بوابة الحركات الاسلامية : أسطورة الزرقاوي.. ودوره في التدخل الأمريكي في العراق (طباعة)
أسطورة الزرقاوي.. ودوره في التدخل الأمريكي في العراق
آخر تحديث: الثلاثاء 04/01/2022 09:19 ص حسام الحداد
أبو مصعب الزرقاوي.. شخصية كانت مجهولة تمامًا قبل 2004، وذاع صيتها بعد أن نسب إليها دور زعامة المقاومة العراقية المسلحة، ومسئولية الوقوف وراء كبريات العمليات الإرهابية بالولايات المتحدة وأوروبا..  وبدا في النهاية أشبه ببطل في الحكايات الشعبية، بعيدًا عن كونه إنسانًا من لحم ودم. بعض المحللين يذكرون أنه شخص أردني من أصل فلسطيني؛ أسطورة صيغت لتحقيق مآرب دعائية ليس أكثر ولا أقل.
حتى شهر يناير 2003، لم نكن نسمع إلا القليل النادر عن أبي مصعب الزرقاوي الذي تحول في ظرف قياسي إلى أشهر إرهابي في العالم.. يتمتع بسيرة ذاتية تكتنفها الألغاز والغموض من كل حدب وصوب، حتى صار من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال في شخصيته.. أسطورة يمكن تصنيفها ضمن حكايات الخيال الشعبي، كما يمكن وضعها في إطار الدعاية الحكومية. وبشيء من الحزم والحذر، سنعرض الآن أهم الأحداث التي صبغت تاريخ أبي مصعب الزرقاوي إلى يومنا هذا.
ولد أبو مصعب الزرقاوي في محافظة الزرقاء بالمملكة الأردنية، في كنف أسرة فقيرة تعول تسعة من الأطفال. تنتمي عائلته إلى قبيلة "بني حسان" البدوية التي تعد من القبائل الكبيرة والأكثر تدينًا بالمملكة الأردنية الهاشمية. اسمه الحقيقي أحمد فاضل حمدان خلايلة، والذي غيره فيما بعد فصار "أبو مصعب الزرقاوي" نسبةً للمحافظة التي ولد فيها. عند بلوغه سن الثانية عشرة من العمر، فصل أبو مصعب الزرقاوي من المدرسة ليجد مأواه في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في ضواحي العاصمة الأردنية عمان. في سن العشرين ذهب لقتال السوفييت في أفغانستان. هناك، اخترع طريقة لصنع القنابل اليدوية. ثم ذهب بعدها للتدريب في مخيمات المجاهدين الذين جاءوا من عدة دول إسلامية، ثم عاد إلى الأردن عام 1990م.
في شهر ديسمبر 1999، تم ذكر اسم الزرقاوي إبان الهجوم المسلح على فندق "باديسون ساس" في عمان. كانت الخطة مفبركة من قبل الشرطة الأردنية. تم إلقاء القبض على الزرقاوي، ثم أعفي عنه. بعد خروجه من السجن، هرب إلى باكستان، ثم رجع إلى أفغانستان. خلال عام 2002، ناضل الزرقاوي إلى جانب حركة طالبان الأفغانية ضد القوات الأمريكية. يقال إنه جرح في رجله أثناء كمين، إصابة لم تمنعه من الهرب إلى العراق، حيث تم بتر رجله المصابة في أحد مستشفيات بغداد. فيما بعد، وحسب كل الفرضيات، عثر التحالف البريطاني الأمريكي على أبي مصعب الزرقاوي إثر اجتياح العراق. كان ذلك في شمال البلاد، بالمنطقة الكردية، المكان الجيد لمواصلة "الحرب المقدسة" على رأس فرقته المحاربة" أنصار الإسلام"، المتكونة من 400 من الأصوليين. أخيرًا، في أبريل 2003، بعد سقوط بغداد بين أيدي الأمريكيين، تمت الإشارة إلى وجود الزرقاوي وفرقته في وسط العراق، فيما عرف "المثلث السني".

