بوابة الحركات الاسلامية : الشيطان وتجديد الفكر الديني (طباعة)
الشيطان وتجديد الفكر الديني
آخر تحديث: الثلاثاء 16/03/2021 11:01 م حسام الحداد
كتاب "الشيطان وتجديد الفكر الديني" لنبيل عمر، الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع 2021، يتميز بداية بأسلوبه الحواري الرصين والهادئ، والذي يميز الكاتب بشكل عام، فلا تشعر بالملل حال القراءة بسبب سهولة اللغة وانسيابية الأفكار وحالة الألفة التي يصنعها الكتاب معك، هذا إلى جانب تمتع الكاتب بالكثير من الموضوعية في السرد
يناقش الكتاب واقع الدين الإسلامي، منطلقًا من البيئة التي وُلد فيها النبيّ، مُظهرًا مدى قساوتها، موضحًا أنّ "مكة نفسها بيئة صعبة... أي وُلد النبيّ في أمّة تائهة في الضلال والجهل والبغي والظلم والشرك والكفر والفرقة والاستبداد والقساوة والعنف والغضب والسخط." كان مجيء النبيّ إذَا حاجة ملحّة، فهدى الناس إلى دين الإسلام، الذي وضع النظم الضروريّة لتسهيل حياتهم. كما أضاء الكاتب على شخصيّة النبيّ وارتقائه سلّم الإيمان، وصولا إلى دعوة الله له؛ متوقّفًا عند تحليل العلماء لأسس هذه الديانة، وفي سعي منه لكشف كل ما أحاط بهذه السيرة وبعصر النبيّ، بدقّة متناهية، بغية تقريب الصورة إلى أذهاننا، وإدخالنا إلى عمق الواقع الذي كان قائمًا، لنلمس الحقائق ونُعمل العقل فيها، مرتكزين على وقائع دقيقة، فلا نُصدر أحكامًا جائرة لا يمكن تصحيحها، فهو القائل: "الكتابة مثل طلقات الرصاص، إذا خرجت يصعب تصحيح مسارها، وتظلّ عالقة بمن أطلقها مهما اعتذر أو تراجع وبرّر أسباب فعلته...." 
ويحاول الكاتب جاهدا طوال صفحات الكتاب نفي الاتهامات الموجهة للإسلام، ويناقش أبرز ما قيل في الإسلام والمسلمين، دون أن يسعى لستر عيب أو تجميل تشوّه، مظهرًا من خلال هذا الكشف نقاط الضعف التي استدعت انتقاد المنتقدين، أو مكمن العلّة في الإساءة إلى الإسلام، مؤكّدًا أنّ المسبّبات لا ترتبط بالدين بحدّ ذاته وإنّما بكيفيّة تطبيقه لدى العديد من القيادات الدينيّة أو السياسيّة، عبر التاريخ، بطريقة تتلاءم مع مصالحهم ولا تمتّ إلى جوهر الدين بصلة؛ كما يرفض حصر الإسلام في إطار العصر الذي ظهر فيه، مستشهدًا بما كتبه شكيب أرسلان في وصفه للمسلمين وما أصابهم من انحطاط وضعف، وعلم ناقص، وجمود على القديم لدى الفئة التي لا تريد أن تغيّر شيئًا، ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامي: ظنًّا منهم بأنّ الاقتداء بالغربيّين كفر؛ مشيرًا إلى أنّ الصراع بين أتباع الدين، أو القدماء والمحدثين "يصدّ الملايين من المسلمين عن استكمال طريق التحديث العقلي، حماية لعقيدتهم وتقاليدهم من خطر التشويه". بذلك نرى أنّ الكاتب لا يخجل من الإشارة إلى الخلل الذي يُظهره النقّاد، كونه يعلم أنّ هذا الخلل ليس ناجمًا عن الدّين، بل عمّن يطبّقونه أو يفسّرونه بشكل خاطئ، وأنّ الإسلام في جوهره أرقى من أن يقف عند هذه الحدود الضيّقة.
ومن جهة أخرى يندّد بالحروب التي قامت عبر التاريخ ضدّ كتب التراث، بحيث يعمد الغالب إلى حرق كتب المغلوب ومحو كلّ أثر له؛ مشيرًا إلى مدى أهمّية كتب التراث التي "تصلح لتفسير مراحل من تطور العقل المسلم في فهم دينه والعالم موضحًا بصريح العبارة أنّ الثورة الفكرية الدينية التي نطالب بها، ليست على كتب الدين كما يظن البعض، وليست على كتب التراث لحرقها، وإنما على رجال دين تجمّدوا وهجروا عصرنا، وجرجرونا معهم إلى الخلف.. ويتابع في موضع آخر قائلا: "لو دقّقنا النظر وأمعنّا الفكر وأطلقنا العقل فيما ورد في كتب التراث، سنكتشف بسهولة ما يمكن أن نأخذه منها، وما يجب أن نهمله منها، دون أن ينقص من إيماننا شيء...". فهو إذًا مع الانفتاح على الآخر أيًّا يكن هذا الآخر.
يدعو الكتاب إلى ثورة فكريّة ودينيّة، توقظ العقول النائمة التي تتلقّى من دون أن تحلّل، منقادة انقيادًا أعمى خلف فتاوى تجرّد الدين من جوهره وتُلبسه رداء الأمّيّة والجهل. مؤكّدًا أنّه ليس ضدّ الدين بحدّ ذاته، مطالبًا بالفصل بين مفهوم الدين ومفهوم الفكر الديني، فالدين لا يحدّه عقل، بينما الفكر الدينيّ هو نتاج عقل الإنسان المحدود
يجعلنا نبيل عمر نرى ونحس بهيمنة الحكّام واستغلالهم للدين بما يتناسب مع مصالحهم، مغذّين النعرات الطائفيّة والتطرّف الديني، مجنّدين بفتاويهم عامّة الناس للدفاع عن حكمهم وحماية سلطتهم بقوّة السلاح وسفك الدماء بحجّة الجهاد: "واحد من أهم أسباب العنف والتطرف والقتل الذي تمارسه الجماعات الدينية هو الفهم الخاطئ لمعنى الدولة، وأنّ الدولة جزء من الدين، لا يصح إلّا بها، فهذا خطأ يصل إلى درجة الخطيئة، فالدولة تتوسّع وتنكمش، وتقوم وتختفي، تنهار وتنقرض، لكن الدين دائم ومطلق، وهذا لا يعني أن نعزل الدين عن المجتمعع، فهذا لا يصح، والإسلام دين ومجتمع وليس دولة، فيمكن أن أكون مسلمًا مؤمنًا في الإسكيمو أو فوق جبال الأنديز أو في جزر الكناري أو على شواطئ المحيط الجنوبي، وأؤسس في مكاني مع المسلمين في هذه الأماكن مجتمعًا مسلمًا نلتزم فيه بكل التعاليم والقيم الإسلامية، دون أن نؤسّس دولة إسلامية"! أليست هذه دعوة صريحة لفصل الدين عن الدولة؟
انطلاقًا من هذا الواقع يكشف نبيل عمر، لمن غشيت أبصارهم، المعنى الحقيقي للدين والدولة، ويسعى جاهدًا لإرشادهم إلى الطريق المؤدي إلى "دولة ديمقراطيّة عصريّة"، تخلّصنا من "حكم الفرد المستبد... بما فيه من إهدار لحقوق الإنسان وتقديم فروض الطاعة وسلب قيمة المواطنة وعدم احترام الرعية، وحبس الحريات العامة، وتفصيل علاقات سياسية على مقاس أولي الأمر". 
وحول التعايش والتعدد وعدم الخوف على الدين أو من الدين يقول الكاتب بدون "تعقيد وفلسفة وكلام كبير، فالإسلام دين، وجوهر الدين مطلق لا يتغير وهو الله سبحانه وتعالى، والدولة فكرة بشريّة أي من عقل البشر وناتجة عن تطوّرهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وجوهر الأفكار "التغيير الدائم"، فلا دائم إلا وجه الله... الدين ثابت لا ينتهي ولا يموت، والعالم به مئات الديانات عمرها من عمر الأرض ولم تندثر". 
وحول اشكالية الشعارات وفي القلب منها "الاسلام دين ودولة" هذا الشعار الذي عانينا وما زلنا نعاني منه حتى الأن، يقول الكاتب: "يستحيل أن يكون الدين والدولة شيئًا واحدًا، مهما لصقت الدولة نفسها بصفات دينية "يهودية، مسيحية، إسلامية.. إلخ". فالأديان لم تهبط على الدول وإنّما هبطت على الإنسان الفرد، ولم يكلّف الله بها الدولة وإنما كلّف الفرد مهما هاجر من أرض إلى أرض، ومن دولة إلى دولة، وكل الأنبياء دعوا "الفرد" للإيمان وليس الدولة." 

بعض إشكاليات الكتاب

العنوان:
يقول الكاتب: فتجديد الفكر خارج رجال الدين هو عمل شیطاني يتربص بالدين ويريد هدمه.
وعدم تجديد الفكر يوسع المساحة التي يعمل فيها الشيطان، معتمدا فيها على تفسيرات قديمة في كتب التراث، لتكفير الآخر، وشن عمليات إرهابية، وهجرة من دار الحرب وإعلان الجهاد عليها، وكراهية المخالف في الدين، وحبس المرأة في البيوت حماية للرجل من الفتنة.
يعني الشيطان في غاية النشاط، هو الذي يقف خلف دعوة تجديد الفكر الديني، لهدم الدين وإخراج أمة المسلمين عن الطريق القويم، وأيضا هو الذي يريد بقاء الوضع على ما هو عليه فالتفسيرات القديمة تمنحه فرصا لا نهائية للوسوسة باسم الدفاع عن ثوابت الدين. (ص 21)
وهنا وحسب الكاتب تكمن الاشكالية في الشيطان وكأنه لا دخل لنا بها فيعيدنا إلى اشكاليات الفكر الديني من بدايتها هل الانسان مسير أم مخير وقدرة الشيطان على السيطرة على تصرفات الانسان، مما يخرج الانسان من محل الفعل إلى المفعول به من قبل الله وإما من قبل الشيطان. 
القرآن وثقافة  أهل الجزيرة العربية:
مكة:
يتسائل الكاتب: هل الإسلام طفرة غير مسبوقة في الفكر والقيم والتشريعات والعلاقات التي نظمها بين الناس من زواج وطلاق وميراث ومعاملات وحقوق ، وواجبات - إلخ؟ أم هو حلقة تطور ونقلة إضافية في زمان بعثه، ومجرد درجة في سلم المعرفة البشرية من قيم وعلاقات في البيئة التي نزل فيها أو العالم المحيط بها؟ بمعنى: هل هو حالة فريدة من المعارف الروحية والمادية في التاريخ الإنساني تفوق ما عرفه البشر قبل بزوغ شمسه؟
أم هو حالة متكررة في رحلة الإنسان للتطور المعرفي تحدث كلما توافرت لها ظروف ثقافية وحضارية مواتية؟
وأخذ يشرح الكاتب البيئة التي سطع فيها الإسلام بقوله "إذا اقتربنا من مركز الدائرة، وأقصد مكة وأهلها، نجدها قد تزيد درجة أو أكثر قليلا على سكان البادية، لكونها من الحضر، ولها مصدر أساسي للرزق، رحلتان للتجارة إلى الشام واليمن صيفا وشتاء، والتجارة تقوم على زوار الكعبة الذين يتوافدون عليها من كل أنحاء الصحراء المترامية، طبعا إلى جانب الرعي
كان هؤلاء العرب يعيشون في جزيرتهم شبه منعزلين عن العالم، لا يطلون عليه إلا نادرا، ولا يعرفون من أمره إلا القليل، حسبما تتيحه رحلتا الشام واليمن من لقاءات وحوارات ورصد بين ثقافات مختلفة، وما يقع في أيدي بعض شيوخ ثقات مغرمين بالمعرفة من مخطوطات قديمة مثل ورقة بن نوفل وغيره.." (ص 28)
ونعتقد أن الكاتب هنا قد أغفل أن مكة كانت مركزا للتجارة وان الحج كان يمثل حالة انتعاش ثقافي وتجاري وانه كان لأهلها اطلاع واسع بالثقافات المحيطة والسابقة حيث احتجوا على القرآن بأنه "أساطير الأولين" هذا ان سلمنا بأن الاسلام نشأ في مكة فهناك قراءات وأبحاث أركيولوجية وجيولوجية وغيرها تؤكد أن الإسلام لم ينشأ في مكة بل نشأ في منطقة "البترا" في الأردن وهناك كتاب مهم اسمه "تجارة مكة وظهور الإسلام" هو كتاب للمُستشرقة باتريشيا كرون وهي باحثة في التاريخ الإسلامي، تحاول فيه المؤلفة الوصول إلى فكرة أن الإسلام لم ينشأ في مكة، وتوضح في الكتاب أن مكة كانت بعيدة تماماً عن الطريق بين اليمن وسوريا وأنه ليس هناك أي ذكر لمكة في مصادر غير إسلامية في هذه الفترة.
