بوابة الحركات الاسلامية : الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين والخروج منها في الغرب (طباعة)
الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين والخروج منها في الغرب
آخر تحديث: الثلاثاء 16/02/2021 06:38 م حسام الحداد

في كتاب الدائرة المغلقة، يقدم لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن، رؤية داخلية غير مسبوقة لكيفية عمل واحدة من أكثر الجماعات الإسلامية نفوذاً في العالم.. حيث أجرى مقابلات فريدة مع أعضاء سابقين بارزين وشركاء من أوروبا والمملكة المتحدة وأمريكا الشمالية، حيث يلقي الضوء على سبب وكيفية الانضمام إلى الجماعات الغربية التابعة للإخوان المسلمين وتركهم.

بالاعتماد على هذه الروايات الشخصية المدهشة، ينسج فيدينو معًا تجارب الأفراد الذين شاركوا في جماعات الإخوان ونبذوها فيما بعد، توفر وجهات نظرهم ثروة من المعلومات الجديدة حول الأعمال الداخلية السرية للإخوان والشبكات التي تربط المجموعة الصغيرة ولكن عالية التنظيم من الجماعات المتأثرة بالإخوان.

 يدرس كتاب الدائرة المغلقة التكتيكات التي يستخدمها الإخوان لتجنيد المشاركين والاحتفاظ بهم، وكذلك كيف ولماذا يتخذ الأفراد قرار المغادرة الصعب، من خلال قصص الأعضاء السابقين المتنوعين، يرسم فيدينو صورة لحركة منظمة للغاية ومتماسكة، إن وصوله غير المسبوق وفهمه لأنشطة الجماعة ودوافعها له آثار سياسية مهمة فيما يتعلق بمنظمات الإخوان الغربيين.

كما يسلط الضوء على الآليات الأساسية الموجودة في مجموعة من الجماعات المتطرفة.

لورينزو فيدينو مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن.. وهو مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب" (كولومبيا، 2010).

وتميزت فصول الكتاب بالوصف الدقيق والتفاصيل المثيرة كونها كانت توازن بين الدقة التاريخية والروايات الشخصية للأعضاء السابقين الذين خدموا في الجماعة بحيث يمكن أن تكون كل شهادة عبارة عن فكرة متكاملة لموضوع محدد رغم أن الأشخاص الذين تم مقابلتهم تنوعوا بين من هم ينحدرون من أصول عربية والبعض الآخر من أبناء الحضارة الغربية. وقد كشف الجميع عن الأسباب التي دفعتهم إلى الانضمام للإخوان وعلى رأسها الشعور بالفراغ الإيماني والبحث عن معنى للحياة وكذلك إعجابهم بطبيعة الإنسان المسلم التي كان يراها من خلال التعامل الشكلي في وجوه الإخوان ولكنهم سريعاً ما اكتشفوا الحقائق عندما زاد عدد أعضاء الجماعة بسبب دخول العديد من أبناء القيادات الإخوانية الموجودة في الغرب في الجماعة وبالتالي بدأ الفرز وخلق (نخبة) من العائلات المتنفذة بالمال ما تسبب في إحباط العديد من الأعضاء خاصة النشطاء الذين لا ينتمون إلى الأسر البارزة وبالتالي جرى تهميشهم وإبعادهم من دائرة الصغيرة فكان سبباً للخروج منها بعدما فقدوا الأمل لأن يكونوا من القيادات.

الباحث ناقش الوجود الإخواني في الغرب على مدى تسعة عشرة عاماً وهي الفترة الزمنية التي حددها لبحثه، وذلك انطلاقاً من مدينة ميلانو ومن تجربة طويلة خاضتها الجماعة في تلك المجتمعات قبل أن تصل إلى المكانة التي وصلت إليها قبل أحداث ما كان يطلق عليه بـ "ثورات الربيع العربي" والتي كشفت عن ماهية الإخوان أيديولوجياً وأزماتها التي ظهرت إلى العلن بعد فترة طويلة من الاختفاء أو التخفي وراء الأفكار المتشددة حتى أثارت أسئلة لدى الباحثين تتعلق بطريقة إدارة الجماعة لسياستها وتجربتها وخلافتها من خلال تتبع مراحل الانتساب إلى الجماعة أو بالأصح تجنيد أفراد من المجتمع الغربي ثم الأشياء أو الأسرار التي اكتشفها الباحث من انضم إليهم والتي كانت الدافع الأول والأساسي للخروج منها خاصة وأن بعضهم كانوا قادة في التنظيم وقد وصلوا إلى مناصب تجعلهم يتمسكون بالتنظيم أكثر بدلاً من اتخاذ قرار الخروج.

ولعل ما يجعل الكتاب إضافة نوعية في المكتبة العربية بعد أن أصبح مرجعية وشهادة لخطورة هذا التنظيم على المجتمعات الغربية، أن الباحث اعتمد على المقابلات الشخصية كأداة لجمع معلومات الكتاب من بعض الشخصيات باعتبار أنها إرث أو معرفة اكتسبها الشخص المنشق وبنفسه وبالتالي ما ينقله هي تجربته الواقعية وعليه فإن المعلومات تصنف بأنها أساسية ومن مصارها الأولية ثم أنها ستكون بلا شك حديثة كونها تعلن لأول مرة أضف إلى ذلك أسلوبه النقدي من أشخاص عايشوا التجربة على اعتبار أنهم كرسوا مرحلة طويلة من حياتهم لأجل قضية اعتقدوا أنها إنسانية ودينية ولكنهم اكتشفوا بعد فترة أنها خدعة وإن الهدف الأساسي ليس كذلك.