النشأة

اسمه أحمد فاضل نزال الخلايلة من عشيرة بنو الحسن التي ترجع لقبيلة طيء في الأردن، لقب بالزرقاوي نسبة لمدينة الزرقاء الأردنية وهو من أبناء حي معصوم تحديداً، فقد والديه ويتردد أنه وببلوغه الثامنة عشر كان أضحى متسربا من التعليم وبسجل جرائم تتعلق بالكحول والمخدرات وربما اعتداء على نساء، سافر إلى أفغانستان في أواخر ثمانينيات القرن العشرين لمحاربة القوات السوفيتية هناك ولكن السوفيات كانوا يغادرون بالفعل في الوقت الذي وصل فيه، وهناك التقى بأسامة بن لادن بدل القتال، ثم رجع بعدها إلى الأردن واعتقل عام 1990 بعد العثور على أسلحة ومتفجرات في منزله، وقضى ست سنوات في سجن أردني.
بحسب وصف أحد جيرانه كان متواضع ومنعزل ملتزم بالمسجد، عمل في بداية حياته في بلدية الزرقاء موظفاً صغيراً قبل سجنه بتهمة الانتساب إلى تنظيم بيعة الإمام عام 1996. وأطلق سراحه بعفو عام أصدره عبد الله الثاني بن الحسين بعد توليه عرش مملكة الأردن عقب وفاة والده عام 1999، يُعتقد أن الزرقاوي توجه بعدها إلى أفغانستان.
الحالة الأسرية
تزوج الزرقاوي من ثلاث زوجات، الأولى "ام محمد" وهي أردنية الجنسية وله منها 4 أطفال وهم: أمينة وروضة ومحمد ومصعب، زوجته الثانية "اسراء" وكان عمرها 14 سنة عندما تزوجها الزرقاوي، وهي ابنت ياسين جراد أحد الناشطين الفلسطينيين والمتورط في مقتل الزعيم الشيعي محمد باقر الحكيم وقتلت مع الزرقاوي، وزوجته الثالثة عراقية قتلت هي أيضا مع الزرقاوي.
في السجن
مكث الزرقاوي فترة 7 سنوات في السجون الأردنية حيث التقى بأبي محمد المقدسي المسجون في الأردن بتهمة التخطيط لمهاجمة إسرائيل حيث حكم عليه عام 1996 بالسجن مدة 15 عاماً لكنه أمضى في السجن حتى عام 1999 عندما أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عفواً عاماً عن جميع السجناء في الأردن بعد توليه مقاليد الحكم، وبعد مغادرة الزرقاوي السجن، يُعتقد أنّه غادر مرة أخرى إلى أفغانستان ومكث فيها حتى أوائل عام 2000.
كان في سجن سواقة الصحراوي قائداً لتيار من السجناء السياسيين يطلق عليهم اسم بيعة الإمام ويطلقون هم على أنفسهم الموحدون، كان لهم نظام صارم خاص بهم يشرف على تطبيقه بكل تفاصيله أمد الخلايلة الذي كان يحمل لقب أمير في وقتها والمكلف بالشئون التنظيمية وقيادة الجماعة، وكانت هناك عدة تنظيمات وجماعات أخرى تتقاسم الغرف وتتباين في وجهات نظرها بشكل كبير كان يقود أحياناً إلى صدامات حادة فيما بينها تصل إلى حد التكفير، منها جماعة حزب التحرير الإسلامي وكان قائدها عطا أبو الرشتة موجوداً هناك إلى جانب قيادات شكلوا جماعات صغيرة مستقلة مثل عجلون، وجماعة الموجب، والأفغان الأردنيون، بالإضافة إلى متهمين إسلاميين مستقلين على رأسهم ليث شبيلات، كانت إمارة الزرقاوي من أقوى الإمارات وأكثرها نفوذاً بين تلك الجماعات.
لم يكن الزرقاوي وحيداً في القيادة فهناك استاذه ومرشده عصام البرقاوي المكنى بـ"أبو محمد المقدسي" وبعد فترة كان المقدسي يفقد سطوته وسلطته على الحركة لصالح الزرقاوي بالرغم من التفاوت في الثقافة بينهما إلا أن الزرقاوي امتلك عنصراً قوياً في القيادة، وكان الزرقاوي هو الأقدر على التصدي لإدارة السجن ومجابهتها والاشتباك معها، ما جعله ينتزع مزايا للزنزانة يحسدهم عليها نزلاء الزنازين الأخرى فكانوا لا يصطفون بالطابور الصباحي ولا يلبسون ملابس السجن ويملكون هامشاً كبيراً من الحركة والقدرة على زيارة الزنازين الأخرى وبعيدون كلياً عن عقوبة الشبح التي تطال بقية المساجين.
بعد إطلاق سراحه من السجن وفي عام 1999، يعتقد أنه شارك في محاولة لتفجير فندق راديسون في عمان، حيث تواجد فيه العديد من السياح الإسرائيليين والأمريكيين، فر بعدها الزرقاوي إلى بيشاور بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وادين في وقت لاحق وحكم عليه بالإعدام غيابياً بتهمه التآمر للهجوم على فندق راديسون ساس.

الصراع بين المقدسي والزرقاوي

كان هناك خلافات واضحة بين المقدسي والزرقاوي، سواء على مستوى الرؤى الفكرية والمستقبلية للتنظيم، أو على مستوى التخطيط التنفيذي، وتداعياتها على مسار التيار وتطوره، وقد لعب الصراع بينهما دوراً محورياً ورئيساً في توجيه الحركة الجهادية الأردنية، الأمر الذي كان له رجع الصدى خارج الأردن، هذا بالإضافة إلى الخلاف المنهجي، ويرجع الاختلاف بينهما ليس فقط في الفكر السياسي للشخصين، ولكن أيضا بحكم التنشئة والانتماء والتكوين النفسي والمجال الاجتماعي، فالمقدسي ولد في فلسطين وانتقل إلى الخليج ليعايش الغربة وقسوتها، معاصرا وقارئا لعدد من تجارب الجماعات الإسلامية في الأردن ومن قبلها فلسطين، وبين الزرقاوي الشاب الذي نشأ بعيدا عن الدين في مدينة الزرقاء الأردنية، في مجتمع فقير ومهمش، يعاني أمراضًا اجتماعية جمة.
تعود جذور الخلاف بين المقدسي والزرقاوي إلى أيام السجن الأولى في قضية بيعة الإمام، بعدما أصبح الزرقاوي الأمير الحركي للتنظيم، وانتزاعها من المقدسي في فترة وجيزة، والتف أغلب أفراد التنظيم حول الزرقاوي، ليعاني المقدسي في أوقات متعددة من مشاكل بينه وبين أفراد التنظيم، كانت أسبابها المعلنة مرتبطة بالتعامل مع الشرطة ورجال الأمن والمخالفين من الاتجاهات السياسية، حيث تم اتهام المقدسي بالتهاون والليونة الزائدة التي وصلت إلى حد المداهنة، بينما كان الزرقاوي صلباً وشرساً في التعامل مع الأمن تحديدًا.
وتعكس رسالة المقدسي "مناصرة ومناصحة"، التي وجهها للزرقاوي من داخل السجن، جزءا من حقيقة الصراع، والذي وجه فيها المقدسي نقدا لاذعا لسياسات الزرقاوي ونهجه في قيادة التنظيم، كما تكشف كثيرا من تفاصيل الخلاف بين المقدسي القائد الحركي للتنظيم وبين الزرقاوي التلميذ المتمرد، وتقدم ملخصا للتجربة التي جمعت بين الطرفين.
المحطة الرئيسة للخلاف برزت مع خروج الزرقاوي إلى أفغانستان مصطحباً معه عدداً من أبرز عناصر الحركة قوة، وهو ما انتقده المقدسي بصورة واضحة معتبراً أنّه سيؤدي إلى "تفريغ الساحة" من "المجاهدين"، واتهم المقدسي، بشكل غير مباشر الزرقاوي، في ارتكاب أخطاء جسيمة، تنم عن عدم نضوج فكري وحركي للأخير، قائلاً له: "قيادة عدد من الأفراد داخل السجن لا يجوز أن تنقلها بسطحيتها وسذاجتها إلى العمل التنظيمي المسلح".
ضمت الرسالة اللَبِنةً الرئيسية للخلاف بين الطرفين، والتي أوضحها المقدسي أثناء حديثه عن السبب في عدم الذهاب مع الزرقاوي إلى أفغانستان حيث قال: "آثرت البقاء في البلد لمتابعة ورعاية الدعوة التي بدأناها، وكلي أمل أن انقلها غرباً عبر النهر، فلي هناك آمال وطموحات، حيث كان اهتمام المقدسي، الفلسطيني الأصل، بالقضية الفلسطينية، وكان الأردن يمثل محور انطلاق الدعوة إلى هناك، أما الزرقاوي (أردني الأصل) عندما اقترح عليه الجيوسي قصف إيلات من العقبة، وكانت العملية تكاد أن تكون محكمة، فقد رفض ذلك وأصر على تصويب أهدافه “شرق النهر” وكان –سابقا- أحد ضباط المخابرات أبرز أهدافه، ثم أصبحت دائرة المخابرات العامة بأسرها هدفه الأكبر.
كما انتقد لمقدسي في رسالته العمليات المسلّحة التي وجهها الزرقاوي من الخارج (أثناء إقامته في أفغانستان وكردستان)، والتي باء أغلبها بالفشل واعتقال منفذين العملية، مرجعا السبب الرئيسي إلى  وجود "اختلالات هيكلية" في المجال الأمني، في تلميح صريح منه بوجود اختراق لمجموعة الزرقاوي من قبل المخابرات الأردنية.
وكان هدف المقدسي بالتلويح بهذه القضية لتحميل الزرقاوي مسئولية الفشل نتيجة الاختراق الأمني، وإهدار جهود وأموال والتضحية بمن يقومون بالعمليات، أيضا أراد المقدسي وضع "علامة استفهام" على كفاءة الزرقاوي القيادية.

في العراق

يبدو الزرقاوي الأسطورة كشخص جد مشغول. لننظر إليه عن قرب، لننظر إلى ما ارتكبه في ربيع 2003. فمنذ اختبائه بالعراق ـ محتميا من أنظار فرقة التفتيش التابعة للأمم المتحدة التي قامت بعملية مسح للبلاد طولا وعرضا ـ، فقد كان بطلنا الإرهابي يحضر مادة الطمر السامة من أجل إرسالها إلى الولايات المتحدة، كان يدفن القنابل الإشعاعية، وينظم وينسق شبكته الإجرامية التي امتدت إلى أربعة دول أوروبية، وليكلل كل هذا، كان يقوم بالتنسيق بين تنظيم القاعدة ونظام صدام حسين، لم يوقفه شيء ولا حتى الغزو الأمريكي للعراق، بل على العكس تمامًا، منذ الاحتلال، صارت الهجمات المنسوبة إليه أكبر وأكثر، من حيث عددها. وما من هجمة إرهابية إلا وذكر اسم الزرقاوي تقريبًا.
كتبت مجلة " Weekly Standard " المقربة من مجموعة “PNAC "التابعة للمحافظين الجدد يوم 24مايو2004: " الزرقاوي لم يتبنى عملية اغتيال "نيكولا برغ " فحسب، بل هو مسئول أيضا عن المذبحة المرتكبة في مدريد يوم 11 مارس، وعن قصف شيعة العراق في نفس الشهر، وعن العملية الانتحارية في ميناء البصرة يوم 24أبريل. لقد كان الزرقاوي يخطط لقتل السياح الإسرائيليين والأمريكيين في الأردن قبل أحداث سبتمبر2001."
تحول أبو مصعب الزرقاوي "عبقريًّا للشر" الإسلامي الجديد. وتناسى الرأي العام أسامة بن لادن شيئًا فشيئًا. وسعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من جهتها إلى مضاعفة مكافأتها المالية لمن يدل عليه، أو يساعد على إلقاء القبض عليه، تضاعفت المكافأة من عشرة إلى ثلاثين مليون دولار. وهو المبلغ الذي يبدو منسجما مع رتبته كإرهابي متميز.
وعلى الرغم من تورطه في العديد من النشاطات الإجرامية التي ثبت فيها اسمه، يبقى الزرقاوي رجلًا وهميًّا. وتظل المعلومات المتعلقة به مجرد إشارات مختصرة. لقد اعترف مسئولون من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في نفس الطبعة الصادرة من مجلة " Weekly Standard " أن الوكالة لا تتوفر إلا على صورة وحيدة والتي يُعتقد أنها صورة الزرقاوي، وأنها تجهل طوله ووزنه!

