عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف

منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وتركيا أردوغان تعبث في محيطها الإقليمي، ليس فقط بل جاوزت هذا وانتقلت إلى المحيط العالمي فمن سوريا إلى ليبيا إلى أفغانستان ثم الصومال وغيرها من الدول الإفريقية، بمساعدة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان والكيانات الإخوانية العاملة في أراضيها، وحول الدور التركي في زعزعة الاستقرار في المنطقة وأبعاده الدولية يدور هذا الملف الذي نتناول فيه:

 ·       "أنقرة" تواجه العزلة الأوروبية.. و"برلين" تتخلى عن جهود الوساطة
·       المراكز والكيانات الإخوانية في تركيا
·       التدخلات التركية في أفريقيا
·       سوريا وليبيا .. اطماع أردوغان بأيدي اخوانية
·       أردوغان والسنوات العجاف .. العلاقات التركية – الأمريكية فى عهد بايدن

 

"أنقرة" تواجه العزلة الأوروبية.. و"برلين" تتخلى عن جهود الوساطة

اتسمت علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي فى العام المنصرم بالتوترات والاتهامات المتبادلة، وسرعان ما عاد الرئيس التركى رجب طيب اردوغان إلى الحديث عن أهمية الشراكة مع  أوروبا والبحث عن آلية يمكن من خلالها عبور الخلافات بين الجانبين، فى ضوء انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن وبدء تنفيذ العقوبات الأوروبية على مسئولين أتراك والنظر فى تغليظ العقوبات خلال الفترة المقبلة، ما لم تعدل أنقرة عن سياساتها الانتهازية وغير القانونية، ومحاولة التنقيب عن الغاز فى شرق البحر المتوسط والتعدى على حقوق كل من اليونان وقبرص، إلى جانب خطاب الكراهية الذى صدر عنه تجاه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على خلفية الرسومات المسيئة للإسلام.

.وخلال عام 2020 استغل الرئيس التركى اردوغان علاقاته ومصالحه الثنائية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى فتح مناطق نزاع للبحث عن مناطق نفوذ جديدة لبلاده، وظهر ذلك من خلال نقل عدد كبير من المقاتلين الأجانب من سوريا والعراق إلى ليبيا، واستغلال انشغال العالم بمكافحة جائحة كورونا ، حتى وضع قدمه فى ليبيا، وابرام اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية وتقديم دعم عسكري واقتصادي، وهو ما ظهر فى ارسال قوات عسكرية تركية، إلى جانب مد حكومة الوفاق وعدد كبير من الجماعات المتطرفة بالسلاح فى إطار محاولة اضعاف الجيش الوطني الليبي، وعلى الرغم من اتفاق برلين بعدم تقديم السلاح للأطراف الليبية المتنازعة، إلا أن اردوغان كعادته بدأ فى تزويد الفصائل المسلحة بالسلاح، والعمل على تقديم تسهيلات كبيرة للشركات والمستثمرين الأتراك، فى محاولة منه لزيادة نفوذه فى ليبيا والبحر المتوسط، إلى جانب الحصول على اكبر مبلغ مالى من حكومة الوفاق، وهو ما ظهر فى إيداع 6 مليار دولار فى البنك المركزى التركى كوديعة، إلى جانب تسهيلات كبيرة لم تشهدها ليبيا من قبل للمستثمرين الأتراك، وبموجبه أصبحت أنقرة أكبر مورد للسلع فى ليبيا لأول مرة منذ عقود، بعد أن كانت السيطرة للمنتجات المصرية والتونسية طوال الـ 40 عاما الماضية

يحاول أردوغان الفترة الراهنة فى امتصاص غضب الاتحاد الأوروبي من الانتهاكات التركية الأخيرة،  بهدف تعطيل تنفيذ العقوبات المفروضة على أنقرة وكسب مزيد من الوقت، إلى جانب الحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي، واستغلال حالة التسامح التى تبديها برلين مع أنقرة، والوقوف عقبة أمام تكتل الاتحاد ضد تركيا، وهو ما برز فى ايفاء الاتحاد الأوروبي بكامل مبلغ الستة مليارات يورو الذي تعهد بدفعه بموجب الاتفاق الخاص بالمهاجرين، وهو الأمر الذى جري الاتفاق عليه فى 2015.

 جاء ذلك بعد أن قام اردوغان بالتواصل مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتأكيده على  استعداد بلاده لفتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، وتقديم الشكر إلى برلين على محاولة  عرقلة فرض مزيد من العقوبات على تركيا، ومنح مساحة للتفاهمات السياسية بدلا من تشديد العقوبات، كما أكد أردوغان أيضا نفس المبدأ إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال وضرورة التواصل مع الاتحاد الأوروبي ومنح بلاده فرصة معالجة الأسباب التى أدت إلى مزيد من التوتر فى الفترة الأخيرة، واقتراح عدد من الخطوات التى تساعد على عودة الحوار ودفع العلاقات إلى المرحلة الايجابية وتخفيف حدة التصريحات التى ظهرت مؤخرا.

ويري مراقبون أن المناورة الجديدة من الرئيس التركي محاولة لكسب الوقت والهروب من العقوبات الأوروبية، خاصة وان لم يقدم بوادر حسن النية خلال الأشهر الماضية وخاصة فى أزمة التنقيب عن الغاز فى البحر المتوسط، والتعدى على حقوق اليونان، وقبرص، إلى جانب الصدام مع فرنسا وتشبيه الرئبي الفرنسي بالمختل عقليا، والتحريض الذى قام به ضد أوروبا وفرنسا خلال أزمة الرسوم المسئية للاسلام، وهو ما يشير إلى عدم وجود بوادر حسن النية فى الموقف التركى.

