بوابة الحركات الاسلامية : علي مبروك: الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟ (طباعة)
علي مبروك: الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟
آخر تحديث: الأربعاء 20/10/2021 11:36 ص حسام الحداد
يعد "علي مبروك، واحدًا من أهم الكتاب والمفكرين المصريين والعرب الذين ناقشوا التراث الإسلامي، في العقود الأخيرة.. من مؤلفاته "النبوة...من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ"، "عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخي في علم العقائد"، "لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا"، "ما وراء تأسيس الأصول.. مساهمة في نزع أقنعة التقديس"، "الخطاب السياسي الأشعري.. نحو قراءة مغايرة"، "السلطة والمقدس.. جدل السياسي والثقافي في الإسلام"، "ثورات العرب.. خطاب التأسيس"، "في لاهوت العنف و الاستبداد - الفريضة الغائبة في تجديد الخطاب الديني"، "الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟"، "أفكار مؤثمة؛ من اللاهوتي إلى الإنساني"، "القرآن والشريعة؛ صراعات المعنى وارتحالات الدلالة"، "نصوص حول القرآن؛ في السعي وراء القرآن الحى". 
وسبق أن قدمت بوابة الحركات الإسلامية قراءة لواحد من إنجازاته الفكرية وهو "في لاهوت الاستبداد والعنف- الفريضة الغائبة في تجديد الخطاب الديني"
اسم الكتاب: الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟
المؤلف: علي مبروك
النشر: دار مصر العربية للنشر والتوزيع
يعد "مبروك، واحدًا من أهم الكتاب والمفكرين المصريين والعرب الذين ناقشوا التراث الإسلامي، في العقود الأخيرة.. من مؤلفاته "النبوة...من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ"، "عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخي في علم العقائد"، "لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا"، "ما وراء تأسيس الأصول.. مساهمة في نزع أقنعة التقديس"، "الخطاب السياسي الأشعري.. نحو قراءة مغايرة"، "السلطة والمقدس.. جدل السياسي والثقافي في الإسلام"، "ثورات العرب.. خطاب التأسيس"، "في لاهوت العنف و الاستبداد - الفريضة الغائبة في تجديد الخطاب الديني"، "الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟"، "أفكار مؤثمة؛ من اللاهوتي إلى الإنساني"، "القرآن والشريعة؛ صراعات المعنى وارتحالات الدلالة"، "نصوص حول القرآن؛ في السعي وراء القرآن الحى". 
وسبق أن قدمت بوابة الحركات الإسلامية قراءة لواحد من إنجازاته الفكرية وهو "في لاهوت الاستبداد والعنف- الفريضة الغائبة في تجديد الخطاب الديني"
واذ نعرض في هذه المساحة واحد من أهم الكتب التي تحدثت عن العلاقة بين الدين والدولة في مصر، ليس فقد بل تناول في طيات كتابه هذا الخطابات المأزومة والمؤدية للعنف ومن بنها الخطابين المتصارعين على الساحة الإسلامية، الخطاب الأشعري والخطاب السلفي، ليس هذا فقط بل يدخل معهم في الصراع على الساحة السياسية الخطاب الحداثي الذي يعده علي مبروك ضمن الخطابات الأصولية والتي لا تقوم بتفعيل تاريخية النصوص. 
