بوابة الحركات الاسلامية : محمد محمود الصواف.. مؤسس إخوان العراق (طباعة)
محمد محمود الصواف.. مؤسس إخوان العراق
آخر تحديث: الخميس 30/12/2021 10:54 ص حسام الحداد
ولد محمد محمود الصواف بالموصل في 1915م في أسرة عُرفت بالصلاح، وتعمل بالزراعة والتجارة، وتلقى في صغره تعليمًا في المدارس التابعة للمساجد إذ أتم حفظه للقرآن الكريم في سن مبكرة، ثم درس مبادئ اللغة والشريعة بحيث تأهل ليلتحق بالمدرسة الفيصلية التي أنشاها العالم "عبد الله النعمة" المعروف في مدينة الموصل، والذي كان له تأثير كبير في شخصية الصواف فيما بعد.
ازدادت روحانية الصواف في صغره عند التقائه بعالم الموصل وإمامها الشيخ محمد الرضواني، فكان يلازمه لسنوات في صلاة الفجر، ويبقيان يذكران الله حتى طلوع الشمس من كل يوم، ثم يخرجان سويا إلى دروس العلم والفقه.
تخرج في المدرسة الفيصلية عام 1936م ثم عمل معلما في بعض المدارس الابتدائية ثم الثانوية، إلا أنه لم يُرد يريد أن يبقى حبيس التدريس، ولذلك استقال من عمله، فذهب إلى القاهرة، والتحق بالأزهر الشريف، بكلية الشريعة عام 1943 م وهو في الثلاثين.

العلم والدعوة في مصر

أقبل الصواف في القاهرة على العلم الشرعي، إذ استطاع اختصار سنوات الدارسة إلى النصف، وأن يحصل على شهادة العالمية، ثم تخصص في القضاء في 3 سنوات بدلا من 6 سنوات. وتناقلت الصحافة تلك الأخبار في حينه، كما أثنى عليه الإمام المراغي شيخ الأزهر، وقال له: يا ولدي لقد فعلت ما يشبه المعجزة.

الصواف والإخوان المسلمين

انضم الصواف لجماعة الإخوان في وقت كانت دعوة الجماعة من أبرز الدعوات الرائجة في الساحة المصرية آنذاك، واستطاعت أن تجذب إليها مجاميع من شباب مصر والعالم الإسلامي، ليسهم في تأسيس قسم الاتصال بالعالم الإسلامي في الجماعة.

العودة وتأسيس إخوان العراق

بعد أن عاد الصواف إلى العراق بعد حصوله على العلم من الأزهر الشريف، وتبنيه فكر الإخوان المسلمين، رأى أن يبدأ الدعوة من خلال العمل الشعبي في المساجد والجمعيات والخطابة والتدري، ووُصف الصواف بأنه كان ذا فراسة، وتجلت تلك الصفة في اجتذابه علامة العراق الكبير الشيخ أمجد الزهاوي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان أمجد الزهاوي قاضيا وعالما معروفا في مدينة بغداد، فاستطاع الصواف أن ينقله من حياته السابقة إلى حياة الدعوة والعمل رغم أنه بلغ في تلك الفترة سن المعاش، وتحدث عن هذه الصفة في الصواف الشيخ علي الطنطاوي في كتابه رجال من التاريخ"،  فقال: "كان الشيخ أمجد كنزا مخبوءًا فكشفه الصواف، كان كتابا عظيما مخطوطا لا يعرفه الناس فطبعه الصواف ونشره.

عمله في العراق

عمل الصوّاف مدرسا بكلية الشريعة في مدينة الأعظمية مفضلا التعليم على القضاء، وأنشأ جمعية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ثم أسس مع الشيخ أمجد الزهاوي جمعية الأخوة الإسلامية سنة 1948 واجهة عمل الإخوان في العراق، وأصدر مجلة الأخوة الإسلامية التي استمرت عامين حتى أغلقتها حكومة "نوري السعيد" في العهد الملكي، وألغت الجمعية.
وأثار توقيع حكومة العراق لمعاهدة "بورتسموث" مع الإنجليز في 15 يناير 1948م غضبا لدى الشارع العراقي في حينه، فكان الصواف بخطبه النارية يمثل المعارضة، فتعرض للسجن، وفصل من عمله.

