجلة مصرية مع صالح أثناء حضوره جلسات المؤتمر الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 68، وأنه أعجب به وسعى للقائه في فندق "سكاربيه" بالقاهرة، حيث بدأت الصلة بينهما".

الهضيبي يوافق على خطة الفنية العسكرية:

ووفق الأنصاري: "عرض صالح مجمل أفكاره بكل صدق ووضوح على قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد، وكما حكى صالح لرجاله فقد كتب مذكرة من خمسين صفحة للمرشد عرض فيها خطته لإدخال تجديد على فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خياراً أساسياً، وذكر صالح لرجاله أن المرشد وافق على مضمون المذكرة". 
ويمضي الأنصاري في مذكراته ليذكر: "ليس منطقياً القول إن تاريخ صالح سرية ونزوعه إلى الانقلاب والثورة كان خافياً على الإخوان المسلمين في مصر، لقد احتضنته الإخوان في مصر ورحبوا به، والأهم من ذلك أن قام الإخوان - وفي بيت من أقرب بيوتاتهم، بيت زينب الغزالي – بتقديم تنظيمهم الشبابي الوحيد في حينها إلى صالح سرية!!، هذه نقاط لم يسبق أن طرحت من قبل لأن أحداً لم يطرح هذه الوقائع الجديدة؛ ولذا يتعامل الإخوان مع هذه القصة الغريبة بحذر شديد حتى الآن، وقد أخفاها تماماً مؤرخوهم وكتابهم، بل قل إنهم قد تحاشوا جميعاً التعرض لهذه المسألة رغم مرور ثلث قرن عليها!!، لكن الحقيقة أنه قد دارت العجلة، وتولى الدكتور صالح عبد الله سرية قيادة أول جهاز سري بايع الهضيبي شخصياً بعد محنة 65 - 66!!". 

نصيحة الإخوان للشباب "الإنكار التام":

كانت خطة الإخوان المسلمين – كما يروي طلال الأنصاري – أن ينكر المتهمون كل ما نسب إليهم وأن يخفوا تماماً أية علاقة لهم بجماعة الإخوان المسلمين على أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبرى للدفاع عنهم، وفي شهادته التي عرضنا لجزء منها سابقاً يروي طلال الأنصاري - بعد انقضاء خمسة وعشرين عاماً على الحادث قضاها كاملة خلف الأسوار - تقييمه الشامل لما حدث، يقول الأنصاري: "مع اقتراب موعد المحاكمات أبلغ الأنصاري ابنه أنه قد اختار للدفاع عنه محامياً قديراً وشهيراً هو الأستاذ الكبير إبراهيم طلعت، الذي حضر إلى السجن وقابل "طلال" بالفعل، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دخلت بهمّة في الأمر وتولى رجالها إدارة عملية الدفاع وعبء المحامين، ووضعت جماعة الإخوان خطة الدفاع وتولاها المحامون منهم ومن غيرهم، فمن الإخوان كان أشهر محاميهم آنذاك الدكتور عبد الله رشوان، الذي ألزم بقية طاقم الدفاع بخطة الدفاع التي تعتمد على محورين: الأول في الوقائع والموضوع، والثاني: سياسي، ففي الوقائع كانت الخطة تعتمد على إنكار التهمة ونفي محاولة الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة في مصر، وأن القصة هي أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانت تقيم ندوات دينية داخل مسجد الكلية ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون، وأن المتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم، وعندما حضر إبراهيم طلعت لمقابلة طلال واستفسر منه عن الحقيقة أكد له هذا التصور الذي قرره دفاع الإخوان، لكن الآن وبعد كل هذه السنوات واشتغال الأنصاري بالمحاماة فإنه يرى أن خطة الدفاع هذه لم تكن موفقة من الناحية القانونية، وأنها حملت استخفافاً بالمحكمة لا يجوز، وكان الأولى البحث عن طريق آخر، لقد اعتمد الدفاع على أن تاريخ العشرين سنة السابقة من خلال محاكمات الإخوان وغيرهم قد حفل بتلفيق القضايا من الأجهزة المتعددة، وبذلك يسهل إقناع المحكمة بأن مسلسل التلفيق مستمر، إلا أن الأمر في هذه القضية كان مختلفاً كل الاختلاف، حيث كان واضحاً لمن يطالع الأوراق أو يتابع الأحداث أن هناك تنظيماً، وأنه تحرك بالفعل ولم تكن هناك أية مؤامرة". 

