بوابة الحركات الاسلامية : مجلة الكلمة تناقش "فقه التكفير" (طباعة)
مجلة الكلمة تناقش "فقه التكفير"
آخر تحديث: الإثنين 06/12/2021 01:06 م روبير الفارس

 تناول العدد الاخير من مجلة الكلمة الصادر في ديسمبر 2021 مناقشة ثرية لكتاب "فقه التكفير دراسة في المعايير الدينية لإطلاق حكم التكفير على الإنسان" من تأليف الدكتور  أسعد عبد الرزاق والصادر في بغداد عن دار سطور للنشر والتوزيع وناقش الكتاب الباحث المغربي  "التيجاني بولعوالي " بكلية اللاهوت والدراسات الدينية – جامعة لوفان بلجيكا والذى اكد في مناقشته ان الكتاب يندرج ضمن أدبيات علم الأديان المقارن بالنقد والتحليل، معتبرا إياه إضافة مهمة إلى الدراسات المتعلقة بفقه التكفير، لكشفه عن اللاوضوح الذي يعتري هذه الإشكالية المفصلية سواء في الفقه السني أو في الفقه الإمامي الشيعي، مفندا ما تدعوه السلفية بنواقض الإسلام. 

الشيعي والسني

وقال  الباحث المغربي  "التيجاني:" "تتجلى أهمية كتاب فقه التكفير للباحث العراقي د. أسعد عبد الرزاق في كونه يندرج في حقل الفقه الإسلامي المقارن، لأنه يشتغل بمختلف المسائل الفقهية المتعلقة بإشكالية التكفير، كالإيمان والكفر والشرك والطهارة والنجاسة وغيرها، في ضوء آراء واجتهادات المذاهب السنية الأربعة والمذهب الإمامي الشيعي. ولا يكتفي هذا الاشتغال بموقف كل مذهب أو فقيه من هذه المسائل في علاقتها بحكم التكفير فقط، بل يؤسس الباحث على تلك المواقف الفقهية موازنة يشدد فيها على التعاطي العقلاني والموضوعي مع نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، التي تتعلق بمسألة التكفير والإخراج من ملة الإسلام. إن التكفير حكم حساس ومصيري لأنه يتعلق بأصل الإيمان الذي يشكل جوهر الإسلام، فهو ليس مسألة فرعية. 

لذلك يقتضي الأمر ربط حكم التكفير بالمناط والمعيار وبيان العلة الحقيقية.ثم إن هذه المقاربة تتسم بتقاطع الحقول المعرفية الإسلامية وتعدد التخصصات Interdisciplinary، فالباحث لا يحبس موضوعه في دائرة الفقه، بقدرما ينفتح على دوائر وعلوم إسلامية أخرى، كالتفسير والحديث وأصول الفقه والكلام وغيرها. ولعل طبيعة الإشكالية المدروسة تقتضي استمداد مختلف المضامين والتأويلات والآليات من علوم دينية إسلامية أخرى، إذ لا يمكن دراسة ثنائية الإيمان والكفر دون الرجوع إلى تفاسير الآيات القرآنية التي وردت فيها، وأسباب نزولها، وأحاديث النبي وآراء الفقهاء والمتكلمين، ويعتقد الباحث أن مشكلة التكفير عميقة الجذور، فهي ترتبط بـ"كيفية التعاطي الأولي مع ثنائية الإيمان والكفر، ومدى أهميتها في انقسام المجتمع الإسلامي على مجتمع الإيمان ومجتمع الكفر، ليتم صياغة حكم التكفير على أساس ذلك التمايز، ومن ثم تطبيق آثار التكفير المتمثلة في القتل واستحلال المال، من دون معايير أو ضوابط محددة، تلزم العقل الفقهي في إطلاقه حكم التكفير على الإنسان".

