وانتقل كامل في مذكراته إلى أحداث صباح يوم ٢٢ مارس ١٩٤٨ عندما تم اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان، وهو متوجه إلى عمله، على أيدي شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبد الحافظ، وأرجع كامل الحادث إلى مواقف الخازندار المتعسفة في قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين في الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة في ٢٢ نوفمبر ١٩٤٧.
وقد استدعى البنا للتحقيق في مقتل الخازندار، ولكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.
وسرد كامل ما دار في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجماعة برئاسة البنا وحضور أعضاء النظام الخاص حول مقتل الخازندار؛ حيث بدا المرشد متوتراً على حد قوله وعصبياً وبجواره عبدالرحمن السندي رئيس النظام الخاص الذي كان لا يقل توتراً وتحفزاً عن البنا، إضافة إلى قيادات النظام أحمد حسنين، ومحمود الصباغ وسيد فايز وأحمد زكي وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت وحلمي عبدالحميد وحسني عبدالباقي وسيد سابق وصالح عشماوي وأحمد حجازي ومصطفى مشهور ومحمود عساف.
وفي هذه الجلسة قال المرشد: إن كل ما صدر مني تعليقاً علي أحكام الخازندار في قضايا الإخوان هو «لو ربنا يخلصنا منه» أو «لو نخلص منه» أو «لو حد يخلصنا منه» بما يعني أن كلماتي لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى حد الأمر، ولم أكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبدالرحمن السندي هذه الأمنية على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ.
ولفت كامل إلى أن البنا مساء يوم الحادث ولهول ما حدث صلى العشاء ثلاث ركعات وأكمل الركعة سهواً وهي المرة الوحيدة التي شاهد فيها أعضاء التنظيم المرشد يسهو في الصلاة.
ورصدت المذكرات احتدام الخلاف بين البنا والسندي أمام قادة النظام الخاص، وهو ما ظهر حين قال كامل للبنا: أريد أن أسألك بعض الأسئلة وتكون الإجابة بنعم أو لا.. فأذن له البنا.. فسأله:
كامل: هل أصدرت أمراً صريحاً لعبدالرحمن السندي باغتيال الخازندار، وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟
فأجاب البنا: لا.
فقال كامل: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسئولية هذا العمل أمام الله؟
فأجاب البنا: نعم.
فوجه كامل أسئلته إلى السندي بعد استئذان البنا.
سائلاً: ممن تلقيت الأمر بهذا؟
السندي: من الأستاذ حسن البنا.
كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟
السندي: لا!!
كامل: إذن من يتحمل مسئولية الشباب الذين دفعتم بهم إلى مقتل الخازندار؟
السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمني الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر.
كامل: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة.
وسأل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هي عليه أم تحتاج منك صورة جديدة للقيادة وتحديد المسئوليات؟
فرد البنا: بل لا بد من تحديد المسئوليات.
واستقر الرأي علي تكوين لجنة تضم كبار المسئولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه، وفق ميزان ديني، وهو الدور الذي قام به الشيخ سيد سابق، وأوضح كامل أن سابق أصبح ميزاناً لكبح حركة الآلة العنيفة داخل الإخوان.
وذكر كامل أن هذه هي المرة الأولى التي خضع فيها السندي للمحاسبة أمام البنا وقيادات النظام الخاص وكذلك الأولى بالنسبة للمرشد، التي يقف فيها صراحة أمام نفسه إلى الدرجة التي دفعته لأن يقول للسندي: أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسئولية، ورد السندي: لا.. أنت قلت لي وتتحمل المسئولية.
وحكى كامل أنه التقي صلاح عبد الحافظ المحامي وشقيق أحد المتهمين في مقتل الخازندار ووجده ناقماً علي الجماعة التي أوقعته في تلك الظروف، وسعيه إلى إثبات أن أخاه يعاني من انفصام في الشخصية حتى ينجو من الإعدام.
وأشار كامل إلى أن عام ١٩٤٨ ومطالع عام ١٩٤٩ كانت أكثر الأعوام دموية عند الإخوان، ولهذا فتحت لهم المعتقلات وأعدت قوائم بالآلاف كانت تحت يد رجال الثورة حين أرادوا توجيه ضربتهم للإخوان سنة ١٩٥٤ وما بعدها.
السندي والنظام الخاص
وبالنسبة للنظام الخاص يقول الدكتور عبدالعزيز كامل: كان عبدالرحمن السندي المسئول رقم «١» فيه، رغم معاناته من روماتيزم في القلب؛ ولذا كان السؤال الذي يدور في خلد كامل دائمًا هو: كيف يتحمل السندي مسئولية نظام يحتاج منه إلى المرور علي المحافظات والإشراف على التدريب والرحلات الخلوية؛ حيث أصوات طلقات الرصاص والقنابل اليدوية، ويتساءل كامل: كيف تمنع صحة السندي إتمامه للدراسة الجامعية وتساعده على الإشراف علي هذا الجهاز الخطير الذي يحتاج إلى أعلي درجات اللياقة البدنية والفكرية؟ كما أن شعوره بمكانته لدى المرشد وأفضليته على أعضاء مكتب الإرشاد وتمسكه بموقعه يفقده القوامة لقيادة الجهاز.
وكشف كامل عن أن الترشيح لعضوية النظام يخضع لسلسلة من الاختبارات تتركز علي قدرة المرشح على السمع والطاعة، فكان يحمل حقيبة من مكان لآخر ولا يعرف ما فيها، ويراقب تصرفاته أحد أعضاء النظام وقد لا يكون فيها أكثر من ملابس عادية، أو قطع من الحديد تشعره بالثقل، وقد يؤمر بنقلها من بلد لآخر، أو الاحتفاظ بها أياماً، ولديهم وسائل يعرف من خلالها ما إذا كانت الحقيبة قد فتحت أم لا.. فإذا اجتاز تلك الاختبارات تحددت له ليلة البيعة داخل شقة لأحد قادة التنظيم في حي السيدة عائشة قرب جبل المقطم ويبيت عنده المرشحون يتعبدون طوال الليل ثم يؤمرون واحداً بعد الآخر بالدخول إلى غرفة مظلمة، لا يرى فيها أحد، ويجلس على الأرض بعد خطوات محددة، ويمد يده إلى حيث يوجد مصحف ومسدس وتمتد يد ممثل المرشد ليبايعه على السمع والطاعة والكتمان دون أن يرى وجهه.
ويذكر كامل تجربته حين دخل كي يبايع المرشد ولم يكن الصوت غريبًا عليه فقال: ما هذا يا عشماوي وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم إنني أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم، ما هذه الأساليب التي أدخلتموها على عملنا ولا أساس لها من ديننا؟ فأجاب صالح عشماوي وكان عضوًا في مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان: هذا نظامنا.
بعد البيعة يذهب من أقسم إلى جبل المقطم يتدرب على إطلاق النار فترة قصيرة؛ حيث كانت الأسلحة مخبأة في مكان هناك حتى لا يضطروا إلى حملها كل مرة، ويعودون بعد هذا إلى منزل البنا وبصحبتهم السندي في لقاء قصير يحييهم فيه ويدعو لهم بالخير.
وانتقد كامل هذا الأسلوب السري الذي اتبعته الجماعة؛ معتبراً أن طقوس الانضمام إلى النظام الخاص أشبه بالنظم الماسونية، فضلاً عن آثار هذا الأسلوب الوخيمة على طريقة العمل الإسلامي.