تشكيل ودعم الأفغان العرب:

تعاظم دور الإخوان في تشكيل ظاهرة "الأفغان العرب"، والتي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة بعد عام 1982، حيث جرى الاتفاق الشهير بين الهارب آنذاك مهدي عاكف، مسؤول لجنة الاتصال بالعالم الخارجي، وبين الأمريكان، على أن يقوم الإخوان بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان بالمساهمة في إخراج السوفييت، على أن يقوم الأمريكان برد الجميل عن طريق تسهيل إنشاء مراكز للجماعة في أوروبا، ولكن ليس تحت اسم الإخوان مباشرة، وبالرغم من إدانة الإخوان – العلنية – للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان إلا أن الجميع كان يعلم أن تلك الإدانة ما هي إلى تغطية مفضوحة لدورهم المشبوه في التأسيس لهذه الظاهرة، يقول الدكتور عبد الله عزام، عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والأب الروحي والمؤسس الفعلي لتنظيم القاعدة في مذكراته المنشورة على موقعه على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت": "إن الأخ كمال السنانيري - (أحد قادة النظام الخاص الذي توفي في السجن عام 1981 والذي اتهمت جماعة الإخوان أجهزة الأمن بقتله) - قد جاء إليه عام 1980 حيث كان يعمل في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، واجتمع به في الحرم، وأخبره تعليمات مكتب إرشاد الجماعة التي تقضي بالذهاب إلى أفغانستان لتكوين ما أطلقوا عليه "وحدة انتشار سريعة مسلحة" من الشباب العرب والمسلمين الوافدين للقتال في أفغانستان، ويضيف عزام أنه أنهى أعماله في جامعة الملك عبد العزيز - وفق هذه المشورة - وذهب إلى أفغانستان، حيث أسس هناك مكتب خدمات المجاهدين، والذي كان النواة الرئيسية التي تشكل منها تنظيم القاعدة فيما بعد، لم يقف الأمر عند عبد الله عزام فها هو مصطفى الستّ مريم، فقيه تنظيم القاعدة المعروف باسم أبو مصعب السوري، يؤكد في مذكراته - التي قام بنشرها عبر أحد المواقع الأصولية على شبكة الإنترنت - أنه قدم إلى مصر بصحبة مجموعة من إخوان سوريا، حيث قام إخوانهم في مصر بتدريبهم على حرب العصابات بإحدى المناطق بجبل المقطم، وذلك قبل اغتيال الرئيس السادات بثلاثة أشهر، بالطبع لم نسمع رداً في حينه على كل من طلال الأنصاري وعبد الله عزام وأبو مصعب السوري، ولن نتوقع سماع أي ردود من جماعة الإخوان، عفواً.. "جماعة المراوغين"، فقد جعلت كوادر الجماعة دائماً نصب أعينها مقولة البنا الشهيرة: "ومن خدع الحرب أن يضلّل المسلم عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله".

