بوابة الحركات الاسلامية : السلفية الجهادية الأردنية .. صراع الأستاذ والتلميذ (طباعة)
السلفية الجهادية الأردنية .. صراع الأستاذ والتلميذ
آخر تحديث: الثلاثاء 04/01/2022 09:35 ص حسام الحداد
"فتش عن "الإخوان المسلمين"، مقولة تستطيع دائما أن تبدأ بها إذا أردت البحث عن الجماعات المتطرفة داخل أي مجتمع عربي، أو أي جماعات متطرفة دينية في أي مكان في العالم الإسلامي، دائما ما تكون البدايات كلها من عند "الإخوان"، فأغلب المتطرفون من الجماعات الجهادية سواء في الأردن أو الفلبين أو ماليزيا، أو مصر والسعودية واليمن، وبدءا من تنظيم القاعدة، مرورا بجماعة أبو سياف، وصولا إلى مجاهدي كومبولان، كلهم متأثرون بأفكار حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي وبالمذهب الوهابي السلفي، وأيضا بتفسيرات ابن تيمية وابن القيم الجوزية، وفتاوى سيد قطب الجهادية التكفيرية، نفس مصدر الشرور بأفكارهم المسمومة، ليثبت الإخوان بأنهم "أصل كل الشرور"، ولكن هذه المرة مع "السلفية الجهادية" في الأردن.

أصل نشأة الجماعات الجهادية في الأردن

شهدت المنطقة العربية والعالم بداية تسعينيات القرن الماضي عدد من التحولات الإقليمية، عملت على ظهور وبلورة السلفية الجهادية في الأردن، خاصة بعد أن عودة 300 ألف أردني من الكويت ودول الخليج أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991، إضافة إلى عودة الأردنيون الأفغان الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني.
لتظهر السلفية الجهادية في الأردن في مطلع التسعينيات من القرن الماضي على يد العائدين من أفغانستان بعد انتهاء مهمتهم في أفغانستان، بانهيار الاتحاد السوفييتي، الميلاد الحقيقي للتنظيم كان بعد اجتماع بين أبو قتادة ومحمد المقدسي وأبو مصعب الزرقاوي، أهم وأخطر رموز التيار السلفي الجهادي في الأردن، وعقب عودة الزرقاوي إلى الأردن مطلع عام 1993، اتصل بالمقدسي للعمل سويا على نشر الدعوة السلفية الجهادية، والبدء في التحضير لإنشاء جماعة سلفية جهادية تكون منعطفا في تاريخ السلفية الجهادية الأردنية، وكان توقيع الأردن معاهدة "وادي عربة" للسلام مع إسرائيل، أحد الأسباب الرئيسية لظهور وتكوين أول تنظيم جهادي حقيقي بالأردن، وهي الجماعة التي عُرفت إعلاميا وأمنيا بـ"بيعة الإمام"، والذي ظهر عام 1994، وكان يسمى في ذلك الوقت تيار "الموحدين"، والذي كفِّر الأنظمة الحاكمة، كما دعا إلى عدم المشاركة في الانتخابات، منتقدا للقوى السياسية المشاركة في المشهد السياسي الأردني، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمون، ولكن سرعان ما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على جميع أعضائه قبل القيام بأي عمليات، وتمت محاكمة الزرقاوي والمقدسي اللذان ظهرا كقائدين للتيار، وشكل السجن أول محطة خلاف بين القياديين، وبرز فيما بعد كخلاف منهجي في قيادة التيار ومساره.
في الوقت الذي شكلت الجماعات المقربة من عبد الله عزام ما عُرِفَ بـ "جيش محمد"، وهو تنظيم أصولي مسلح حاول التخطيط لاغتيال العاهل الأردني حينها الملك الحسين، وتم إلقاء القبض على عددٍ من قياداته وحُكِمَ عليهم بالسجن قبل أن تفرج السلطات عنهم عام 1999، ومعظم المنضمين من تلك الخلايا كانوا من الخارجين عن جماعة الإخوان، وأبرز اسمين في هذا الصدد هما سميح زيدان، وأبو قتيبة المجالي، واللذان أمضوا فترة مع الشيخ عبد الله عزام في أفغانستان.
بعد الإفراج عنهما عام 1999 في عفو ملكي عقب تولي الملك عبد الله الثاني الحكم, خرج الزرقاوي من السجن متجها لأفغانستان فيما اتجه المقدسي للتنظير والعمل الدعوي الذي انتهى به إلى السجن مجددا نهاية 1999 في قضية "تفجيرات الألفية"،  والتي تمت تبرأته منها بعد عام من الاعتقال.