هدف الإخوان:

وهناك تصرفات أو "ثيمات" أخرى خاصة للجماعة وتلفت نظر القارئ لتفاصيل الكتاب وهي يمكن أن تسجل باعتبارها إضافات جديدة من إرث الإخواني وهي: حالة العداء والمقاطعة التي يتعرضون إليها من ينشقون من الجماعة تصل إلى درجة الصدمة، بل يصل الأمر إلى إلغاء أي نشاط لأي عضو سابق يريد أن يقوم به في المساجد أو المراكز الإسلامية التابعة لهم والتي كانت يوماً ما مكان التفاعل بينهم. ومن تلك التصرفات غير الطبيعية أو غير المنطقية أنه يتم التدخل من أجل إقناع زوجات المنشقين بالانفصال عن أزواجهم بطريقة تبدو غير دينية وغير إنسانية.

ومن الروايات الواقعية في تفسير المنشقين أو الذين خرجوا من التنظيم شعورهم بأن هدف الإخوان النهائي: إضعاف المجتمعات الغربية والتسلل إلى المؤسسات العامة وتدمير المجتمع من داخله وأنهم يتظاهرون بالأساليب الديموقراطية التي هي من أسس المجتمعات الغربية ظاهرياً فقط، وهذا الوصف يتفق تماماً مع ما حصل مع المجتمعات العربية.

أسباب الانشقاق

وتمثلت مهارة مؤلف الكتاب في قدرته على أن يختلف عن الباحثين الآخرين أنه تناول أسباب الانشقاق من الجماعة في حين الآخرين ركزوا على أسباب الداعية للانضمام. ثم إنه استطاع أن يلفت القارئ إلى مبررات أعضاء الإخوان من الأوروبيين التي كانت تفسر الحالة الحقيقية للجماعة فعلى سبيل المثال بيير دوراني وهو مواطن سويدي كان قد تعرف عن الإسلام من جماعة الإخوان ولكن خرج بسبب اكتشافه أن أعضاء التنظيم يحاولون استخدام عفوية الإنسان الأوروبي في تمرير أفكارهم وأجنداتهم بل إنه ضحى بالكثير لانتشال نفسه من النفق الإخواني المظلم.

أما بيرنيلا أويس وهي سويدية أخرى فقد تخلت عن الإخوان لأسباب لها علاقة باستغلالها من الجماعة ولأسباب عنصرية الجماعة ضد الشعب السويدي حيث استغلوا المستوى التعليمي للأعضاء من السويد ومنهم بيرنيلا أويس نفسها في إقناع المحاورين السويديين والتشكيك في أسس المجتمع من خلال استخدام الأطر النسبية لتحقيق أهداف التنظيم رغم أنها غير حقيقية كما تراه داخل التنظيم كما تقول أويس: فلو أن أحدهم انتقدنا لمعاملة النساء في الإسلام، من حيث السلطة الأبوية، نثير على الفور مسألة معدلات الطلاق في السويد.

من الأسباب المهمة الدافعة للانشقاق من تنظيم الإخوان كما جاء في الكتاب هو ازدواجية التعامل مع أفراد المجتمع فمثلا إمام المسجد من أعضاء التنظيم يرفض دعوة الكبار في السن إلى الإسلام بحجة أنهم لن يتقبلوا الدين الجديد وأن الشباب هم الأنفع والأكثر مرونة كما أن في مقابل الزهد النظري على المناصب كان هناك صراع محتدم بين قيادات الإخوان بل يصل الأمر لأن ينظر أعضاء تنظيم الإخوان نظرة عنصرية إلى باقي المسلمين غير المنظمين معهم يحدث هذا في الوقت الذي يبدون شيئاً من القيم الإنسانية أمام الناس.

بل إن التحيزات العرقية كانت موجودة وبشكل واضح ضد الأعضاء من غير العرب سواء من الأوروبيين أصحاب الدول الأصلية وكانت هذه التحيزات أكثر وضوحاً ضد المسلمين الأفارقة من الصومال والإريتريين مع أنهم يروجون للأعضاء في الجماعة أن جميعهم كأسنان المشط ثم تكتشف أن ذلك غير صحيح بل إن قيادة التنظيم دائماً محصورة لدى الجالية العربية وهو ما ينفي تماماً إيمانهم بالديموقراطية.

إن الروايات والقصص الموجودة في الكتاب التي رواها المنشقين كانت تعبيراً حقيقياً عن حالة من الاستياء الواسع داخل التنظيم في الغرب، ومع أنه لا يمكن الحكم على نهاية التنظيم هناك لكن يمثل تحولاً سلبياً مهماً لمستقبل الإخوان في المجتمعات الغربية التي كانت الحاضنة المهمة لهم في الكثير من المشاريع التخريبية للمنطقة.

كما سجلت الاعترافات أن التخلي عن الجماعة، بعدما كان هدفهم قبل الدخول فيه، كان يتبعه التخلي عن كل تنظيمات الإسلام السياسي بما فيها التنظيمات الأخرى التي تحمل أفكار جماعة الإخوان وبالتالي فيكون ترك الإيمان بهذا الفكر هي النتيجة النهائية.