التنظيم الدولي واستراتيجية استخدام العنف:

بعد اغتيال الرئيس الراحل السادات جاء الرئيس إلى السلطة ليفتح صفحة جديدة مع الإخوان، وطوال أكثر من عشر سنوات راحت الجماعة تتوغّل داخل المجتمع المدني في مصر، بأحزابه وبرلمانه ونقاباته ومجالس إدارات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، بالإضافة إلى الاتحادات الطلابية، حتى لم تبق مؤسسة مدنية واحدة في مصر لم يخترقها الإخوان.
وفي عام 1991 - وبالتحديد في شهر سبتمبر منه - اجتمع قادة التنظيم الدولي بمدينة استانبول بتركيا، وكان أن تقدم الحاج مصطفى مشهور المعروف حركياً آنذاك باسم "أبو هاني" باقتراح إلى هيئة المكتب حمل عنوان "إعادة تقييم المرحلة الماضية من عمر التنظيم العالمي"، والتي كانت قد وصلت إلى ما يقرب من عشر سنوات، انقسمت الورقة إلى خمسة أقسام رئيسية هي: فكرة التنظيم العالمي، أهدافه، وسائله، سلبيات العمل في الفترة الماضية، الاقتراحات والتوصيات، وجاء في البند الثالث – الوسائل - ما يلي: "ويرى بعض الإخوة أنه وبعد مرور ما يزيد على عشر سنوات من عمر التنظيم العالمي ومغالاة الأنظمة في حرب الجماعة والوقوف بشكل عام أمام أي توجه إسلامي صحيح، فإن هناك وجها آخر لوسائل التغيير لا بدّ من إعادة النظر فيه وتجليته للوصول إلى رؤية شرعية محددة لوسيلة من أهم وسائل التغيير داخل مجتمعنا انطلاقا من ثوابت فكر الإمام الشهيد رحمه الله، وقد بلور بعض الإخوة وجهة نظرهم بالصورة التالية:
نستطيع أن نلحظ أن الإمام البنا قد اختار وسيلة بعينها في الأجواء الليبرالية التي كانت تحيط به، وهي النضال الدستوري، ولكنه لم يغلق باب الخيارات الأخرى التي قد تحتاجها الحركة للتغيير النهائي، ومن أجل ذلك نستطيع أن نقول إن المعالم النظرية للمشروع الحركي الإخواني قد تبلورت في صورة أقرب إلى النضج، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن أيّة نظرية في العلوم الإنسانية يمكن أن تصل إلى صيغتها النهائية، بل يظل الباب مفتوحا للمراجعة والتقويم، وتلخيصاً نقول إن الإمام البنا قد قام بما يلي:
1 - دراسة الواقع المحيط وتحديد المشكلة المطلوب علاجها.
2 - تحديد الأهداف الاستراتيجية للحركة.
3 - تحديد وسائل التغيير:
أ – المباشرة: النضال الدستوري – الانقلاب العسكري – الثورة.
ب - غير المباشرة: العمل الجماهيري ونشر الفكرة
4 - بناء أجهزة الحركة المناسبة للتغيير: التنظيم الخاص، التنظيم العسكري، الشعب، الجهاز التربوي، الجهاز الإعلامي، المؤسسات الاقتصادية".

