بوابة الحركات الاسلامية : في حوار له مع "بوابة الحركات".. "النمنم": نحن نواجه الأفكار الظلامية بالإبداع وبالفن (طباعة)
في حوار له مع "بوابة الحركات".. "النمنم": نحن نواجه الأفكار الظلامية بالإبداع وبالفن
آخر تحديث: الأربعاء 02/12/2015 02:17 م
- مراجعة مناهج الأزهر خطوة مهمة في تجديد الخطاب والفكر الديني.
- أعكف على الانتهاء من كتابين عن (تجديد الخطاب الديني) و(ثقافة الفساد).
لم يتغير الكاتب والمفكر "حلمي النمنم" وزير الثقافة بعد أن جلس على كرسي الوزارة، ولم تتغير كذلك قناعاته الفكرية قيد أنملة فما زال يحمل أفكاره التنويرية التي تحارب طيور الظلام أينما وجدوا. ويتحمل لأجل ذلك الكثير من الحملات الغاضبة التي يشنها ضده المتشددون. فلا يتراجع ولا يهادن، بل يستمر في نشر أنشطة الثقافة وفك الحصار المقام حولها، فللمرة الأولى نجد خطوات عملية لإنشاء أول أوبرا في الصعيد وتحديدًا في محافظة الأقصر، وللمرة الأولى نجد حفلات الأوبرا تقام داخل الحرم الجامعي؛ حيث بدأ النشاط في جامعة القاهرة، وفي هذا الحوار يكشف لنا الوزير أنه تم الاتفاق مع وزارة التعليم العالي على تفعيل هذا النشاط ليصل لكل الجامعات المصرية بالصعيد والوجه البحري. كما كشف عن الكثير من المشاكل التي تعيق وصول أنشطة الثقافة المختلفة والمتعددة والكثيرة للشارع المصري..
نص الحوار:
*في البداية سيادة الوزير ينشغل الشارع الثقافي حاليًا بقضية تحويل الكاتب أحمد ناجي لمحكمة الجنح، على إثر نشره فصلًا من روايته "استخدام الحياة" بتهمة خدش حياء المجتمع، فما موقفكم من ذلك، وكيف ترون حرية الإبداع؟
- فيما يخص مشكلة نشر فصل من رواية "استخدام الحياة" فلا بد من إيضاح عدد من الأمور أهمها أن النشر تم في صحيفة أخبار الأدب في شهر أغسطس 2014. والقضية هي جنح وليست جناية. وهناك عدد كبير من المحامين يقفون إلى جوار الكاتب، فلا بد من الاستعداد للقضية، وأرى أنه من السهل أن يكسبها الكاتب. أما المشكلة الحقيقية فتكمن فيما يتعلق بحرية التعبير في عدد من القوانين القديمة التي تتعلق بحرية الإبداع. ونحن في الدستور المصري الجديد 2014 نجد مواد تقر بالحريات. ومنها حرية التعبير؛ لذلك ننتظر انعقاد البرلمان لوضع تشريعات وقوانين تجعل هذه الحريات واقعًا.

* هذا من ناحية القوانين ولكن كيف تدعم الوزارة حرية الإبداع والتعبير في المجتمع الذي يعاني من أفكار متشددة؟
- نحن نواجه الأفكار الظلامية بالإبداع وبالفن عبر مؤسسات الوزارة المختلفة في كل القطاعات. أنا شخصيًّا متفائل، ورأيي أن الحجم الاجتماعي لطيور الظلام في تراجع واضح وكبير، ويمكن استكشاف ذلك بعدد من الأمور؛ أولها: انتخابات المرحلة الأولى من البرلمان التي حسمت موقف الرأي العام من التيار المتشدد، ثانيًا: الإقبال الذي نجده كبيرًا على حفلات الموسيقي والفنون، فمثلًا حفلة الموسيقار العالمي "ياني" التي أقيمت عند الهرم، ورغم ارتفاع سعرها إلا أنها حُجزت كلها خلال ساعتين، وأيضًا نحن نعاني من مشكلة في الأوبرا؛ حيث كل الحفلات التي تقام في (المسرح الكبير). يتم حجزها في نصف ساعة. ونحن مقيدون بعدد المقاعد. وهناك حالة إقبال على القراءة. يشهد بها الجميع. والإقبال على أنشطة الوزارة المختلفة جعلنا نفتح الأبواب لتوصيل الثقافة إلى المواطنين، واتخذنا خطوات عملية لإنشاء دار أوبرا في الصعيد. وبدأنا بنقل حفلات الأوبرا إلى الجامعات، وكانت البداية في جامعات القاهرة وتم الاتفاق مع سيادة وزير التعليم العالي لإقامة حفلات للطلبة في جامعات جنوب الوادي وأسيوط والمنيا وسوهاج، ولكن انتظار انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وسوف نصل لكل الجامعات بإذن الله، كذلك ازدادت ميزانية النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتم تنشيط النشر الإقليمي بصورة كبيرة، كما ارتفعت ميزانية دار الكتب، وازدادت إصدارات المركز القومي للترجمة، ولنا خطة تطمح أن تصل إصدارات المركز لنفس عدد الإصدارات التي تقدمها الهيئة العامة للكتاب. وأريد هنا إلى أن أشير إلى أن الهيئة تقيم معارضَ طوال العام لإصدارتها بمختلف المحافظات المصرية؛ لنصل للقارئ في أي مكان.