وكان القادة الأوروبيين فرضوا خلال قمتهم الأخيرة في بروكسل ، عقوبات على أنقرة بسبب "أفعالها الأحادية واستفزازاتها" في شرق البحر المتوسط، الغني بالغاز، حيث تتنازع تركيا السيادة على مناطق بحرية مع اليونان وقبرص، ووضع عدد من المسئولين الأتراك  على القائمة السوداء، والتلويح باتخاذ عقوبات أكثر صرامة خلال الستة أشهر القادمة ما لم تتخذ أنقرة موقفا مختلفا، وهو ما بدا فى ضمان حصول انقرة على أموال ومساعدات خلال الستة أهشر المقبلة لانقاذ الاقتصاد التركي من كبوته، وهى الاقتراحات التى سبق وقدمتها برلين إلى انقرة، فى حال العدول عن سياستها العدائية مع اليونان سيتم تقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية.

يرغب الرئيس التركى الحصول على 3 مليارات يورو خلال الفترة المقبلة فى الاتفاق الخاص بينهما بخصوص اتفاق المهاجرين، وعلى الرغم من تنصل تركيا من الاتفاق وعدم الايفاء بالتعهدات اللازمة، بل والتلويح دائما بتجميد الاتفاقية ما لم يتم الحصول على المزيد من الأموال، إلا أن الاتحاد الأوروبي يسارع بتقديم الأموال المتفق عليها والخضوع للتهديدات التركية خشية فتح الحدود التركية وخلق أزمة كبيرة وخاصة وان الاتحاد الأوروبي مشغول حاليا بجائحة كوورنا وعدم الاستعداد للدخول فى أزمة جديدة.

يتوقع مراقبون ومحللون عودة الصراع مجددا خلال الأشهر المقبلة، فى ظل عدم رغبة أنقرة بتقديم حسن النية والتماشي مع الموقف الأوروبي بوقف مزاحمة اليونان وقبرص فى التنقيب عن الغاز فى البحر المتوسط، والالتزام باتفاقيات ترسيم الحدود، إلا أن اردوغان يقوم بارسال سفن التنقيب للقيام بدورها والعمل على عودتها لبلاده مع ارتفاع صيحات الشجب والادانة، إلا أنه لا يعترف حتى الآن بعدم أحقية بلاده فى التنقيب عن الغاز، ويهرول لتوقيع اتفاقيات مشبوهة وغير قانونية مع حكومة الوفاق الليبية ومحاولة اضفاء شرعية على خطواته، وهى المواقف التى تكررت فى الأشهر الأخيرة ولم يقدم اردوغان أى بوادر لحسن النية. 

يري متابعون أن عدد البلدان التي باتت غير راضية عن التصرفات التركية فى زايد، ، حيث كانت أكثر الدول المطالبة بالعقوبات كل من اليونان وفرنسا والنمسا، ثم انضمت هولندا وبلجيكا ودول البلطيق إضافة إلى ايرلندا ، حتى أن المانيا لم تكن مؤيدة للعقوبات الأوروبية على تركيان ولكنها بنفس الوقت غير راضية عن سياسات أنقرة ولم تكن قادرة عن الدفاع أو تبرير الماوقف التركية، وسعت برلين إلى تعزيز جهود الوساطة غير أن تركيا لم تقدم أي شيء للمستشارة في المقابل، وهو ما ويضع تركيا فى موقف حرج خلال الفترة المقبلة، وخسارة كل الأصدقاء فى أوروبا، لذلك الاتحاد الأوروبي قادر على أن يدفع تركيا إلى تعديل سياستها لكنها تعول على الخلافات الأوروبية، ولكن بعد التطورات الأوروبية الأخيرة لم يعد عنها من يدافع عن أنقرة، وستجد العزلة والنفور ومزيد من العقوبات هى الرد الدائم على أى خروقات قادمة.

المراكز والكيانات الإخوانية في تركيا

على مدى السنوات السابقة، سمحت السلطات التركية بإنشاء كيانات إخوانية متعددة في مدينة اسطنبول التي تتركز وتقيم فيها جالية عربية ومصرية كبيرة، هذه الكيانات تمارس دورا مهما في تنفيذ أكبر مشروع في تاريخ الجماعة لتجنيد الشباب العربي، وتحويل إسطنبول لغرفة عمليات لتدريب وتأهيل الأجيال الجديدة، على الأفكار المتطرفة، تحت رعاية المخابرات التركية، وحزب العدالة والتنمية، ومن أهم هذه الكيانات:

جمعية وقف النسيج الاجتماعي

مقرها مدينة إسطنبول التركية، لديها معسكرات في غابات المدينة وتقوم بتجنيد الشباب التركي وتعليمه أفكار الجماعة، وتدريس كتب مؤسس الجماعة حسن البنا وسيد قطب، كما تستضيف بعض قادة الجماعة للتباحث حول الترويج لسياسات أردوغان في المنطقة العربية.

يترأس الجمعية نور الدين يلديز المعروف إعلامياً بمفتي الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو الذي يتولى مهمة توظيف الإخوان للعمل سياسياً لحساب الرئيس التركي في الدول العربية، وقد استضاف في معسكرات الجمعية بإسطنبول عددا من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر، أن الموقع الرسمي للجمعية نشر في 7 يونيو من العام 2011، وعقب 6 شهور من اندلاع ثورة 25 يناير في مصر، أن الرئيس الفخري للجمعية نور الدين يلديز، استقبل وفدا من قيادات ومسؤولي "جمعية الإخوان المسلمين" في تركيا ومصر، في مدينة ديار بكر جنوب شرق تركيا، وفي 29 مارس 2012 أجرى زيارة لمدة يومين إلى الأردن، زار خلالها مقر جماعة الإخوان بعمّان، والتقى مع الأمين العام للجماعة بالأردن همام سعيد.