(خطة التمكين..1992) الشاطر يخطط للهيمنة على مصر

ولم يمض على اقتراح مشهور عام واحد حتى اكتشفت أجهزة الأمن المصرية خطة أطلق عليها الإخوان آنذاك "خطة التمكين" والتي عرفت إعلامياً بقضية "سلسبيل" التي تحمل رقم 87 لسنة 1992، وخطة التمكين التي تقع في ثلاث عشرة ورقة فلوسكاب، ضبطت في منزل قيادي الجماعة المهندس خيرت الشاطر عام 1991، وتعتبر الوثيقة "هي أخطر وثائق جماعة الإخوان المسلمين السرية على الإطلاق، وهي – كما يشير عنوانها – تتعلق بخطة الجماعة من أجل الاستيلاء على الحكم؛ لأن معنى "التمكين"  كما تقول الوثيقة بالحرف الواحد: هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتّى - كما تؤكد الوثيقة - بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوى المجتمع الأخرى والتعامل مع قوى العالم الخارجي". 
وتضع الوثيقة - المكونة من 13 ورقة فلوسكاب - مهمة التغلغل في قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين وقطاع رجال الأعمال والفئات الشعبية الأقل قدرة، باعتبارها حجر الزاوية في خطة التمكين؛ لأن من شأن انتشار جماعة الإخوان في هذه القطاعات – كما تقول الوثيقة – أن يجعل قرار المواجهة مع الجماعة أكثر صعوبة ويفرض على الدولة حسابات أكثر تعقيداً، كما أنه يزيد من فرص الجماعة وقدرتها على تغيير الموقف وتحقيق "التمكين".
وتشير الوثيقة بوضوح بالغ إلى أهمية تغلغل جماعة الإخوان في المؤسسات الفاعلة في المجتمع، وهنا مكمن الخطورة؛ لأن المؤسسات الفاعلة في عرف الجماعة ليست فقط النقابات المهنية والمؤسسات الإعلامية والقضائية ومجلس الشعب، لكنها أيضاً "المؤسسات الأخرى" التي تتميّز بالفاعلية والقدرة على إحداث التغيير، والتي قد تستخدمها الدولة في مواجهة الحركة وتحجيمها.
إن وثيقة "التمكين" لا تقول صراحة ما هي "المؤسسات الأخرى" التي يجري تجهيلها عمداً، لكن الوصف يشير بوضوح بالغ إلى مؤسستي الجيش والشرطة، على أن أخطر ما تطرحه الوثيقة هو رؤية جماعة الإخوان لكيفية التعامل مع قوى العالم الخارجي، خاصة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتكشف الوجه الحقيقي للجماعة؛ لأن الوثيقة تؤكد على أهمية إشعار الغرب - وأمريكا على وجه الخصوص - بأن الإخوان لا يمثلون خطراً على مصالحهم، وأن من صالح الغرب أن يتعامل مع الإخوان عند "التمكين"؛ لأن الإخوان يمثلون قوة تتميز بالاستقرار والانضباط. 
"ثلاث عشرة صفحة فلوسكاب من الحجم الكبير معنونة بكلمة "التمكين"، موضوعة في شكل تقرير يؤكد على أن المرحلة الجديدة من عمر التنظيم تتطلب المواجهة ولا تحتمل عمومية الأهداف السابقة في الانتشار والتغلغل، وتحذر الوثيقة من التضارب في القرارات بالنسبة للمواقف التي تتعرض لها الجماعة، فضلاً عن التحدي والتهديد الخارجي والمواجهة السافرة بين الأنظمة الموجودة وحركات الإسلام السياسي العاملة على الساحة، وتتساءل الوثيقة: ما هي الأوضاع التي ينبغي أن تكون عليها الحال؟، والنتائج الموجودة على المدى القريب والقصير من حيث:
-  تحقيق الرسالة.
-  توافر الاستمرارية.
-  الاستعداد للمهام المستقبلية.
-  رفع الكفاءة. 
والرسالة في عرف الجماعة - وحسب نص الوثيقة - تستهدف التهيؤ لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة الدولة وإعداد البناء الداخلي لمهام مرحلة "الكفاءة"، والأخيرة تقصد بها الوثيقة وضع سياسة مواجهة لذلك التهديد الخارجي، يقصدون به محاولات إجهاض مخططات الجماعة للسيطرة والتغلغل، وذلك عن طريق:
-  الانتشار في طبقات المجتمع الحيوية والقدرة على تحريكها.
-  الانتشار في المؤسسات الفاعلة ويقصدون بها الجيش والشرطة.
-  التعامل مع القوى الأخرى.
-  وأخيراً.. الاستفادة من البعد الخارجي".

