بوابة الحركات الاسلامية : محمد الغزالي.. بين مناهضة التشدد والوقوع في براثنه (طباعة)
محمد الغزالي.. بين مناهضة التشدد والوقوع في براثنه
آخر تحديث: الأربعاء 22/09/2021 10:48 ص حسام الحداد
محمد الغزالي (22 سبتمبر 1917-9 مارس 1996م) عالم ومفكر إسلامي مصري، انشغل في فترة من حياته بالتصدى لقضية تجديد الخطاب الإسلامي وكانت له كتابات متميزة في هذا الشأن، كما عرف عنه مواقفه الناقدة لجماعة الإخوان، التي غادرها بلا رجعة في سنوات شبابه، ولكن في المقابل، له مواقف وآراء لا يمكن اعتبارها تجديديه ومنفتحه، مثل فتواه في قضية مقتل المفكر فرج فوده.

نشأته

ولد في قرية نكلا العنب، إيتاي البارود، محافظة البحيرة بمصر في 
نشأ في أسرة "متدينة"، وله خمسة إخوة، فأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة، ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: "كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة"، والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356 هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر، وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية، بعد تعرفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة 1941 م وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة 1943م وعمره ست وعشرون سنة، وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة، وقد تلقى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى والشيخ محمد محمد المدني وغيرهم من علماء الأزهر.
سمي الشيخ "محمد الغزالي" بهذا الاسم رغبة من والده بالتيمن بالإمام الغزالي 

دراسته

حصل الغزالي على شهادة الثانوية الأزهرية عام 1937 ثم التحق بكلية أصول الدين في العام نفسه، تخرج منها سنة 1941 حيث تخصص بالدعوة والإرشاد. حصل على درجة العالمية سنة 1943.
انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا. سافر إلى الجزائر سنة 1984 م للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي حتى تسعينيات القرن العشرين، نال العديد من الجوائز والتكريم فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409 هـ /1989 م.
اعتقل الغزالي مع من اعتقلوا بعد حلّ جماعة الإخوان المسلمين سنة 1948، وأودع في معتقل الطّور.
بعد سنة 1952 عندما تولى المرشد الثاني للإخوان المستشار حسن الهضيبي، وقام الهضيبي بفصل الشيخ الغزالي من الجماعة أثناء فترة خلافه مع التنظيم السرى مع عبد الرحمن السندي، لرفض الشيخ الغزالي مبايعة الهضيبي.
وشهدت تلك الفترة أيضا فصل أحمد حسن الباقوري من الجماعة لقبوله منصب وزير الأوقاف، على عكس قرار الجماعة.
رد الغزالي بعدد من المقالات النارية التي اتهمت الهضيبي، بأن الماسونية العالمية نجحت في زرع الهضيبي في منصب المرشد العام، وهى المقالات التي اعتذر عنها الغزالي فيما بعد، في كتابه "معالم الحق في كفاحنا الاسلامي الحديث" وأقر بانه أخطا في حق الهضيبي، لظنه ان البعض أوغر صدر الهضيبي تجاهه، وانهما اتفقا على أن يستمر الغزالي في الدعوة الاسلامية وعفا الله عما سلف، لكنه لم ينضم من جديد للإخوان..

عمله

بعد تخرّجه عمل إمامًا وخطيبًا في مسجد العتبة الخضراء ثم تدرّج في الوظائف حتى صار مفتشًا في المساجد، ثم واعظًا بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد، ثم مديرًا للمساجد، ثم مديرًا للتدريب فمديرًا للدعوة والإرشاد.
وفي سنة 1391هـ 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر
وفي سنة 1401هـ 1981م، عُيِّن وكيلاً لوزارة الأوقاف بمصر،
كما تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية ب الجزائر لمدة خمس سنوات وكانت آخر مناصبه.

محمد الغزالي والغناء

اعتمد الشيخ محمد الغزالي في إباحته للغناء والموسيقى على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأنه لم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء على الإطلاق، وأكد ذلك بأن الغناء ما هو إلا كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وقال عن الموسيقى: والموسيقى كالغناء، وقد رأيت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح صوت أبي موسى الأشعري - وكان حلواً- وقد سمعه يتغنى بالقرآن فقال له: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود، ولو كان المزمار آلة رديئة ما قال له ذلك، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدف والمزمار دون تحرج، ولا أدري من أين حرم البعض الموسيقى ونفر في سماعها؟. 