تطور التنظيم

كان هناك خلاف واضح بين منهج كل من الزرقاوي والمقدسي، والذي ظهر بينهما في السجن، وبرز فيما بعد كخلاف منهجي في قيادة التيار ومساره، فكان المقدسي يرى ضرورة حفظ مسافة فاصلة عن القاعدة عالميا وإقليميا، بينما يرى الزرقاوي وأتباعه، التناغم والاندماج بين التيار والقاعدة داخل الأردن وخارجه، وهو الخلاف الذي ظهر لاحقا عبر إعلان مجموعة المقدسي عن "سلمية الدعوة" في الأردن، مع الإبقاء على موقفها من الحكام والحكومات بوصفهم كفارا وخارجين من الملّة، في المقابل رفض مجموعة الزرقاوي لذلك وإصرارها على مبدأ العمل المسلّح، وظل الخلاف بين جناحي التيار واضحا خاصة بعد انتقال الزرقاوي إلى العراق، وقيادته تنظيم القاعدة هناك حيث انضم إليه مئات من الجهاديين بالأردن، في الوقت الذي شارك فيه آخرون في معارك تنظيم القاعدة في كل من الشيشان وأفغانستان.
بدأ الجهاديون بتوسيع دائرة التجنيد والتعبئة والنشاط منذ التسعينيات، واستطاعوا اكتساب مئات الأنصار، وشكّلوا صداعا أمنيا للنظام الأردني عبر المجموعات المتعددة والخلايا السرية الناشطة، التي تقوم بنشر الفكر والقيام باستهداف مصالح أجنبية وأمنية.
شهدت السلفية الجهادية نقلة نوعية بعد خروج الزرقاوي من السجن عام 1999، والذي تنقل من الأردن متوجها بين أفغانستان وإيران، ليستقر فيما بعد في بغداد عقب الاحتلال الأمريكي، ودخل معسكر تدريب في شمال العراق مع جماعة أنصار الإسلام، ليبدأ نشاطهم ضد القوات الأميركية التي غزت العراق عام 2003، ولم يكن الزرقاوي مرتبطا بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، وتم تأسيس تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين، وفي أكتوبر 2004 أعلن بيعته لابن لادن، ليتأسس تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ومن العراق استطاع الزرقاوي توجيه جزءا رئيسا من نشاطه لإرسال المجموعات المسلحة للقيام بعمليات نوعية في الأردن، ونجم عن ذلك ما سمي بتفجيرات عمان 2005، التي استهدفت ثلاثة فنادق رئيسة، ومثّلت أكبر وأخطر تفجير في تاريخ المملكة.
استطاع الزرقاوي من السيطرة على التيار، واستمالة الشبان للانضمام للقاعدة في العراق في غياب المقدسي الذي كان معتقلا من 2002 حتى 2005، وهي الفترة التي شهدت محاكمة مئات من شباب التيار أمام محكمة أمن الدولة بتهم يتعلق معظمها بتجنيد الشباب للجهاد في العراق.
بعد خروج الزرقاوي من السجن شارك في محاولة لتفجير فندق راديسون في عمان، حيث العديد من السياح الإسرائيليين والأمريكيين فر بعدها الزرقاوي إلى بيشاور بالقرب من الحدود مع أفغانستان. وتمت إدانته في وقت لاحق وحكم عليه بالإعدام غيابيا بتهمه التآمر للهجوم على فندق راديسون ساس، كما حكم عليه غيابيا في قضية تنظيم الخلايا مدة 15 عاما من قبل محكمة أمن الدولة الاردنية وبالإعدام في قضية تنظيم «القاعدة».
بعد خروج المقدسي من السجن في 2005، أعلن خلافه مع منهج الزرقاوي من خلال ما عرف برسالة "المناصرة والمناصحة" التي وجهها للزرقاوي، وأنكر فيها عليه الكثير من أعمال القاعدة في العراق خاصة استهداف الشيعة والمسيحيين، الرسالة التي لاقت تأييدا من قادة التيار في الأردن مما شكل تحولا في مسار هذا التيار، وبداية نهاية قيادة الزرقاوي لمساره.
بعد مقتل الزرقاوي عام 2006، ، برزت خلافات داخل التيار الجهادي بين أتباع الشيخ المقدسي، الذي يميل إلى العمل السلمي في الأردن، وإلى توجيه انتقادات لبعض أفكار وممارسات الزرقاوي، ومجموعة الزرقاوي التي تتمسّك بالعمل المسلّح وبمنهج الهجرة والمشاركة في ساحات القتال مع القاعدة في مناطق أخرى من العالم.
تعرض تيار الجهادي للأردن لعدد من الضربات الأمنية التي شنتها أجهزة الأمن الأردنية عام 2006، بعدما نفذت خلية تابعة للزرقاوي تفجيرات 2005 في عمان، واستمرت تلك الضربات حتى بعد اغتيال الأميركيين للزرقاوي في يونيو 2006.
بعد موت الزرقاوي تشتت حركة الجهاديين بالأردن وظل بدون قيادة قرابة العامين وبالتحديد حتى مارس 2008، ولكن ومع الإفراج المشروط للمخابرات الأردنية للمرة الثانية عن المقدسي، أعاد تنظيم صفوف التنظيم على أسس معلنة هي:
العودة إلى سلمية الدعوة في الأردن لكن بصورتها التقليدية المعروفة والذي لم يحدث على الإطلاق
ترتيب البيت الداخلي والحد من نزعة الغلو في التكفيروالسعي إلى توحيد مصادر المرجعية الفقهية والفكرية.
العمل على نقل العمل الدعوي إلى فلسطين، وبناء حركة تعلن الجهاد هناك على منهج السلفية الجهادية.
نجح المقدسي في إعادة تنظيم الجهادية السلفية مرة أخرى، ولكن ظلت هناك مجموعة داخل التنظيم ترى ضرورة تطابق رؤية وأهداف التنظيم مع تنظيم القاعدة.
 يعتبر المقدسي المنظر الأبرز للجماعة، على الرغم من التضييق الأمني الذي مارسته السلطات الأردنية عليه وتعرضه لمضايقات أمنية، ولكن مع سجنه بشكل متكرر حال دون استكمال مسار مراجعات الفكرية التي نادى بها المقدسي، لتظهر قيادات جديدة جهادية أكثر تشددا وتطرفا في الأردن، منهم أبو محمد الطحاوي، والقياديان في مدينة السلط جراح الرحاحلة ولقمان الريالات، وفي عمان سعد الحنيطي وجواد الفقيه، وفي معان محمد الشلبي والملقب بأبو سياف وصخر المعاني، وغيرهم من القيادات في مدينة الزرقاء التي تعتبر المركز الرئيسي في الأردن. 

