بوابة الحركات الاسلامية : الباحثة الفة يوسف تؤكد للفيصل :النهضة الاخوانية تقود اقصاء ممنهج ضدي (طباعة)
الباحثة الفة يوسف تؤكد للفيصل :النهضة الاخوانية تقود اقصاء ممنهج ضدي
آخر تحديث: الأربعاء 06/01/2021 04:32 م روبير الفارس
اكدت الباحثة التونسية الفة يوسف أن هناك حالة  إقصاءً ممنهجًا لها  من وسائل الإعلام، ومن بعض الهياكل الثقافية. ليس هذا القول نوعًا من البارانويا، أو إيمانًا بنظرية المؤامرة، واضافت في حوارها مع  الصحفية بثينة عبد العزيز غريبي والذى نشرته مجلة لفيصل في عددها الاخير  قائلة ان  هذا ما قاله لي كثيرون من داخل الوسط الثقافي. أما سبب هذا الإقصاء فهو الموقع الذي يحتلّه الإسلام السياسي في تونس ووجهه الحزبي حركة النهضة، وفلك الناس الذين داروا حولها وتعاملوا معها. جعلني هذا الإقصاء أكتفي بنشر المؤلفات والتدوين على الفيسبوك، والمشاركة في وسائل الإعلام الأجنبية ضمن برامج ثقافية، وإلقاء المحاضرات خارج تونس، وبالطبع فمن هم خارج البلاد ليسوا تحت طائلة التعليمات السياسية نفسها التي تقدم للإعلام التونسي لكي يختار من يستضيف ومن لا يستضيف
ومنذ أطروحتها التي أهلتها لنيل درجة الدكتوراه، وكانت بعنوان «تعدد المعنى في القرآن»، والباحثة التونسية ألفة يوسف ما انفكت تسائل واقع مجتمعاتنا العربية من زوايا متنوعة وبأدوات ومقاربات متعددة، وفي كل مرة كانت تقدم مراوحة بين الإشكاليات التي تعتمل داخل النصوص وما يقابلها من قضايا حية في حياتنا اليومية. يشير مسار الباحثة إلى تعدد روافدها وانتقالها إلى مراحل جديدة وهو الفارق الذي نشعر به بين عملها الأول «تعدد المعنى في القرآن»، وعملها الأخير «وجه الله»، حيث تكشف عن رؤية جديدة للبحث العلمي منتقلة إلى فضاءات بحث جديدة. وحول سؤال عن المشاكل التى تواجه الباحثين قالت الفة المشكل في البلدان العربية ليس في الباحثين. صحيح أن مستوى البحث قد تراجع بتراجع مستوى الجامعات، ولكن هذا ليس خاصًّا بالبلدان العربية، فهناك تحول كامل في العالم شمل أساليب المعرفة والوسائط التي بها تقدم المعرفة. المشكل في رأيي متعلق بقلة مؤسسات البحث الفاعلة؛ ففي البلدان الأجنبية، الغربية خصوصًا، هناك استشراف للمستقبل حيث تشتغل مؤسسات البحث والمعاهد مع باحثين ضمن رؤى إستراتيجية واضحة لما تريد أن تكون عليه شعوبها، وتبذل من أجل ذلك أموالًا طائلة وجهودًا في مجال البحث وفي الدرس. هذا الذي كان يقوم به سابقًا بناة الدولة التونسية زمن البورقيبية، على الرغم من أنه لم يكن هناك وقتها موضة المؤسسات البحثية، ولكن كان هناك ناس يفكرون في المستقبل ويحاولون بناء دولة وفقًا لمقاييس وقيم وإستراتيجية دقيقة. وحول سؤال عن كتابها الشهير «حيرة مسلمة» قالت الفة  هو أكثر الكتب شهرة. هو طبعًا مرحلة في المسار الفكري وهي مرحلة التأويل ومرحلة قراءة النصوص وإبراز الإمكانيات التفسيرية التأويلية الكامنة بالقوة في النص التي وقع التغاضي عنها لاختيار تفسيرات شائعة وتقليدية، أصبحت ذات صبغة مقدسة وكأنها من النص القرآني. والحق أني إلى اليوم ما زلت أعتمد أحيانًا التفسير اللغوي عندما يتصل بي الناس ليسألوني عن بعض الآيات أو بعض الأحكام. ومع التفسير اللغوي، هناك التفسير التاريخي والتفسير النفسي الذي مررته عبر مراحل متعددة، وهي وجوه كثيرة من التفسير ما زال بعض الناس مفتقرين إليها، وتظل القراءات متعددة بالضرورة لأن القرآن حمّال أوجه. لكن بالنسبة إليَّ شخصيًّا فأعتقد أن قراءتي للفكر الديني اتخذت مناحي أخرى، أهمها المنحى الصوفي الروحاني الذي لا ينفي القراءات التأويلية. لنقل: إن القراءات التأويلية التفسيرية تندرج في مجال عالم الظاهر، أما القراءات الصوفية التي سار فيها بحثي هذه السنوات الأخيرة فهي منذ كتابة «شوق» سنة 2010م وصولًا إلى كتاب «وجه الله» فهي تندرج في مجال الباطن. واضافت الفه يوسف قائلة القضايا التي أثيرت في كتاب «حيرة مسلمة» ما زالت موجودة، وما زالت مطروحة إلى اليوم لم ينته الحديث فيها. إذا كانت قضية تعدد الزوجات التي تجاوزناها في تونس من سنة 1956م مع مجلة الأحوال الشخصية، ما زلنا نتحدث عنها الآن في بعض البلدان العربية الأخرى، بل حتى في تونس بعد 2011م هناك من رجع إليها فما بالك بقضايا الميراث والمثلية الجنسية. لكن الجميل والإيجابي والمتطور والمفيد هو أنها أصبحت قضايا مطروحة. في سنة 2008م عندما ألّفت كتاب «حيرة مسلمة» كان الحديث في هذه المسائل حديثًا سريًّا مسكوتًا عنه.