إدارة الـدولـة:

إن المحافظة على الحالة من التمكين التي يصل إليها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة على إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا
لعل أخطر ما في هذه الوثيقة أنها توضح الشكل الانقلابي الذي يعده الإخوان للسيطرة على نظام الحكم والوصول إلى مرحلة إدارة الدولة، أو ما اصطلح على تسميته في تلك الوثيقة الخطيرة بالاستعداد للمهام المستقبلية، وتقول الوثيقة: "إن المحافظة على الحالة من التمكين التي يصل إليها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة على إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا، وفي الوقت ذاته ستؤدّي حالة التمكين إلى تكالب القوى المعادية الخارجية؛ لذا كان لا بدّ من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال أن يكون لدينا – الإخوان – رؤية لمواجهة التحديات، سواء من حيث امتلاك الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذه الرؤية والقدرة على تطويرها، وهذا يتطلب إعداد البناء الداخلي بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ويحقق الاستخدام الأمثل للموارد الذي اصطلحت الوثيقة على تسميته "بالكفاءة"، وتضيف الوثيقة: "إن هذا يمثل التحدي العملي في تحقيق الخطة بأهدافها المختلفة؛ مما يستوجب التعامل مع جزئيات البناء الداخلي لتطويرها كي تتوافق مع طبيعة المرحلة القادمة - سواء من حيث الرؤية أو التكوين للأفراد أو البناء الهيكلي - على النحو التالي: فعلى صعيد الرؤية، وهي أحد أهم أضلاع مثلث مرحلة الكفاءة، فإن هذا يتطلب توحيد توجهات الصف في اتجاه البناء والتغيير؛ لذا لا بدّ من استيعاب كامل من قبل الصف - "العناصر الإخوانية" - لقضية التغيير ووضوح كامل للتوجهات حتى لا تواجه الخطة بالمقاومة السلبية من الداخل، وضرورة البدء بطرح قضية التغيير للحوار على جميع المستويات من أجل أن يتفاعل ويكون عامل المشاركة دافعاً لإثارة كوامن الفكر والمبادرة وتجسيد القضية.
في جانب تكوين الأفراد فإنه – وحسب ما تصرح به الوثيقة – إضافة إلى البرنامج التكويني القائم حالياً، فلا بدّ أن يشمل في المرحلة المقبلة انعكاسات الجزئيات المختلفة للخطة عليها، فالانتشار في طبقات المجتمع وهو صلب خطة التمكين، يتطلب رفع قدرة الأفراد على التأثير في قطاع عريض من المجتمع، عبر رفع إمكانات الحوار والقدرة على الإقناع والتدريب وذلك عن طريق: 
-  إحداث التوازن بين الدعوة الفردية، من أجل الضم للصف والدعوة العامة.
-  تنمية حلقات القيادة والقدرة على تحريك المجموعات.
أما بالنسبة للانتشار في المؤسسات الفاعلة فهذا يتطلب:
-  رفع قدرة الأفراد على اختراق المؤسسات دون فقدان الهوية. 
-  رفع قدرة الأفراد على التعامل مع المعلومات". 
وبالنسبة للتعامل مع القوى الأخرى، لا بدّ من تربية الأفراد على إقامة جسور فكرية أو عملية معها، وبالنسبة لمهمة إدارة الدولة ومهام المستقبل فإن هذا يتطلب:
1 - الاهتمام بمجموعة مختارة تنمَّى فيها القدرة على إدارة المؤسسات العامة.
2 - القدرة على استيعاب المتميزين في القطاعات المختلفة والاستفادة منهم.
وإلى جانب البناء الهيكلي، فإن المنهج العملي للإدارة يتطلب:
-  توفير المعلومات اللازمة لأداء المهام المختلفة.
-  إرساء مبدأ التفويض واللامركزية في الأعمال ما أمكن.
-  إرساء مبدأ التفرغ لشغل المناصب ذات الأهمية.
-  مرونة الهيكل بحيث تسمح بإضافة كيانات جديدة استجابة للخطة "جهاز معلومات – علاقات سياسية".
-  استكمال الهياكل بناء على أهمية العمل في الخطة وأولويته". 
ضربت خطة التمكين مع ضرب مجموعة شركة سلسبيل في القضية رقم 87 لسنة 1992، وظلت أوراق القضية تتداول أحد عشر شهراً، كانت الدولة خلالها تصارع جماعات العنف في أقصى صعيد مصر وفي قلب القاهرة، وكانت الفكرة هي الاكتفاء بكشف كل عناصر التنظيم ومخططاته والعمل بنظام الخطوة خطوة في تتبع هذه العناصر والمخططات، مع وضع كل شيء تحت السيطرة التامة عبر مراقبة جميع التحركات، قرار المواجهة الشامل لم يكن قد حان اتخاذه بعد، الأمر الذي دفع به تجاه الإفراج عن كل المقبوض عليهم على ذمة القضية في حينه، على أن يتم التعامل معهم في الوقت المناسب، وهو إجراء قانوني وسياسي في نفس الوقت؛ إذ لا يعقل أن يتم فتح جبهتين في آن واحد، خاصة أن الجبهة الأولى كانت غامضة تماماً وغير معروف حجمها الحقيقي، وأن الجبهة الثانية تمّت تعريتها تماماً وأصبحت تحت السيطرة، وهو ما تم الكشف عنه فيما بعد عام 1995 في أول قضية عسكرية للإخوان التي كانت برقم 8/1995، 11/1995، والتي تم فيها رصد أول اجتماع كامل لمجلس شورى الجماعة بالصوت والصورة، وحصل فيه 85 متهما على أحكام تتراوح من 5 إلى 7 سنوات كان بينهم نجوم الصف الأول بالجماعة.