العقيدة الجهادية والمرتكزات الفكرية

تقوم القاعدة الأساسية لتنظيم الجهاديين السلفيين بالأردن والحاكمة لفكر التيار على مفهوم "الحاكمية"، الذي كفر به سيد قطب كافة المجتمعات، والمبني على الكفر بالدساتير والنظم والمؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في العالم الإسلامي باعتبارها لا تلتزم بالتوحيد.
والمفاهيم الحاكمة لدى الجماعة الجهادية في الأردن تقوم على التأسيس للمشروعية الدينية والتاريخية، وإبراز الحاكمية لله مقابل الجاهلية المعاصرة وفقا للرؤية التي طرحها مفكر الإخوان سيد قطب.
كما تقوم على الكفر بالديمقراطية والمجالس النيابية، ونزع الشرعية عن الحكومات، واعتماد تقسيم المجتمعات والمؤسسات إلى دار الإسلام أو دار الكفر لتسويغ الأحكام والفتاوى، والتمايز عن الحركات الإسلامية الأخرى من خلال مفهوم الطائفة المنصورة، واعتبار الجهاد العمود الفقري لأيديولوجيا التيار وعمله.
ولكن في كل الأحوال فإن الإخوان المسلمون في الأردن، لا يزالون منبعا ومخزناً للحركات السلفية الجهادية وذلك لقدرتهم على النزول للشارع بحرية والقيام بالثورات، هذا المنبع لا يظهر إلا في أوقات الأزمات، وبالتالي يتحرك أفرادهم من وإلى التنظيمات الأخرى، فمن الممكن أن تتسرب من التبليغ إلى القاعدة مثل أبي قتادة، أو من الإخوان إلى القاعدة، مثل المقدسي أو عزام، وتلتقي تلك التيارات في تنظيرها لحالات الحرب والسلم وديار الإسلام والكفر، فهي تستند على قاعدة فكرية واحدة، على الأقل على سبيل الادعاء، وهي الكتاب والسنة".