ساهمت الجمعية في تنظيم مؤتمر في ديسمبر من العام 2016، بعنوان "مؤتمر القادة المسلمين الشباب - حسن البنا"، بمشاركة كل من نور الدين يلديز، ومحمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان في مصر، ومدير مديرية الشباب والرياضة في بلدة إسكودار بإسطنبول يعقوب أوكوز.

كما التقى يلديز بعدد من قادة الإخوان في مصر وسوريا، وعقد ندوات في جمعيته لمناقشة مناهج التعليم في الدول العربية وتكريس فكرة الخلافة ضمن تلك المناهج وإلغاء الحدود بين الدول وحل الخلافات بين الدول الإسلامية.

جمعية الحكمة

إن جمعية الحكمة التي تقع خلف شارع سوق مالطا في اسطنبول، تم تأسيسها عام 2002 ، على يد جمال الدين كريم، رجل الأعمال التركي من أصل سوري، ويتولى رئاستها التنفيذية حالياً، الإخواني المصري، عبد العزيز إبراهيم، أحد قيادات لجنة التربية داخل الجماعة وأحد رجال، نائب مرشد الإخوان، خيرت الشاطر، والمحبوس في مصر على ذمة قضايا عنف وتحريض.

تسعى جمعية الحكمة، للهيمنة على الجاليات العربية، واللاجئيين العرب، الذين تضرروا من مناطق الصراع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وتعتبر أول منظمة تركية تنضم لما يسمى بـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، المظلة الرسمية لجماعة الإخوان في الغرب.

وفي 2005، 2006 أسند لـ"جمعية الحكمة"، تنظيم الاجتماعات الخاصة بالمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، والتي استضافتها اسطنبول، وشارك فيها يوسف القرضاوي، وعدد من قيادات التنظيم الدولي.

طرحت "جمعية الحكمة"، عدداً من المشاريع الفكرية، التي تتبنى أفكار سيد قطب، وحسن البنا، وأبو الأعلى المودودي، ومشروع دولة الخلافة الإخوانية، وتستهدف التركيز على المراهقين والأشبال والفيتات، والشباب.

تتولى مهمة استقطاب الشباب العربي والتركي وتجنيده للانضمام للجماعة والترويج لأفكارها وتمددها وتشويه المعادين لها عبر ميليشيات إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما تقوم الجمعية بتنظيم دورات مؤهلة لسوق العمل في تركيا، كمدخل لإغراء واستقطاب الشباب الباحث عن لقمة عيش، ضمن برنامج تأهيل الشباب العربي لسوق العمل في تركيا، يهدف في مرحلته الأولى لتدريب 5 آلاف شاب، كما تقدم دورات لتعليم اللغة التركية للعرب، والعربية للشباب التركي.

وتستهدف الجمعية اللاجئين العرب الذين يقيمون في تركيا هربا من الأحداث والنزاعات في دولهم مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وتعتبر أول منظمة تركية تنضم لما يسمى "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، المظلة الرسمية لجماعة الإخوان في أوروبا والغرب.

ومؤخرا دخلت جمعية الحكمة في شراكة مع بعض المؤسسات الإخوانية، مثل الاتحاد العالمي للطلاب، واتحاد الجمعيات الأهلية بالعالم الإسلامي الخاضع لسيطرة حزب العدالة والتنمية التركي، كما طرحت عدة مشروعات فكرية تتبنى أفكار حسن البنا وسيد قطب، وتروج للخلافة الإسلامية تحت قيادة تركيا، كما تقوم بمهمة تحفيظ القرآن والفقه والتفسير وتدريس كل كتب قادة ومؤسسي الإخوان، وتغرس في نفوس وعقول الشباب المنضمين فكرة إقامة دولة الخلافة بقيادة تركيا، التي تحارب من أجل الإسلام ومصالح المسلمين في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الدول

اتحاد المنظمات الأهلية الإسلامية

تأسس اتحاد المنظمات الأهلية الإسلامية في اسطنبول، ويضم أكثر من 350 منظمة تابعة للإخوان في العالم، كما يسند إليه تلقي أموال الإغاثة والتبرعات والزكاة، ويديره اثنان من قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهما غزوان المصري وجمال كريم الدين، ويترأس مجلس إدارته الإخواني علي كورت.

ويعتبر اتحاد المنظمات الأهلية الإسلامية حلقة الوصل بين المؤسسات الإخوانية لتمرير أموال الجماعة داخل منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، ويرتبط بعلاقات شراكة واسعة مع اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وغيرها من المؤسسات الدولية التابعة لجماعة الإخوان في الغرب.

اتحاد الجمعيات المصرية في تركيا

تم تأسيسه عام 2018، ويتولى قاداته الإخواني الهارب، مدحت الحداد، ويعتبر أحد الكيانات المعنية بإدارة أموال الإخوان المصريين الهاربين، سواء المشاريع الاستثمارية التابعة للجماعة، أو جمع أموال التبرعات والاعانات الشهيرية التي تصل إليهم من خلال التنظيم الدولي وفروعه.

وضع "اتحاد الجمعيات المصرية في تركيا"، على قائمة أهدافه تشويه الدولة المصرية، ومؤسساتها، والتوسع في انشاء المنابر الإعلامية التي يتم توظيفها لهذا الهدف تحديداً.