فعن المثقفون والعنف يقول علي مبروك "لا يفعل المثقفون مع كل موجة عنف، الا ان ينهمكوا في صلوات جنائزية لا تنتهي، يرددون خلالها المعاداة والتراتيل المكررة التي لا تتجاوز أبدا سطح الحدث الى ما يخفيه ويضمره، فليس لديهم الا الحديث المعاد عن الازمة التاريخية والاجتماعية والنفسية التي تأخذ بخناق أجيال بائسة لم تجد سوى العنف مخرجا من حصارها، وهو كلام صحيح يضاف اليه تآمر الخارج، لكنه يقف على سطح الواقع لا يتجاوزه الى ما يرقد تحته من خطاب كامن ينتظم كل ما يحدث على السطح." ص13
ثم يتطرق إلى الحديث عن الخطاب الحاضر في الثقافة المصرية فيقول عنه "انه خطاب فرض اكراهي التراكيب وتواليف ايديولوجية جاهزة على واقع لا يراد منه الا ان ينصاع لها، باعتبار انها الحلول الوحيدة القادرة على اخراجه من ازمة جموده وتخلفه". ويستطرد "ان ثمة خطابا واحدا ينتظم الممارسة الواقعية لكل شرائح النخبة المصرية، على الرغم مما يقوم بينها من اختلاف المنطلقات والتوجهات الايديولوجية، وهو خطاب ينبني على الاقصاء الكامل للناس الذين لا يسمح لهم بالحضور الا كمحض ادوات يفعل بها الواحد، وبالطبع فان شيئا لن يتغير في مصر حقا، من دون زحزحة هذا الخطاب، وبما تعنيه تلك الزحزحة من ادخال الناس الى الفضاء العام كفاعلين حقيقيين، وليسوا ادوات". ص 16
وعن تعدد الخطابات المأزومة داخل الثقافة المصرية يقول علي مبروك "انه لا خلاف بين الليبرالي، الذي راح يستصرخ زمانه مع نهايات القرن الماضي (أحمد حسن الزيات)، أن ينجب مصلحا متسلطا يقدره بالسيف في يده على تحقيق ما عجزت الليبرالية الناعمة عن تحققه، وبين العلماني (سلامة موسى) الذي أعلن أنه "لا يتصور نهضة عصرية لأمة شرقية، مالم تقم على المبادئ الاوروبية للحرية والمساواة والدستور والنظرة العلمية للكون" وبين صاحبهما السلفي (الذي تعددت اصواته وتباينت وجوهه والداعي الى انه "لا يصلح أخر هذه الأمة الا بما صلح أولها"، وهكذا كان الكل حامل للحل الجاهز في يده، وليس على الواقع الا ان ينصاع ويزعن، والا فان السيف هو البديل. وليس من شك في ان خطابا لا يعرف محض هذا الفرض الاكراهي لحلوله الجاهزة على الواقع لا يمكن الا ان يكون الاصل فيما تكاد تغرق فيه المجتمعات العربية من عنف تتدرج اشكاله بين الناعم (الصامت) والخشن (الصارخ). ص 14
ومن ثم يتطرق علي مبروك لتحليل النخبة المصرية حيث يؤكد على أنه رغم ما يبدو للمراقب من الانقسام الراهن للنخبة المصرية بين شرائح تتبرقع بالقداسة، وأخرى تتلفح بالحداثة، فان نظرة أعمق على ما يرقد تحت السطح تكشف عن ان الكافة، من المتبرقعين والمتلحفين، يقفون معا تحت مظلة ذات الخطاب الذي يتنكر للجمهور ويريد اقصاءه، فان من راحوا يرفعون – ليلة تنحي مبارك – شعار (الله وحده هو الذي اسقط نظام مبارك) لا يختلفون عن اقرانهم الاسبق الذين جعلوا محمد علي (باشا) هو باني مصر الحديثة، وبما يفهم منه ان الجمهور لم يكن حاضرا كفاعل لا في الاسقاط ولا في البناء. ص 15
    
ثم يتناول علي مبروك مستوى الجدال الدائر فيقول "يكشف مستوى الجدال والمناظرة المحتدمة في الفضاء المصري الراهن عن حقيقة ان مصر تعيش في اطار ما يمكن اعتباره مرحلة ما قبل المعرفي واعني بها تلك المرحلة التي ينحبس فيها الناس داخل صناديق انتماءاتهم وتحيزاتهم الايديولوجية والدينية والمذهبية، وضمن سياق هذا الانحباس، فان الناس لا يعجزون، فحسب، عن رؤية ما يقع خارج الصناديق الايديولوجية والمذهبية التي يحبسون رؤوسهم داخلها، بل – والاهم – انهم لا يقبلون التفكير في جملة المفاهيم والتصورات المضمرة التي يقوم عليها بناء ما يتحيزون له من ايديولوجيات ومذاهب، باعتبار انها من قبيل المطلقات التي تعلو على اي تفكير. والملاحظ ان العقل حين ينحبس وراء تلك الاسوار الحصينة، لا يكف عن السعي الى اكراه الواقع، بدوره، على الانحباس معه وراءها". ص 18
مستخلصا نتيجة مفاداها "انه لا سبيل لتحرير كل من العقل والواقع الا عبر الاشتغال المعرفي على المفاهيم والتصورات التي يقوم عليها بناء الانظمة الايديولوجية والمذهبية التي تتقارع على سطح الواقع المصري الراهن". 