أبرز قادة التنظيم

1. أبو محمد المقدسي:
أبو محمد عاصم بن محمد بن طاهر الحافي العتيبي، والمعروف أيضا باسم عصام البرقاوي، نسبة لقرية برقه في فلسطين، وهو أردني من أصل فلسطيني، ولق بالحافي والعتيبي نسباً، وهو من قرية برقة من نابلس والتي ولد فيها 1959، وإليها نسبته بالبرقاوي لا إلى برقا عتيبة فهو من الروقة.
وهو أستاذ أبو مصعب الزرقاوي وأحد مؤسسي تيار السلفية الجهادية، عند عودته من الكويت إلى الأردن في بداية التسعينيات، كان قد نشط قبل ذلك في العمل الإسلامي، وتنقل بين السعودية والعراق وباكستان، والتقى أبا مصعب الزرقاوي هناك واتفقا عند عودتهما إلى عمان على تأسيس جماعة تدعو إلى التوحيد والحاكمية وتحكيم الشريعة الإسلامية، وتتخذ من الجهاد بمراحله المتعددة منهجاً لها، بخلاف جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتمدت المسار البرلماني واللعبة السياسية، وتعرض المقدسي لاحقاً إلى الاعتقال على خلفية قضية بيعة الإمام، وبقي في السجن إلى العام 1999، إذ خرج مع أفراد التنظيم بعفو ملكي، ثم بقي منذ تلك الفترة إلى اليوم يعيش إما في السجن أو تحت الرقابة والرصد الأمني، وما يزال اليوم في السجن، على خلفية قضية دعم طالبان. ويعد المقدسي من أبرز منظّري السلفية الجهادية في العالم، وله العديد من الكتب التي تمثل مرجعاً لهذا التيار، مثل "ملة إبراهيم وأساليب الطغاة في تمييعها"، و"الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية.

2. أبو مصعب الزرقاوي:
هو أحمد فاضل نزال الخلايلة، من عشيرة بنو الحسن والتي تنتمي لقبيلة طيء، أردني، ولد في 30 أكتوبر عام 1966، في مدينة الزرقاء الأردنية، سافر إلى أفغانستان في نهاية الثمانينيات، ليلتقي بأسامة بن لادن، وليصبح أحد المسئولين عن معسكرات التدريب، ومن هناك توجه إلى العراق ليصبح مسؤولا عن سلسلة من الهجمات والتفجيرات خلال حرب العراق، ليعود بعد انتهاء الحرب إلى الأردن، وتقوم السلطات الأمنية الأردنية باعتقاله بعد العثور على أسلحة ومتفجرات في منزله، ليقضي ست سنوات في سجن أردني، من سبتمبر عام 1992، وحتى الإفراج عنه عام 1999.
لم يكن السجن للزرقاوي عقبة في طريق تكوين تنظيم السلفية الجهادية، بل استطاع من استكمال مسيرة التنظيم داخله، وأصبح قائدا لتيار من السجناء السياسيين يطلق عليهم اسم "بيعة الامام"، ويطلقون على أنفسهم "الموحدون"، وكان لهم نظام صارم خاص بهم يشرف الزرقاوي على تطبيقه بكل تفاصيله، الذي لقب بالـ"أمير"، والمكلف بالشؤون التنظيمية وقيادة الجماعة، وكانت هناك عدة تنظيمات وجماعات أخرى موجودة داخل السجن، تتقاسم الغرف وتتباين في وجهات نظرها بشكل كبير يؤدي مناقشاتها في كثير من الوقت إلى صدامات حادة فيما بينها تصل إلى حد التكفير، من هذه الجماعات حزب التحرير الاسلامي، وكان قائدها عطا أبو الرشتة، إلى جانب قيادات تشكلت في جماعات صغيرة مستقلة مثل عجلون، وجماعة الموجب، والأفغان الأردنيون، بالإضافة إلى متهمين إسلاميين مستقلين على رأسهم ليث شبيلات، وكانت امارة الزرقاوي من أقوى الإمارات وأكثرها نفوذا بين تلك الجماعات، لأسباب تنظيمية حيث كانت حركة التنظيم ممتدة داخل كل المهاجع في السجن، واستطاع الزرقاوي من استقطاب عدد كبير من السجناء، وتمكن من السيطرة على الجميع، وتنظيم كافة تفاصيل العلاقات داخل الحركة. 
ساعده في ذلك أبو محمد المقدسي عصام البرقاوي، ولكن بعد فترة كان المقدسي يفقد سطوته وسلطته على الحركة لصالح الزرقاوي، بالرغم من فارق الثقافة بينهما إلا أن الزرقاوي الأقدر على التصدي لإدارة السجن ومجابهتها والاشتباك معها إذا تطلب الأمر.