حتى وقتها كانت هناك بعض العائلات تختار أن تقسم الميراث بين أبنائها بطريقة متساوية وعادلة -وأحرص على جمع المساواة والعدالة في جملة واحدة- لكن ما كان الأمر يتصل بقضية مطروحة في الشأن العام. كذلك قضية المثلية الجنسية ففي المدة التي كتبت فيها الكتاب كان الحديث في الأمر منحصرًا في دوائر مغلقة، وأزعم أن كتاب «حيرة مسلمة» هو أول طرح لهذا الموضوع بهذا الشكل الواضح المباشر.

إذن هناك تطور في الحديث عن المسائل وهذا التطور جيد جدًّا؛ لأن بداية تفكيك القضايا لا يكون إلا بطرحها. أنت لا تستطيع أن تفكك قضية لا تتحدث عنها. لا تستطيع أن تفكك قضية مسكوتًا عنها. أتصور أنه في سنوات قادمة ستصبح مسألة المساواة في الميراث أمرًا بديهيًّا، وكذلك القضايا الأخرى عندما تفهم أن جوهر الأديان ليس قمعًا ولا إقصاء. وحول سؤال عن العودة العربية مكثفة إلى التراث.  هل نجح العرب في قراءة تراثهم قراءة مفيدة؟ قالت العودة إلى التراث لم تكن عملًا متكاملًا ذا بنية جماعية. يعني مثلًا نذكر مشروع الجابري أو مشروع أركون، هي مشروعات فردية مهمة نعم، ولكنها ليست أكثر من ذلك. هنا أعود إلى ما طرحت في سؤال سابق من غياب الأطر الثقافية والمؤسسات والإستراتيجيات السياسية التي تحتضن قراءة التراث وتوجهه.

في الغرب قرؤوا تراثهم، حللوه، انتقدوه، استفادوا منه وساروا إلى الأمام. نحن ما زلنا نُداوِر في فلك علاقتنا بالتراث. بعضهم يدعو إلى قطع العلاقة بالتراث قطعًا تامًّا وهذا وهم؛ لأننا نحمل هذا التراث في ذواتنا، وبعضهم يدعو إلى أن نحيي هذا التراث مرة أخرى، أي أن نكون نحن نسخة ممن سبقنا، وهذا أيضًا أمر مستحيل لا يمكن تصوره، وهو يدخل في إطار الأوهام الصفوية والفانتازمات التي يتصور بها بعضهم الدخول إلى الفردوس المفقود. إذن نحن في حاجة إلى مؤسسات تدرس تراثنا دراسة فكرية معرفية تربطه ربطًا عميقًا بواقعنا وبحلحلة مشكلاتنا اليومية؛ لأني ما زلت أؤكد أننا لم ندخل زمن الحداثة أو ما بعد الحداثة إلا شكلًا فقط، وما زلنا في عقليتنا نحمل الروح القبلية وبعض قيم العصور الوسطى.