إعدام "نيكولا برج"

اتهم الزرقاوي بالوقوف وراء عملية إعدام نيكولا برج ( بقطع رأسه) في شهر مايو من عام 2004، بعد أن تم اختطافه. بعض المعلقين لم يترددوا في التنويه بملحوظة مهمة مفادها أن عملية الإعدام تلك حصلت في وقت جد حرج بالنسبة لدونالد رامسفيلد الذي كان يتخبط في فضيحة سجن أبي غريب، مما دفع بالعديد من النواب الأمريكان إلى المطالبة باستقالة سكرتير الدفاع الذي حملوه- (أخلاقيًّا على الأقل)- مسئولية الفظاعات المرتكبة في ذلك السجن. تسجيل فيديو يصوّر عملية إعدام "نيكولا برج" أثارت لدى الرأي العام جملة من مشاعر التنديد والضغينة تجاه العراقيين، و هو ما أبعد الأنظار عن مسألتين في غاية الأهمية. ففي يوم 11 مايو2004، قدمت قناة "سي إن إن" تقريرًا غريبًا عثر عليه على موقع إسلامي على الإنترنت، وقد تم فيه توجيه الاتهام إلى الزرقاوي بالضلوع وراء عملية إعدام "نيكولا برج" بقطع رأسه. يومين بعد ذلك، أعلنت نفس القناة أن: " وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أكدت ضلوع الزرقاوي في عملية الإعدام هذه. الدليل: شريط فيديو يحمل عنوان: "أبو مصعب الزرقاوي ينفذ إعدام شخص أمريكي". في الشريط نرى شخصا مقنعا يتكلم الانجليزية، كان ذلك هو الشخص الذي أعلن عنه خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بصوت واحد: إنه الزرقاوي!
أما الكاتب "سراجين ستاييف" فقد ذكر في مقال له تحت عنوان " Was Nick Berg killed by US intelligence ? "، كتب يقول: إن ثمة العديد من الاختلالات في شريط الفيديو. أشار ستاييف إلى أن "الزرقاوي أردني، غير أن الرجل الذي في الشريط لا يتكلم بلكنة أردنية ! قال أن أيضًا أن الزرقاوي مبتور الرجل، بينما الرجل الذي ظهر في الشريط لا يرى عليه أثر بتر الرجل. بالإضافة إلى أن من قدم على أنه الزرقاوي يحمل في يده خاتما أصفر، ربما من الذهب، وهو الشيء الذي لا يفعله أي إسلامي أصولي لأن إيمانه وقناعاته الدينية تحرمان عليه ذلك".
وسرعان ما فجر هذا الشريط القنبلة الرهيبة التي تدعى الزرقاوي. ها هو بقدميه الاثنتين وخاتمه الذهبي على إصبعه البنصر، ويتكلم الإنجليزية جيدا. هذا ما سارعت مجلة " News and World Report " الصادرة بتاريخ 24مايو 2004 إلى الإشارة إليه قائلة:"ان الشخصيات الرسمية والمخولة بالإعلام بالولايات المتحدة، والتي كانت تعتقد أن الزرقاوي فقد رجله بأفغانستان، قد عيرت آراءها، وهي تعلن الآن أنه يتمته برجلين". هذا تغيرت المسألة.
الاختطاف بالعراق
على عكس بن لادن، لم ينادي الزرقاوي قط إلى "الحرب المقدسة" ضد اليهود أو المسيحيين ( الصليبيين). وأثناء تصريحه أمام مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، "نسي" كولن باول أن يذكر واقعتين مهمتين: أولا أن الزرقاوي وتنظيمه " أنصار الإسلام" كانوا معارضين لنظام صدام حسين، وثانيا، أن الولايات المتحدة لم تبد أية رغبة في تدمير قاعدته في الشمال العراقي( وكان بإمكانها ذلك)، في منطقة تسكنها الأغلبية الكردية. لماذا كل هذا؟ مند متى صارت عمليات الاختطاف أسلوبا استراتيجيا في العراق ؟ منذ حوالي ستة أشهر، أي بعد أن قامت قوى التحالف بقيادة الولايات المتحدة باحتلال البلاد. وفي شهر مايو 2004 ( بعد سنة تقريبا من الاحتلال)، تم إعدام "نيكولابرج" بقطع رأسه. ثم تلاه كل من أوجين أرمسترونغ وجاك هنسلي في شهر سبتمبر 2004، ثم البريطاني كين بيجلي في أكتوبر2004.
ما يلفت الانتباه كثيرا في الموضوع أن من بين أسرى الزرقاوي نجد شخصيات غير مرغوب فيها من قبل التحالف. غالبا هم رجال أعمال مشبوه بهم بالقيام بعمليات تجسسية، صحافيين " من اليسار" أو من المستقلين الذين ينقلون الوقائع وفق منطق لا يخدم مصالح ضد قوات الاحتلال، والذين لا يلتزمون الرقابة العسكرية المفروضة، أو أولئك النشطاء في منظمات إنسانية مستقلة.