الصراع بين المقدسي والزرقاوي:

كان هناك خلافات واضحة بين المقدسي والزرقاوي، سواء على مستوى الرؤى الفكرية والمستقبلية للتنظيم، أو على مستوى التخطيط التنفيذي، وتداعياتها على مسار التيار وتطوره، وقد لعب الصراع بينهما دوراً محورياً ورئيساً في توجيه الحركة الجهادية الأردنية، الأمر الذي كان له رجع الصدى خارج الأردن، هذا بالإضافة إلى الخلاف المنهجي، ويرجع الاختلاف بينهما ليس فقط في الفكر السياسي للشخصين، ولكن أيضا بحكم التنشئة والانتماء والتكوين النفسي والمجال الاجتماعي، فالمقدسي ولد في فلسطين وانتقل إلى الخليج ليعايش الغربة وقسوتها، معاصرا وقارئا لعدد من تجارب الجماعات الإسلامية في الأردن ومن قبلها فلسطين، وبين الزرقاوي الشاب الذي نشأ بعيدا عن الدين في مدينة الزرقاء الأردنية، في مجتمع فقير ومهمش، يعاني أمراضا اجتماعية جمة.
تعود جذور الخلاف بين المقدسي والزرقاوي إلى أيام السجن الأولى في قضية بيعة الإمام، بعدما أصبح الزرقاوي الأمير الحركي للتنظيم، وانتزاعها من المقدسي في فترة وجيزة، والتف أغلب أفراد التنظيم حول الزرقاوي، ليعاني المقدسي في أوقات متعددة من مشاكل بينه وبين أفراد التنظيم، كانت أسبابها المعلنة مرتبطة بالتعامل مع الشرطة ورجال الأمن والمخالفين من الاتجاهات السياسية، حيث تم اتهام المقدسي بالتهاون والليونة الزائدة التي وصلت إلى حد المداهنة، بينما كان الزرقاوي صلباً وشرساً في التعامل مع الأمن تحديدا.
وتعكس رسالة المقدسي "مناصرة ومناصحة"، التي وجهها للزرقاوي من داخل السجن، جزءا من حقيقة الصراع، والذي وجه فيها المقدسي نقدا لاذعا لسياسات الزرقاوي ونهجه في قيادة التنظيم، كما تكشف كثيرا من تفاصيل الخلاف بين المقدسي القائد الحركي للتنظيم وبين الزرقاوي التلميذ المتمرد، وتقدم ملخصا للتجربة التي جمعت بين الطرفين.
المحطة الرئيسة للخلاف برزت مع خروج الزرقاوي إلى أفغانستان مصطحباً معه عدداً من أبرز عناصر الحركة قوة، وهو ما انتقده المقدسي بصورة واضحة معتبراً أنّه سيؤدي إلى "تفريغ الساحة" من "المجاهدين"، واتهم المقدسي، بشكل غير مباشر الزرقاوي، في ارتكاب أخطاء جسيمة، تنم عن عدم نضوج فكري وحركي للأخير، قائلاً له: "قيادة عدد من الأفراد داخل السجن لا يجوز أن تنقلها بسطحيتها وسذاجتها إلى العمل التنظيمي المسلح".
ضمت الرسالة اللَبِنةً الرئيسية للخلاف بين الطرفين، والتي أوضحها المقدسي أثناء حديثه عن السبب في عدم الذهاب مع الزرقاوي إلى أفغانستان حيث قال: "آثرت البقاء في البلد لمتابعة ورعاية الدعوة التي بدأناها، وكلي أمل أن انقلها غرباً عبر النهر، فلي هناك آمال وطموحات، حيث كان اهتمام المقدسي، الفلسطيني الأصل، بالقضية الفلسطينية، وكان الأردن يمثل محور انطلاق الدعوة إلى هناك، أما الزرقاوي (أردني الأصل) عندما اقترح عليه الجيوسي قصف إيلات من العقبة، وكانت العملية تكاد أن تكون محكمة، فقد رفض ذلك وأصر على تصويب أهدافه “شرق النهر” وكان –سابقا- أحد ضباط المخابرات أبرز أهدافه، ثم أصبحت دائرة المخابرات العامة بأسرها هدفه الأكبر.
كما انتقد لمقدسي في رسالته العمليات المسلّحة التي وجهها الزرقاوي من الخارج (أثناء إقامته في أفغانستان وكردستان)، والتي باء أغلبها بالفشل واعتقال منفذين العملية، مرجعا السبب الرئيسي إلى  وجود "اختلالات هيكلية" في المجال الأمني، في تلميح صريح منه بوجود اختراق لمجموعة الزرقاوي من قبل المخابرات الأردنية.
وكان هدف المقدسي بالتلويح بهذه القضية لتحميل الزرقاوي مسؤولية الفشل نتيجة الاختراق الأمني، وإهدار جهود وأموال والتضحية بمن يقومون بالعمليات، أيضا أراد المقدسي وضع "علامة استفهام" على كفاءة الزرقاوي القيادية.