«من الواضح أن لو كان المكيين وسطاء في تجارة طويلة المسافة من النوع الذي وصف في الأدب الإسلامي لكان هناك ذكر لذلك في كتابات زبائنهم الذين كتبوا باستفاضة عن العرب الجنوبيين الذين كانوا يمدونهم بالعطريات. بالرغم من الإهتمام الكبير الذي اولي إلى العرب فإنه ليس هناك أي ذِكر على الإطلاق لقريش (قبيلة محمد نبي الإسلام) ومركزهم التجاري مكة سواء في الكتابات اليونانية أو اللاتينية أو السريانية أو الآرامية أو القبطية أو ايّة لُغات أخرى كانت تستخدم خارج شبه الجزيرة العربية.»
الكتاب يفحص بشكل شامل كل الأدلة المٌتاحة التي قادت باتريشيا إلى أن رسالة محمد لم تكن في مكة والمدينة ولا جنوب شبه الجزيرة العربية اصلاً لكن في شمال الجزيرة العربية.
وبغض النظر عن هذا وحسب المتوارث من كتب عربية تم تدوينها بداية القرن الثاني فان مكة كانت تنعم بمناخ متعدد الديانات وبالتالي الثقافات لكونها قبلة العرب وبها كعبتهم، وغيرها من الأدلة التي تجعل المكي يعلم الكثير عن العالم المحيط به.
يعرف شيء من تاريخ مصر القديمة وشيء من تاريخ العراق والشام وشيء من تاريخ جنوب الجزيرة والحبشة أيضا بدليل الهجرة الأولى.
ويكرر الكاتب وصفه لمكة "الجاهلية" مرة أخرى بأسلوب مختلف فيقول "ومكة نفسها بيئة صعبة، اتفق فيها المؤرخون والرواة على أن عصر الجاهلية من أخبث العصور، وأكثرها انحطاطا في جميع النواحي الخلقية والعقلية والدينية، أي ولد الرسول في أمة تائهة في الضلال والجهل والبغي والظلم والشرك والكفر والفرقة والاستبداد والقساوة والعنف والغضب والسخط" (ص 56)
وحسب كتب التاريخ وما وصل إلينا عن مكة في الجاهلية ينافي كل ما ساقه الكاتب وخير دليل على انفتاح ووعي وثقافة المجتمع المكي هو أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تلك المرأة التي كانت تدير تجارتها وتستعمل رجال أحرار من مكة للسفر ببعيرها، وأنها كانت حرة في اختيار شريك حياتها دون أن يلومها أحد على هذا الاختيار، وأن تدافع هي عن الرسول طوال الفترة المكية من البعثة المحمدية وأن فكرة الهجرة لم تخاتل الرسول الكريم إلا بعد وفاتها حيث كانت تحقق له المنعة من قريش وهي سيدة، ويأتي الكاتب لنا بالدليل على ما نقول في (ص 67)
حيث يقول الكاتب: "أيا كانت التفاصيل، فنحن أمام سيدة راجحة العقل، تدرك كيف تدير مالها وتجارتها، وكيف تنتقي عمالها وتكلفهم بالمهام الموكولة إليهم، والأهم أنها تتابع ما يجري في مكة متابعة دقيقة، فعرفت من أمر «محمد بن عبد الله»، ما دفعها إلى طلبه، ولم يكن وقتها نبيلا ولا رسولا ولم ترسل السماء أي إشارات بأنه النبي المنتظر.
وكما كانت هي « الداعية» إلى العمل، كانت هي البادئة بعرض الزواج عليه."