 وينضاف إلى ذلك "عدم وضوح معايير موضوعية وعلمية للتكفير في عموم المعرفة الفقهية، فالمناط الذي يعلق عليه حكم التكفير غير واضح لدى مختلف الاتجاهات الإسلامية، مما أدى إلى إطلاق حكم التكفير بشكل اعتباطي من دون محددات منهجية علمية واضحة" (ص 9، 10). ولعل هذا هو الباعث الجوهري على تأليف كتاب فقه التكفير الذي يحاول من خلاله الباحث "الكشف الدقيق عن مفهوم الإيمان والكفر ومدى تأثيرهما على صياغة حكم التكفير، ومحاولة الكشف عن الأسباب المؤدية للكفر حسب ما هو مصاغ في عموم المعرفة الدينية ومن ثم بيان ما يصلح لأن يكون مناطا للتكفير وما لا يصلح لذلك" (ص 10).ويتكون الكتاب من 416 صفحة موزعة على مبحث تمهيدي وأربعة فصول وخاتمة بأهم الخلاصات التي توصل إليها الباحث.

 وقد تم تخصيص المبحث التمهيدي لطبيعة التناول الفقهي لمسألة التكفير، حيث الفقهاء المسلمون يفترضون "أن التكفير حكم شرعي"، غير أن "الحكم الشرعي يؤخذ من مضانه، وله محددات وشروط لا يمكن أن يتم التعاطي معها بشيء من الاعتباط"، كما يستجلي الباحث. (ص 11) وهذا يعني أن المناط، بكونه العلة أو السبب المؤدي إلى الكفر، من شأنه أن يحد من ظاهرة الاوضوح في التكفير. لذلك، أفرد له الباحث حيزا خاصا في هذا المبحث، فحدد مفهومه اللغوي والاصطلاحي استنادا إلى تعريفات مختلف اللغويين والفقهاء والمفسرين.

 كما تناول الباحث المفردات الثلاث التي يقترن بها هذا المصطلح، وهي تنقيح المناط، وتخريح المناط، ثم تحقيق المناط. وخلص إلى أنه من الصعوبة بمكان ربط مصطلح المناط بموضوع البحث الذي هو التكفير بسبب غياب الضبط الفقهي لمفهوم المناط جراء اختلاف الرؤى وطريقة التطبيق. ثم إن معيار التكفير لا يمكن أن يتحدد إلا بعد ملاحظة تعليق الحكم بالتكفير على تحقق أسباب الكفر. "ويمكن حينئذ اعتبار السبب هو المعيار الذي ما إن تحقق تعلق به حكم التكفير" (ص 19-21). 

الإطار المفاهيمي للإيمان والكفر

 وفي الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للإيمان والكفر والتكفيرثلاثة مباحث يتفرع كل واحد منها إلى مقاصد متنوعة. تم تخصيص المبحث الأول لمفهوم الإيمان في اللغة والقرآن وعلم الكلام، بالإضافة إلى علاقة الإيمان بالعمل وتحقق الإيمان الظاهري وترجح الإيمان بين التغير والثبات. ويميز الباحث بين نمطين من الإيمان، أحدهما الإيمان البسيط، "وهو ما يكون إيمانا بالمعنى الأدنى، والذي يكون معه الإنسان داخلا في الدين، ويعبر عنه بالإيمان بالمعنى الأعم أو الإسلام الظاهري، ولا يكون متفاوتا في رتبه ودرجاته". والآخر هو إيمان "بدرجة أعلى، وحينئذ يكون بالمعنى الأخص وهو الإسلام الحقيقي ويتفاوت في رتبه ودرجاته أيضا" (ص 45). لذلك، لا يسع من هو حديث عهد بالإسلام أن يبدأ بالإيمان الأعلى التفصيلي، "الذي يحتاج بطبيعته إلى الاطلاع والعلم، بل كان الإيمان بالله وبالرسول كافيا في دخول الدين، نعم قد يستلزم تقادم الإسلام وانتشار معارفه إلى زيادة متعلقات الإيمان البسيط" (ص 51). 