محمد الغزالي وقضية المرأة

ومن أهم القضايا التي ناقشت محمد الغزالي هي قضية المرأة في الإسلام حيث إن مقياس تقدم الأمم وتخلفها هو وجهة نظرهم في المرأة ونستند هنا الى أهم النقاط التي ركز عليها الكتاب:-
إن إخفاء الأيدي في القفازات وإخفاء الوجوه وراء هذه النُقب، وجعل المرأة شبحاً يمشي في الطريق معزولاً عن الدنيا، فذاك ما لم يأمر به دين !
إن بعض المسلمين يعرضون دينهم مزوراً دميم الوجه ثم يذمون الناس لأنهم رفضوه.
إن الإسلام سوى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والوجبات.
إن ما فعله قاسم أمين كان محكوماً بأمرين أولهما الدفاع على الإسلام المفهوم من مصدريه الرئيسيين والآخر الاعتذار عن تخلف المرأة بأنه من تقاليد غريبة على التوجيه الإلهي ناشئة عن أخطاء الشعوب!.
أفسد شيء للأديان غرور أصحابها، يحسب أحدهم أن انتماءه المجرد لدين ما قد ملَّكه مفاتيح السماء، وجعله الوارث الأوحد للجنة.
المجتمع الوضيع هو الذي يفهم الزواج على أنه عقد إنتفاع بجسد.
لا يليق بالمرأة أن تعمل في المجالات التي لا تلائم طبيعتها.
إن من غرائب السلوك الإنساني، أنه هو الذي يصنع لنفسه القيود المؤذية، وهو الذي يخلق الخرافة ثم يقدسها !!
إن التدين الفاسد قد يُبعد عن الفطرة مثل أو أبعد مما تفلعه الجاهليات الكريهة.
أعلم أن بعض المتفيهقين في عصرنا لو صادف المرأة الصالحة وهي خارجة من بيتها لتقاتل الكذاب وأتباعه وقال لها: اقعدي في بيتك، لا يجوز هذا ! إن هؤلاء المتفيهقين تعرفهم عصور الاضمحلال العقلي، ولا يمكن أن يظهروا في مجتمع ناضج أو في سلف صالح.
لقد حرم الإسلام تحريماً قاطعاً أن تقترن مسلمة بغير مسلم، بل ذلك الاقتران نظام جديد للزنا.
تربية الأولاد عبء مشترك يحمله الزوجان معاً، وإنه لقدر طيب أن يشب الأولاد في حضانة أبويهم مستمتعين بدفء العاطفة وحسن الكفالة.
المشكلة أن الناس يريدون إخضاع الدين لتقاليدهم الخاصة، ولو كانت هذه التقاليد في عكس اتجاه السلف الأول وفطرتهم السليمة.
الأم مدرسة إذا أعددتَها          أعددتَ شعباً طيبَ الأعراق
مع ثبوت الخلع في الكتاب والسنة فقد رأيت جملة من المشتغلين بالفقه يتجاهلونه، ويرفضون إنهاء عقد الزوجية به سواء بالفسخ أو بإيقاع الطلاق. وبعضهم يدخله في الطلاق للضرر! ويأبى أن يكون لمشاعر البغضاء عند المرأة وزن!.
إن من حق المرأة أن تتجمل، ولكن ليس من حقها أن تتبرج!
إن تحريم المساجد على النساء كما تفعل شعوب إسلامية كثيرة من وراء الانهيار الخلقي وفقدان التربية الذي أودى بأمتنا في هذه الحياة...

محمد الغزالي واغتيال فرج فوده

على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب عام ١٩٩٢، جرت مناظرة شارك فيها عن الجانب الإسلامي الشيخ محمد الغزالي والمستشار محمد مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة. وعن الجانب العلماني شارك الدكتور محمد خلف الله والدكتور فرج فودة، وعلى إثر هذه المناظرة جرى اغتيال فرج فودة بعدها، وأثناء المحاكمة طلب دفاع المتهمين شهادة الشيخ الغزالي، وهناك أفتى الغزالي بـ"جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتًا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة!"، وكان معنى ذلك واضحًا، أنه يرى أن فرج فودة مرتد هذا أولاً. وثانيا أنه يجوز تطبيق حد الردة عليه، وهو القتل.