الصواف وفلسطين

عرف عن الصواف بأنه كان عالما مجاهدا، فقد احتلت فلسطين صدارة جهاده، فعندما دخلت الجيوش العربية فلسطين وتم إعلان قيام إسرائيل في 15 من مايو 1948م  كان الصواف وجزء من الإخوان المسلمين في العراق قد تطوعوا للذهاب إلى فلسطين، وكان يقول: (إن معركة فلسطين هي امتداد لمعارك صلاح الدين بالأمس"، وقد دون قصة هذا الجهاد في كتابه "الإسلام بين الأمس واليوم)
وعندما انتهت حرب 1948 بين العرب واليهود وقامت إسرائيل لم يتوقف الصواف عن نصرة قضية فلسطين، بل خاض جهادًا آخر في ميدان الوعي والثقافة، فأسس جمعية "إنقاذ فلسطين" مع طائفة من فضلاء المسلمين، وقد عملت الجمعية على جمع التبرعات وشرح القضية، وإظهار أن هذه القضية هي قضية جميع المسلمين. وعقدت الجمعية في 1953م مؤتمر القدس الذي حضره لفيف من العلماء. وانتدب المؤتمر الصواف وأمجد الزهاوي وعلي الطنطاوي للطواف بالعالم الإسلامي لشرح أبعاد القضية الفلسطينية.

الصراع مع الشيوعيين

كانت الأوضاع السياسية بالعراق في الستينيات تنبئ باقتراب حدوث تغيير سياسي كبير، وكانت إرهاصات حدوث انقلاب عسكري تتزايد، حتى وقع ذلك الانقلاب 14 من يوليو 1958م بقيادة عبد الكريم قاسم، وألغيت الملكية وأعلن قيام الجمهورية العراقية. وقد استقبلت الأوساط السياسية والشعبية هذا الانقلاب بابتهاج شديد سرعان ما تبدد مع صعود الشيوعيين ومحاولتهم الاقتراب من عبد الكريم قاسم الذي رحب بهم في البداية لعدم وجود قاعدة سياسية أو حزبية يتكئ عليها في ممارسة الحكم، إضافة إلى صراعه مع الضباط الوحدويين مثل عبد السلام عارف.
أدى اقتراب قاسم من الشيوعيين إلى احتقانات سياسية عسكرية كبيرة استغل بعضها أحد قادة الجيش وهو "عبد الوهاب الشواف" للقيام بحركة انقلاب مضادة في الموصل، عرفت بحركة الشواف ساندته فيها القوى المختلفة الرافضة للشيوعية، غير أن فشل الحركة تسبب في حدوث مجازر قام بها الشيوعيون، وأشيع أن الصواف قد قُتل ونعته بعض الإذاعات العربية، غير أن الرجل كان قد اختفى فترة، ثم رحل إلى الشام سرا عام 1959م
كان الشيخ الصواف قد أصدر مجلة "لواء الأخوة الإسلامية" التي وجهت انتقادات حادة للشيوعيين، وعندما ضاقوا بالنقد هاجموا المجلة وأحرقوا مكتبها ومطبعتها بعد 7 أعداد فقط من الصدور.
كانت الحركة الإسلامية في حينه تنتقد نظام حكم عبد الكريم قاسم، بسبب صعود الشيوعيين، وصدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي ألغى كل القوانين المتخلفة و المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية، ومنع تعدد الزوجات، وأعطى المرأة حق الطلاق والمساواة في الإرث مع الرجل، لم يرضي هذا الصواف وجماعته فوقف الإخوان لهذا القانون بالمرصاد، خاصة بعد أن أصبح لهم وجود سياسي بعد حصولهم على حكم قضائي بإنشاء حزب، وتم لهم ذلك إبريل 1960 وترأسه نعمان عبد الرزاق السامرائي الذي أصدر جريدة "الفيحاء"، وكان نقد الإخوان شديدًا للشيوعيين، وكان لهم دور بارز في إحباط المشروع الشيوعي في العراق، لهذا سحبت وزارة الداخلية ترخيص الحزب بعد عدة شهور من قيامه في 15 أكتوبر 1960م

مؤلفاته

لم تشغل الدعوة ولا الجهاد والرحلات إلى البلاد الإسلامية الصواف عن التأليف، فأخرج عددا من الكتب حقق بعضها نسبة توزيع عالية وتم ترجمته إلى عدة لغات، ومن أهم كتبه:
ـ "المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام"
ـ "أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب"
ـ "معركة الإسلام بين الأمس واليوم"،
ـ "من سجل ذكرياتي"،
ـ "بين الرعاة والدعاة"،
ـ "نداء الإسلام"
ـ "تعليم الصلاة"،
ـ "صفحات من تاريخ الدعوة الإسلامية في العراق"،
ـ "العلامة المجاهد أمجد الزهاوي شيخ علماء العراق المعاصرين"،
ـ "عدة المسلمين في معاني الفاتحة وقصار السور من كتاب رب العالمين".

وفاته

تُوفي الصواف يوم الجمعة الموافق  11 من أكتوبر 1992م في مطار مدينة استانبول، حيث كان ينتظر الطائرة التي ستقله إلى مكة المكرمة، وقد نقل جثمانه ودفن في مقابر المعلاة بمكة بجوار قبر الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير.