بوابة الحركات الاسلامية : دراسات المستقبل: هل يغير بايدن سياسة مكافحة الإرهاب في إفريقيا؟ (طباعة)
دراسات المستقبل: هل يغير بايدن سياسة مكافحة الإرهاب في إفريقيا؟
آخر تحديث: الأحد 07/02/2021 08:53 ص حسام الحداد
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة دراسة حول إمكانات الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغيير سياسة مكافحة الإرهاب في أفريقي، حيث أكدت الدراسة على  أن "بايدن" سوف يعول كثيرًا على الدبلوماسية، ويعمل على إعادة الروح لوزارة الخارجية التي عانت كثيرًا في عهد الرئيس "ترامب"، الذي كان يحب أن يشير إليها باسم "الوكالة العميقة"، وكان ينظر باستمرار إلى موظفيها بعين الشك والريبة. وواقع الأمر أنه في الوقت الذي عانت فيه سفارات الولايات المتحدة في إفريقيا من نقص شديد في الموظفين لعقود من الزمان؛ زاد الوجود العسكري الأمريكي. على سبيل المثال، نادرًا ما تستقبل معظم البلدان الإفريقية زيارات من قبل الرئيس أو نائب الرئيس أو وزير الخارجية أو حتى كبار المسؤولين من الإدارات الأمريكية الأخرى. في الواقع، زار رؤساء الولايات المتحدة 16 دولة فقط من أصل 54 دولة في إفريقيا، وقاموا بزيارات متكررة لعدد محدود من البلدان. في المقابل، يسافر كبار قادة القيادة العسكرية في إفريقيا "أفريكوم" إلى القارة ودول عديدة فيها مرات كثيرة تفوق زيارة أي شخص آخر في الحكومة الأمريكية. وعليه، أضحت التفاعلات مع المسؤولين العسكريين الأمريكيين بمثابة العلاقات الرسمية الرئيسية في إفريقيا ولكن خارج الإطار الدبلوماسي التقليدي. وقد أضحت ظاهرة عسكرة العلاقات الأمريكية الإفريقية في عهد "ترامب" أكثر وضوحًا.
كما أشارت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة لم تركز في وجودها العسكري في إفريقيا على محاربة الإرهاب فقط، بل كانت تقوم من خلال الجيش بأنشطة أخرى لتحقيق وتعزيز المصالح الأمريكية. في فترة الكوارث الطبيعية والأوبئة، يتيح الوجود العسكري الأمريكي في العديد من الدول الإفريقية دعمًا سريعًا وحاسمًا. في عام 2019 واستجابة لإعصار إيداي، ساعدت الطائرات العسكرية الأمريكية في إيصال الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى إلى كل من ملاوي وموزمبيق وزيمبابوي بعد أيام قليلة من حدوث الكارثة.
 كما كان الوجود العسكري الأمريكي في العديد من الدول الإفريقية جزءًا أساسيًا من الاستجابات لجائحة (كوفيد-19)، حيث وفر خدمة المستشفيات المتنقلة في غانا والسنغال وأوغندا. وتساعد برامج بناء القدرات والشراكات التي تم تأسيسها من خلال المشاركة العسكرية الأمريكية الدول الإفريقية، مثل بنين ونيجيريا والسنغال، على التعامل مع فيروس (كوفيد-19)، واحتواء الأوبئة المستقبلية. ولا شك أن هذه المهام غير المتعلقة بمكافحة الإرهاب ليست مجرد أعمال خيرية أو مجاملات دبلوماسية، فهي تعمل -باختصار- على تعزيز المصالح الأمريكية في إفريقيا، ولا سيما احتواء النفوذ الصيني المتزايد.
لقد كشف نهج الرئيس "ترامب" عن أنه لا يميل إلى الانخراط في التعاون الدولي من أجل مواجهة الطبيعة المعقدة ومتعددة الأبعاد للإرهاب. وقد أثار ذلك النهج الشكوك حول فهم الولايات المتحدة لكيفية التعامل مع الإرهاب باعتباره قضية عابرة للحدود. هل يستطيع "بايدن" تجاوز إرث سلفه وبناء نهج جديد يصلح لمواجهة الطبيعة العالمية المعقدة لأزمة الإرهاب؟ ومع ذلك سوف يجد الرئيس "بايدن" نفسه مقيدًا -إلى حدٍّ ما- بأولويات الداخل الأمريكي؛ إذ إنه يتولى القيادة في وقت يُلقي فيه الاستقطاب السياسي والعرقي الحاد بثقله على الولايات المتحدة وسط تصاعد موجات التطرف اليميني. فهل يعني ذلك استمرار نهج الضربات العسكرية ولكن مع إعادة الروح للأداة الدبلوماسية الأمريكية لتعمل جنبًا إلى جنب مع قادة أفريكوم؟.
وأكدت الدراسة أنه من غير المرجح أن يحدث تحول كبير في ظل إدارة الرئيس "بايدن" في مجال مكافحة الإرهاب نظرًا لاستثمارات الولايات المتحدة المحدودة في القارة. ففي الوقت الذي يحاول فيه "بايدن" تطوير نهج مغاير للتعامل مع التطرف العنيف في الفترة المقبلة؛ سوف يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع إرث "ترامب" الخاص بخفض أعداد القوات الأمريكية العاملة في إفريقيا. من المعروف أن الولايات المتحدة كانت تنشر نحو 700 جندي في الصومال لمساعدة الجيش الوطني في محاربة مقاتلي "الشباب" و"داعش". بيد أن الرئيس "ترامب" قبيل مغادرة منصبه أمر بسحب جميع هذه القوات تقريبًا.
وانتهت الدراسة إلى ان السياسة الأمنية الأمريكية في إفريقيا تحتاج إلى الاهتمام بالحلول السياسية من خلال تحسين العلاقات بين الدولة والمجتمع. ومع ذلك، ثمة عوائق وتحديات كبرى، حيث إن معظم الدول الضعيفة والهشة في القارة، وهي تسلطية وفاسدة بطبيعتها، مهتمة أكثر بضمان استمرار شبكات المحسوبية و عوائد السوق السياسي -وفقًا لمفهوم أليكس دي وال- التي تساعد على استمرار النخبة الحاكمة في السلطة بدلًا من السعي لتحقيق السلام والأمن. في بعض الحالات، تم توظيف الميول الانقسامية، مثل الاختلافات العرقية والدينية، لإثارة المواطنين ضد بعضهم بعضًا لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بالنخب الحاكمة. لم يكن مستغربًا أن يكون لدى العديد من البلدان الإفريقية استراتيجيات وطنية لمكافحة الإرهاب أو التطرف العنيف، ولكنها لأسباب عديدة لا تمتلك الإرادة السياسية الكافية لتفعيلها. ربما يكون من المفيد في هذه الحالة الاهتمام أيضًا بالمستوى القاري في محاربة الإرهاب، فبغض النظر عن الآمال التي تعلقت بصعود الرئيس "بايدن" فإن مهمة محاربة الإرهاب تظل بأيدي الأفارقة بالأساس.