فمثلًا نيكولا برج كان قد اختطف في الوقت الذي اشتبهت فيه قوات التحالف فيه، وبتنقلاته السرية من العراق إلى إيران. وحسب أقوال والده، فقد كان مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكي يقوم بتحريات دقيقة حول كل عائلة "برغ" في الولايات المتحدة، بحثا عن معلومات حول سفريات ابنهم " نيكولا" إلى إيران. زد إلى ذلك تحقيقات "جليانا سغرينا" الصحفية في جريدة " مانيفستو" ( الجريدة الشيوعية الإيطالية) لم تكن أيضا مرغوب فيها من قبل فرق الاحتلال، والتي كانت تذكِر بلا هوادة بجرائم الإبادة في الفلوجة.
ولم تصرح الولايات المتحدة بالحضور إلى العراق سوى لأولئك الصحافيين الذين يحملون صفة " مراسلي حرب"، والمعتمدين من قبل قوات التحالف. هؤلاء يزودهم الجيش الأمريكي بالبزة العسكرية، إلى جانب توفير الحماية العسكرية لهم. كما يتلقى هؤلاء في غرفهم بالفندق تعليمات التحالف على أشرطة الفيديو لمعاينته قبل ممارسة مهامهم. وكما كان شأن الحرب في يوغسلافيا سابقا، لم يكن مراسلو الحرب يغادرون فنادقهم لإرسال الأخبار إلى جرائدهم.. بل كانوا يرسلوا الأخبار التي تصل إليهم جاهزة ومحمولة من طرف الجيش الأمريكي..
أما بقية الصحافيين، والذين يقومون بعملهم من دون المرور بالرقابة العسكرية، فهم يتعرضون لخطر الوقوع بين أيدي الزرقاوي، وبالتالي يتعرضون للإعدام، أو لمساومة تنتهي إلى دفع فدية. أليس الهدف ممارسة الضغط وإثارة الخوف لدى الصحافيين، وموظفي المنظمات غير الحكومية المستقلة؟ ( انظر برنامج البنتاجون " P2OG ")، قصد إجبارهم على البقاء بعيدا عن المناطق "الحساسة"؟
ومهما بلغت درجة غموض الوضع العراقي اليوم، فانه لا يسعنا إلا الاستغراب الشديد من الطريقة جد الغريبة التي يستعملها الزرقاوي لبلوغ أهدافه ! خصوصا بالنظر إلى عدد العمليات الإرهابية ونوعها، والتي لم تكن بشكل واضح هدفا من أهداف الإرهابيين الإسلاميين.

10,000 دولار لتعزيز مصداقية الزرقاوي

ذكر اسم الزرقاوي سنة 2003، لتبرير الحرب على العراق. واليوم يصور على أنه رأس الحربة للتمرد بالعراق، وهي للتأكيد إعلاميا أن السلام غير ممكن الآن، وأن قوات التحالف مضطرة للبقاء لمدة أطول في المنطقة. ينسب لتنظيم الزرقاوي كل أنواع العمليات الإرهابية: التفجير بواسطة السيارات الملغمة، عمليات الاختطاف والإعدام. جملة من العمليات العديدة والمعقدة يصعب التصديق أنها مرتبكة من طرف رجل واحد. جريدة " The Age " اليومية، قدمت فرضية مثيرة للاهتمام مفادها انه: " لا وجود للزرقاوي". أو على الأقل لا وجود لهذه الهالة الهلامية الغامضة الذي تصورها مصالح الاستخبارات الأمريكية. انه شخصية وهمية. تنقل جريدة " The Age "، شهادة ضابط ( لم يكشف عن اسمه) من ضباط العمليات السيكولوجية في الجيش الأمريكي. ذكر الضابط للجريدة الأسترالية: "لقد دفعت ما يقارب 10,000 دولار لأشخاص انتهازيين ومجرمين لكي يلفتوا الانتباه إلى وجودهم، ولكي يصرحوا حين يسألهم الصحافيون أن الزرقاوي موجود، ويقف وراء جميع العمليات الإرهابية في العراق".
فأين هي الحقيقة وأين هو الباطل وراء أساطير الزعماء الإرهابيين الجدد؟ هل تمت فبركة هذه الشخصية إجمالا في مخبر للدعاية المغرضة وتشويه الحقائق؟ وهل تم تضخيم "الصورة" انطلاقا من الواقع ؟ مهما يكن، فوكالة الاستخبارات المركزية تعرف الكثير بلا شك من بداياته في مسيرة نضاله الإسلامي !