يقع "اتحاد الجمعيات المصرية في تركيا"، ضمن مظلة "اتحاد المنظمات الأهلية الإسلامية"، الذي يشرف عليه التنظيم الدولي، وحزب العدالة والتنمية، ويقوم بدور كبير في استقطاب الشباب العربي بشكل عام، وليس المصري فقط.

يعتبر مدحت الحداد، أحد المؤسسين للجناح الاقتصادي داخل جماعة الإخوان، وعضو مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان وكان مسؤولاً عن المكتب الإداري لمحافظة بالإسكندرية قبل هروبه من مصر، تم اتهامه في قضية الشبكات السرية المالية لجماعة الإخوان في سبتمبر 2019، وهي الخلايا التي سعت إلى توفير الدعم المادي لعناصر التنظيم لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية داخل الدولة المصرية.

التدخلات التركية في أفريقيا

تعود محاولات التمدد التركي في أفريقيا إلى تسعينيات القرن الماضي، لكن في الآونة الأخيرة هناك دوافع متزايدة، تحرك سياسات أنقرة بالقارة السمراء ترتبط في مجملها بقوس الصراع على النفوذ من "المتوسط" إلى "الأحمر".

هذا وقد تعززت المساعي التركية لإيجاد موطئ قدم لها في القارة السمراء عبر انخراطها في استراتيجية طويلة الأمد لبناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية، تسعى من خلالها إلى توسيع نطاق نفوذها وحضورها السياسي والاقتصادي والعسكري في القارة، فمثلاً سَّعت تركيا لتعزيز علاقاتها مع معظم دول المنطقة مثل النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا في ضوء ما تواجهه تلك الدول من أزمات مُزمِنة مثل انتشار الإرهاب وتوسُّع رقعة الفقر والمجاعة والصراعات الإثنية والقبلية، وهي مشكلات استغلتها أنقرة كبوابة لتعزيز حضورها.

وبرزت التحركات التركية في القارة عبر تكثيف المسؤولون الأتراك خلال السنوات الأربع الأخيرة زياراتهم إلى معظم دول الساحل وغرب أفريقيا، مثل تشاد والسودان وموريتانيا والسنغال ومالي وتوغو والنيجر وغينيا الاستوائية ونيجيريا وغامبيا وكوت ديفوار. وكانت آخر زيارة للرئيس التركي أردوغان في يناير 2020 إلى غامبيا والسنغال. بينما جاءت جولة وزير الخارجية التركي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، في يوليو 2020، لتشمل دول توغو وغينيا الاستوائية والنيجر. وتهدف التحركات التركية بشكل أساسي إلى إعادة تشكيل المحاور الإقليمية وميزان القوى الدولي في المنطقة، لا سيما في خضم تنامي التنافس التركي الفرنسي، ما يكشف جانباً من الأهداف التركية في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية.

كذلك ضاعفت تركيا عدد سفاراتها في أفريقيا إلى 4 أضعاف خلال العقدين الماضيين، ليصل إلى حوالي 43 سفارة. وقد افتتحت أنقرة خلال الفترة الأخيرة سفارتين جديدتين لها في كل من توغو وغينيا الاستوائية، وذلك بهدف تعزيز العلاقات والحضور التركي في المنطقة.

يأتي هذا في الوقت الذي أولت فيه أنقرة للدائرة الأفريقية في المجال الأمني أهمية كبيرة، حيث أصبحت السياسة التركية أكثر عسكرة منذ عام 2015 بُغية توسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة والقارة، وهو ما برز في اتفاقات التعاون الأمني التي أبرمتها أنقرة مع معظم دول المنطقة مثل موريتانيا وغامبيا وكوت ديفوار وتشاد والسودان وغينيا ونيجيريا وبنين، وآخرها التوصل إلى اتفاق أمني مع النيجر في يوليو 2020 بهدف إيجاد موطئ قدم علني في منطقة الساحل والصحراء.

كما جاءت القاعدة التركية في الصومال؛ وهي الأكبر على الإطلاق، تتويجاً للعلاقات الاقتصادية بين أنقرة ومقديشو في الأعوام الأخيرة. وفي مطلع نوفمبر 2019؛ قام وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بزيارة إلى السودان والصومال، وشملت زيارته جزيرة سواكن المُطَلة على البحر الأحمر، والتي منحتها الحكومة السودانية لتركيا بهدف إعادة ترميمها على الطراز العثماني، وفي هذا السياق، أشارت بعض التحليلات إلى أنّ الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار، هدفت بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في جزيرة سواكن السودانية.

وفي أكتوبر من العام ذاته، أجاز مجلس الوزراء القومي السوداني "اتفاقية للتعاون والتدريب العسكري بين السودان وتركيا؛ بهدف تعزيز التعاون في مجال التدريب ودعم السلام والاستقرار في البلدين".

وذكرت بعض الوسائل الإعلامية التركية أنّ أنقرة تبحث إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، التي تستضيف بالفعل قواعد أمريكية وفرنسية ويابانية وصينية.

وفي نفس الوقت، تواجه أنقرة العديد من الاتهامات فيما يتعلق برعاية التنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا، وأن جزءاً محورياً من تحركات أنقرة في المنطقة يعتمد على تسليح التنظيمات الإرهابية والمرتزقة، بهدف تعزيز الوجود التركي والسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية، وتدعيم تيارات الإسلام السياسي.

وبالتزامن مع ما سبق يحاول النظام التركي تجنيد قبائل الطوارق في منطقة الساحل للترويج لسياساته في الساحل وغرب وشمال أفريقيا؛ فقد زار 10 من شيوخ وقادة الطوارق تركيا في أبريل 2020، وتسعى أنقرة إلى استمالة الطوارق واستغلالهم من أجل تعزيز سياساتها الحالية والطموحات الشخصية للرئيس التركي، تحت غطاء مساعدة الطوارق في توسيع دائرة الإسلام في أفريقيا.