أهم عمليات الحركة السلفية الجهادية بالأردن:

أغلب المحاولات والعمليات الخطرة والكبيرة التي كانت تتم في الأردن كان يجري التخطيط والإعداد لها في الخارج، وفي الأغلب من قبل الزرقاوي أو أحد معاونيه، ليبقى التعاون قائماً بين الخارج والداخل والاتصال حتى لا ينقطع، وكانت هناك انعكاسات متبادلة بين قوة الخارج والداخل، على مستوى العمليات والتنظيمات.
وتعد المرحلة الذهبية للقاعدة في العراق، في الفترة بين عامي 2004 إلى آواخر 2005، والتي انعكست بشكل كبير وفاعل على الأردن بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام، فقد أدّى هذا الصعود إلى تحول كامل في البيئة الأمنية الإقليمية بأسرها. حيث شكل تنظيم القاعدة خطورة حقيقة، وبدا التنظيم أكثر احترافاً وتعقيداُ وقدرة على التأثير على الحالة الأمنية في الأردن من كافة المراحل السابقة.  
أخطر العمليات التي تعرّض لها الأردن خلال هذه المرحلة كانت تفجيرات عمّان التي وقعت في 2005، لكن سبقها أيضاً محاولات لا تقل خطورة وإن لم يحالفها النجاح، كان أبرزها ما سمي بـ”تنظيم كتائب التوحيد” بقيادة عزمي الجيوسي، والتي بدأ الزرقاوي في التّحضير لهجومٍ كيماوي كبيرٍ يستهدف مبنى المخابرات العامة، والسفارة الأميركية، ورئاسة الوزراء، وكان من الممكن أن يقتل 80 ألفًا، بحسب اعترافات عزمي الجيوسي، الذي ظهر على شاشة التّلفزيون الأردني.
وفي سبيل إنجاح هذه الهجمات صنّع التنظيم عشرين طنًا من المتفجرات الكيماوية توضع في حاويات تحملها عدّة شاحنات، وقد أشرف الزرقاوي على تنسيق العمليّة، وفي 20 إبريل من عام 2004، وقبيل تنفيذ العمليّة تم القبض على أعضاء التّنظيم، وقُتل منفذوا العملية أثناء مواجهات لهم مع قوات الأمن الأردنية، وكان الجيّوسي المسئول الأول والذي قام بشراء المعدات اللازمة، بعد أن أرسل له الزرقاوي 170 ألف دولار، وكانت في سورية مجموعة للدّعم اللُّوجستي بقيادة السوري سليمان خالد دوريش والمعروف أيضا بأبو الغادية. 
تدرج أسلوب الزرقاوي في تنفيذ عملياتهم الانتحارية تدريجيا فبدأ باستخدام عناصر غير أردنية لتنفي عملياته، ففي أغسطس عام 2005، نفّذت الحركة "تفجيرات العقبة" بواسطة صواريخ كاتيوشا، والتي  أسفرت عن مقتل جنديّ وإصابة آخر، وقد القي القبض على بعض المشاركين في هذه العملية، وهم ثلاثة سوريين وعراقي، والذين صدرت أحكام الإعدام بحقهم عن محكمة أمن الدولة.
وتعتبر “تفجيرات” عمّان، (والتي وقعت في نوفمبر 2005، أخطر حدث أمني تعرض له الأردن خلال تاريخ الجماعات الإسلامية المتشددة بشكل عام، كما تعد تحولا استراتيجيا في تكنيك الجهاديين السلفيين، حيث استهدفت التفجيرات ثلاثة فنادق في عمّان (الرّاديسون ساس، وحياة عمان، والديز إن)، ونفذتها مجموعة من الانتحاريين بإشراف وتنسيق الزرقاوي، أسفرت عن مقتل 60 شخصًا، وإصابة  أكثر من 100 شخص.
وأعلن تنظيم القاعدة في العراق التّابع للزرقاوي عن تبنيّه لهذه العملية، ونشر تفصيلات عن المنفذين؛ وهم ثلاثة رجالٍ وامرأة عراقية، إلا أن المرأة وهي ساجدة عتروس الريشاوي فشلت في تنفيذ العمليّة الانتحارية، وتم القبض عليها لاحقاً وحكمت بالإعدام.