تتفادى وسائل الإعلام التذكير بحقيقة في غاية الأهمية: " نشأة تنظيم القاعدة عام 1987، في مخيمات الإسلاميين في باكستان، بصفتهم يشكلون تيارا مدعوما من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والجهاز المضاد للتجسس التابع لباكستان، والذي حارب بدوره السوفييت في أفغانستان. كانت تلك هي الفترة التي تم توظيف أسامة بن لادن من طرف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تماما كما حدث مع الزرقاوي، فقد كان أسامة بن لادن يخدم المصالح الأمريكية ضد عدو تلك المرحلة، أي الاتحاد السوفييتي. هذه الحقيقة اعترف بها سكرتير الدولة الأمريكي الأسبق كولن باول بتاريخ 5 فبراير2003 في تقديمه للوقائع العراقية أمام مجلس الأمن الدولي. ثمة وثيقة مهمة، تم تجاهلها من قبل كبريات الصحف والقنوات التلفزيونية، فيما يخص المساعدة والدعم الكبيرين المقدمين إلى تنظيم القاعدة من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية طوال تلك السنوات. شخصيات سياسية معروفة مثل كولن باول، وريتشارد أرميتاج تورطا بشكل مباشر لأجل تحديد تمركز المجاهدين ومراقبة الإسلاميين في أفغانستان. في هذا السياق نختم بالقول أن كل من أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي شخصين صنعتهما وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وها هو مبرر جديد يتبلور لدى المحافظين الجدد: " الزرقاوي يتلقى الدعم المادي واللوجستي من إيران"!. وهذا ما يفسر وقوع إيران تحت المجهر الأمريكي، وها هي قائمة دول "محور الشر" تتشكل وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية. هكذا، تبدو مرحلة الزرقاوي بعيدة عن الانتهاء، إذ يبدو محتملا جدا أن يتم استغلال هذا الإرهابي الشبح ضد إيران أيضا.

مقتله

في صباح 7 يونيو 2006، أعلن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي تصنفه السلطات العراقية على أنه تنظيم إرهابي في غارة أمريكية. ووصف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الزرقاوي "بأنه ضربة قوية لتنظيم القاعدة"، معتبرا أنه واجه المصير الذي يستحقه بعد "العمليات الإرهابية" التي نفذها في العراق. كما اعتبر وزير الدفاع الأمريكي وقتها دونالد رامسفيلد أن مقتل الزرقاوي هو "انتصار مهم" في الحرب على الإرهاب، لكنه عاد وقال إنه "بالنظر إلى طبيعة الشبكات الإرهابية فإن مقتل الزرقاوي لا يضع رغم أهميته نهاية لكل أعمال العنف في ذلك البلد".
داعش يفتتح مدرسة أبو مصعب الزرقاوي
في 24 فبراير 2015، وبعد فرض تنظيم "داعش" لقرارات عديدة غيّر التنظيم بموجبها المناهج الدراسية في المناطق الخاضعة لسيطرته في كل من العراق وسوريا، قرر التنظيم فتح مدرستين للتعليم باللغة الإنكليزية لأطفال مقاتليه غير الناطقين بالعربية.
وأشارت صورة تداولها ناشطون من مدينة الرقة السورية لإعلان نسب لما يسمى "ديوان التعليم" التابع لتنظيم "داعش" في الرقة، إلى أن "التنظيم استحدث مدرسة للذكور أطلق عليها اسم "أبو مصعب الزرقاوي"، تجاورها أخرى للإناث سميت "عائشة"، وذلك لتدريس الأطفال غير الناطقين باللغة العربية ما بين سن 6 و14 عاماً، الذين هم في الغالب أبناء المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بالتنظيم للقتال في صفوفه".
وتقدم المدرستان "الداعشيتان" بحسب الإعلان، مواد الفقه والعقيدة والحديث والسيرة ومادة تسمى بـ "التعبئة الجهادية"، فضلاً عن مادة الرياضيات باللغة الإنجليزية، فيما تدرس مادة القرآن باللغة العربية. هذا، بالإضافة إلى حصص في اللغتين الإنجليزية والعربية.
ووجه التنظيم دعوة للآباء من أجل جلب أطفالهم، فضلاً عن إعلانه عن وظائف لمدرسين بدوام كامل أو جزئي.