موقفه من محمد علي وعمر مكرم
في عام 1809، اتخذ محمد علي مجموعة من القرارات كانت موجهة في الأساس إلى ضرب نفوذ مشايخ الأزهر فرض ضرائب على الأراضي المعفاة كأراضي الرزق الإحباسية التي ينفق منها على المساجد والمدارس الدينية، كذلك فرضت الضرائب على الأواسي وهي أراضٍ كانت مع الملتزمين.
كما كلف المسئولين في المديريات بحصر الأوقاف والرزق ومطالبة نظارها والمستفيدين منها بتقديم مستنداتهم التي تثبت الوضع القانوني لأراضيهم أو مصادرتها، وقرر الاستيلاء على نصف ما يتحصل عليه الملتزمون وتزامن ذلك مع اعتقال ولاة الشرطة لواحد من طلاب الأزهر وسجنه في القلعة، فبدأت حالة من التذمر في القاهرة، وخرجت المظاهرات في الشوارع إلى الأزهر في الوقت الذي توالت الشكاوى من الأقاليم؛ بسبب قرارات محمد علي.
اجتمع عمر مكرم والمشايخ وقرروا كتابة عريضة للباشا بمطالب الناس وعدم الصعود له لقائه بالقلعة، وتعاهدوا على ذلك، فأرسل محمد علي أحد رجاله إليهم وحضر، وقال: إن الباشا يسلم عليكم، ويسأل عن مطالبكم. فعرفوه بما سطروه إجمالا، وبينوه له تفصيلًا.
وهنا بدأ محمد علي في التخطيط للتخلص من عمر مكرم، مستعيناً ببعض المشايخ.. كان أطراف المؤامرة في البداية الشيخ محمد المهدي والشيخ الدواخلى ومحمد أفندي طبل ناظر المهمات.
ويقول الجبرتي في كتابه عجائب الآثار، إنه "اجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلى عند محمد أفندي طبل ناظر المهمات، وثلاثتهم في نفوسهم للسيد عمر ما فيها، وتناجوا مع بعضهم، ثم انتقلوا في عصرها وتفرقوا".
وحضر المهدي والدواخلى إلى السيد عمر، وأخبراه أن محمد أفندي ذكر لهم أن الباشا لم يطلب مال الأوسية ولا الرزق، وقد كذب من نقل ذلك.
فرد عليهم مكرم وفند حججهم بالمستندات، وأقسم ألا يرى محمد على إلا إذا عدل عن مشروعه في فرض ضرائب جديدة، وقال: إذا أصر الباشا على مظالمه فإننا نكتب إلى الباب العالي، ونثير عليه الشعب، وأنزله عن كرسيه كما أجلسته عليه حاول المهدى والدواخلي مرة أخرى الالتفاف على مقاطعة الزعماء للباشا، ولكنهم ذهبوا إلى القلعة للقاء الباشا، وأثناء اللقاء هاجم محمد علي عمر مكرم وانتقد مواقفه، فأعطاه الشيخان الإشارة إلى استعداد كبار المشايخ للتخلي عن عمر مكرم.
وعاد الشيخان المهدي والدواخلي إلى عمر مكرم حاملين تهديد محمد علي الصريح له وللشعب.. وزرع محمد علي الجواسيس حول بيت عمر مكرم لرصد تحركاته ومتابعة ما يقوم به، وفي نفس الوقت حاول شراءه بالمال، لكن عمر مكرم ثبت على موقفه.
وزادت الجفوة بينهما عندما رفض عمر مكرم التوقيع على كشف حساب عن نفقات ولاية مصر مرفوع للباب العالي.
وهنا تم دخول الشيخ الشرقاوي في المؤامرة عقب اتهام عمر مكرم لمحمد علي بالكذب والتلاعب في أموال الولاية، وبعد محاولات عديدة وافق عمر مكرم على لقاء محمد علي في منزل الشيخ محمد السادات، لكن الباشا رفض، واعتبر ذلك تجاوزًا شديدًا من عمر مكرم.
وهنا دبر محمد علي والمشايخ مؤامرة للتخلص نهائيًّا من عمر مكرم.
ففي صباح الأربعاء 9 أغسطس 1809 توجه محمد علي إلى منزل ابنه إبراهيم بالأزبكية واستدعى القاضي والمشايخ، للاحتكام إليهم فيما وقع بينه وبين السيد عمر مكرم بعد أن رتب الأمر معهم على إصدار قرر بنفيه بعيدًا عن القاهرة، ووجه الدعوة لعمر مكرم للحضور.
وكان هناك احتمالان لا ثالث لهما: أن يحضر ويتفق القاضي وأغلب المشايخ على إدانته بتهمة الخروج على ولي الأمر، أو يرفض فيعتبر رفضه خروجًا وعصيانًا.
ورفض عمر مكرم المثول في المجلس الذي كان يعرف قراره المعد مسبقًا، وبالفعل تقرر عزله ونفيه إلى دمياط، وتعيين الشيخ السادات نقيبا للأشراف.
أما الشيخ المهدي فأسرع يطلب المكافأة، وكانت له، فأخذ وظائف عمر مكرم في نظر أوقاف الإمام الشافعي ووقف سنان باشا ببولاق، وحصل على ما كان متأخرًا له من راتبه من الغلال نقدًا وعينًا لمدة 4 سنوات دفعها محمد علي نقدًا من خزانة الدولة.
وتوفي الشرقاوي بعد هذا الموقف بـ 3 سنوات وتم وضعه تحت الإقامة الشبه جبرية تقليلاً لنفوذ الأزهر وسطوته.
كانت النتيجة لهذه الأفعال في غاية الخطورة؛ حيث أدت لسقوط مكانة المشايخ في نظر الناس وفي نظر محمد علي أيضًا.
ويقول الرافعي: "لم يكن المهدي والدواخلي والشرقاوي في موقفهم عاملين على هدم السيد عمر فحسب، بل كانوا في الواقع يهدمون أنفسهم وزملاءهم، وكل عضو في تلك الجماعة الشعبية التي قامت بدور خطير في تاريخ مصر القومي".
مؤلفاته
له العديد من المؤلفات، منها:
1- التحفة البهية في طبقات الشافعية وضمت تراجم الشافعية حتى سنة 1221هـ، مرتبة على حروف المعجم، وتوجد منه نسخة خطيَّة بدار الكتب المصريَّة.
2- تحفة الناظرين في من ولي مصر من السلاطين.
3- حاشية على شرح التحرير في فقه الشافعية.
4- فتح المبدي شرح مختصر الزبيدي.
5- العقائد المشرقية في التوحيد.
6- الجواهر السنية في شرح العقائد المشرقية- مخطوط.
7- حاشية الشرقاوي.
8- حاشية على شرح الهدهدي.
9- شرح حكم ابن عطاء الله السكندري.
وقد بلغت مؤلفات الإمام الشيخ الشرقاوي ما يزيدُ على العشرين مؤلفًا، وذلك رغم التيَّارات السياسيَّة العنيفة التي خاضَها، وجميعُ كتبِه بدار الكتب المصريَّة ومكتبة الأزهر الشريف.