موقف السلفية الجهادية من ثورات الربيع العربي

تأثرت السلفية الجهادية بالحراك السياسي الذي حدث في المنطقة العربية نتيجة للثورات العربية في تونس ومصر وسوريا وللمرة الثالثة انقسم المنتمون له إلى مجموعتين الأولى أقرب إلى خط الشيخ أبو محمد المقدسي، وهم الذين بدأوا يعلنون "سلمية الدعوة" ويدفعون نحو "نصف مراجعات أيديولوجية"- أي التمسّك بمواقفهم من الحكومات و"مفاصلة" الدولة واللعبة السياسية مع رفض العمل المسلّح، إلاّ أنّهم أبدوا خلال الأشهر الماضية نشاطا واشتباكا مع الأوساط السياسية والإعلامية، كما بدأوا يشاركون في الاعتصامات والمظاهرات الخاصة بهم، مع وجود دعوات ونداءات داخل التيار بضرورة المضي خطوات أخرى للأمام نحو الدخول إلى المجتمع المدني، مثل الجمعيات أو الأحزاب، أما المجموعة الثانية الراديكالية فما تزال أقرب إلى خط زعيم القاعدة في العراق سابقا، أبو مصعب الزرقاوي، في مواصلة العمل المسلّح و الإصرار عليه كآلية لهم، بوصفه الوسيلة الوحيدة للتغيير.
ولكن كلتا المجموعتين اتفقا منذ مطلع عام 2011 بالخروج بمسيرات واعتصامات سلمية في عمان والزرقاء وإربد ومعان والسلط، كما عقد أول مؤتمر صحفي له، لإعلان موقفهم من ثورات الربيع العربي وموقفهم الجهادي منها والذي سنتناول دورهم فيه، خاصة في سوريا فيما بعد.
)

دور السلفيين الجهاديين في الصراع السوري

وفقا لتقرير نشره مركز كارنيجي الأمريكي في فبراير 2014، والمعني بدراسات تحديات الاصلاح السياسي والاقتصادي بالشرق الأوسط، فإن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن أعداد السلفيين الأردنيين تصل إلى 15000 سلفي، وفقا لأبحاث أردنية، ولكن تقدر أعداد الجهاديين منهم بنحو 5000 جهاديا، وهم مجرد جزء من المجموعات السلفية الأوسع نطاقاً في الأردن، وكان السلفيون الأردنيون، والجهاديون من بينهم، يعملون في الخفاء في شكل أساسي، إلا أن الاحتجاجات التي شهدتها الأردن في 2011 و 2012، سمحت لهم بالخروج إلى العلن والظهور أكثر على الساحة العامة من خلال المشاركة في المسيرات التي خرجت إلى الشوارع.
شكّلت الحرب في سوريا نقطة تحوّل إضافية، للسلفيين الجهاديين في الأردن والذين تحركوا عبر الحدود بعد خطاب ابو محمد الطحاوي في يونيو 2012، دعا فيها الجهاديين الأردنيين إلى الذهاب للجهاد في سوريا؛ قائلا:" مسؤولية كل مسلم صالح أن يعمل على وقف إراقة الدماء التي يقوم بها النظام النصيري (بحق السنّة)"، وذلك في إشارة إلى النظام العلوي الحاكم في سورية، لتشهد بذلك تنظيم السلفيين الأردنيين تحوّلاً أيديولوجياً ترافق مع تركيز جديد على "العدو القريب" والمتمثل في نظام بشار الأسد وقواته، وبذْل محاولات لإنشاء مايسمّونه "ديار التمكين" في سوريا، بهدف الحصول على حصن يستطيعون أن يوسّعوا من خلاله أنشطتهم باتجاه بلدان أخرى في المنطقة عبر البناء على التدريب الذي خضعوا له.

