وعن الموقف المصري من مكاريوس نجد حفاوة واستقبال من الرئيس جمال عبد الناصر عند زيارته لمصر في اغسطس 1961
والقي الرئيس جمال عبد الناصر كلمة في حفل عشاء أقيمت لتكريم الأسقف "مكاريوس" رئيس قبرص بقصر الطاهرة وتكشف الكلمة عن عمق العلاقة بينهما جاء فيها
سيادة الرئيس:
إن ترحيبنا القلبى بكم اليوم هنا في عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، تعبيراً عن تقدير شعبنا، إنما يحمل في طياته معانى واسعة المدى، إنه يحمل - يا سيادة الرئيس - المعنى العميق لحتمية انتصار الحرية.
فمنذ فترة قليلة من الزمان أتيح لنا أن نرحب بكم هنا قائداً للنضال الشعبي في قبرص الصامدة المصممة على حريتها. وها نحن - ولم تمض من الزمان إلا فترة قليلة - نستقبلكم هنا وقد حقق نضالكم الشعبي أهدافه، وأصبحت قيادة الثورة هي رئاسة الدولة في البلد المستقل الجديد.
كذلك فإن هذا الزى - الذى ترتدونه هنا الآن - يحمل المعنى العميق فى الصلة بين رسالة الحرية ورسالة الدين، فإن الله الذى أودع الإنسان إنسانيته منحه الإرادة التى يتحتم عليه بها أن يحمى وديعة الله فيه، وأن يصونها، وأن يعز كرامته.
والواقع - يا سيادة الرئيس - أن الارتباط بين الدين والوطنية وثيق متين، فكلاهما كل دعوة دين، وكل انتفاضة وطنية، هما فى الحقيقة نداء إلى الحرية، أحدهما من نور الله والثانى انعكاس هذا النور على ضمائر البشر.
سيادة الرئيس:
لست فى حاجة إلى أن أعيد عليكم مرة أخرى تقديرنا للنضال الشعبى القبرصى، الذى توليتم قيادته إلى أهدافه، فذلك حديث حققته التجربة العملية فى موقفنا من هذا النضال.
ولقد كنا نصدر فى تأييدنا لقضية الحرية فى قبرص عن إيمان لا يتزعزع بارتباط معارك الحرية فى كل مكان، وعلى أرض جميع الشعوب، والواقع أنه ما من مثال يبلور هذا الارتباط عملياً كذلك المثال الذى تجلى فى حالة قبرص والجمهورية العربية المتحدة.
ولقد أثبتت تجربة العدوان على مصر سنة ٥٦ أن الاستعمار الذى كان يحاول قهر الشعب القبرصى. لم يتورع فى نفس الوقت عن استغلال أراضي هذا الشعب الباسل؛ ليستعملها قواعد يحاول منها أن يقهر شعبنا، وأن يفرض عليه الهزيمة، وقد كان اندحار العدوان علينا هزيمة وجهت إلى القوة التى كانت تحاول قهركم.
كذلك فإن انتصار الحرية فى قبرص هو فى الواقع المادي - فضلاً عن كل القيم المعنوية - تأمين للحرية فى الجمهورية العربية المتحدة، وسلامة لها من تهديد ظل فترة طويلة رابضاً فى البحر، متربصاً أمام شواطئ إقليمينا.
سيادة الرئيس:
والواقع أن الارتباط الوثيق بين قضية الحرية يمهد لارتباط وثيق آخر مترتب عليه؛ هو وحدة العمل من أجل السلام. والحق أنه ليس أقدر من الأحرار على توجيه عملهم دعماً للسلام، ولابد لنا هنا من أن نشيد بجهودكم الواضحة فى خدمة السلام على رأس الدولة الجديدة الوليدة. وإنها لخدمة من أجل السلام هذه التضحيات التى تبذلونها لصيانة الوحدة الوطنية فى بلادكم، وخدمة من أجل السلام قدومكم اليوم إلى بلادنا تدعيماً للفهم، وتعميقاً للتعاون بين شعبينا. وخدمة من أجل السلام، كل جهد يبذل فى التطوير الداخلى والتقدم لمواجهة مسئوليات العصر وحقوق الإنسان فيه بدعائمها من أسباب الحرية الاقتصادية والعدل الاجتماعى، وخدمة من أجل السلام كل متابعة داعية لتطورات الموقف الدولى، وكل مساهمة إيجابية فى توجيهها إلى ما يحقق أمن الجنس البشرى ورخائه.
وبالفعل - يا سيادة الرئيس - فإنه ليس أقدر على الإحساس من الأحرار على العمل من أجل السلام، والعمل من أجل السلام بالنسبة لهم ليس فقط مجرد قدرة نابعة من الإحساس، وإنما هو ضرورة تنعكس عن الحاجة، ففي جو السلام وحده تستطيع الشعوب المناضلة عن الحرية أن تصنع لهذه الحرية مضموناً يمس حياة كل مواطن، ويؤكد له حقه فى الحياة.
سيادة الرئيس:
من حسن الحظ أننا نجتمع وفى الدلائل من حولنا ما يشير إلى أن هناك فرصاً متاحةً للعمل من أجل السلام، ولست أشك أن الاجتماع الذى يعقد اليوم بين الرئيسين " نيكيتا خروشوف" و"جون كيندى" هو محاولة جديدة لتخفيف حدة التوتر الدولى تستحق تأييد شعوب العالم، وتستحق أمانيها الطيبة.
كذلك لست أشك أن المؤتمر التحضيرى لاجتماع رؤساء الدول غير المنحازة، وهو الاجتماع الذى سيعقد بعد غد فى القاهرة، هو الآخر محاولة جدية تمثل تصميم شعوب كثيرة على المبادرة بدعم السلام باعتباره ملك كل الشعوب؛ لأنه أمل كل الشعوب.
سيادة الرئيس:
إن شعب الجمهورية العربية المتحدة يرحب بكم من قلبه قائداً حراً لوطن حر.
أيها السادة:
أرجو أن تقفوا وتحيوا معى شعب قبرص الصديق ورئيسه الأسقف "مكاريوس".