تكفير محمد الغزالي

أصدر الشيخ محمد الغزالي كتاب عن السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث وقد تعرض بسبب هذا الكتاب وما فيه من هجوم وإنكار على الأحاديث لحملة شعواء اشترك فيه أصدقاء الأمس من التيار السلفي الذين لم يتسامحوا معه واتهموه بالكفر ( مخاصمة السنة) وقد رد عليهم محمد الغزالي في الطبعات الجديدة من كتابه فقال " لكن الشتم الذي أوجعني اتهام البعض لي: بأني أخاصم السنة النبوية!!.
وأنا أعلم أن الله ورسوله أحب إلي مما سواهما، وأن إخلاصي للإسلام يتجدد ولا يتبدد، وأنه أولى بأولئك المتحدثين أن يلزموا الفقه والأدب..
فغايتي تنقية السنة مما قد يشوبها! وغايتي كذلك حماية الثقافة الإسلامية من ناس قيل فيهم: إنهم يطلبون العلم يوم السبت، ويدرسونه يوم الأحد، ويعلمون أساتذة له يوم الاثنين، أما يوم الثلاثاء فيطاولون الأئمة الكبار ويقولون: نحن رجال وهم رجال!!."
ويحاول الشيخ أن ينصح من يهاجموه ويكفروه فيقول "وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم، والى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين:
أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم.
وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا.."
ويتوقع الشيخ رد فعل عنيف على التيار السنى فيقول" وفي هذا الكتاب جرعة قد تكون مرة للفتيان الذين يتناولون كتب الأحاديث النبوية ثم يحسبون أنهم أحاطوا بالإسلام علما بعد قراءة عابرة أو عميقة."
ويوضح الشيخ رأى من سبقوه في قضية الأحاديث ما يقبل منها وما لا يقبل فيقول" وقد وضع علماء السنة خمسة شروط لقبول الأحاديث النبوية: ثلاثة منها في السند، واثنان في المتن:
1 ـ فلابد في السند من راو واع يضبط ما يسمع، ويحكيه بعدئذ طبق الأصل...
2 ـ ومع هذا الوعي الذكي لابد من خلق متين وضمير يتقي الله ويرفض أي تحريف.
3 ـ وهاتان الصفتان يجب أن يطردا في سلسلة الرواة، فإذا اختلتا في راو أو اضطربت إحداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة.
وننظر بعد السند المقبول الى المتن الذي جاء به، أي الى نص الحديث نفسه..
4 ـ فيجب ألا يكون شاذا.
5 ـ وألا تكون به علة قادحة.
والشذوذ أن يخالف الراوي الثقة من هو أوثق به.. والعلة القادحة عيب يبصره المحققون في الحديث فيردونه به..
وهذه الشروط ضمان كاف لدقة النقل وقبول الآثار. بل لا أعرف في تاريخ الثقافة الإنسانية نظيرا لهذا التأصيل والتوثيق.. والمهم هو إحسان التطبيق..! "

من مؤلفاته

السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث
عقيدة المسلم
فقه السيرة
كيف تفهم الإسلام
هموم داعية
سر تأخر العرب والمسلمين
دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين
خلق المسلم
معركة المصحف
مشكلات في طريق الحياة الإسلامية
الإسلام المفترى عليه
الإسلام والمناهج الاشتراكية
الإسلام والأوضاع الاقتصادية
الإسلام والاستبداد السياسي
الإسلام والطاقات المعطلة
الاستعمار أحقاد وأطماع
في موكب الدعوة
التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام
حقيقة القومية العربية
مع الله
الحق المر
قذائف الحق
كفاح دين
من هنا نعلم
نظرات في القرآن
صيحة التحذير من دعاة التنصير
جدد حياتك
الدعوة الإسلامية
الطريق من هنا
الفساد السياسي
المحاور الخمسة للقرآن الكريم
المرأة في الإسلام
تأملات في الدين والحياة
تراثنا الفكري في ميزان الشرع
حصاد الغرور
فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء
كيف نتعامل مع القرآن
ظلام من الغرب
الأسرة المسلمة وتحديات العصر
قضايا المرأة
الرضاعة الثقافية للطفل المسلم

وفاته

توفي في 9 مارس 1996م في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر الذي نظمه الحرس الوطني في فعالياته الثقافية السنوية المعروفة بـ (المهرجان الوطني للتراث والثقافة ـ الجنادرية) ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة. حيث كان قد صرح قبله بأمنيته أن يدفن هناك.