 ومن شأن النفوذ التركي على الطوارق أن يمنح أنقرة جملة من أوراق الضغط لابتزاز ومساومة بعض البلدان الأفريقية، بما في ذلك ليبيا والنيجر ومالي والجزائر، وكذلك بعض القوى الغربية مثل فرنسا.

كذلك كشفت بعض التقارير عن تجسُّس السفارة التركية في أبوجا على بعض المؤسسات النيجيرية مثل جامعة النيل النيجيرية، ومؤسسة حوار UFUK[14]. كما تورطت تركيا في إرسال بعض شحنات الأسلحة من أراضيها إلى موانئ نيجيريا، حيث اكتشفت السلطات النيجيرية وجود أسلحة تركية الصُّنع تم شحنها عبر شبكة تهريب بين ميناءيْ لاجوس وإسطنبول.

وعلى صعيد متصل ترى أنقرة في السيطرة على ليبيا بوابة مهمة لتعزيز النفوذ في الساحل وغرب أفريقيا، وتنفيذ أجندتها التوسعية في المنطقة. ومن ثمَّ، فهي تسعى إلى تكوين حلفاء إقليميين لديهم مصالح جيوبوليتيكية مع ليبيا مثل النيجر وتشاد، بهدف استغلالهم كنقطة ارتكاز تركية للتوغل في الغرب الأفريقي. كما أنها تتخذ تلك الدول منصةً لدعم التنظيمات المتطرفة، حيث تحرص على تعزيز علاقاتها مع تشاد التي تشترك في حدود ممتدة مع ليبيا.

 ويشكل الوجود التركي في النيجر منطلقاً لدعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وتقديم الدعم إلى مناطق أخرى خاصة في الشمال الأفريقي، وهو ما دفع البعض إلى الإشارة إلى إمكانية إقامة قاعدة عسكرية تركية برية وجوية في نيامي/النيجر، إلى جانب تدريب القوات الأمنية والجيش النيجري وتزويده بالسلاح.

ويمثل التدخل التركي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا خطوةً على طريق التوجهات التركية المضادة للمصالح الفرنسية والأوروبية في المنطقة. وقد امتد الصراع بين فرنسا وتركيا من ليبيا وشرق المتوسط إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، خاصة في ظل المساعي التركية لتحجيم النفوذ الفرنسي وتعزيز موقعها، بما يضر بالمصالح الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة التي تعد ساحة تقليدية للنفوذ الفرنسي، وهو ما يعني احتمالية تهديد القوات العسكرية الفرنسية في المنطقة وبعثة الأمم المتحدة الفاعلة في مالي، الأمر الذي سينعكس سلباً على الأمن الإقليمي في الساحل والصحراء نتيجة تنامي نشاط الشبكات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة.

وتنخرط العديد من الشركات التركية في معظم دول الساحل وغرب أفريقيا في مجالات متنوعة، بهدف زيادة الاستفادة الاقتصادية وتعظيم مصالح أنقرة التي أضحت شريكاً تجارياً لعدد من دول المنطقة، مثل السنغال التي تنفذ الشركات التركية فيها بعض مشروعات البنى التحتية الرئيسة مثل مركز عبده ضيوف الدولي للمؤتمرات، وقصر داكار الرياضي، وفندق راديسون، بالإضافة إلى إدارة مطار بليز ديان الدولي لمدة 25 عاماً.

 كما استحوذت تركيا على حوالي 29 مشروعاً بقيمة تتجاوز 700 مليون يورو في عام 2018. وفي الكاميرون تم بناء مجمع جابوما الرياضي في دوالا من قبل مجموعة يانجان التركية، وبتمويل من "ترك إكسيم بنك" التركي بقيمة 116 مليار فرنك أفريقي. كما وقعت أنقرة مع مالي في ديسمبر 2019 من خلال مجموعة "كاليون" التركية مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء "متروباص" في العاصمة باماكو. وقد ضخت تركيا نحو 250 مليون دولار في مشروعات البنية التحتية بالنيجر، واستطاعت مجموعة شركات تركية الفوز بعقود ضخمة أبرزها بناء مطار نيامي الجديد بتكلفة 154 مليون يورو. كما تحرص أنقرة على تعزيز التعاون مع نيجيريا في القطاع النفطي، وهو ما دللت عليه زيارة السفير التركي لدى أبوجا إلى شركة البترول الوطنية النيجيرية NNPC في أغسطس 2019، والتأكيد على حرص أنقرة على التعاون لتطوير البنية التحتية لمشروعات النفط في المنطقة، وتعزيز الشراكة التجارية بين البلدين.

وفي 16 يونيو 2020 أرسلت تركيا إلى دولتي كوت ديفوار وغانا وفدا تجاريا يضم رجال أعمال يمثلون 13 شركة من الأعضاء في اتحاد مصدري السيارات "اولوداغ" برئاسة تامر تاسكين منسق أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية التركية.

إلا أن الشكوك تحيط بنجاح هذه الزيارة في ظل سيطرة شركات كبرى على سوق السيارات في كوت ديفوار وغانا، ولاسيما الشركات التي تنتمي إلى دول الصين وأمريكا واليابان وتايوان والهند وإندونيسيا وأستراليا.

سوريا وليبيا .. اطماع أردوغان بأيدي اخوانية

على اصوات الاحتجاجات ودعاوي رفض الديكتاتوية وبدعم كامل من تنظيم الاخوان، دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى سوريا وليبيا، من أجل اعادة النفوذ العثماني واحتلال الاراي العربية ولكن هذه المرة بدعم تنظيم متغلل في الدول العربية، وتحت ذريعة «الديمقراطية» التي سريعا أنها «ديمقراطية الإرهاب»، وعادت ظاهرة الميلشيات وأمراء الحرب والمدن في الدول العربية بدعم كامل من خليفة الارهاب في أنقرة.

