بوابة الحركات الاسلامية : سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا (طباعة)
سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا
آخر تحديث: الأحد 29/08/2021 02:05 ص حسام الحداد
اسم الكتاب: سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا
المؤلف: د محمد حافظ دياب
الناشر: رؤية للنشر والتوزيع 
بالرغم من قطعية الخطاب القطبي، فإن محطات مسيرة صاحبه تعد بمثابة شواهد صريحة على نزوعه الفارط إلى المراجعة، وهذا الكتاب مجرد محاولة منهجية قد تساعد على تأسيس سوسيولوجيا للخطاب الإسلامي، في اتخاذها من الخطاب القطبي مادة لها، قصد الإحاطة بمكوناته، وسبر دلالته، ومساءلته عن مراميه، مما يعنى في المجمل، أننا نبتغي تحقيق غرضين، وقد يبدوان متباعدين، لكنهما مترابطان: الأول، مباشر وصريح، وهو دراسة الخطاب القطبي، والثاني، أكثر شمولية وضمني، ويعني المساهمة في تطوير مدخل تحليل سوسيولوجي ذي كفاءة على دراسة الخطاب الإسلامي من خلال أحد نماذجه. كما يتضمن كتابنا صورة من حكم إعدام سيد قطب، وتقرير الأزهر عن كتاب (معالم في الطريق) ووثيقة (لماذا أعدموني).
نقرأ في كتاب “سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا” للمفكر الراحل محمد حافظ دياب أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والذي قام بمساءلة الخطاب القطبي والكشف عن لغته وحيدة البعد التي تستبعد مفرداتها وتراكيبها كافة الأفكار والمفاهيم التي كرسها تراث الاجتهاد، ما يشي أننا بإزاء خطاب مغلق، وإن كان على مستوى بنيته أو دلالته أو تداوله.
من جهته، اعتبر المؤلف كتابه مجرد محاولة منهجية، قد تساعد على تأسيس سوسيولوجيا الخطاب الإسلامي، في اتخاذها من الخطاب القطبي مادة لها، قصد الإحاطة بمكوناته، ومساءلته عن مراميه، لتحقيق غرضين، أولهما مباشر وصريح، وهو دراسة الخطاب القطبي، والثاني يقصد الشمولية والضمنية، ويعني بالمساهمة في تطوير مدخل تحليل سوسيولوجي، ذي كفاءة على دراسة الخطاب الإسلامي، من خلال أحد نماذجه.
وقد بدأ دياب بالحديث عن الظروف التاريخية التي أحاطت بـ ”قطب”، للتأكيد على سوسيولوجيا الممارسة النظرية للخطاب الإسلامي، والبحث على المحيط التاريخي والاجتماعي الذي تأثر به وأثر فيه؛ فما كان للخطاب القطبي أن يتحقق، ما لم يسبقه صراع الفئات الاجتماعية. وفي هذا الصدد، يؤكد دياب أن الإطار السوسيولجي للخطاب القطبي يتحدد بشروط ثلاثة يقدمها بالتفصيل، أولها الشروط المادية التي ساهمت فيه، وثانيها صورة الانتاج النظري المتعلق بهذه الشروط والمتماس مع قضاياها من خلال عرض لخصائص كل من الخطاب الليبرالي والراديكالي والقومي والإسلامي والناصري، وثالثها تجربة قطب الحياتية، التي ساعدت على بلورة خطابه.
في ثاني فصول الكتاب، قدم المؤلف قراءة نقدية للخطاب القطبي والتي تتناول خصائص الكتابة عند قطب، الذي يرى أنها تتكئ وتقوم على حدود من الصياغة واللغة الدلالية، أبرزها الأدبية التي جعلته يقدم أفكاره ومواقفه بصيغة بلاغية، والانفعالية التي تتضح في انطواءها على تبشيرية جلية، وتتبدى في إثارتها على أجواء التوتر والعصبية، وأيضًا النصية والقطعية إذ هو يؤمن بحاكمية النص وتكريسه وانفراده بالمرجعية، كما تجلت الرسولية كشعور أسس في نفسه اقتناعا متجذرا بأنه معنيُّ بأمر أمته وملزم بإصلاحها.
ثم وجه الباحث نقده للقراءات التي تصدت للخطاب القطبي، كمفتتح للوقوف على السوية التي مارسها في نصوصه، ليصدر الحكم على هذه المقولات، في محاولة لإعادة وضعها في الإطار الذي تنسب إليه، فيقول: “إن مقولات إعادة لإنتاج مقولات تراث سابق، كما أن الخطاب القرآني هو المصدر الأساسي الذي تقوم عليه مقولاته”. واختتم دياب فصله الثاني بنقده للخطاب القطبي، وتحليله لمقولاته وعوائقه، الذي اعتبره معطى جاهز يبحث عن حضوره في فضاء خارج عن إطاره، فهو لا يواجه الواقع المعيش ولا يدعو إلى تغييره وإصلاحه.
كذلك تناول الفصل الثالث علاقة الخطاب القطبي بالمشروع الناصري، على اعتبار أن هذا المشروع كان أحد الركائز الأساسية، التي ساعدت على استكمال اشكالية هذا الخطاب وبروزها.