ثم يقوم علي مبروك بتحليل نظرة السلفين للقرآن وتأويله فيقول  "ان التأويل ليس قولا بالظن، بحسب ما يروج دعاة السلفية، بقدر ما هو السعي الى انتاج معنى الآية القرآنية عبر ربطها بمحددات سياقية (منها سياق تنزيلها، والسياق النصي الذي يشملها، وسياق كل من الواقع والعقل معا) والقرآن نفسه يؤكد على ضرورة تلك المحددات السياقية لأي عملية فهم، ويأتي المثال الابرز على ذلك في قصة موسى والخضر.
فإذا كان أهم ما يميز القرآن كتنزيل أنه قد تنزل كآيات متفرقة على مدى أكثر من عشرين عاما، فإن الالحاح السلفي على التعامل مع القرآن بنص التنزيل لا يعني الا التعامل معه كآيات متفرقة ، تنتج فيه الواحدة منها دلالاتها في انفصال عن غيرها، وليس ضمن سياق أكبر ترتبط فيه مع غيرها من الآيات، وذلك على النحو الذي يتحدد فيه معناها بحسب نوع واتجاه الحركة الكلية لهذا السياق، حقا قد يستدعي داعية سلفي آيات أخرى لتأكيد ما يريد من الآية التي يشتغل عليها أن تنطق به، وهكذا فانه يستدعيها لتقف فقط الى جوار الآية التي يشتغل عليها، وليس لكي تتفاعل وتتحاور معها على النحو الذي قد يؤدي الى اعادة توجيه معناها في غير اتجاه ما تنطق به، وهي معزولة عن سياق تفاعلها مع غيرها.
واذن فإنه الاستدعاء ضمن منطق التجاور الذي هو منطق تثبيت الدلالة، وليس ضمن منطق التفاعل والتحاور الذي هو منطق تفجير الدلالات المكتنزة والكامنة.
والحق ان منطق السلفية القاضي بالتعامل مع القرآن بنص تنزيله  لابد ان يؤول – شاءوا أم أبوا – إلى ضرورة النضال من أجل رد العالم إلى الحال التي كان عليها وقت التنزيل، فإذا كان القرآن قد تنزل بأحكام حول الرق مثلا، وأدي التطور الإنساني إلى تعطيل اشتغالها، فان داعية السلفية، وبسبب اصراره على قراءة آيات الرق معزولة عن سياق تتفاعل فيه مع غيرها، وعلى نحو يتم فيه توجيه معناها في اتجاه مغاير لما تنطق به في عزلتها وفرادتها، يلح على تفعيلها في جزئيتها، حتى لو اقتضى الامر ردا للعالم إلى الحال التي كان عليها وقت نزول تلك الأحكام. ص 20، 21
وهنا اذا كانت آيات الرق في جزئيتها تحيل إلى دلالة استعبادية، ترتبط بالسياق الذي كانت تعيش فيه المجتمعات القديمة، وأنماط الانتاج السائدة فيها، فإن ربطها بغيرها من آيات يبدو فيها تحرير البشر، على العموم، قصدا قرآنيا كليا سوف يؤدي إلى اعادة توجيه دلالة تلك الآيات على نحو ينقذ القرآن من وصمة اللاإنسانية.
يبدو إذن، وكأن كلا من القرآن والإنسانية في حاجة للخلاص من القبضة السلفية، وهو ما لن يكون ممكنا إلا عبر التجاوز بمصر من مرحلة ما قبل المعرفي التي تعيش فيها.
ونختتم هذه القراءة لكتاب علي مبروك بما أسماه هو خطايا النخبة والتي تتمثل في:
- ان الاعتراض على أحكام القضاء لا يمكن ان يكون مما يضرب به المثل لشعب يراد تربيته ديمقراطيا.
لكن النخبة السعيدة لا تكف عن اقتراف الخطايا، وبدلا من ان تدرك ان منظومة ديمقراطية راسخة انما تحتاج إلى تربية الجمهور على احترام القضاء وعدم الاعتراض على أحكامه من غير الطريق الذي رسمه القانون، وعلى ترسيخ مبدأ استقلاله، والدفاع عن هذا الاستقلال ضد كل ما يتهدده، فإنها لا تتورع، حين يتراءى لها أن في الاعتراض على هذه الأحكام ما يمكن استثماره سياسيا، عن تهييج الجمهور وتعبئته وحشده، ودعوته إلى محاصرة المحاكم والهتاف ضد القضاة، والمناداة بإلغاء الأحكام وابطالها. وحين يدرك المرء استحالة ابطال الأحكام على النحو الذي يريده الجمهور الهائج (وهو ما تعرفه النخبة طبعا) فإنه لا يكون من قصد لذلك كله إلا التأثير على ما يتوقع صدوره من أحكام قد لا ترضي عنها بعض الأطراف.