سوريا وليبيا، كفت الوجه الحقيقي للطماع العثمانية في الدول العربية ونهب ثرواتها ووضعها تحت القبضة التركية بدعم كامل من تنظيم الاخوان والجماعات الارهابية، و«الأتراك العرب» في الدول العربية والذين أصبحو حسان طرواده  في وجه الشعوب العربية.

فتح الحدود التركية امام العناصر الارهابية دعم الجماعات الارهابية «القاعدة» و«داعش» والميليشيات السورية التي كلتها تركيا باسم الدفاع عن الثورة، وتحول احتجاجات الشعب السوري إلى صراع دموي واستباحت الارهابيين للاراضي السورية بدعم تركي واخوان كبير، كشف عن المخطط التركي الكبير لسوريا.

وعلى مدى 6سنوات ، شنت تركيا عمليات عسكرية داخل أراضي الدولة السورية بمُعدل عملية واحدة كُل عامين فكانت الأولى درع الفرات في عام 2016 التي غزت فيها الدبابات التركية الأراضي السورية لأول مرة من عام 2011، فعملية غُصن الزيتون في 2018 التي هدفت إلى إنهاء وجود القوات الكُردية في مناطق الحدود بين البلدين التي انتهت باحتلال تركيا لعدد من المُدن في الشمال السوري، ثم عملية درع الربيع في مارس 2020 التي هدفت لوقف تقدُم الجيش السوري في مُحافظة إدلب وانتهت نهاية فاشلة وقبل الرئيس أردوغان الشروط الروسية لوقف القتال في القمة التي عُقدت بينهما في 5 مارس.

وتسعى تركيا للتوسع الجغرافي الذي يؤمن فيه القوميين الأتراك والقضاء على القلق الكردي الذي يهدد انقرة،، حيث تقتضي الخطة التوسع في داخل تراب سوريا وفرض منطقة آمنة (مؤقتة) كتكتيك مرحلي نحو توسع يشمل تسع محافظات سورية (حلب والحسكة ودير الزور والرقة وحماة وحمص واللاذقية وإدلب وطرطوس).

وأفضت استراتيجية تركيا الخاصة بالتمدد تحت مسمى نقاط التمركز، لأن تسيطر أنقرة على نحو 57 نقطة عسكرية في مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، التي تضم أجزاء من إدلب، وحلب، وحماة، واللاذقية.

وفي هذا السياق، بلغ عدد الآليات التركية التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار، بموجب التفاهم مع موسكو نحو 1400 آلية، إضافة إلى آلاف الجنود.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية، التي وصلت منطقة «حفض التصعيد»، منذ 2 فبراير الماضي، إلى أكثر من 5100 شاحنة، وآلية عسكرية تحمل دبابات، وناقلات جند، ومدرعات، و«كبائن حراسة» متنقلة مضادة للرصاص، ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب، خلال تلك الفترة أكثر 10000 جندي.

وقدّر «معهد دراسات الحرب»، عدد المقاتلين الأتراك في الشمال السوري، لاسيما إدلب، وريفها، خلال الشهرين الماضيين، بنحو 20 ألفاً. وأشار إلى أن التحركات التركية اعتمدت على القوات الخاصة، والوحدات المدرعة، وفرق «الكوماندوز»، إضافة إلى الوحدات التي شاركت في العمليات التركية السابقة في عفرين، بما في ذلك لواء «الكوماندوز الخامس» المتخصص في «حرب المدن».

كذلك دعمت تركيا جبهة «تحرير الشام»- خليط من الجماعات الارهابية والميليشيات المسلحة المدعومة من الاستخبارات التركية- في السيطرة على إدلب عسكريا، ومن ثم السيطرة على ما تسمى حكومة الانقاذ، فقد عمل تنظيم  الارهابي المطولب دوليا مؤسس «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني على تطوير أهدافه داخليًا فيما يتعلق بمناطق النفوذ من مجرد تحقيق انتصارات عسكرية إلى السعي للاستحواذ على السلطة السياسية عن طريق تشكيل «حكومة الإنقاذ» كواجهة مدنية لها، والتي وسّعت عملها تدريجياً لتصبح الجهاز الإداري لمحافظة إدلب التي باتت تحكم السيطرة عليها بالكامل مطلع عام 2019. وكذلك طور التنظيم أهدافه خارج مناطق نفوذه، حيث تجاوز فكرة إسقاط  الحكومة السورية، إلى الانغماس في معركة ضد القوات الروسية والإيرانية .

كذلك كانت تهدف تركيا الاستفادة من سيطرة الميليشيات المسلحة على بعض حقول النفط السورية، سواء في 2012 أو في 2013 حين انتزعها تنظيم داعش الذي فتح خطوط تجارت النفط مع حكومة اردوغان بصورة شريعة، ولكن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد»  على معظم تلك الحقول اشتعل غضب أردوغان.

ويشكل سلاح التغيير الديمغرافي ابرز المخططات التركية في سوريا وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها  إلى مناطق ذات هوية تركية عبر تهجير السكان الاصليين خاصة الكرد وكذلك الاقليات الدينية، والابقاء على السوريين ومن اصول تركية، في المناطق الخاضعة لاحتلال  التركي في سوريا.