ويشكل هذا مخرجا بالغ الأهمية، لأنه بالنظر إلى الحرية الدينية التي يقررها القرآن "يتضح جليا أن الدخول إلى الإيمان يعد أمرا شكليا ذا بعد سياسي إلى حد ما في سياق تقرير الخضوع للسلطة الدينية في عهد النبي ولا يعني النطق بالشهادة تحقق الإيمان الحقيقي إطلاقا مما يبرر وجود فئة المنافقين ضمن كيان المجتمع الإسلامي" (ص 51).


مفهوم الكفر وأقسامه

أما المبحث الثاني فيتمحور حول مفهوم الكفر وأقسامه. بعدما حدد الباحث معنى الكفر في اللغة الذي هو الستر والتغطية، تعرض إلى مختلف تعريفات الفقهاء السنة والشيعة لمفهوم الكفر التي صنفها إلى اتجاهين. يميل أصحاب الاتجاه الأول إلى توسعة مفهوم الكفر إلى كل من ينكر ما يعلم مجيئه من الدين بالضرورة، دون الخوض في تفاصيل من يقع عليهم الإنكار. ما يجعل هذا الرأي يؤدي إلى الاوضوح في الانطباق على مصاديق كثيرة، تجعل من التعريف وسيلة لإدخال الكثير من المصاديق تحت "ما يعلم مجيئه بالضرورة". في مقابل ذلك، يظهر أن الاتجاه الثاني أكثر وضوحا وضبطا، حيث الكفر أو الإنكار يتعلق بالربوبية والوحدانية والرسالة، فهو يضيق مدى الاتجاه الأول إلى دائرة أكثر انضباطا. "فالربوبية يشير إنكارها إلى معنى الإلحاد، والوحدانية بقابلها الشرك، والرسالة يقابلها تكذيب النبي وهذه الثلاثة تعد معايير أساسية إلى حد ما، لكونها تتناسب مع مضمون الشهادة الذي يؤكد على الإذعان بالله وبرسوله" (ص 60). بالإضافة إلى ذلك، تناول الباحث أقسام الكفر والكافر، وهي خمسة: المشرك، الملحد، أهل الكتاب، من لهم شبهة كتاب (كالمجوس والصابئة)، ثم أخيرا المرتدون والزنادقة. (ص 61-75)

في حين يعالج المبحث الثالث مفهوم التكفير وأبرز الضوابط العامة فيه. وإذا كان التكفير يعني لغة المحو والستر، فإنه اصطلاحا وشرعا حكم يطلق على من يمكن تكفيره وإخراجه من الملة. (ص 76،77) وهذا يعني أن التكفير حكم شرعي حسب إجماع المذاهب الفقهية، لكن لا يثبت إلا بدليل، إذ أن "من ثبت له أصل الإسلام لا يخرج من الإسلام ولا يكفر ولا يحكم بكفره إلا بيقين، والخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر، لذلك جاء الكثير من أقوال العلماء في النهي عن التسرع في التكفير، وإذا كان التكفير حكما وضعيا، تترتب عليه آثار القتل وغيرها فإن ذلك يعني جريانه مجرى الحدود، فحد القتل لا يثبت دون بينة والكفر مع كونه مؤديا للقتل فلابد فيه من البينة" (ص 81).


على هذا الأساس، لا يمكن الاكتفاء بالظاهر للحكم على عقائد الناس واتهامهم بالكفر، لاسيما وأن نطق الشهادتين كاف لتحقق الإسلام، كما يثبت أكثر من شاهد من القرآن والسنة. وبمجرد ما يتحقق الإسلام الظاهري بالشهادتين، لا يمكن تكفير الإنسان من دون ما يوجب ذلك. ثم إنه لا يمكن التكفير بالمآل، والمقصود به أن يقول المسلم قولا يؤديه سياقه إلى كفر، ويعرفه ابن رشد الحفيد بـ "أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم"، كحال بعض أهل البدع والمتأولين. (ص 87-88) ويخلص الباحث في هذا الفصل إلى "أن بعض العلماء حاولوا أن يضعوا بعض الضوابط للتكفير لكنها لم تكن كافية في تقنين حكم التكفير وفق ضوابط أكثر حيطة، لأنه لم يتم حسم المناطات الحقيقية التي تؤدي إلى الكفر" (ص 96).