* هل ترى أن الشعب المصري دعم تصريحكم الذي قلتم فيه: إن مصر علمانية بالفطرة، بعد المرحلة الأولى من الانتخابات؟
- في رأيي أن الشعب المصري يحتفظ في داخله بمكونات مدنية وعلمانية تظهر وقت الضرورة، ويجب أن لا ننسى أن هذا الشعب هو الذي أسقط الوالي التركي خورشيد باشا عام 1805، وأتى بمحمد علي، معلنًا أن رأي الشعب يعلو على رأي الخليفة. وفي ذلك دلالات مهمة لتحدي فكر الخلافة، وتوظيف الدين في السياسة، كما أن الشعب المصري هو صاحب الشعار الشهير في ثورة 1919 "الدين لله والوطن للجميع". وهو شعار حَمَل وجَسَّد أرقى معنى للمواطنة، فهو شعب ضد الأصولية بصفة عامة، ويحتاج للمنابع الثقافية والإبداعية؛ لكي تروي فيه هذه الجوانب الراقية.
 
* لكن اسمح لي يا سيادة الوزير. لماذا نجد دائمًا أن الصعيد محروم ثقافيًّا، وأن قصور الثقافة لا تُشبع اهتماماته الثقافية؟
- بالنسبة لقصور الثقافة فالبنية الأساسية لها في الصعيد أكثر من القاهرة، وتجد أن قصور الثقافة في محافظات مثل المنيا – أسيوط – سوهاج والأقصر وغيرها لا يوجد مثيل لها في القاهرة؛ من حيث المساحة والإمكانيات. المشكلة تكمن في عدة أشياء.
فلعدة عقود سرى تصور غير مكتوب أن الصعيد يكتفي بقصور الثقافة. والقاهرة تكتفي بـ الأوبرا والمعرض الدولي للكتاب. وأصبحنا جزرًا منعزلة. أبناء القاهرة لا يرغبون في الذهاب للصعيد. والقائمون على قصور الصعيد أغلقوها على أنفسهم بصورة غريبة، وأذكر أن هناك فرقة مسرحية بقيادة المخرج خالد جلال حاولت أن تعرض إحدى المسرحيات في أحد القصور بالصعيد. وحاول العاملون في القصر منعهم بأي وسيلة، وعندما أصرت الفرقة على العرض قطعوا النور عنهم.

* وكيف تحاول سيادتكم تغيير هذا الواقع؟
- سوف أكون صريحًا معك. ففي هذه المشكلة هناك جزآن: جزء يقع في أيدينا. ويتمثل في إرسال المزيد من الفرق الفنية والمسرحية لهذه القصور، واستضافة المزيد من الفرق الإقليمية لتعرض أنشطتها بالقاهرة، إلى جانب قيام بعض الرموز الثقافية والإبداعية بزيارة القصور لإقامة الندوات والمؤتمرات. أما الجزء الذي لا نملك التصرف فيه حاليًا فهو اللوائح والقوانين التي تتحكم في اختيار مديري قصور الثقافة، فهذه اللوائح تضع شروطًا لا تسمح لنا باختيار مثقفين يديرون القصور، بل ترتبط بأمور وظيفية تُبعد المبدعين عن هذا العمل، كما أنه ومنذ عام 2011 هناك قرار صادر من مجلس الوزراء بعدم تعيين أي شخص من الخارج بمكافأة، وهي لوائح وقرارات في حاجة إلى تغيير، ونحن نحاول معرفة كيفية التعامل معها؟

* ولماذا لا يتم التعامل مع الوزارات المختلفة، بحيث لا تصبح كل وزارة جزيرة معزولة؟
- بالفعل نحن نعمل على تكسير العزلة داخل الوزارة لأنه لا يوجد وزير ينجح بمفرده، إما أن تنجح الحكومة ككل أو تفشل كلها. ولكن المشكلة أيضًا أن هناك عزلة داخل المؤسسات الثقافية الواحدة، وهو أمر ممتد منذ سنوات نعمل على تكسيره حاليًا لتحقيق تعاون في الأهداف والوسائل. ولا أنكر أن هناك ترحابًا من بعض الوزارات مثل وزارة التعليم العالي التي عقدنا معها عددًا من الاتفاقيات؛ لنقل الأنشطة الثقافية للجامعات، والاستفادة من المسارح الموجودة داخل الجامعات، واستغلالها في المحافظات التي لا يوجد بقصور الثقافة بها مسارح. 