وكذلك من ضمن ادوات التغيير الديمغرافي، ربط المناطق السورية بتركيا اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، ويشكل تشييد «االمستوطنات» في المناطق التي تسيطر عليها أنقرة  وكذلك بناء المستشفيات والجامعات والمدارس والجمعيات التركية في سوريا أبرز ادوات التغلل التركي وتغيير الهوية في شمال سوريا .

وحذرت «الإدارة الذاتية» الكردية في شمال وشرق سوريا، من أن «تركيا تعمل على تقديم مشاريع راديكالية بهدف خلق الفوضى، وكذلك العمل على تغيير هوية المناطق الأصلية عبر ممارساتها في التغيير الديمغرافي»، منتقدة صمت الأمم المتحدة.

وأشارت إلى أن تركيا «تسعى إلى تغيير هوية المناطق التي سيطرت عليها بشتى الوسائل والعمل على توطين لاجئين ممن لديها الآن والبالغ عددهم أكثر من 3 ملايين لاجئ بالتنسيق مع الأمم المتحدة، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية في المنطقة».

التحركات التركية في شمال سوريا يشير إلى وجود مخطط تركي لبناء دويلة اخوانية عثمانية تابعة لأنقرة، في محاولة لإعادة الاحتلال العثماني مرة أخرى إلى الدول العربية عبر شعارات جديد.

ليبيا تغلغل عثماني

ليبيا ليبي بعيدا عن المخطط التركي باستعادة العثمانية الجديدة في المنطقة، عبر شعارات جديد، فمنذ الاطاحة بنظام معمر القذافي، وتعمل تركيا عبر تنظيم الاخوان والميليشيات المسلحة والجماعات الارهابية في طرابلس على التغلغل واستعادة النفوذ  العثماني  في ليبيا.

المخطط العثماني بات واضحا، مع توقيع أردوغان مع حكومة فايز السراج في طرابلس، اتفاقيتين احداهما حول التعاون الأمني وأخرى في المجال البحري، خلال لقاء جمع رئيس الحكومة الليبية فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر 2019 بإسطنبول.

الاتفاقية التي لم تحظى باي شرعية دولية أو دعم اقليمي، كشفت عن الدعم التركي لميليشيات طرابلس ودورتنظيم الاخوان في فتح ابواب العاصمة الليبية امام المرتزقة السوريين والجنود الاتراك في مشاهد عودة العثمانيين لاحتلال ليبيا.

كذلك تشكل الثروات الليبية مطمعا لأدروغان، ما يهم تركيا في ليبيا عدة اعتبارات أولها تأمين مصدر للطاقة، «فتركيا دولة غير منتجة للطاقة وتستورد 95% من احتياجاتها منها ما يكفلها سنويا نحو 50 مليار دولار وتريد وقف هذا النزيف على الطاقة وأن يكون لها منابع نفط وغاز»، كما أن تركيا لديها فقط 12 ميلاً بحرياً وفقا لاتفاقية البحار لعام 1982 كحدود بحرية ليس متوفر بها أي مصادر للطاقة لذا تريد التوسع في الجرف القاري لعلها تجد بغيتها.

وذكر تقرير مجلة «ستارت ماج» الإيطالية  أن أنقرة نشرت ما لا يقل عن 1500 عسكري ومقاول، و11 ألف مرتزق سوري، إضافة إلى عشرات الطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والسفن القتالية، وتواصل تركيا جلب الأسلحة والمركبات والذخيرة بما في ذلك الدبابات «م – 60» لدعم ميليشيات حكومة الوفاق الليبية.

و فى 17 يونيو الماضى أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة مفاجئة إلى غرب ليبيا، ورافقه وزير الخزانة والمالية براءت ألبيراق، ومتحدث رئاسة الجمهورية إبراهيم كالن، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، وتحدثوا مع الجانب الليبي عن التعاون في قطاعات الطاقة والعمل المصرفي والإنشاءات.

 أكد مدحت يانيجون رئيس اتحاد المقاولين الأتراك أن الشركات التركية العاملة في ليبيا منذ عام 1972 وقّعت على عقود إنشاءات هناك بقيمة وصلت إلى 40 مليار دولار أمريكى، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة سيكون هناك حاجة ماسة لإنشاء المستشفيات والمدارس والموانئ والمطارات والعقارات.

وقدرت حجم مشروعات قطاع الإنشاءات فى ليبيا  بنحو 50 مليار دولار أمريكى، وهو ما تسعة تركيا لفوز بنصيب الاسد وانقاذ اقتصادها وعملتها المتهاوية.

 وهكذا يبدو أن النظام التركي يطمح لنهب خيرات ليبيا والمنطقة عامة، واحتلال أراضيها وتحويلها إلى منصة لمزيد من التمدد في إفريقيا، وخاصة الضفة الجنوبية للمتوسط مستغلا ذرائع واهية لا وجود لها إلا في عقليته التوسعية.

أردوغان والسنوات العجاف .. العلاقات التركية – الأمريكية فى عهد بايدن

من المتوقع أن يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرحلة جديدة أكثر قسوة مع قدوم جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تقر واشنطن حزمة من العقوبات المعطلة في عهد ترامب الذي وفر غطاء لممارسات أنقرة الاستفزازية وتصرفات أردوغان العدائية.

ويري محللون أن أردوغان سيقف مكتوف الأيدي أمام بايدن وسيصعب عليه القيام بما كان يفعله في عهد ترامب، لكن، في حين يري أخرون أن بايدن لن يسعى إلى تهميش تركيا بقيادة أردوغانالتي تضطلع بدور متعاظم في المنطقة، بل سيحاول إقامة علاقات تستند إلى قواعد جديدة أكثر صرامة، مع هذا الحليف الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي.