- تجاهل النخبة أو جهلها بحقيقة ان الشعوب تحتاج في مراحل التحول الديمقراطي إلى وجوب ممارسة سياسية توافقية، لا تنافسية، ليس فقط لما قد يؤدي إليه التنافس، مع غياب تقاليد ديمقراطية راسخة، إلى مفاقمة مخاطر الانقسام والتشظي، بل من أجل ما يؤدي إليه التوافق من تربية الجمهور على فضائل عدم السماح لفصيل سياسي بالانفراد بالمجال السياسي وحده، وقبول الآخر وعدم اقصائه، والعمل بمنطق الشراكة معه، وهي الفضائل التي يؤول عدم توافرها إلى جعل الحديث عن الديمقراطية من قبيل اللغو الفارغ، والمؤسف، ان رفض النخبة للممارسة التوافقية يكشف عن هشاشة في الوعي نادرة النظير. ص 25
- ان غالبية النخبة لا يعرفون إلا أن يمارسوا التفكير بطريقة واحدة، لا تختلف عند الأصولي (الاسلامي) عنها عند الأصولي (الحداثي). وتكاد اللاتاريخية ان تكون هي السمة الجوهرية لهذه الطريقة في التفكير، وهي تعني ضربا من التفكير الذي يتعالى على كل تحديدات السياق (الزماني المكاني) وشروطه. وهذا التعالي عن السياق يكون لحساب اصل مثالي جاهز يوجد مطلقا ولا سبيل إلا إلى فرضه (طوعا أو كرها) على الواقع. ومن هنا ان اللاتاريخية هي، في الحقيقة، الجذر الذي يغذي الأصولية بما هي تفكير بأصل ثابت وجاهز، بصرف النظر عن المصدر الذي يأتي منه هذا الأصل (التراث أو الحداثة).
ان ما يحدد الأصولية ليس المصدر الذي يعطيها مضمونها، بل الطريقة أو ألية التفكير المنتجة لها. وهكذا فإنه لا مجال لما يفعله البعض من إلصاق الأصولية بالإسلاميين وحدهم، إذ هي تطال غيرهم من أهل الحداثة، فمن يتعاملون مع أفكار حداثتهم على أنها مطلقات لا سبيل إلا إلى تنزيلها – كالأقدار التي لا دفع لها، على الواقع الراهن.
وبالطبع فإنه لا سبيل إلى التعامل مع هذه الأصول الجاهزة المطلقة المراد فرضها على الواقع إلا من خلال نقلها واستعارتها كما هي، وليس بالتفكير فيها ومراجعتها بحسب ما يفرضه سياق الواقع. وإذ لا يعني ذلك إلا مجرد السعي إلى تكرار الأصل الجاهز المنقول من أهل السلف أو من أهل الحداثة، فإن ذلك ما يؤدي إلى الإهدار الكامل للتاريخ، لأن تكرار الأصل يحيل إلى تاريخ قائم على التكرار الدوري لنماذج وأصول عليها، وهو ما لا يمكن ان يكون تاريخا أبدا، لأن التاريخ هو – في جوهره – انفتاح وتجاوز.
واذ لا مجال في هذا التاريخ إلا لتكرار الأصل، فإنه لا يكون تاريخ ابداع واضافة، لان معيار القيمة في هذا التاريخ هي التكرار، وليس الاضافة والابداع، بل ان الابداع أو الاضافة يهبطان بهذا التاريخ على سلم القيمة، لان الاضافة – تبعا لهذا التاريخ – تكون انحرافا عن الأصل الذي لابد ان يبقى نقيا ومثاليا، وفضلا عن ذلك، فإن تقييد التاريخ بأصل معطى سابق، يفقده طابعه المنتج الخلاق، ويجعل من وقائعه مجرد أصداء لا أحداث، الأمر الذي يجعله يفقد ليس فقط طبيعته بل وحتى انسانيته حيث البشر لا يكونوا – ضمن هذا التاريخ – إلا أشباحا مفعولا بها، وليسوا ذواتا فاعلين فيه، أو صانعين له ص 31، 32

للمزيد عن علي مبروك