الجهاديون السلفيون الأردنيون هم من بين المساهمين الأكبر بإرسال المقاتلين إلى سورية. يعتقد خبراء في الجهادية السلفية أن نحو 700 إلى 1000 جهادي أردني يقاتلون الآن في سوريا، الأمر الذي يجعلهم يحتلون المرتبة الثانية مباشرة بعد الجهاديين التونسيين الذين يخوض نحو 800 عنصر منهم القتال إلى جانب الثوّار في سوريا، وقد انضمت غالبية الجهاديين الأردنيين في سورية إلى جبهة النصرة حيث يشغل إياد طوباسي، والملقب بـ"أبو جيليبيب" وهو أمير جبهة النصرة في دمشق ودرعا وصهر أبو مصعب الزرقاوي، ومصطفى عبد اللطيف، والملقّب بـ"أبو أنس الصحابة"،  وكل من عبد اللطيف وطوباسي هما أردنيين من أصل فلسطيني.
ويعد تمثيل الجهاديين الأردنيين في جبهة النصرة أكثر وضوحا وفاعلية منه في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وذلك يرجع للاختلافات الأيديولوجية، ويعد موقع سوريا أهمية بالغة بالنسبة إلى الجيل الصاعد من الجهاديين الأردنيين الذين يقاتلون حالياً في سهول "بلاد الشام" ، أو كما يطلقون عليها سوريا الكبرى وهضابها، وذلك لعدة أسباب، أولها مناصرة السوريين في حربهم ضد نظام بشار القمعي، وهذا يعد تحولا بارزا في أولويات الجهاديين باستهداف الأنظمة الحاكمة، بدلا من استهداف الغرب، الأمر الذي يخشاه النظام الأردني في أن تتحول تلك الدعاوي لتتمدد باتجاه الأردن. 
وعلى الرغم من أن الجهاديين الأردنيين الذين عادوا إلى ديارهم لم ينظموا صفوفهم بعد، إلا أن الأجهزة الأمنية الأردنية تشنّ حملة للتضييق على الجهاديين السلفيين منذ اندلاع الحرب في سوريا، خوفاً بالضبط من تحوّلهم نحو الداخل الأردني. وقد طالت الاعتقالات على مستوى البلاد 150 إلى 170 جهادياً اعتباراً من شهر يناير 2014، وفي ديسمبر 2013، اعتقلت أجهزة الاستخبارات الأردنية المواطن رائد حجازي الذي يلقّب بـ"أبو أحمد الأمريكي"، على خلفية الاشتباه بإقامته روابط مع تنظيم القاعدة، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها تلك الأجهزة للحؤول دون حدوث مزيد من التنسيق بين الجهاديين المحليين وشبكة القاعدة الدولية.

تمثل سوريا نقطة انطلاقة للسلفيين الأردنيين لتحقيق حلم الدولة الإسلامية ، ويعد نجاحهم هناك جزءا من طموحهم لبناء ما يسمونه بـ "ديار التمكين"، التي من شأنها أن تشكّل الخطوة الأولى لإنشاء دولتهم الإسلامية المستندة إلى الشريعة والعابرة للأوطان، لتكون سوريا القاعدة لهذه الدولة ثم يتجهوا نحو الأردن لإعادة توحيد "بلاد الشام" التي تشكّل سوريا جزءاً أساسياً منها.
ولهذا لم يكن اختيار محافظة درعا السورية من باب المصادفة، والتي تبعد 12 كيلومترا فقط من الحدود السورية- الأردنية، لتكون بابا لدخول المجاهدين الأردنيين ومناصرة قوات الجيش الحر، ضد قوات الأسد فيها، والتي بدأت في منتصف مارس عام 2011، وتصبح درعا النقطة المحورية للصراع بين قوات الجيش الحر وقوات الأسد، والمستمرة حتى الآن.
ولهذا وقعت صدامات في فبراير الماضي، بين مجموعة مسلّحة دخلت من سوريا عبر حدودها الجنوبية، وحرس الحدود الأردنيين، والتي وقعت في المنطقة الممتدّة بين الرمثا في الأردن ودرعا في سوريا، في قطاع يُعرَف بالجمارك القديمة"،  وقد اكتفى البيان العسكري بالتأكيد على أن المجموعة المسلّحة دخلت من سوريا، من دون أن يأتي على ذكر جنسية المقاتلين، تتخوّف الأجهزة الأمنية الأردنية من وجود مواطنين أردنيين في عداد هؤلاء المقاتلين، الأمر الذي يمكن أن تكون له تداعيات سلبية على استقرار المملكة الهاشمية.