ثانيا ما كتبه أمية بن أبي السلط والمتوافق تماما مع ما جاء بعد ذلك في القرآن ما جعل الرسول يقول آمن شعره وهو لم يؤمن
ثالثا ومثال مكارم الأخلاق في مكة حيث كان القرشيون قادرون على تسوّر منزل النبي ليلة الهجرة، ولكنهم لم يفعلوا، ليس خشية منه، ولكن ستراً لبنات الرسول، حتى أن أحدهم اقترح اقتحام بيت النبوة، فرد عليه أبو جهل الكافر معنفاً: أتريد أن تقول العرب عنا أنا تسورنا الحيطان وهتكنا ستر بنات محمد؟ فكان عند كفار قريش نخوة ورجولة تمنعهم من اقتحام بيت وكشف ستر من فيه من نساء، فكيف يقول القائل انهم كانوا منحطين أخلاقيا.
رابعا المسألة الدينية كان لدى أهل مكة حرية دينية مطلقة فكل انسان لديه الحق الكامل في اختيار دينه وكان اعتراضهم على الرسالة أنها تقصي هذه الديانيات وتوحدها مما يؤثر تجارتهم وموسم الحج "مسألة اقتصادية في المقام الأول"
الأوثان، الاجرام السماوية، الديانة المصرية، المجوسية، الأحناف، اليهودية والمسيحية.
الثقافة:
ويقول الكاتب: "لكن المؤكد أن ما جاء في القرآن هو معارف روحية ومادية مقطوعة الصلة بثقافة  أهل الجزيرة العربية، ومتجاوزة كل ما ورد في الحضارات السابقة عليها والمعاصرة لها ويحتوي على أحكام في العلاقات والمعاملات مستحدثة تماما، بينما البشر معتادون على صناعة الأحكام في حياتهم؛ لتلائم ما يستجد في الواقع ولم يرد في معارفهم ما يفسره أو ينظمه، ودائما حركة الإنسان الفرد في احتياجاتها وتطورها أسبق من حركة الجماعة، وكلما استجد نشاط أو سلوك يلاحقه المشرع بالحل العام. أي يمكن أن نصف الإسلام بنسقه الديني والفكري والمعرفي بأنه طفرة في حياة الناس..
هل محمد في ظروف بيئته وثقافتها يستطيع أن يؤلف شیئا كهذا؟ (ص 29)
ودون الدخول في صراعات سجالية حول الحضارات السابقة للإسلام كاليونانية والمصرية القديمة وحضارة بابل وأشور والحضارة الهيلينستية وما أنتجته من معارف وعلوم وتأسيس للعلوم الحديثة على سبيل المثال لا الحصر، وكما هو معروف أن الأفكار والتشريعات ليست نبتا شيطانيا انما هي بنت بيئتها الاجتماعية والثقافية، فجميعنا يعترف بأن القرآن هو من عند الله، نعم ونؤكد هذا ايمانيا، ولكنه نزل ليناقش مشكلات جماعة بشرية لها ظروف وسياقات خاصة بها، وأسس لمن يأتي بعد هذه الجماعة بمجموعة من المباديء العامة التي لا تختلف عن الأديان السابقة عليه فالوصايا العشر في الهودية نجدهم في حضارة مصر القديمة وقوانين حامورابي وكذلك في القرآن.
والميراث والوصية موجودين قبل الإسلام والدليل من عند الكاتب نفسه بأن أموال أم المؤمنين "خديجة" كانت ميراثا لها من زوجها
الزواج:
أما الزواج فهو أحد أشكال الزواج التي كانت موجودة قبل الإسلام "نكاح البعولة" وكذلك معظم الحدود والتشريعات فقد جاء القرآن ليثبت مجموعة من الأحكام وينفي أخرى كرجم الزاني والزانية في التوراة والجلد في القرآن.
فالقرآن لم يكن بحال مقطوع الصلة بثقافة  أهل الجزيرة العربية لأنه ناقشهم في أدق تفاصيل حياتهم "ويسألونك.. قل"، "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها.."
والصلاة التي نصليها الأن كانت موجودة قبل الإسلام وكذلك الحج والصيام، "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم"
كل هذا إنما يؤكد أن رسالة محمد أو بعثته إنما كانت حلقة متممة لحلقات التطور لرسالة الإسلام ولم تكن طفرة أو مغايرة لما جاء قبله وهذا حسب النص القرآني نفسه " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ  أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (الشورى 13)