التسعينيات ومباركة العنف:

رغم اتسام الخطاب العلني للجماعة في تسعينيات القرن الماضي، بالبعد عن تأييد عمليات العنف، التي كانت مشتعلة بين الأمن والجماعات المتطرفة – آنذاك - إلا أنها أبدا لم تُدِن العنف بأيّة وسيلة كانت، واكتفت بإدانة ما أسمته بالعنف والعنف المضاد من قبل الدولة، وكأننا أمام فريقين على قدم المساواة في الحقوق يتصارعان، وليس أمام شباب فهم دينه بشكل خاطئ، كما أعلنوا فيما بعد فيما عرف بتصحيح المفاهيم، ورجال منوط بهم الدفاع عن وطن تنتهك حرمته.
ولم تقف تصرفات الإخوان تجاه هذا العنف والإرهاب الواضح تجاه الدولة، والذي هدف إلى تركيعها لتقبل بشروط جماعات خارجة على القانون ولا تؤمن بدستور أو تشريع وضعه نواب الأمة، بل تعدّى ذلك إلى مساعدة هذه الجماعات على الاستمرار في مواجهة الدولة وقواها الأمنية عبر عدة برامج تضمنت:
1 - تقديم الدعم لعناصر تلك الجماعات وذويهم.
2 - تشكيل لجنة من المحامين الإخوان للدفاع عنهم.
3 - جمع التبرعات لأهالي المعتقلين منهم.
4 - تخصيص جزء من ميزانية نقابة المحامين (التي كانت تسيطر عليها الجماعة آنذاك) لصالح المحامين المتهمين والمحكوم عليهم والمعتقلين.
5 - تهيئة البنية التحتية للتنظيمات الأصولية عبر تسفير عناصر تلك التنظيمات من خلال نقابة الأطباء البشريين ولجان الإغاثة المنبثقة منها.
ولم يقف الأمر عند حد مساعدة جماعات العنف عبر تقديم الدعم اللوجستي للمساعدة في صمودها واستنزافها للدولة أمنيا واقتصاديا، ولكنها راحت تنشئ معسكرات تدريب لعناصرها من الشباب في المدن الساحلية يتم خلالها تدريبهم على الرياضات العنيفة، كذا تشكيل لجان تحت مسمّى "لجان الردع" تضم في عضويتها الكوادر الإخوانية التي تجيد الرياضات العنيفة وتكليفهم بحيازة بعض الأسلحة - أسلحة بيضاء، قنابل مولوتوف، عصيّ خشبية، جنازير - للاستعانة بهم خلال الانتخابات البرلمانية، وهو ما بدا واضحا أثناء العرض العسكري لهذه الميلشيات في ساحة جامعة الأزهر عام 2006.