ويؤكد المسؤولون الأتراك أنهم سيعملون مع الإدارة الأميركية مهما كان انتماؤها السياسي.

من جانبه، قال الرئيس التركي، إنه سيبحث العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة عندما يتولى الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة، مهونا من احتمال فرض عقوبات على بلاده لشرائها أنظمة دفاع صاروخي روسية.

وتوقعت أسلي إيدينتاسباس من مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، "في عهد بايدن ستنطلق العلاقات بين واشنطن وأنقرة على الأرجح بتوتر وترقب"، مؤكدة أن بايدن وخلافاً لسلفه، قد يستخدم مع أنقرة "خطاباً يتمحور أكثر حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الثنائية".

وتقول تقارير إعلامية إن بادين يعتمد نهجاً أقل انعزالية من ترمب، وقد يحاول التخفيف من تحركات تركيا في الخارج، لا سيما في ليبيا، والنزاع في ناغورنو قره باغ.

وقالت شبكة بلومبرج، في تحليل، إن السنوات الأربعة المُقبلة ستكون صعبة على أردوغان، لاسيما وأن أنقرة تعرف نائب الرئيس الأمريكي السابق ومستشاريه جيدًا، لكن هذا ليس بالضرورة ميزة بالنظر إلى العقوبات الأميركية الجاهزة ضد تركيا وحال دون فرضها حتى الآن رونالد ترامب فقط، وعندما غادر بايدن منصبه في عام 2017، كان قد أشرف على انهيار في العلاقات مع تركيا من الشراكة الوثيقة إلى انعدام الثقة المتبادل.

ووصف بايدن في مقابلة مع صحيفة 'نيويورك تايمز' نُشرت في وقت سابق ، أردوغان بأنه شخص "مستبد"، وقال إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم المعارضين للإطاحة به في صندوق الاقتراع"، "مضيفا" يتعين عليه أن يدفع الثمن"، ونددت أنذاك أنقرة بهذا "الجهل الخالص والتعنت" من قبل بايدن.

ويري مراقبون أن الثمن قد يكون باهظا فبالإضافة إلى التهديد بفرض عقوبات، فمن المحتمل أن يتم فرض عقوبات شديدة على بنك تركي حكومي، كما أن هناك أيضا خلافات لم يتم حلها حول وضع المقاتلين الأكراد في سوريا والمطالب البحرية التركية في البحر الأبيض المتوسط ومناطق أخرى فيما يتعلق بعمليات التنقيب عن الغاز والنفط.

وتضيف بلومبرغ أن القلق بشأن ما قد يحدث لاحقا قد يساعد في تفسير قرار الزعيم التركي بتهنئة بايدن وقبول فوزه على النقيض من الزعماء الأقوياء الآخرين الذين استفادوا من ولاية ترامب، مثل البرازيلي جاير بولسونارو أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويبدو أن أردوغان يتوقع بأن المرحلة القادمة ستكون الأسوأ علي الإطلاق، فقد وافق البرلمان التركي على تشريع يعيد إلى تركيا شركات الطاقة والتعدين التركية التي تم تأسيسها في الخارج ، ووصف مسؤول بوزارة الطاقة التركية هذه الخطوة بأنها احترازية تحسبا لاحتمال فرض عقوبات.

وذكرت بلومبرغ أن المسؤولين الأتراك يقولون إنهم يرون في سوريا أهم تحد محتمل لبايدن، الذي قال خلال الحملة الانتخابية إنه يفضل إبقاء القوات الخاصة الأميركية هناك.

وكان ترامب قد سحب بعضها في عام 2019 وفتح المجال للقوات التركية لتطهير المناطق الحدودية من المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين، لكنهم حلفاء للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية(داعش).

ولا يلوح في الأفق حل واضح لبعض الخلافات الأميركية التركية، وربما تكون هناك حدود للمدى الذي يمكن أن يصل إليه أردوغانفي تقديم التنازلات، حتى لو أراد الإقدام على هذه الخطوة.

وفي الشهور الماضية كان للكونغرس الأمريكي موقف انتقادي بوضوح تجاه سياسة أردوغان أكثر من الرئيس الأمريكي ففي كل مرة ضغط نواب أمريكيون من أجل فرض عقوبات على تركيا وهذا النوع من العقوبات الذي أدرجه ترامب في 2017 يتم فرضه ضد بلدان مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا، وهناك تأييد داخل مجلس الشيوخ ومجلس النواب لإضافة تركيا لهذه القائمة من البلدان، ووزير الخارجية السابق ياكش يشير إلى أن الرئيس ترامب عمل كل شيء لتأجيل تلك العقوبات، وهذا سيتغير بعد تحول السلطة.

وكانت أشارت عدة تقارير صحفية، إلي أن الوضع المقبل لتركيا خاصة مع تولي بايدن الرئاسة الأمريكية، قد يترتب عليه تراجع في العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وحرية الرأي ووضع الأقليات فيما يتعلق بالأكراد، بالإضافة إلى أنشطة تركيا التوسعية، ففي أكثر من مرة هاجم بايدن الرئيس التركي ، منددا بسياسته مع الأكراد، وضرورة دعم المعارضة، قائلا: "يجب تشجيع" خصوم الرئيس التركي حتى يتمكنوا من مواجهته وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل بالعملية الانتخابية".

وتشير كافة المعطيات، إلي أن العلاقات التركية الأميركية قد تشهد تدهورا في ظل إدارة بايدن، ما يعرض الليرة التركية، التي تعاني بالفعل من انخفاض قياسي أمام الدولار، لمزيد من الضغوط، وهو ما يقود تركيا إلي أربع سنوات عجاف قد تعيشهم في عهد الإدراة الأمريكية الجديدة.