هذا، وقد بدأ الفصل قبل الأخير بالحديث عن تسيس المقدس في الخطاب القطبي، باعتباره أحد أشكال منظومة الخطاب السياسي، في استخدام الخطاب الإسلامي، فالمعتقد السياسي في الخطاب القطبي جاء بصورته الجهيرة، في كتاب معالم في الطريق، كما قال عنه قطب أثناء محاكمته: “هو كتاب فيه خلاصة آرائي التي كنت أقود التنظيم على أساسها”. لكنه برؤية “دياب” تخلى عن الرمز في القول بلا بلاغة، ليصير الكلام لغة على المكشوف، لا على المجاز، بل غدت حقائق تسعى في الأرض بأسمائها الأصلية.
ويواجه المؤلف هذا بـ ”تقديس السياسي في المشروع الناصري”، الذي لم يؤمن بأن يتحول الفكر الديني إلى حركة سياسية منظمة، ووافقه على وجود وظيفه سياسية للفكر الديني، يقوم الزعيم، بتوجيهها دعما لسياسته لاحتواء الصراع الاجتماعي والوطني من ناحية، وكمحاولة مضادة لتجاوز المشروع الإخواني من ناحية أخرى.
اختتم دياب فصول كتابه بالحديث عن ايديولوجية الخطاب القطبي، متتبعا بداية الخطاب العقيدي في التحول ليصبح خادما للنفوذ السياسي منذ أحداث الفتنة الكبرى ونشأة الخلافة العباسية، وصولا لكتابات حسن البنا عام 1938، التي لا تفرق ما بين الدين والسياسة، معتبرا عكس هذا بدعة أوروبية، في تأكيد من المؤلف على أن الخطاب القطبي يسعى إلى إقامة حاكمية الله، مقررا أن الإسلام وحده عقيدة وسلوك اجتماعي.
وعن البنية القطبية للخطاب الأيديولوجي، التي استعانت بالتجمع العضوي الحركي بعد عجزها عن الدفاع عن معتقداتها، رأت في الانقلاب ضرورة بها يتحقق أملها الكوزمولوجي، كاستعانة تنم عن عمق المخاوف والاهتزاز الداخلي.
يؤكد د.حافظ دياب، من خلال كتابه أن قطبًا أراد بخطابه أن يقيم قطيعة مع النقاش والمراجعة، ورفض الاعتراف بأي رأي، ما يعني إقامتهما -قطب وخطابه- في مملكة المختلف، دون القبول بالنقاش وبالآخر، وتلك هي الاستحالة المعذبة التي يعانيها كل خطاب مغلق. وتوصّل من خلاله إلى أن أصبح مؤسس “التمامية” – نسبة لابن تيمية – الإسلامية المعاصرة، على معنى احتكامه إلى فكر لا يرى الإسلام إلا على هيئة واحدية ناجزة، وفق رؤية تمت صياغتها على شكل ميزان يمتاز إقامته فارقا بين المشروع الإلهي والمشروع البشري.
ويرى المؤلف أن مسيرة حياة قطب متنقلة، ومضطربة؛ ففي شبابه انتابته حالة من الشك والارتياب في الحقائق الدينية إلى أقصى حد، على حسب قوله بالحرف، استمرت معه قرابة خمسة عشر عامًا، 1925-1940. نشر خلالها ديوانه الشعري الوحيد “الشاطئ المجهول” الذي تبرأ منه بعد ذلك واعتبره من آثار جاهليته.
وإبان انشغاله بالنقد الأدبي، بدأ يميل إلى التعامل مع مفاهيم الدرس النقدي الغربي “الواقعية، الكلاسيكية، الرومانسية..” وفي أثناءها، انتقد الرافعي لحساب العقاد، وصاحب العقاد ثم هجر مجلسه، وتنازع مع طه حسين ثم صالحه، ودخل في معركة مع الشيخ علي الطنطاوي انتهت بمؤازرته.
وخلال اهتمامه بقضايا الإصلاح الاجتماعي، كان أميل إلى الاشتراكية وتقرير العدالة الاجتماعية، حين طالب بحرية العمال في تكوين نقاباتهم، وحدّ أدنى لأجورهم، وعقد عمل يؤمنهم، لتتراجع بعدها أراءه إلى مجرد تكافل اجتماعي يستند إلى الزكاة والإحسان. لا ومع مدوامته العمل السياسي، انضم للوفد وتركه إلى الحزب السعدي، وأيد معاهدة 1936 واعتبرها معاهدة الشرف والاستقلال وقت كان وفديًا، ثم انتقدها بعد تركه الحزب، وأعتبر أن أيدي من وقعوها ملوثة. لا وناوأ الاشتراكية بدعوى تناقضها مع الإسلام من قبل رحلته إلى أمريكا، ليعلن بعد عودته أن الرجل الأبيض “الغرب” هو العدو الحقيقي لا الشيوعية أو الاستعمار.
كما يحتوى الكتاب على أربعة ملاحق، من ضمنها: تقرير الأزهر الشريف عن كتاب “معالم في الطريق” والذي يقول: “لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي فيفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية، بخاصة إذا كان من الشباب، أو البسطاء الذين يندفعون في غير رؤية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبلون ما يوحي إليهم به من أهداف، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله.
ويؤكد التقرير على أن سيد قطب يزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية في تنظيم الحياة الدنيا؛ حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام وإيجاد مجتمع جديد، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع، مصورا نفسه مخلص المسلمين، وربما الإنسانية بأكملها متخيلا أن الإسلام دين المهاجمات لكل طائفة، وفي كل وطن وفي كل حين.
موضوعات ذات صلة