* ما هي أكبر المشاكل التي تواجهكم في الوزارة؟
- المشاكل كثيرة ولكن أكثرها إيلامًا عدم وجود اهتمام فعلي من الإعلام المرئي بالثقافة وأنشطتها؛ ففي الفضائيات بصفة عامة وأيضًا في التليفزيون الرسمي الثقافة مهمشة، ولا توجد برامج تجعل من الثقافة أولوية واهتمام لدى الناس، وكثيرًا ما نقدم دعوات لهذه النوافذ لتغطية أنشطة الوزارة المختلفة بدون مقابل ولا نجد قبولًا أو اهتمامًا. 

* تعدد نوافذ النشر بالوزارة جعل هناك تشابهًا في الإصدارات. كيف واجهتم ذلك؟
- كَوَّنَّا لجنة عليا للنشر تنسق بين المؤسسات؛ بحيث لا يحدث تكرار في الإصدارات. 

* هناك أكثر من مهرجان فني وسينمائي تقيمه الوزارة ولا يحظى بإقبال جماهيري، مثال على ذلك المهرجان القومي للسينما المصرية. فلماذا لا يتم إلغاؤه؟
- أنا مع التطوير وليس الإلغاء، وشكلت لجنة لدراسة المهرجان القومي للسينما. تعمل على تطوره بحيث تتناسب مع الظرف الحاضر بصورة ترضي المشاهد ورواد المهرجان. 

* لفت تكريمكم لنيافة الأنبا موسى الأسقف العام للشباب في مهرجان المسرح انتباه الكثيرين فلماذا كان هذا التكريم؟
- الأنبا موسى ونشاط أسقفية الشباب صاحب فضل على الثقافة المصرية، وقد استرعى انتباهنا دعمه للمسرح ودعم الشباب ودعم الفرق المسرحية، فكان لا بد من تكريمه، ونيافته يستحق الكثير من التكريمات.
 
* بعد أن توليت مهام الوزارة هل ما زالت تجد وقتًا للقراءة والكتابة؟
- أحرص على القراءة باستمرار، وأقتنص الوقت لذلك،  وبالنسبة للتأليف عندي حاليًا كتابان أحاول الانتهاء منهما: كتاب يبقى فيه فصل واحد وأنتهي منه، وعنوانه "التجديد ضرورة مصرية" أتناول فيه قضية تجديد الخطاب والفكر الديني واستعرض تاريخه وجوانبه، والكتاب الثاني يبقى فيه فصلان وينتهي وعنوانه "ثقافة الفساد".

* بمناسبة كتابكم عن تجديد الخطاب الديني.. لماذا لا نشعر بأي تغير. على الرغم من مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بهذا التجديد؟
- لا أختلف معاك. هناك مظاهر لتجديد الخطاب الديني حدثت وتحدث بالفعل؛ لقد قام الأزهر بمراجعة المناهج الأزهرية، وتم حذف الكثير من الأمور التي تمس منذ عقود طويلة وهذه حاجة ليست قليلة. كما أن وزارة التربية والتعليم تراجع مناهجها. وهناك مبادرة جيدة لتقبل الفنون فمثلًا حضور رئيس جامعة الأزهر في حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية، هذا أمر ليس هينًا ويحدث لأول مرة. 

* ما دور الوزارة في أزمة السينما الحالية؟
- نحن الآن نعمل على استرداد أصول الأفلام السينمائية من وزارة الاستثمار. لتعود إلى مكانها الطبيعي. أما بالنسبة للإنتاج فالأصل في ذلك هو قيام الشركات الخاصة على إنتاج الأفلام، وبالرغم من ذلك يقوم المركز القومي وصندوق التنمية الثقافية بدعم إنتاج عدد من الأفلام، وأذكرك أن فيلم "لا مؤاخذة"، وقد حصل على العديد من الجوائز ومَثَّل مصر في الكثير من المهرجانات العالمية- مصنوع بدعم كامل من الوزارة. 

* أحيانًا نشعر أن تواجد الثقافة القبطية في أنشطة الوزارة أمر مرتبط بالمناسبات، خاصة عيد الميلاد؟
- لا. غير صحيح، والمتابع لإصدارات المركز القومي للترجمة والهيئة العامة للكتاب سوف يجد العديد من الإصدارات طوال العام تحتفي وتدعم وجود الثقافة القبطية، فهذا أمر مهم للتأكيد على التعدد والتنوع في بناء الشخصية المصرية، كما أن الأوبرا تقيم حفلات لكورلات وترانيم مختلفة باستمرار.